Thursday, July 26, 2012

المرض .. والعقاب .. ونظرية "أحسن"

مقدمة:أنا واحد من الناس الذين أخذوا ، ويأخذون ، "شبورة" إعلانات التبرعات للمستشفيات بحساسية شديدة ، قناعتي الفكرية وأنا حر فيها ، قد ينظر البعض لتلك الإعلانات على محمل حسن النية ومساعدة المرضى في البحث عن فرصة علاج آدمي ولائق ، وأنا أعتبرها جزءاً من نظرة كراهية غير عادية متغلغلة في ذهنيتنا عن المرضى كلهم بشكل عام ، من مظاهرها إهانتهم في هذا الإعلان أو ذاك..

وعندما تأتي السيرة أتذكر "جلين هودل" ، وهو مدرب كرة قدم إنجليزي شغل لبعض الوقت منصب المدير الفني للمنتخب الإنجليزي ، وكان يعتنق بعض المعتقدات البوذية ، ومن ضمنها أن "المعاقين يدفعون ثمن أخطاء ما قبل الوجود" ، هذا التصريح الذي عد إهانة لذوي الاحتياجات الخاصة وكان سبباً في الإطاحة به من منصبه..

الهودليزم أصبح جزءاً لا يتجزأ فيما يبدو من ثقافة مجتمعنا المتدين السَّمح السِمِح ، والشماتة في المرض لدينا فعل لذيذ ، غير أننا زدنا عليه اعتبار فكرة أن المرض هو عقاب من الله عز وجل يلحقه بأي مخلوق نتيجة سوء سيره وسلوكه..

"فلان الفلاني" أصيب بالسرطان - مثلاً - كنتيجة طبيعية لـ"المشي البطال" الذي ظل عليه طوال حياته من سجائر ومخدرات وخمور ، وحتى لو اتضح أن هذا الشخص مستقيم ولا علاقة له بالسجائر ولا الخمور ولا المخدرات ، يمكن النبش عن أي سبب آخر يستحق من أجله هذا الشخص تلك العقوبة.. "دة أكيد كان بيعمل كذا وكذا".. "دة كان قليل الأدب" .. "دة كان ..." ، "دة كان".. وحتى لو ثبت أن السرطان لديه وراثي ، يبقى باب النبش والنخربة واسعاً..

أما "علان العلاني" المصاب بالإيدز فقد أصيب به كنتيجة طبيعية لسلوكه غير السوي وممارساته المش عارف إيه ، حتى لو اتضح أنه تلقى الفيروس من شخص مصاب عن طريق نقل دم (في مستشفى لا يملك القائمون عليها ولا العاملون بها الحد الأدنى من الدم).. وأول ما يسمع حين تأتي سيرة "ترتان الترتاني" المصاب بالسكري هو "ما هو من طفاسته".. فس على ذلك الأمراض العضوية كلها بشكل عام والمزمن منها والقاتل بشكل خاص..

والمرضى النفسيون طبعاً أشد هؤلاء إثماً وجريمة .. وهؤلاء من وجهة نظر البعض "أعداء الله" وش .. "لو كان ربنا هاديه ، ما كانش عمل كدة فيه".. "فلان الفلاني بيكلم نفسه.. أحسن.. ماهو من عمايله السودة"..

ولن تحتاج للدخول على النت لمتابعة خبر عن وفاة أي شخص مشهور لتجد أمثلة على ذلك المنطق ، فكلما مشيت في الشارع ستتعثر حتماً في مثال أو اثنين..

وبعيداً عن الشماتة في المرض ونظرية "أحسن" ، التي صارت جزءاً من روتين الرخامة في كل أشهر السنة ، ما الذي يدريني ، ويدريك ، أن إصابة س أو ص من الناس بمرض معين هو عقاب إلهي؟ ما أعرفه هو أن الله عز وجل "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون" (الأنبياء : 23) ، له مطلق الحرية في أن يرزق هذا ويمنع عن ذاك ، أن يهدي فلاناً ويضل علاناً .. وهو غني عنا جميعاً .. والمرض مثله مثل الرزق ، يوزعه الله عز وجل على الجميع عاصياً ومطيعاً ومؤمناً وكافراً ، لحكمة يعلمها .. هذا أولاً..

ثانياً.. ألا تستحق النظرة التي يلقاها المرض والمرضى من شعب "متدين" مراجعة جذرية وشاملة؟ هل أصبحنا مثل الشخص "الرخم" الذي سقط في بالوعة فكان أول ما قاله "أحسن"؟ هل أصبحنا كارهين لأنفسنا إلى هذا الحد؟

Wednesday, July 25, 2012

ميسي ، ورونالدو ، والمسلسل ، وخيبة مولانا

نحن نعيش حالياً في أجواء الفرح البلدي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، إذا كنت قريباً من وسيلة إعلان ، فهناك "ستيريوتايبات" و"حوارات" تصلح لمناسبات معينة يتم إطلاقها على الطريقة التي يحيي فيها مطرب "المهرجان" أهل العريس والعروسة ، وهناك تحايا في الإعلام لكل أهل عريس وعروسة ، المجتمع المحافظ ، الليبراليين ، الإسلاميين ، رجال الأعمال ، اليسار ، الناصريين ، الثوريين ، الفلول ، وأنا وانت..

أحد الشيوخ السعوديين تصرف بنفس الطريقة بمناسبة مسلسل "الفاروق" الذي ما كان أن يعرض ولا أن يجاز إلا في ظل موافقة سياسية - دينية ، تحول معها كل الهجوم على كار التمثيل وعلى الفنون ، والذي يتعدى درجة التحريم ، إلى شيء آخر يختلف ، نلمسه من خلال التحية السخيفة التي وجهها المذكور ..

يقول لا فوض فوه :

اسأل نفسك وجاوبها بكل تجرد.. متى قريت سيرة عمر؟ لا تجاوبني أنا كم مرة سمعت اسم عمر في مجلسك واستراحتك

...

أكثر هؤلاء لو تسأله كم كانت مدة خلافة عمر ومتى تولى لا يعرف وأكثرهم يعرف عن رونالدو وميسي ما لا يعرف ربعه عن عمر وغير عمر

تشعر أن مولانا يتحدث فيما يبدو عن عالم غير العالم الذي نعيشه ، يتحدث عن عالم كله حانات وخمور ودعارة ، وليس مجتمعاً فيه مساجد ضخمة يصلي بها عشرات الآلاف خلف إمام أو شيخ معروف لا تنزل كلمته الأرض أبداً ، وفيه بدل القناة الدينية ألف ، وبدل الشريط ألف ، وبدل الفيديو ألف ، وبدل الموقع ألف ، وكلهم يتحدثون بنفس الخطاب "القصصي" المبني كله على "تقديم القدوة" و"العظة والعبرة" سواء فيما يستطيع الناس الاقتداء به وتقليده أو ما يتعدى قدرات البشر في زماننا الراهن بتحدياته وتغيراته..

والمفروض أنه من مهام رجال الدين ، وليس كل مهام رجال الدين ، توعية الناس - حكاماً ومحكومين - ووعظهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتقديم النماذج بشكل يستطيع الناس استيعابه والاقتداء به ، عملاً بالقول المأثور : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع..

فضح الرجل نفسه وغيره من حيث لا يعلم ولا يدري ، وكشف أنه لا يقوم هو وغيره بعملهم كما يجب ، مثله مثل كثيرين يعجبون بأنفسهم أكثر من اللازم ، ويفصلون الخطب على طول الشريط ، أو يهملها ليتفرغ لتقديم برنامج فضائي ، ويقوم بتضبيط الميكروفون بدقة قبل صلاة التراويح علشان الصوت يطلع حلو، عندما لا تؤدي عملك تقوم فوراً بالإسقاط على الغير ، بالهجوم المبالغ فيه على أي غير من أي نوع من باب "إديله في شكارة في شكارة" و"محدش حيعد ورانا".. ما هو دخل "ميسي" و "رونالدو" بالمسلسل أو بـ"عمر بن الخطاب" رضي الله عنه ، خاصةً وأن من جمهور مولانا عدد لا بأس به من جمهور "ميسي" و "رونالدو"؟.. و/أو ما بالثناء المبالغ فيه على الغير كي تهرب من المسئولية (وهو ما حدث من الرجل مع المسلسل وصناعه) .. ويصبح "الحديت ماسخاً" لأبعد مدى عندما لا يكون ذلك "الغير" علاقة بما تفعل أنت.. هل أخبر الرجل أحد أن الفن ليس من وظيفته القيام بعمل المنبر؟ الفن يطرح أسئلة ويقدم واقع وليس من مهمته تقديم حلول، الحلول مهمة أناس آخرين ، الفن يعتمد على الخيال والواقع (وعلى الخيال بشكل أكبر) ، بينما لدى رجل الدين قيم ومعلومات يوصلها للناس كمعلم يوصلها لتلاميذه ، طبقاً للمنهج الذي يتبناه مولانا على الأقل..

تحية هابطة اللغة والمنطق معاً تليق بأجواء يغلب عليها عدم الفهم ومعاداته ، أشبه بأجواء الحشيش والبيرة ، في الضياع في الضياع على رأي المطرب الشعبي "هوبة" ، ومحاولة للتنصل من الفشل والهرب من المسئولية .. هذا إن كان صاحب التحية قد بلغه درس "شارع الهرم" العام الماضي ، وكيف تحول كثيرون ممن ملأوا صلوات التراويح في رمضان الماضي إلى مشاهدة "شارع الهرم"!

لو كان الفن هابطاً كله ، وحراماً كله ، وأهله كلهم الذي والذين ، لماذا يبيحه الرجل وأمثاله الآن؟ وما الذي سيضمن لنا أنه لن يكفره بأهله غداً؟ لماذا لا يترك عمله للفن والفنانين بينما يتحول الفنانون إلى وعاظ والمهنيون إلى ساسة والساسة إلى أطباء والأطباء إلى محامين؟ ولماذا لا يحتفظ بنصائحه ، أو يحتفظ غيره كل في بلده ، ببعض من نصائحه لحكامه ، بما أن "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه كان نموذجاً للحاكم القدوة ، الذي لا تقوم في بلاده اضطرابات ولا ثورات ضد الفقر والتهميش والديكتاتورية؟

يا فرحتي ببعض المنتسبين لرجال الدين الذين يتهربون من عملهم الأصلي ، بل ويسهمون في عمل تمارين إطالة لألسنة الناس بسبب تصريحاتهم ومواقفهم..

للتذكير : هذا ما سبق كتابته في ذلك المكان في العشرين من أغسطس الماضي .. نحن ندور حول أنفسنا بصورة مرعبة..

Thursday, July 19, 2012

ختام الملف .. رءوس أسئلة

بالتساؤلات بدأت ، وبها أختتم..

كيف ترون أنتم أسلمة الفنون؟ هل يجب أن يحمل ما يسميه أصحابه بـ"الفن الإسلامي" وعظاً مباشراً أم ينزل إلى الناس وهمومهم وقضاياهم وحياتهم؟ هل يتقيد بـ"ستيريوتايب" كالذي نراه في الفضائيات الدينية أم يتحرك بحرية في المواضيع والقضايا بضوابط أخلاقية ودينية؟

من في رأيكم يحدد إذا كان الفن إسلامياً من عدمه؟

لو أراد الإسلاميون تقديم الفن بكافة صوره بعد أن جرمه العديد من شيوخهم ومرجعياتهم لسنوات ، لمن سيقدمونه؟ لـ"الملتزمين" من وجهة نظرهم أم لعامة الناس؟ هل ستنجح حيلهم في تخطي ما يعتبرونه "أموراً محرمةً في الفنون" كما تخطى الفنانون المسلمون في قرون سابقة مسألة تحريم التصوير ، أم أن البلادة التي سيطرت على حيلهم الموسيقية ستسيطر على حيلهم في الفنون الدرامية الأخرى من مسرح وسينما ودراما تليفزيونية ، هذا إن لم يعتبرها معظمهم حراماً؟

هل مسيرة الفضائيات "الإسلامية" ، باعتبارها العارض الأبرز لما يسميه أصحابه بـ"الفن الإسلامي" ، تبشر بأي خير في تحسن علاقة الإسلاميين بالفنون ، أم أنها ستكرس أكثر وأكثر لعزلتهم عن الفن ، والاقتصاد ، والإصلاح الاجتماعي ، والحياة ككل؟

لماذا كان الإسلاميون في الماضي أكثر انفتاحاً نحو الفنون من الآن؟ قد لا يعرف الكثيرون أن الإخوان كان لهم فرقة مسرحية ، وتخرج فيها ممثلون من العيار الثقيل كان لهم دور حقيقي في الحياة الفنية المصرية.. لماذا تبنى الجميع الآن عداءً للفن ومحاولات وضعه في قوالب معينة "لا يجب أبداً" أن يخرج منها؟

هل يواجه الفن ثقوب التدين لدى مجتمعنا ، مسلميه ومسيحييه على السواء ، أم يستمر إما في تملق المشاعر الدينية من أجل السوق ، ومن أجل الدعاية السياسية حتى لليبرالية والتيار اليساري؟

أتمنى أن أكون قد نجحت في توصيل عشر ما أردت توصيله ، قد أعود لفتح نفس ذلك الملف في وقت لاحق بتساؤلات جديدة وبمحاولات للبحث عن إجابات ، ودائماً تبقى الكرة في ملعبكم.. كل عام أنتم بألف خير..

Tuesday, July 17, 2012

السؤال الثالث : ما بعد مسلسل "عمر بن الخطاب"

1-بما أن الأمور ستصل إلى المدى الذي نجد فيه البعض حذا حذو التجربة الإيرانية وقرر إظهار الأنبياء على الشاشة ، لماذا كان الإسلاميون يرفضون ذلك ، ثم قبلوه الآن ، لمجرد أن الشيخ "يوسف القرضاوي" أقره؟ لماذا حرمه الإسلاميون على الليبراليين واليساريين وأحلوه لأنفسهم بقواعدهم هم؟ أليس منطق "أيزو رجل الدين" متناقضاً مع الكلام الطويل والمعتاد والممل عن مدنية الدولة؟ وعن أنه لا كهنوت في الإسلام؟ وعن أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية؟ وكل تلك حقائق بالنسبة لنا جميعاً ، باستثناء صنف بعينه من الإسلاميين يقول شيئاً ويفعل آخر عادةً ما يكون هو العكس الصريح له!

2-في المقابل ، لماذا يرى السادة الليبراليون في تقديم الأنبياء والمرسلين على الشاشة قمة الحرية؟ لماذا لم نسمع نفس تلك الأصوات بنفس "التون" عندما نجد في الدول التي تقر تلك الممارسة أصناماً سياسية لا يجوز أن يقربها مخلوق وإلا انتهى به الأمر في السجن أو مستشفى الأمراض العقلية أو في "الترب"؟ ما هو مصير الأعمال الفنية ، أو نوايا الأعمال الفنية التي تجرؤ على انتقاد ونقد النظم القائمة في السعودية أو إيران أو ربما تركيا؟ أليست العائلات المالكة في الخليج تابوهات؟ أليست ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران تابوهاً؟ أليس "أتاتورك" تابوهاً في تركيا ، التي حكم فيها يوماً بالسجن على شخص لعب ببالونة عليها رسم العلم التركي بتهمة "إهانة العلم"؟

3-ألا يبدو غريباً أن تلجأ "ام بي سي" إلى الدين لتسويق نفسها ولتسويق الدراما الخليجية-السورية بهذا الشكل؟ خاصةً بعد أن "فكست" اسطوانة اللعب على "القاعدة" و"تنظيم القاعدة" وطوى النسيان بسرعة الصاروخ مسلسلات كـ"دعاة على باب جهنم" و"الطريق الوعر".. هل هو أيضاً الخوف الذي يصل إلى درجة الجبن من الواقع ، رغم ما يحلو للإعلام الخليجي إثارته من حين لآخر عن كسر الدراما في الخليج للتابوهات الاجتماعية المعروفة هناك؟

4-بما أن الدين مستمر ليوم الدين ، لماذا لا ينزل التناول الديني للدراما للشارع والزمن الحاليين إن كان الغرض فعلاً أن يعود الدين للشارع؟ ليس بالتأكيد في صورة وعظ مباشر لأن الوعظ المباشر هو مهمة المنبر وليس الكاميرا والبلاتوه ، ولكن في صورة فنية تحرض الناس على التفكير والوقوف مع الذات ، ومع تسليمي بأن الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وكذا السلف الصالح ، قدوات يجب أن نقتدي بهم ، لماذا يراد بالدراما أن تتحول - لمصلحة ما - إلى سلفية أكثر من السلفيين المتشددين أنفسهم الذين لا يرون إلا أن يطبق النموذج كما هو بغض النظر عن الزمان أو المكان أو الظروف ، فيغرق في الماضي ليقوم بأفينة الناس وتخديرهم عن الحاضر حيناً ، ويقود الناس إلى الإحباط "هوة أنا آجي إيه في الرسول (ص) أو الصحابة؟ - هوة ممكن يعني أي حاكم يعمل زي عمر بن الخطاب؟"..

هل لديكم إجابة؟ أو أسئلة أخرى؟

Wednesday, July 11, 2012

"شرعنة" الفن.. ومنطق الدجاج

نشر هذا الخبر على بوابة الأهرام في السادس عشر من ديسمبر عام 2010 ، أي قبل الثورة بشهر وتسعة أيام تقريباً ، والواقعة حدثت بعد فشل الأزهر في وقف عرض المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" والذي استقبل بتمجيد مبالغ فيه للدراما والنموذج السياسي الإيرانيين ،وبتهليل مبالغ فيه لا يتناسب مع المستوى الفني المتواضع والأخطاء التاريخية الصارخة (دة لو حنتكلم فن وتاريخ)..وبغض النظر عن صياغة "العلاقات العامة" الصارخة في الخبر (والتي تتنافى بالمرة مع أساسيات صياغة الخبر الصحفي بشكل يدركه أي شخص تعلم القراءة حديثاً)، سواء النسخة المنشورة على بوابة "الأهرام" في ذلك الوقت ، أو في الصحف السعودية ، إلا أن الخبر يظهر حقيقتان ، أقلهما أهمية مفادها أن مسلسل "عمر بن الخطاب" يهم الشبكة التليفزيونية السعودية بأي طريقة .. أما الحقيقة الأهم فهي تتلخص ببساطة شديدة في أن البعض يحتاج لرجال الدين لكي يضفي شرعية دينية على الفن!

يشترك النموذجان السعودي والإيراني في شيء واحد : الترويج لدعاية أن كل ما يفعل كل منهما مقدس ، ولا يحتمل الخطأ ، في فترة من الفترات كان يتم الاعتماد على رجال الدين والمؤسسات الدينية بشكل صريح وصارخ ، تماماً كما حدث في الخبر ، أما الآن وقد استقرت تلك الصورة في وجدان الناس ، فيبدو توقيع السلطة الحاكمة وحده يكفي لإظهار أن أي فعل لها هو مقدس لا يأتيه الباطل من أي داهية .. بدليل حملة العلاقات العامة المستمرة وراء المسلسل صحفياً وإلكترونياً رغم أن "المرجعيات الدينية" أعلنت رفضها له ، سواء الأزهر ، أو مؤسسة الإفتاء في السعودية نفسها.. والجديد في اللعبة هذه المرة أن الحكومات تحاول إظهار أنفسها هذه المرة بمظهر الإصلاحي الذي يمثل الإسلام المعتدل المستنير (في مواجهة المؤسسات الدينية المحافظة الطابع)، أمر نلاحظه بشكل صارخ في الحالة السعودية بالتحديد.. ومن قبلها في "إيران" في فترة "خاتمي"..

ويبدو توقيع السلطة الحاكمة على أي فعل بهذا الشكل لسبب بسيط ، وهو أن للسلطة رجال الدين الخاصين بها والمبررين لسياستها ، كأننا نتحدث عن "مصر مبارك" تماماً.. مع الفرق أن "تديين ما ليس بديني" في المجتمع المصري لم يصل إلى مستوى ما يحدث في الدولتين سالفتي البيان.. لا في عهد "مبارك" ولا حتى الآن..

وفي ظل علاقة السلطة الحاكمة في البلدين بالإعلام ، والإنتاج الفني (سواء بشكل مباشر أو بغير مباشر) من العادي أن يوقع رجل الدين على العمل الفني أو يراجعه "شرعياً" من وجهة نظره أو ما يعتبره وجهة نظر الشرع ، سواء في المسلسلات "التاريخية" في الحالة الخليجية (التي تستعين بكفاءات من خارج الخليج لإنتاجها وإخراجها بما أن الدراما الخليجية لا تزال تحبو وتقابل بهجوم من رجال دين متشددين)، أو في كل ما له علاقة بالدراما تقريباً في "إيران" ، حيث يقوم رجال الدين بنفس الدور الذي كان يقوم به "محمد علي" في الاقتصاد في مصر طوال فترة حكمه (1805-1840) : المنتج الأوحد ، الموزع الأوحد ، الرقيب الأوحد ، والمصدر الأوحد ، بما لا ينافي أجندة الدعاية داخلاً وخارجاً.. أمر يبدو مرذولاً عندما نتحدث عن فن وإبداع وأفكار وخلافه..

هل نحتاج إلى "رجال الدين" لضبط الفن و/أو للترويج له؟ هل نحتاجه لأن يقول لنا "افعل" و "لا تفعل" معاً؟ أم لأن يقول لنا افعل ما شئت ما دمت لا تخالف كذا وكذا وكذا؟ هل معرفتنا كعامة ناس ، بيننا الصانع والزارع والطبيب والمهندس وبالتأكيد الفنان بالدين "ميح" لدرجة أننا لا نعرف حلالاً من حرام؟ هل نحتاج لأيزو رجال الدين لكي نطمئن لمشاهدة أي عمل فني أياً كان؟ حتى ولو كان برنامج "عالم سمسم"؟ باعتقادي أن أي شخص مهما كانت درجة انحلاله به شيء من الدين ، بما أننا لا نتحدث عن مجتمع ملحد أو يعبد الأصنام..

وبين شرطتين : هناك فرق بين أن يراجع أساتذة التاريخ وفقهاء الدين تفاصيلاً تاريخية ودينية تتعلق بعمل فني ما ، وبين أن يقوم رجال الدين بمراجعة أي عمل فني مشهداً مشهداً وجملةً جملةً وحرفاً حرفاً و/أو أن يقوم بـ"اعتماد" العمل الفني من عدمه..

ختاماً.. ما يضحك أكثر أن من يهش لهذا الدور لرجال الدين هم أنفسهم من يقولون أنهم ليبراليون ، الليبراليون عادةً ما ينتقدون عامة الناس لأنهم يميلون لرجال الدين ويصدقونهم بداعٍ وبدون ، وهم أنفسهم يفعلون نفس الشيء معتبرين أن تجسيد الأنبياء والمرسلين على سبيل المثال- ما دام أباحه رجال دين - فهو دليل على حرية واستنارة ومواجهة لقوى الظلام ، رغم مواقفهم من رجال الدين وتديين المجتمع ، ولم يسألوا هم أنفسهم عن الاستنارة في مجتمعات بها أصنام سياسية ، ويعتبر فيها تقديم أي تناول فكري أو اجتماعي أو تاريخي معارض للنظام الحاكم في بلادهم جريمة تقترب من الطعن في الأنبياء والمرسلين أنفسهم.. أم ينتظر هؤلاء المستنيرون من رجال الدين أن يصدروا فتوى "تبيح" انتقاد النظم والتابوهات السياسية في أي مجتمع؟

آمل أن أكون قد أوصلت فكرة التدوينة بشكل صحيح.. دمتم بخير..
* وعلى جنب : أليس من الغريب أن يرفض مخرج مسلسل "عمر بن الخطاب" العمل في مسلسل "الشحرورة" بداعي تعرضه - كما يزعم - لقادة وزعماء عرب؟

Tuesday, July 10, 2012

الشيخ "أسامة القوصي" : مفتي الديار السينمائية

وبرغم كل ما سبق ، فإن بطل هذه النكتة ليسوا من مشايخ التطرف الذين اعتدنا على سماع أشياء عجيبة منهم من حين لآخر ، بل هو من "الإسلاميين المعتدلين" طبقاً للتصنيفات الإعلامية ، ويهيل عليه البعض آيات الإشادة لـ"استنارته" .. التي أترك لكم تحديد موقفكم منها ..

مولانا الشيخ قرر تقمص دور الناقد الفني معلناً في حوار له مع موقع "اليوم السابع" أنه من "المقبول" تواجد مشاهد "فاضحة" - التعبير له - طالما أن "الحبكة الدرامية" "توجب ذلك" ، وأن "إلا ان الأفلام الجنسية لها غرض واضح، أما الأفلام الأخرى فهي تهدف للإصلاح، لذلك فإننا نقبل تلك المشاهد في سياق ولا نقبلها في سياق آخر"..

سيادته يقول "من المقبول" ، ولا أعرف بأي منطق ، فلا يقبله منطق المجتمع الذي يرفض تلك النوعية من المشاهد "من غير حاجة" ودون انتظار لفتوى تحريم أو إباحة لمشاهد "الأباحة" خاصةً في فن جماهيري مثل السينما يمكنه أن يقبل تلك النوعية من المشاهد ، حتى وإن تحاكى أفراده عن تلك المشاهد ، فإنهم يفعلون ذلك بـ"حذر" كما لو كانوا يهربون مخدرات ، ولا يقبله المنطق الديني ، في أي دين كان ، أن يقبل مشاهد الجنس المباشر في السينما أو أي فن آخر.. رجال الدين المسيحي في الخارج لهم انتقادات لمشاهد العنف والجنس ، وليس "غريزة أساسية" سوى مثال .. بما أنه من السادة المتحدثين باسم الدين.. ولا المنطق الإبداعي الذي يفترض أن هناك فرقاً ، حتى عند أكثر صناع الفيلم السينمائي تحرراً ، بين ما هو "فني" وما هو "بورنو"..

سيادته يتحدث عن الغرض "الواضح" للأفلام الجنسية ، التي لم يحدد موقفه منها "بعد"، أي أنه ، بما أنه "داعية" و "مفكر إسلامي" ومؤخراً "ناقد سينمائي" ، فهو يعرف أكثر ، وبنظرة عين واحدة ، الفرق بين الفيلم العادي والفيلم الثقافي ، المتحدث باسم الدين ، المبني على أحكام "مطلقة" ، عامة ومجردة (1) مثل القانون ، يفتي في أمور "نسبية" ، فالبعض يرى أن بعض المشاهد الخارجة أمر عادي ، ويرى أن هذا الفيلم "مفيهوش حاجة" ، في حين من الممكن أن يرى آخر ، ليبرالي مثلاً ، نفس الفيلم على أنه "فيلم من إياهم" (2)، وتلك المشاهد كمشاهد مقززة.. وعلى ما أسمع ، وربما يكون العتب على السمع ، يبقى الكلام عن الحبكة الدرامية والتصاعد والذروة والعقدة والصراع الداخلي حقاً أصيلاً لنقاد ومتابعي الفن السابع ، وليس لرجال الدين.. ولأنه يريد تقديم نفسه كسلفي "مودرن" يتحدث عن قبول تلك المشاهد في أفلام غرضها "الإصلاح".. ألم يخبر أحدهم الناقد الفني "مولانا" بأن الأفلام ليست وعظاً ، وبأن الوعظ الحقيقي مكانه على المنبر الذي كاد سيادته أن ينساه ، بما أنه من عجائب مصر السبعين أن يقوم أي شخص بأي عمل في العالم إلا عمله الأصلي!

فعلاً وكما قيلت في أحد الأفلام "أوفر قوي قوي يا انشراح" ..في الوقت الذي هلل فيه البعض للتصريح العبقري الذي يدل على "استنارة" و "حداثة" و ..و ...كشفه البعض الآخر ، ومنهم الناقد السينمائي "طارق الشناوي" الذي وصف تصريح "مولانا" بالمزايدة قائلاً له وبوضوح "نحن فنانون ومبدعون نطالب بحرية الرأي وليس حرية الجنس" ، و"الشناوي" عنده حق ، وأضيف أنه في الوقت الذي يزايد فيه البعض على كل شيء في الفن بما فيه الفن نفسه ، يظهر من يزايد على المزايدين أنفسهم فيدخل في إباحة ما هو مختلف عليه فنياً ومرفوض مجتمعياً باسم الدين، وبنفس منطقهم ، منطق الأستاذ الذي يعرف أكثر ، ورجل الدين الذي يفتي بلا سند وبلا سبب وبلا قراءة وبلا ملاحظة وبلا رجوع لأهل الاختصاص وبلا أي شيء ، تماماً كباقي السلفيين الذين يحلو له انتقادهم.. تذكروا أنه السلفي المودرن الحداثي المستنير الذي سيثري بفتاواه الحياة الفنية بتنظيره لنوع من مشاهد البورنو بما لا يخالف شرع الله!
(1) ولست بحاجة للتذكير بمثال ينسب للعالم الأزهري الراحل الشيخ "محمد أبو زهرة" في شرح تلك النقطة ، حين قال أن الإسلام حرم الزنا حتى لو بامرأة مشركة محترفة عقيمة.. أي أن التحريم مطلق وليس نسبي فيما لم يرد فيه استثناء..
(2)...ولأننا نستنير بالآراء والفتاوى والأحكام لمولانا مفتي الديار السينمائية ، وبما أنه أدرى بالسينما من أهلها ، لماذا لم يخبرنا بمثال أو اثنين عن فيلم جنسي صرف وافقت عليه الرقابة ويعرفه الناس بما أن "أهداف الفيلم الجنسي معروفة"؟..هاهاهاها :(

Sunday, July 8, 2012

إقحام الأنبياء في معارك الهواء

ولا زلنا مع معارك الهواء..

في فترة من الفترات أثير موضوع رفض ظهور الأنبياء في الأعمال الفنية الدرامية من قبل صناع أفلام ونقاد ذوي ميول عالمانية متباينة في درجة تشددها (هناك عالمانية متشددة كما أن هناك تدين متشدد.. للتذكير فقط) ، وكان برنامج "زووم" - لمن لا يزال يتذكره - مسرحاً لتلك النقاشات على مدى أسابيع ، كانت شبه موجهة - هذا رأيي الشخصي - لفكرة أنه "لا داعي" لـ"رفض" ظهور الأنبياء - عليهم جميعاً الصلاة والسلام - وآل البيت النبوي رضوان الله عليهم على الشاشة ، وأن حركة الفتاوى يجب أن تكون "أكثر مرونة" و "أقل تشدداً" في هذا الصدد .. لم تكن أحداث 11 سبتمبر قد وقعت بعد.. كي يضاف إلى الحج "توصيل صورة الإسلام المعتدل السمح المستنير إلى جمييييع أنحاء العالم" و ..و... رغم أن هناك فتاوى أزهرية لعلماء أزهريين كبار ، ولها أسانيدها بالتأكيد فقهياً ومنطقياً..

ومع ظهور هوجة الدراما الإيرانية المدبلجة عاد الموضوع للواجهة من جديد .. خاصةً عندما عرضت بعض الفضائيات المصرية ، ومن بينها "ميلودي دراما" في العام 2010 مسلسل "يوسف الصديق" الذي ظهر فيه ممثل يقوم بدور سيدنا يوسف عليه السلام ، والتي تمسكت بموقفها رغم الرفض العنيف للمؤسسة الأزهرية ولقطاع كبير من الناس ، ولم يخل بالتأكيد الملف الذي عرضته مجلة "الوعي الإسلامي" عدد أبريل نفس العام ، والذي سبق تناوله هنا بشكل ضمني في وقته من عرض الفتاوى السنية والشيعية في تلك المسألة..

وعن نفسي ، رافض لفكرة ظهور الأنبياء على الشاشة جملة وتفصيلاً ولي تحفظات على ظهور أفلام تتناول سيرتهم ، ولي في ذلك أسباب من وجهة نظر متفرج عادي جداً..

1-أولها ببساطة اقتناعي ، واقتناع أعداد كبيرة من الناس بمن فيهم عالمانيون كثر ، بأن للأنبياء وضع خاص جداً في الإسلام يختلف عنه في أي ديانة أخرى ، المسلم العادي يؤمن بكل الأنبياء والمرسلين ولا يفرق بينهم ، ويعتبر أن قصصهم الواردة في الكتب السماوية وآخرها القرآن الكريم تاريخ ديني ، نوع خاص من التاريخ لا يحتمل التأويل ولا عرض وجهات النظر الشخصية فيه ، نؤمن به لأنه دين ، هناك فرق بين أن يكتب "س" عن شخصية تاريخية مثل "جمال عبد الناصر" من وجهة نظره الشخصية جداً فيه وفي الناصرية إيجاباً أو سلباً ، لأنه يبقى شخصاً عادياً مهما كان له أو عليه ، مهما نجح ومهما أخفق، ولا يحظى بالاستثنائية التي يحظى بها الأنبياء ، أما الأنبياء فهم محركون بوحي من الله عز وجل ، ولهم صفات نقر بها كمسلمون لأنها في صلب عقيدتنا.. من العادي جداً أن تكون لهم - عليهم الصلاة والسلام - تلك القدسية في مجتمعاتنا على العكس من مجتمعات أخرى ترى الموضوع بشكل آخر.. تلك القدسية التي أراها لا تعيبنا في أي شيء .. عكس ما قد يعتقد البعض..

بالتالي هناك "مسافة" بيني كشخص متفرج على عمل فني وبين شخصية أي نبي حتى وأنا أتخيلها ، وعادةً الشخص "العادي" - عاماً كان أو غير عام- الذي توجد بينك وبينه مسافة سببها أنك تقدره وتجله وتحترمه لا تراه كثيراً جداً طول الوقت ، مهيب فلا تستطيع - كشخص لم يعاصره على الأقل- أن تنظر في وجهه ، خصوصية المسافة بيني وبين النبي المرسل لا تجعلني كشخص من عامة الناس أقبل فكرة تخيله في صورة شخص أعرفه أو لا أعرفه (=الممثل الذي يقوم بدوره حتى لو كان يمثل للمرة الأولى والأخيرة في حياته)، فما بالكم لو كان ذلك في صورة شخص لي معه "سوابق" ، كأن يسند دوره إلى ممثل كوميدي أو ممثل يذكر بأدوار الشر ، أو أراه في صورة أكثر من شخص ، باعتبار أنه يوجد أكثر من مسلسل يتناول حياة نفس النبي.. ألا يُخشى من ذلك أن يؤثر على صورة الأنبياء لدى مجتمع يفترض أنه غير ملحد وغير منحل؟

2-أحيلكم إلى ما ذكره الكاتب والروائي الراحل "عبد الحميد جودة السحار" في مقاله بمجلة "الهلال" عام 1970.. وهو مهم للغاية :

تختلف القصة في القرآن عنها في التوراة اختلافًا كبيرًا .. فالتوراة تسرد في تفاصيل وتتابع قصص الأنبياء ودور المرأة في حياتهم والصراع بين قوى الخير والشر، وقصة كل نبي تبدأ غالبًا بمولده وتنتهي بوفاته وتروي ما كان من أحداث بين البداية والنهاية، ولما كانت تلك القصص تهتم برواية أفعال الأنبياء فقد أطلق على أسفار العهد القديم أسماء الأنبياء أو من قاموا بخدمات جليلة لإسرائيل مثل إستير ونحميًا ودانيال. أما القصة في القرآن فلا تقصد لذاتها بل للعبرة، لذلك لا توجد في القرآن الكريم قصة نبي كاملة في سورة واحدة إلا قصة يوسف عليه السلام.

ولذلك السبب لم تأتي قصة سيدنا يوسف عليه السلام مفصلة ، ولم يحتوي القصص القرآني على تفاصيل ، منها اسم الفرعون الذي كان يحكم مصر في فترة سيدنا موسى عليه السلام ، ونظيره الذي كان يحكمها وقت ظهور سيدنا يوسف عليه السلام ، واسم السجينين اللذين كانا مع سيدنا يوسف عليه السلام في السجن وفسر لهما رؤياهما ، وأسماء أشقاء سيدنا يوسف عليه السلام .. الغرض هو العظة والعبرة فقط لا أكثر.. تظهر بوضوح حين نقرأها لا حين نشاهدها في عمل فني درامي..

الدراما يا سادة لعبة التفاصيل ، يجب أن يكون لديك تفاصيل ليكون لديك عمل درامي جيد ، أسماء وعلاقات وحقب زمنية يبني عليها المخرج ديكوراته وأكسسواراته ، وفي القصص القرآني لا توجد تفاصيل ، ولكي تقدم عملاً به تفاصيل عليك البحث في مصادر أخرى ، وقد تعلق قدماك في الإسرائيليات وتسقط في بحر غميق من الأخطاء والمغالطات ، قد تتسع طبعاً إذا ما أردت أن تضيف من خيالك بعض التفاصيل الأخرى بما أن كل المصادر لا تكفي، قد تجعل من عملك الفني مهزلة فنية وتاريخية متكاملة ، هذا لو اعتبرنا حسابات مجموعة المؤلفين والمخرجين من عينة "دة فن يا بيه مش دين"..

3-التطور الحالي للفن وفلسفته ،وخصوصاً بما يتعلق بالدراما ، أدعى لأن يصبح تجسيد الأنبياء درامياً مرفوضاً أكثر من أي وقت مضى ، انتهى في الدراما زمن "تقديس النص" ، أصبح الكاتب الآن أكثر حرية من أن يتم سجنه في نص وحبسه في كلماته وضمن حدوده ، بمعنى أن أي نص يؤخذ عنه سيناريو لفيلم أو مسلسل لا يقدم كما هو من الألف إلى الياء بشكل حرفي ، بل يخضع لمعالجة وتحوير تخضع لرؤية كاتب السيناريو أو المؤلف حتى لو تضارب ذلك مع النص وروحه ، لا تستغرب إذا ما رأيت يوماً ما مسرحية "شكسبير" الشهيرة "هاملت" في فيلم فارس كوميدي أو كوميديا موسيقية ، مع الوقت بدأ الكتاب يتعاملون مع "النص الديني" نفس معاملة "النص الأدبي"(1)(2) ، ومع الوقت ، وكرد فعل طبيعي للتسيس والتطرف والتمذهب في بلداننا بدأت نزعة مشابهة في الظهور ، قد يقبل ذلك مع النصوص الأدبية التي لا قداسة لها فعلاً على أرض الواقع ، لكن مع نصوص ذات طبيعة مختلفة ، يبدو ذلك مستحيل القبول..

ومع إمكانية عدم الإبقاء على النص الديني كما هو عليه يبقى هناك احتمالان أحلاهما مر .. الأول أن يشطح أحد السادة الكتاب بشكل يعكس رؤيته هو ويتضارب كليةً مع ما جاء في "النص الديني" ، كأن يغير - مثلاً - في نهاية مسلسله وفيلمه الذي يتناول فيه أحد قصص الأنبياء على العكس مما هو مذكور في القرآن الكريم ، فقط كرؤية فنية .. وفي هذه الحالة لن يكون مجتمعنا ولا مجتمعات كثيرة في العالم "منشكحة" حين تفاجأ بذلك ، والاحتمال الثاني والأسوأ أن يتم العبث بغرض الدعاية السياسية والمذهبية ، وهذه مصيبة سوداء ، خاصةً وأننا في مصر فعلناها مع "ألمظ وعبده الحامولي" قبل ما يقرب من نصف قرن من أن يقدم لنا "محفوظ عبد الرحمن" في "بوابة الحلواني" قصة مغايرة تماماً ، وما قد فُعِل بالأمس مع التاريخ ، قد يفعل اليوم مع أشياء أخرى..

4-لأي عمل فني في العالم هدف ، هذا ما أعرفه ، حتى لو كان هذا الهدف هو مجرد التسلية ، ومع هذا النوع الاستثنائي من القصص ، والذي يحظى مصدره الوحيد بقدسية خاصة جداً - يبقى هناك هدف واحد فقط ، ألا وهو السرد الدقيق في ضوء النص الديني بغرض الوعظ ، فقط ، عكس المسلسلات المأخوذة مثلاً عن نص أدبي يقبل المعالجة والتحوير والإعداد والتمصير وغيره ، هل يخدم ظهور الأنبياء على الشاشة هذا الغرض؟ لا بالنسخ والرقعة والثلث..

لا يوجد أي مبرر من أي نوع فنياً ولا تاريخياً ولا وعظياً ولا .. ولا .. من ظهور الأنبياء على الشاشة ، وظهور ممثل في دور سيدنا يوسف عليه السلام في المسلسل الإيراني أضر بصورة القصة لدينا وحولها من صورتها التي نعرفها عليه إلى عمل اجتماعي متواضع المستوى..

مرة أخرى ، رافضو ظهور الأنبياء على الشاشة ليسوا من المتشددين المتطرفين الذين يعتبرون الفنون كلها حراماً على إطلاقها كما يتصور بعض الأتاتورك ، من بين هؤلاء الرافضين السيناريست الكبير "وحيد حامد" حين انتقد وبشدة محاولات إيران تقديم فيلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأسباب يدخل فيها بعض ما سبق ذكره من نقاط أرجو أن أكون قد أحسنت توضيحها..

باختصار شديد .. تحسين صورة الإسلام يأتي بألف صورة وصورة ، ليس من بينها إظهار الأنبياء على الشاشة لغرض سياسي أو دعائي أياً كان ، وعلى السادة "المبدعين" إن أرادوا الدخول في معارك هواء ، أن ينتقوا معارك حقيقية تستأهل الانتباه والنقاش حولها بحق وحقيق..

كل الشكر للزميل طارق سعد الدين الذي كتب تدوينةً هامةً للغاية كانت مصدراً مهماً لمعلومات كثيرة استرشد بها كاتب السطور حين كتابته لتلك التدوينة..
17-7-2012: ولو أن ذلك يعد مخالفة صارخة لقواعد التدوين ، إلا أنه جاءتني فكرة الفقرة الثالثة بالأمس أثناء مشاهدة حوار على القناة الأولى للتليفزيون الرسمي حول تلك المسألة مع الناقد السينمائي الشهير "رفيق الصبان" .. وفكرة تلك الفقرة أخطر من أن تضاف كتحديث تحت تلك الخانة ، لذا أستميحكم عذراً في أن أضمنها للتدوينة الأصلية..
(1)...ونذكر بأن الفرق كبير بين أن يتم تقديم قصة النبي أو المرسل (عليه الصلاة والسلام) بشكل تاريخي ويتم تحريفها لغرض فني أو دعائي ، وبين أن يستوحي الكاتب من القصة تيمة أو خط يتم تقديمه بشكل فني بعيد عن القصة الأصلية كما يحدث مثلاً مع تيمة الكراهية بين الإخوة غير الأشقاء (الموجود أثرها في قصة سيدنا "يوسف" عليه السلام) في أكثر من عمل فني.. أرى والله أعلم أن الأمر الثاني مقبول ، أما الأول فأعتبره جريمة..
(2) في العام 2008 أثير في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أستراليا جدل عنيف حول محاولة لتقديم أحد قصص الإنجيل في مسرحية تحمل عنوان "عيد الجسد" للكاتب الأمريكي الشهير "تيرنس ماكنيللي" قيل فيها أن ذلك الأخير قام بمعالجة القصة نفسها بشكل "عصري" وتقديم أبطالها في الزمن الحالي بمن فيهم السيد المسيح عليه السلام بشكل "مشين أخلاقياً"..

Friday, July 6, 2012

معارك الهواء : يجعجعها "مبدعون" ويكسبها الإسلاميون

قبل أن يتضايق قرائي الليبراليون مما سأكتب ، فقط أطلب منهم بعض سعة الصدر التي أتوقعها عادةً من ليبراليين!

أغلب صناع الأعمال الفنية ينتمون لمدارس فكرية وسياسية لها تصورها بالتأكيد تجاه الدين ،والدولة ، والحريات ، وأشياء كثيرة ، وما يعد تابوهات ، بالنسبة للمجتمع ، لا يبدو كذلك بالنسبة لهم ، ويؤمن بعض هؤلاء ، وليس الكل ، بضرورة كسر تلك التابوهات ، من أجل مزيد من الحرية ، ومن أشهر تلك التابوهات بالتأكيد ما يمت بصلة للدين والسياسة..

ومن أغلب هذا الأغلب مؤدلجون ، نموذج "الفنان الناشط" ، ومن هؤلاء والحمد لله من لا يعرف الفرق بين الفيلم والمنشور ، والمسلسل والمانفيستو ، لديه الفن وسيلة ليس لتوصيل وجهة نظر (لإنه لو حب يوصل وجهة نظره كفنان حيوصلها بطريقة فنية محترمة) قد ما هو لـ"النضال" ، ويعيش بعضهم هذا الدور أفضل من أقوى ممثل عندما يتقمص دوراً ، ولكي تصبح مناضلاً أكثر يجب أن تدخل في معارك ، إن لم توجد تلك المعارك في الحقيقة ، افتعلها أنت.. ومن هذا النوع من دخل معارك لا معنى لها ، ولا قيمة لها ، مع النظم السياسية (التي لم ينتقدها بشكل يحترم العقل وإنما بالصراخ والعويل) ، ومع المؤسسات الدينية (التي فيها من يتفهم الفن وفيهم من لم يتفهمه) ، ومع الشارع (الذي يراه هذا النوع من الفنانين جاهل ومتخلف وكذا وكذا).. ويخرج هؤلاء من معاركهم مصحوبين باستهزاء المجتمع الذي يفترض أن يوجه له هؤلاء "أفكارهم" بدلاً من أن يكسبوه إلى صفهم..

في كل يوم يظهر ألف فيلم ، يختار له صناعه ألف اسم ، بلا مشاكل حقيقية أو مفتعلة ، لكن "خالد يوسف" مثلاً كان له رأي آخر عندما أراد افتعال مشكلة لذيذة مع الرقابة والأزهر عندما أطلق اسم "خيانة شرعية" على فيلمه "خيانة مشروعة" ، وما أن بدأ الاعتراض حتى بدأ هو في الصراخ محتجاً على الحملة العنيفة ضد حرية الفكر وحرية الرأي وحرية الفن وحرية الحرية ، رغم أن الاسم الذي اختاره هو أبعد عن فكرة الفيلم الذي شاهدته وكتبت عنه في حينه في المدونة الشقيقة "فرجة" قبل خمس سنوات ، مع تسليمي بأنه "حر" في أن يفعل ما يشاء ، لماذا افتعل هذا الحوار الفاكس؟ ليلفت النظر إلى فيلم شاهده الملايين في السينمات ثم تهكموا عليه عندما عرض في الفضائيات ، ومنهم من لم ينتظر عرض الفيلم في الفضائيات لكي يتهكم عليه وعلى صانعه!

ويمكنك أن تتساءل كيف شئت عن مستوى موهبة فنانين لا يعرفون إلا المباشرة ، والمبالغة الشديدة في المباشرة ، آل يعني بيعمل shock... في حين أن الغرض الحقيقي ليس إنارة المجتمع أو تنبيه المجتمع كما يظن ويدعي ، أبداً ، بل الغرض هو عمل شو سياسي وديني ، وخصوصاً الشو الديني ، الذي يخرج من بعده الفنان أو المخرج مقروفاً من الجمهور الذي "لم" يستطع استيعاب شطحاته وحبشتكاناته ، رغم أنه كان الممكن - لو كان موهوباً والعياذ بالله - أن يكسبه إلى صفه إن قام بما يريده بشكل "فني" و غير مباشر يعتمد على كل تقنيات الفن ، بما أنه لم ينبهه أحد إلى الفرق بين القصة بطابعها الفني والأدبي و"الحدوتة" التي نحكيها لبعضنا البعض على القهوة ، وبين الشعر والكلام العادي ، وبالتالي كام مشهد من إياهم بلا ضرورة ولا هدف ولا لزوم ولا داعي ، يتفرغ بعدها للصراخ والعويل و("ظلموني .. جرحوني...الخ" مع الاعتذار لـ"حكيم") ، ولنا في "إيناس الدغيدي" ما يملأ مجلداً ويخرج في إطار رؤيته بشكل موضوعي عن نطاق هذه المدونة..

والمستفيد الوحيد معروف طبعاً : الإسلاميون..

1-حصلوا على فرصة من ذهب ليثبتوا فيها أنهم حماة حمى القيم في المجتمعات كلها ، هم لا يفعلون شيئاً أكثر مما يردده الجمهور المحافظ وكاتب العمود المحافظ ، بل إن واقعة تبعد بعض الشيء عن منطق هذه التدوينة هي مطالبة حزب "النور" بمنع عرض "مدرسة المشاغبين" كان لها علاقة بتراكمات كبيرة من كتابات كتبة الأعمدة في الصحف القومية المناهضة للمسرحية والتي تعتبرها كذا وكذا وكذا ، والشيء نفسه مع "تهامي ووديع" رغم مرور ثلاث سنوات على عرض دعاياتهم على فترات ، وسيكتسب الموضوع قبوله عندما يدخل "بتوع ربنا" على الخط في مواجهة أي عمل فني..

2-استثمر هؤلاء جيداً جداً في صورة موجودة في الوسط الفني تربط ما بين الاشتغال في الفن والانحلال ، مع تسليمي أيضاً بأن في كل وسط يوجد الصالح والطالح ، ومعها استطاعوا اكتساب أرض فيما يتعلق بالفنون ، ومعظمهم ينظر للفن في ذاته بكل اشمئزاز واحتقار إن لم يكن يحرمه تماماً ، والناس معهم ، ليس فقط لأن الإسلاميين يتحدثون بلغة الدين (حتى لو حوَّروا تلك اللغة بما يناسب مصالحهم في أحيان كثيرة جداً جداً جداً) ، بل لأنهم أيضاً يخاطبون مجتمعاً له ، وهذا حقه ، سقفه فيما يتعلق بالشعرة ما بين الحرية والانحلال..

3- بالمرة ، بعد أن كسب الإسلاميون المجتمع في صفهم ، قرروا تصفية حساباتهم مع فنانين دخلوا المواجهة ضدهم ، وبصراحة ، لم تكن تلك المواجهة كلها على فكر أو اعتقاد أو تصور ، بالعكس ، كان منها جزء كبير له علاقة بالصدام بين النظام المباركي والإسلاميين ، من رفع منهم السلاح ومن لم يرفع ، بدليل أن مواقف بعض "الصنف إياه" من بعض هؤلاء تغيرت بعد سقوط "مبارك".. ولو لم يشكل الإسلاميين عنصر ضغط ، حتى ولو لم يكن بَنَّاءًا ، على النظام المباركي ، لما أصبح هؤلاء مادة للحرب الإعلامية والفنية - من جانب واحد - ضد الإسلاميين..

وخير دليل طبعاً ما حدث مع "عادل إمام" .. لم يسأل أحد نفسه : لماذا يقوم هؤلاء بحملة على أفلام "عادل إمام" رغم أنهم لا يشاهدونها بحجة أنها حرام؟ ولماذا يقومون بحملة على ممثل هو في النهاية موظف متعاقد مع منتج الفيلم ، لو لم يقم بهذا الدور ، لقام به غيره؟!

4-في أحيان كثيرة يكون التطرف رد فعل لتطرف ، من بعض كتاب السيناريو والمخرجين من تطرفوا مثلاً في مسألة ظهور الأنبياء على الشاشة ، التي يرفضها المجتمع وليس رجال الدين بالمرة جملةً وتفصيلاً ، عندما تتطرف فتستفز المعتدل المسالم ، من المؤكد أنه سيخرج لك المتطرف العدائي ، ليكسب المعتدل المسالم إلى صفه..

تلك المعارك التي يقوم بها بعض المنتسبين إلى الفن ، وأساءوا له ، هي معارك هواء ، شيء من لا شيء ، لا تبنى في الغالب على إيمان حقيقي بمبدأ حتى ولو كان قائماً على عدم وجود سقف لحرية التعبير ، بل على حب للظهور مختلط باصطناع دور الضحية واستدرار التعاطف ، مع قليل من الغباء الذي يزيد من سعار التطرف في حياتنا ، سواء أكان سياسياً أو ذا طابع ديني.. قيل لي في بداية حياتي العملية "أخذ الحق صنعة".. وهم لا يجيدون ما يعتبروها صنعتهم!

وعلى كلٍ، سيأتي الكلام بإذن الله لاحقاً على معركة هواء أخرى.. مثيرة للسخرية أكثر من أي شيء آخر!

Wednesday, July 4, 2012

الفن "الإسلامي" أم ما يطلبه "الإسلاميون"؟

نبدأ من "هشام النجار" أحد كتبة موقعي "المصريون" و "الجماعة الإسلامية" ، حقيقةً كان المقال الذي قرأته "لُقْطَة" بمعنى الكلمة ، بالتأكيد كنت تحتاج لأن تسمع كيف يرى المتحدثون الرسميون - أو من أعلنوا أنفسهم كذلك من جانب واحد - باسم الدين الفنون بكافة أنواعها ، أن تسمع منهم قبل أن تسمع عنهم ، تعرض الكلام على العقل وتزنه بهدوء وموضوعية..

يحاول "هشام" الرد على اتهامات موجهة للإسلاميين ، وليست للإسلام ، فيما يخص الموقف ضد حرية الفنون بكافة أشكالها ، صحيح أنه يبدأ مقاله بالدفاع عن التصور الإسلامي للفن ، وأنه قد حرر الفنان من ابتزاز السلطة ورجال الدين :

تعرض الفن على مدار التاريخ للابتزاز والتقييد من سلطتين ، الأولى سلطة الدين ، فاستخدمه الهندوس والإغريق والبابليون والأفارقة والعرب قبل الإسلام فى خدمة عقائدهم ، وفرضوا على الفنان نمطا وحيدا من الإبداع بتجسيد آلهتهم المعبودة فى تماثيل منحوتة . ووجهت المسيحية الفن لخدمة العقيدة وتحقيق أغراض الكنيسة ، ليس فى العصور الوسطى فحسب ، بل فى عصر النهضة أيضا ؛ حيث حدد القساوسة والرهبان للفنانين الكبار إطار إبداعهم ، وهذا واضح تماما فى أعمال مايكل أنجلو وليوناردو دافنشى وغيرهما .

....

كذلك تعرض الفن والفنان للابتزاز والتقييد من سلطة ثانية غير سلطة الدين ، وهى سلطة الدولة ، وأوضح مثال على ذلك هوليوود وكيف استخدمت أمريكا صناعة السينما فى بسط نفوذها وهيمنتها ونشر قيمها فى الخارج للدرجة التى اعتبر معها جورج بوش الأب السينما الأمريكية أحد أهم الأسلحة التى انتصرت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب الباردة...

....

ويبقى المثال الأوضح والأقرب لنا هو السينما المصرية والفن المصرى على وجه العموم ، فى بلد لا أرى فى تسميتها هوليوود الشرق إلا فى جانب تقليد السينما الأمريكية فى استخدامها لخدمة أغراض الدولة وتطويع المجتمع وإخضاعه ، وسوق الجمهور للرضا والإيمان برؤى السلطة وسياساتها . فمن جانب استخدمت السلطة الحاكمة الفن والفنانين فى الترويج لنهجها فى علاقاتها وسياستها الخارجية ، وقد غلبت على الدراما المصرية طوال العقود الماضية روح الانهزامية أمام النموذج الغربى ، وتشبعت ثقافتنا بالرجل الغربى والأمريكى الخارق القادر على فعل المعجزات ، حتى صار هو منتهى طموح كثير من الشباب الذين تهافتوا على النزوح غربا ، ولو كلف ذلك أحدهم حياته فى عرض البحر فى رحلة هجرة غير شرعية

ويعرض في هدوء لما يتصوره الإسلام .. ضعوا تحت الجملة السابقة ألف خط ، للفنون :

وبمجئ الإسلام فى القرن السابع الميلادى تحرر الفن من سلطة الدين ، عندما توجه للفنان بصيغة النهى الاختيارى ( لا تفعل ) ، بعد أن كان مقيدا لقرون برغبات وأوامر وإملاءات رجال الدين . وإذا أجرينا مقارنة سريعة لوجدنا فارقا هائلا بين سلطة دينية تجعل الفنان خادما لأوامرها ومسخرا لأغراضها حيث لا اختيار له إلا أن يفعل ما أُمر به ، وبين دين يمنح الفنان مجالا واسعا للحرية والاختيار ؛ لأن صيغة الأمر ( افعل ) لا تتيح للفنان اختيارا آخر يتعدى رؤية السلطة ، أما أسلوب ( لا تفعل ) الذى اتبعه الإسلام ، فالفنان معه حر وله كامل الاختيار فى القيام بالبدائل الأخرى ، بعد التقيد بما ورد من نهى فى جزئيات بعينها تتعلق باستخدام الفن كمطية لتحقيق أهداف تنحرف به عن رسالته ودوره فى الحياة . كذلك تعرض الفن والفنان للابتزاز والتقييد من سلطة ثانية غير سلطة الدين ، وهى سلطة الدولة ، وأوضح مثال على ذلك هوليوود وكيف استخدمت أمريكا صناعة السينما فى بسط نفوذها وهيمنتها ونشر قيمها فى الخارج للدرجة التى اعتبر معها جورج بوش الأب السينما الأمريكية أحد أهم الأسلحة التى انتصرت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب الباردة ،

إلى الآن نسمع كلاماً عاقلاً وموضوعياً ، يزيل شبهة أن الإسلام يقف ضد حرية الفنان بشكل عام إلا فيما يختص ما هو حرام وغير مقبول دينياً .. ولكن عند تلك النقطة تشعر أن الكاتب بدأ يضمن هذا الدفاع الموضوعي دفاعاً عن الإسلاميين بما هو ليس فيهم بالمرة..

ففي ظل الصراع على الزعامة الدينية وظهور القيادات المذهبية وجماعات الإسلام السياسي أصبح كل أولئك يتكلمون باسم الدين ، ويحددون بشكل قطعي (ما لا يجب فعله) لا النصوص الموجودة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.. كما يحدث مع الموسيقى مثلاً ، التي يعتبرها شيوخ التيار السلفي حراماً صرفاً على إطلاقها ، حتى كفاصل موسيقي في القنوات كما يحدث في كل مكان في العالم بما فيه دول إسلامية، ويتحايلون عليها بالصوت الموسيقي البشري في تناقض غريب ..

ويجيد الإسلاميون عموماً فن "الكلفتة" بالذات فيما يتعلق بتلك النقطة (1)، فما أن يطرح عليهم المرء تساؤلاً في هذا الخصوص حتى يقولون له "انت عايز ترجعنا لسينما القبل والأحضان والملابس الخليعة والمشاهد ...الخ".. كما لو كان أي اعتراض أو محاولة لفهم ما لا يقبله الإسلاميون ، ويقولون من وجهة نظرهم التي لا تحتمل أي نقاش أن الدين يرفضه يعني سينما القبل والأحضان والابتذال و..و.. محدش جاب سيرة الهباب دة نهائي .. (2).. أتحدث عن عموميات بعيدة عن تلك النقطة بعد سيبيريا عن تشيلي..

يحول الإسلاميون بأفعالهم (لا تفعل) إلى (افعل) مقنعة ، تخيل مثلاً أنك واقف مع شخص ما أمام فاترينة محل أحذية ، بها خمسة أحذية على مقاسك تماماً ، نفس الموديل ، ولكن بخمسة ألوان مختلفة ، لينصحك هذا الشخص ، وله عليك دلال ، مثلاً ، بألا تختار الحذاء الأبيض ، ولا البيج ، ولا الزرعي ، بحجة أنها لا تناسبك ، وبذلك لن يكون أمامك منطقياً سوى الحذائين الباقيين ، البني والأسود!

وبالتالي ، تنحرف الأمور عما قاله في نهاية المقال مدافعاً عن التصور الإسلامي ، الذي هو ليس تصور كثير من الإسلاميين :....

أما الإسلام فقد أعطى الحرية للفنان ليكون قادرا على تطوير المجتمع وتبصير الحاكم بعيوبه وبث الأمل والثقة وعلاج الأمراض المجتمعية واستشراف المستقبل وإثراء الحياة العقلية والوجدانية ، والارتقاء بالمشاعر والأحاسيس وتوطيد العلاقات الإنسانية ، وليساهم فى بناء النهضة وليحافظ على ترابط الأسرة والمجتمع .

إلى الدعاية المباشرة وغير المباشرة للنهج ، سواء كان سلفياً ، أو صوفياً ، أو شيعياً ، بالأسلوب الوعظي المباشر أو حتى غير المباشر .. نفس ما كان يأخذه الكاتب على ديانات ما قبل الإسلام!

وبالتالي سيسأل البعض ، ولهم حق :إذا كان الفن في ظل قاعدة (لا تفعل) الذي لا يطبقها الإسلاميون بما يرضي الله البعيد عن كل مظاهر الإسفاف والاعوجاج والترويج للرذيلة وغيرها يتماشى مع ما جاء به الإسلام من قيم وأخلاقيات ، فلماذا مصطلح "الفن الإسلامي" إذن ، بما أنه لا إسلامي في العادة إلا بنص؟ (ولتصححوني في هذه إن أخطأت)؟ هل هناك سينما إسلامية وأخرى غير إسلامية؟ أو دراما تليفزيونية إسلامية وغيرها لا إسلامية؟ هل حدد الإسلام فعلاً تلك المقاييس أم أنها من بنات أفكار اجتهادات وتصورات الإسلاميين بشكل عام؟ ومن أعطى الإسلاميين الفرصة لفرض رقابتهم على الفن فيما يبتعد تماماً عما هو معلوم حرمته في القرآن الكريم والسنة؟

لدي تصور عن إجابة السؤال الأخير قد يكون صادماً بعض الشيء : بعض الفنانين أنفسهم!
(1)...وحنروح لبعيد ليه؟ هناك مقال آخر لنفس الكاتب يلعب فيه نفس اللعبة بشكل غير مباشر.. حتى وإن بدا ذلك عرضاً لأهم ما هو مرفوض دينياً في السينما على سبيل المثال ويمكن -في رأيي - التحايل عليه فعلاً ، وهو ما سأعرض له بإذن الله في وقت لاحق بعيداً عن مزايدة الكاتب..
(2) والغرض من تلك اللعبة واضح ، أن يشغلك بالدفاع المستمر عن نفسك في مواجهة هذا السيل المنهمر من الاتهامات فتنسى قضيتك الأصلية أو تتوه هي وسط زحام الجدل..

Monday, July 2, 2012

هل الفن عالماني؟

ترسخ لدينا هذا الإحساس بما أن أغلب العاملين في المجال الفني في بلد كبلدنا على سبيل المثال عالمانيون ، يتباينون فيما بينهم في مفهوم العالمانية بالنسبة لهم ما بين عالمانية تكتفي بفصل الدين عن العملية السياسية ، أو بعالمانية شاملة تفصل الدين عن الحياة (="الكمالية" نسبة إلى "أتاتورك")..وربما يكون فيهم من يصنف كمحافظين كأغلبية الشعب المصري مسلميه ومسيحييه ، وفضلاً عن هؤلاء يوجد ليبراليون (برضه بدرجات متفاوتة) ، ويساريون وناصريون يتبنون تصورات أكثر "تحرراً" من تلك التي يتبناها أغلب المحافظين في مصر ...أي أنه يمكننا أن نتحدث عن تواجد ضخم وطاغي ومستبد- بصراحة - لليسار في الساحة الفنية المصرية ، يليه بعض الناصريين ، ودخل على الخط بعض الليبراليين (المؤمنين أيضاً برأسمالية السوق والقادمين من وسط اجتماعي ارتبط بالثقافة الغربية) الذين ظهروا في أعقاب الحراك السياسي (2005-2011 واستمر بعد الثورة) ، أما الإسلاميين فحاشى وكلا ، اختاروا الابتعاد بالكامل عن العملية الفنية بمحض إرادتهم ، وتفرغوا لإدانتها ومواجهتها ومحاربتها وهم في نفس الوقت أشد النادمين على عزلتهم عنها بما أنها أفقدتهم سلاحاً دعائياً قوياً أحسن الآخرون استغلاله..

إذا استبعدنا الإسلاميين ، يجمع هؤلاء - أو لنقل الأغلبية الحسابية منهم - قاسم مشترك مهم ، ألا وهو أن لديهم سقفاً أعلى من الحريات ، ليس فقط من ذلك الموجود لدى "المتشدد" أو "المتطرف" بل حتى لدى الشخص المحافظ العادي ، ويرون أنه يجب أن تتوافر للفن حرية مطلقة دون أن يعوقه أي (مما يعتبرونه) تابو بما فيه السلطة ، الثقافة العامة ، العادات والتقاليد ، وبالتأكيد الدين.. كما يرون أن أي عمل فني لا يجب أن يتم تقييمه بمعايير "غير فنية" ، أو يتم الحكم أخلاقياً (ودينياً بالتأكيد) على قصته وتنفيذه وشخصياته فيما يبقى كل ذلك "خيالاً صرفاً".. ولا يحق - ما زال الكلام لهم - لأي جهة كانت ، بما فيها "الجهات الدينية" أن تصدر أحكاماً من أي نوع على أي عمل فني كان..

أضف بالتالي تأثر الفن لديهم بالنموذج الغربي ، والنموذج الثقافي الغربي تبنى العالمانية لأسباب تتعلق بالقرون الوسطى والتمرد على سيادة رجال الدين وتدخلهم في كل كل شيء ، وبالفعل نجح في بناء دول منفصلة في بنائها السياسي عن العامل الديني (وإن كانت قد فشلت باقتدار في فصله بالكلية عن السياسة)..

كل ذلك ساعد على تسويق الصورة العالمانية للفن ، وهي صورة يميزها شيء واحد فقط وهي أنها مجافية تماماً للحقيقة والمنطق!

يقول التاريخ أن كل أشكال الفنون من دراما وموسيقى في بداياتها ارتبطت بشكل أو بآخر بالدين ، سواء ديانات العالم القديم (كما حدث مع الإغريق والرومان حيث جاءت في صورتها البدائية محاكاةً لأنشطة بشرية منها الطقوس الدينية) أو الديانات السماوية السابقة على الإسلام (دراما العصور الوسطى في أوروبا والموسيقى الكنسية)..

اختلفت القصة تماماً بالنسبة للإسلام ، الذي ، كما سيتقدم ، لم يربط بين الفن والطقوس الدينية بشكل عام ، ولم يفرض فيه العلماء والأئمة لقرون طويلة تصوراً دينياً واضحاً يلزم فيه المشتغلين بالفن والأدب باتباعه وإلا ، أو بمعنى أصح وكما سنرى في تدوينة قادمة بإذن الله : الفن في التصور الإسلامي مبني على (لا تفعل) وليس (افعل) ، أي أنك حر في أن تفعل ما تشاء ولكن بعيداً عن مناطق بعينها .. بما أنه - كما يرى "محمد علي قطب" - يعكس "نظرة الإنسان المسلم للحياة" .. كما قال معرفاً "الفن الإسلامي" : "هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود . وهو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان ".. وأعطت للفنان مساحة من الحرية يتحرك فيها بعيداً عن أي توجيه ، فقط لا يقرب المناطق الحمراء .. لم نسمع عن محاذير كثيرة فرضها العلماء على ما وصلنا من زخارف وصلتنا عن طريق الكتب أو شاهدناها في المباني على سبيل المثال (1)..

مع الوقت ، وفي غياب الإلزام ، أقله قبل توحش الصراع على الزعامة الدينية ، تأثر الفن بالدين ، ليس كمحدد لمسار الفن حتى لو بتحديد ما لا يجب (2)(3)، ولكن كمكون ثقافي شديد الأهمية في حياتنا ، وبالأخص في بلد كمصر وبطبيعتها ، وظهر ذلك حتى مع ظهور الفنون الجماهيرية التي تعلمناها من اتصالنا الثقافي مع الغرب كالمسرح والسينما والدراما التليفزيونية.. وكوسيلة لتوصيل رسالة ما إلى عموم الجمهور..

ثم تطور الأمر إلى عملية تجارية وإتجارية ، سواء هنا أو في الخارج ، حيث أنه رغم العالمانية التي تهيمن على الثقافة الغربية بشكل عام ، لم يغب الدين مثلاً عن السينما أكثر الفنون جماهيرية تقريباً ، لكسب الجماهير ، أو لتوصيل رسالة من نوع ما للجمهور داخل البلد وخارجها ، استغلت "هوليوود" رواية "لويس والاس" "قصة السيد المسيح" (1880) لتقدم فيلم "بن هور" (1959).. قبلها بثلاث سنوات قدمت "الوصايا العشر" للمرة الثانية في فيلم أخرجه "سيسيل دي ميل" (4).. مع الوقت ، ومع استفحال النفوذ الصهيوني في "هوليوود" بدأ الترويج لأفكار الصهيونية عن طريق إشارات دينية في أفلام غير تاريخية ، ومنها أفلام حركة ودراما حققت نجاحاً كبيراً في جميع أنحاء العالم ، ونشاهدها بكل تناحة دون أن نفكر في كثير مما تحوي من إشارات ، من أشهرها "أرمجدون" (1998) (وقليل من التوضيح يوصل الفكرة أكثر) ، "Star Gate" (1994).. (وهو لعب مبتذل على الدعاية الصهيونية أيضاً).. وكل تلك الأفلام حققت إيرادات كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها..

ولا تخل أفلام أخرى من آثار دينية ، حتى ما كان منها بعيداً عن أفلام الدعاية الصهيونية وأرض الميعاد وشعب الله المختار ، أفلام مصاصي الدماء على سبيل المثال ، الذين يقتلون - دائماً- بـ"الصليب".. (5)..بل إن بعض الأفلام والمسلسلات تعتمد على إفيهات كوميدية "دينية" ، بل في بعض الأحيان تبني على قصص دينية أفلاماً ومسلسلات ، كما في مسلسل "الله والشيطان وبوب" الذي أثار غضباً عنيفاً في الولايات المتحدة الأمريكية من الكل ، مسلمين ، ومسيحيين ، ويهود!

تأثر الفنون الجماهيرية لدينا بالدين كان كبيراً أيضاً ، كان غير مباشر في الموسيقى والغناء حيث أن كثيراً من الرعيل الأول من الملحنين والمطربين المصريين كانت لهم علاقة بالأزهر وحمل بعضهم لقب "شيخ" كـ"الشيخ سلامة حجازي" و "الشيخ أبو العلا محمد" و"الشيخ سيد درويش" و"الشيخ زكريا أحمد" ومن بعدهم بفترة طويلة "الشيخ إمام عيسى" - رفيق كفاح "أحمد فؤاد نجم" ، وتأثروا جميعاً هم وغيرهم بترتيل القرآن الكريم وبالابتهالات والتواشيح الدينية .. التي كانت رافداً مهماً في تطور الموسيقى في مصر..

ولم تبتعد السينما كثيراً عن التأثير الديني .. كان الفيلم "الديني" الصرف فرصة لتقديم أعمال سينمائية تاريخية ، كتلك التي استوحيت من مؤلفات "أحمد أمين" كـ"فجر الإسلام" الذي أخرجه "صلاح أبو سيف" (1971) والذي احتوى قيمة فكرية وفنية أيضاً ، شأنه كشأن ما أنتجه لاحقاً السوري الراحل الكبير "مصطفى العقاد" في فيلم "الرسالة" ، كما تناولت أفلام أخرى حياة أشخاص ارتبطت حياتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ، كـ "بلال مؤذن الرسول" الذي أخرجه "أحمد الطوخي" (1953) ، ثم "الشيماء" الذي أخرجه "حسام الدين مصطفى" (1972).. هذا لا يمنع أن أفلاماً دينية "غير مباشرة" تناولت قيماً دينية سبقت ربما معظم الأفلام الدينية التاريخية عندنا زمناً ، وتعددت دوافعها ما بين توصيل قيم إيجابية للمجتمع ، وما بين الحس التجاري وكسب السوق المتدين ، بل أضاف إليها النقاد "الناصريون" بعداً سياسياً رابطين بين بعض تلك الأفلام في السبعينيات وبين تقرب "السادات" من الإسلاميين ، لكن ذلك لم يفسر ظهور أفلام ذات أسماء ذات أصل ديني مثل "إن ربك لبالمرصاد" في الثمانينيات ، التي شهدت أيضاً فيلماً هاماً جداً هو "العار" (1985) ..

أعتذر لك بالتأكيد عن هذا الفاصل الطويل من "الدَّش" الذي كان الغرض منه توصيل فكرة واحدة فقط .. إن كان هناك من مستحيل رابع في هذه الدنيا ، فهو أن ينفصل أي شيء في حياتنا عن الدين والسياسة ، الدين كان ، وما زال ، وسيظل مرتبطاً بمناحي حياتنا بشكل أو بآخر ، ومن الفروق الهامة بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين والاشتراكيين وحتى عامة الناس هو فهمهم لعلاقة الدين بكل شيء ، السياسة والاقتصاد والرياضة وحتى الفن.. عذراً لشدة الإطالة..
(1)..أما الموسيقى فكان وضعها مختلفاً ، فبرغم أنها لم تقابل بمقاومة "ضخمة" إلا أنها ارتبطت لفترات طويلة برغد العيش والرفاهة والاهتمام الزائد بالدنيا ، ووصلت إلى بيوت الخلفاء أنفسهم في العصرين الأموي والعباسي الأول ، على العكس من طبيعة الكثير من سكان البلاد الذين لم يكونوا قد اختلطوا - بعد - بسكان "الأمصار المفتوحة" كالمستعمرات الفارسية والرومانية السابقة ، وبالتالي اصطدمت بآراء الكثير من العلماء الذين ذهب بعضهم إلى تحريمها (رغم أن بعض الموسيقيين كـ"زرياب" كان مقرباً من بيت الخلافة) ، وارتبطت في بعض الفترات بالانحلال ، أقله ما يبين كتاب "الأغاني" لـ"أبي الفرج الأصبهاني" رغم وجود علامات استفهام كبيرة جداً على مروياته ، "الانحلال" الذي قابلته حركات زهد أكثر تشدداً..
(2) ...هذا لا يمنع أن رجال الدين والمحسوبين على تيارات دينية يحددون في بعض الحالات ما يجب ولا يجب في المسألة الدينية وبشكل مختلف ، بالضغط القضائي والحقوقي والجماهيري والإعلامي، فكما حدث من بعض المحسوبين على التيارات الدينية الإسلامية في حربهم مع "عادل إمام" وحصولهم على أحكام ضده بتهمة "ازدراء الأديان" (بسبب انتقاده لتلك التيارات كما يرون) بشكل قد يجعل صناع الأفلام في المستقبل أكثر حساسية في تناول أمور بعينها تخص تلك التيارات ، كان لبعض المحسوبين على تيارات مسيحية متطرفة دور في معركة "بحب السيما" والتي وصلت إلى القضاء ، حتى وإن خاضوها تحت ستار منظمات مجتمع مدني..من حق رجل الدين أن يكون له بالتأكيد رأي شخصي في أي فيلم ، أو أن يقيم الفيلم من وجهة نظر دينية ، لكن ألا يستغل الأمر في مزايدة فكرية أو سياسية كما سترون فيما بعد..
(3) ...والمضحك أن العديد من الفنانين الليبراليين الذين يرفضون أي تدخل "ديني" في الفن سواء بالرقابة أو بالتحديد و/أو تطبيق أي معيار ديني أو أخلاقي في نقد الأفلام (لأنهم يرون أن لـ"الإبداع" معايير تختلف عن معايير الدين) لا يضيقون ذرعاً بتكريم المركز الكاثوليكي لأفلام سينمائية وصناعها لتقديمها "قيماً أخلاقية"..ولا باعتباره الجهة الوحيدة - وصححوني إن أخطأت - التي ترشح الأفلام المصرية للتنافس على مقعد الفيلم الأجنبي في جوائز الأوسكار!
(4) ...ويقول الناقد السينمائي "أحمد رأفت بهجت" أن "الوصايا العشر" قد عرض في مصر .. ربما لديه أدلته ، لكن الفيلم لا يعرض في أي قناة عربية أو مصرية لتجسيده سيدنا موسى عليه السلام ، وهو ما يرفضه معظم علماء الإسلام ، والكثير من المثقفين ، وعامة الناس ، وأنا منهم.. وأسبابي سأحاول توضيحها فيما بعد .. الموضوع كبير كبير كبير.. :)
(5) ... وستدهش عندما تعرف أنه حتى الأفكار اللادينية والإلحادية كان لها أثر في عدة أفلام ، يتحدث البعض عن "Bruce Almighty" (2003) والذي حاول صناعه تجسيد الذات العلية - سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً- كذلك وفي رأيي الشخصي سلسلة أفلام "Final Destination".. عن أفلام الإلحاد قد يكون لنا كلام..

Sunday, July 1, 2012

أصون كرامتي

ولكن قبل أن أبدأ في الملف الذي وعدتكم به ، تبقى خاطرة وحيدة أردت أن أشارككم بها ورأيت أنها لا تنتظر أكثر..

أمس كان حفل تنصيب الرئيس الجديد "محمد مرسي" ، والذي انسحب منه شيخ الأزهر فجأة ، ليأتي بيان مشيخة الأزهر والذي نشر قبل ساعات ليؤكد مقولة أنه إذا عرف السبب تضاعف العجب..

عن نفسي أتعجب من أن المؤسسة تذكرت كرامتها وكرامة علمائها فجأة ، بعد أن نستها لثلاثين عاماً كاملة ، كان من المعتاد جداً أن نرى فيها شيخ الأزهر السابق الراحل "محمد سيد طنطاوي" في القصر الرئاسي مع المخليوع ، وليس العكس ، ولم تنتقد التخبط الإداري الكبير الذي شاب علاقة المؤسسة بالحكومة ، بعد أن خُصِصَت لها في حكومة "الجنزوري" الأولى وزارة مستقلة (عرفت وقتئذ باسم "وزارة شئون الأزهر") وكانت تتبع "الجنزوري" نفسه ، ثم تغير الحال مع حكومة "عاطف عبيد" .. ولم تنتقد محاولات تسييس المؤسسة من قبل الحزبوطني الحاكم في ذلك الوقت ، وتحول بعض أساتذتها إلى مقننين دينيين لسياسات أمانة السياسات ، وأشهرهم الدكتور "عبد الله النجار" الذي وصفته دوائر صحفية قبل الثورة بـ"مفتي لجنة السياسات" ، وتناولنا بعضاً من تصوراته العجيبة في وقت سابق هنا، والدكتور "عبد المعطي بيومي" العضو المعين في مجلس الشعب لسبب لا نزال عاجزين عن فهمه وتفهمه وتبريره (رغم مضي ما يزيد على خمسمائة يوم من الثورة).. وكذلك الدكتورة "زينب رضوان" التي توفي "كورومبو" قبل أن يعرف على وجه التحديد سر وكالتها لمجلس الشعب قبل الثورة رغم كونها معينة لا منتخبة!

كان من الممكن أن تسأل - وبشكل سري - إدارة المؤسسة الأزهرية الديوان الرئاسي عن "وضعيتها" و "كيفية تمثيلها" و "مكانها وسط الحضور" وتلك الأشياء الأخرى ، أو أن يقاطع العالم الجليل شيخ الأزهر المناسبة من بدايتها ، وساعتها يمكن تفهم أسباب التصرف بشكل أفضل وأوضح ، خاصةً في ظل التصريحات التي أتوقع سماعها من عينة "لسنا طرفاً" ، "....على مسافة واحدة" ، ".....مستقلة عن ...." ، "بعيدين عن السياسة ...."..الخ..

أعرف أن للمؤسسة الأزهرية احترامها وحيثيتها وتقديرها لدى الناس ، لكن ذلك الاحترام ليس ملكية خاصةً لأصحابه يهدرونه بتجزيء المبادئ ثم بتبرير ذلك التجزيء تحت بند صيانة الكرامة وأشياء أخرى..

في الفن والدين ، ملف خاص

فكرة الملف تعود إلى عام أو أكثر ، وكانت واردة وقت أن بدأت أكتب عن العلاقة بين الفن والدين والمتدينين ، ربنا يستر ويخرج هذا الملف بالصورة التي أردت توصيلها ، حتى وإن أغضبت مين طوب الأرض..

بعد الثورة صعد فريقان لا ثالث لهما تقريباً ، التيارات الدينية ، سواء بشقها السياسي "كالإخوان" أو بشقها الديني الأصولي الذي اتجه لممارسة السياسة "السلفيين" ، وتيار المال السياسي الذي اتخذ من تيارات دينية أخرى حليفاً في صفقات سياسية لا يخفى على أحد مدى قذارتها ، ولكل منهم نظرته الخاصة للحياة ككل ، للاقتصاد ، للدين ، وطبعاً للفنون.. وداخل كل فريق هناك تباين ، سواء لدى الإسلاميين -وسبق الكتابة في الموضوع مقارنة بين إسلاميي تونس والمغرب - وحتى لدى المال السياسي الذي يحاول إيهامنا بأنه ليبرالي في النظرة تجاه الفن ومن يمارسه وجمهوره أيضاً..وليس الدين بمنأى عن وجهات النظر تلك ، بوصفه يشكل جزءاً كبيراً من وجداننا كمصريين..

الشيء المؤكد أن للفنون قوة ، وتأثيراً أجبر عديداً ممن كانوا يتشددون في تحريمها على تغيير وجهة نظرهم ، بعد أن بدأ الكل في لعب كرة السياسة ، إما سياسة للسياسة ، أو سياسة لخدمة السياسة ، أو سياسة لخدمة المذهب ، أو سياسة لزعامة الدين ، هل سيقدم هؤلاء مراجعات "ثورية" بخصوص مواقفهم تجاه الفن وممارستهم له؟ تجاه حرية الفن؟ متى تبدأ ومتى تتوقف؟

هل الفن عالماني بطبيعته ، بعيد عن الدين ، أم تأثر ، ويتأثر ، وسيتأثر بالدين؟

هل أصبح الفن مسرحاً لتصفية حسابات التيارات الدينية مع الفنانين ، ولحسابات الفنانين مع التيارات الدينية؟ ولأي مدى؟

سأحاول توريطك في التفكير في تلك النقاط ، وغيرها ، في ملف اجتهدت في أن يكون محاولة للتفكير بأعلى صوت ممكن.. ربما نصل لشيء.. انتظروني قريباً جداً.. واستعنا على الشقا بالله..