Wednesday, January 24, 2007

أيهما أولى يا فضيلة المفتي؟

كنت أعد لكتابة مقال سيثير فرقة "الهيلا هيلا هوو"* المتحدة والتي نشطت مؤخراً بأدبها الرفيع وشتائمها المهذبة في موضوع قديم نسبياً عن "قناة الناس".. إلا أن تصريحاً واحداً لفضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة نشر قبل أيام على موقع الجزيرة نت كان كفيلاً بإثارة بعض التساؤلات الشريرة ثقيلة الظل..

طرح فضيلة المفتي فكرة بسيطة جداً .. أن "يقدم السنة والشيعة اعتذارا بعضهم لبعض في بيان موحد، وقال "أظن أن هذا الاعتذار قد يهدئ الحال"، وطالب بتجاوز التاريخ "لأننا لم نكن سببا فيه"..

قد يرى البعض تلك خطوة طيبة وبادرة مقبولة على خلفية إنهاء الصراع المذهبي ، ولكني أراها على المستوى الشخصي تسطيحاً للمسألة أكثر من أي شيء مضى..

نفس قصة الاعتذار تلك تذكرني بالتوتر الطائفي في مصر بين المسلمين والمسيحيين العام الماضي .. اعتذار على طريقة "كل واحد فيكم يقول للتاني أنا آسف ويبوس راسه ويلعب معاه"! .. ويبدو أن هذا المنطق سيفرض نفسه أيضاً حتى على الصراع المذهبي داخل الإسلام نفسه..

السيناريو في الوضعين واحد : اعتذار وابتسامات صفراء ومصافحات ، ثم احتقان وشجار ومشاحنات.. ثم تتساءل النخبة المثقفة ومعها رجال الدين في تناحة : لماذا عادت ريما لعادتها القديمة؟

والجواب لأن المشكلة الأساسية لم تعالج أصلاً ، و"بلبعة" المسكنات لن تغني عن مواجهة المشكلة نفسها قبل أن تستفحل ولا ينفع الندم..

الأولى من الاعتذار و"بوس الرأس" هو مراجعة الأفكار نفسها ، الأفكار الدخيلة على الدين الذي تصنع المذاهب بها شخصيتها الخاصة ثم تثبت في عقول العامة مع الوقت واضعة علامة "يساوي" بين المذهب والدين كله ..أفكار صنعتها مصالح سياسية واختلاط فكري مع ثقافات البلاد التي فتحها الإسلام أضر به أكثر بكثير مما نفعه ، وأبعدت فهمه عما كانت عليه الصورة بعد وفاة الرسول الكريم.. بل وتصطدم بالواقع وتثير مخاوف مشروعة لدى كثيرين بمن فيهم من يؤمن بأن لا تناقض بين الإسلام والدولة الحديثة..

وبالله عليكم ، لا أريد سماع اسطوانات نظرية المؤامرة ، ومؤامرات الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر والأخطار التي تتهدد الأمة إلى آخر هذه الهراءات المحفوظة الحقوق لبعض عشاق الحنجوري وهتيفة المظاهرات وأدعياء "الفكر الإسلامي"، هذه الأفكار لا تحتاج لأمريكا ولا لإسرائيل لأن ينفخوا فيها فيشتعل الحريق هنا أو هناك ..

أتمنى أن يستفيد المفتون والمشايخ والمرجعيات وآيات الله من درس الجماعات المتطرفة في مصر ، لقد جاء الوقت على من رفعوا السلاح في وجه أبناء دينهم وبلدهم وقرروا عمل مراجعات فكرية للعديد من الهراءات التي ارتكبوا بها سجلاً طويلاً من الجرائم وكانوا يعتقدونها من صميم الدين (أياً كانت درجة التشكك في مصداقية تلك المراجعات.. على الأقل قالوا أنهم راجعوا)، لماذا لا يسير رجال الدين في كل مذهب والذين يعطوننا محاضرات طويلة في الاعتدال بنفس الاتجاه الذي سار فيه المتطرفون؟

أيهما أولى يا فضيلة المفتي؟ المراجعة أم الاعتذارات؟ العلاج أم الأسبرين؟.. عن نفسي أعتقد أن الأسبرين وحده لا يكفي..

ذو صلة:كتب الزميل المختفي نبيل هلال في الموضوع مبدياً وجهة نظره..وأتفق معها في كثير..
* هتاف كروي مصري بذيء شهير..

Thursday, January 18, 2007

اكرهوا أنفسكم!

ساعات ونعرف مصير العام الهجري 1428 ، هل يبدأ الغد "الجمعة" أم السبت .. كل عام أنتم بخير..

إذا كنا في نهاية العام الميلادي نلقي نظرة على أحوال العالم كله في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً من العمر ، فهذه فرصة ونحن في هذه الأيام المفترجة لنقف بيننا وبين أنفسنا على حالتنا نحن كمسلمين والتي لا تسر عدواً ولا حبيباً خلال عام هجري كامل..

على غير العادة .. لن أتطرق لكل التناقضات الغريبة التي نعيشها في سلوكياتنا ، ولا على التدين الشكلي ، أو الاستغلال التجاري والسياسي للدين ، وكله جاي دوره بعون الله تعالى ، لكني سأكتفي بالكتابة عن لقطات صغيرة وغريبة حدثت في العام الهجري الذي أبصرت فيه تلك المدونة النور قبل تسعة أشهر..

جعجعة لا مثيل لها تتكرر من كل المتمذهبين ومن العديدين ممن يكلموننا في الدين عن الأمة الواحدة الموحدة المترابطة المش عارف إيه ، في الوقت الذي نجد فيه من الغريب أن يصافحك مصلي في المسجد! أصبح المشهد الذي عشت طفولتي وما تلاها من العمر غريباً ومستهجناً.. بتسلم على اللي جنبك ليه؟

صحيح أن من يفتون بذلك يعللون بأن المصلي بعد الصلاة لا يزال في صلاة إلى أن يختمها .. لكن ماذا تقول أحياناً فيمن يجري دون أن يلوث يده بالسلام على المصلي الجالس بجانبه؟

أما من إمام ينبه على أن المصافحة بين المصلين بعد أداء الصلاة وخاصة المصلين الذين لا تسمح لهم ظروف عملهم أو مصالحهم بختم الصلاة ليس رجساً من عمل الشيطان؟

وتماشياً مع تلك العدائية ، التقطت من موقع إحدى الطرق الصوفية عبارة لإمامها المجدد كما يصفونه : ! أَحذَر أَن تُحِبَّ شَيئًا غَيرِ اللهِ ،فَإِذَا شِئتَ أَن تُحِبَّ غَيرَ ذَلِكَ فَأَحِبَّ مَن وَالَى اللهَ !

لا تحب أي شيء ، ولا أي شخص ، لا تحب وطنك ولا أهلك ولا أصدقاءك ولا عملك.. اكرهوا أنفسكم و "ولعوا فيها" بجاز ، وياريت يكون مش نضيف!

ثم نأتي بعد ذلك ليستعرض علماء الفرق والمذاهب والطرق والشلل والجماعات والمرجعيات على الغرب أننا دين محبة وتسامح (وهو أمر لا مزايدة فيه ولا عليه)! الاسم طوبة والفعل أمشير .. النصوص محبة وسلام وتواد والفتاوى والسلوك وأفكار البشر كلها تنضح بالعكس!

أقلب مؤشر القنوات بين قناة دينية تبيع منتجاتها بقال الله وقال الرسول ، وأخرى يتحدث فيها "باحث إسلامي" عن مراكز السالكين ودرجات المتقربين .. أين نحن من هذا وذاك؟

كل عام وربنا ساترها علينا .. ولا يجعلنا في فوهة مدافع أفكار هؤلاء أكثر ما نحن عليه الآن..

Tuesday, January 9, 2007

كلام في "الغسيل"!

أولاً أعتذر عن الغياب الطويل والفواصل الزمنية الطويلة بين كل تدوينة وأخرى.. ربما تعمدت الإطالة لكي تحصل المواضيع على حقها من النقاش والقراءة دون "كروتة" .. بما أن المواضيع الجديدة تطمر دائماً القديمة مهما كنت أراها مهمة وتستأهل النقاش والجدل..لكن كثيراً من الإطالة يضر أكثر مما ينفع..

ندخل في صميم الموضوع..

قد يكون الدخول إلى التدين .. أو "الالتزام" كما يعرفه موقع عشرينات (ولي في هذا التعريف نقد عنيف في تدوينة قريبة بإذن الله) نوعاً من أنواع الغسيل ، وكلمة الغسيل تتعلق عادة في الميديا بـ"الأموال" ، ولكنه قد يكون غسيلاً للسمعة أيضاً ..

هناك من الساسة ورجال البيزنس وحتى الفنانين من يغسل أمواله وسمعته بالالتحاق بحضرات الصوفيين ،وتمويل الأنشطة السلفية ، أو ببناء مسجد أو عيادة ، وأبسط شيء بالعيش في دور "الاستشياخ" والتركيز الصارخ على هذا المظهر أكثر وأكثر حتى لو تعارض مع المضمون..الذي هو أهم من الشكل حتى ولو لم يلغِه..

لم أدخل في دوافع الناس كما يحلو للبعض الاتهام ، قد يكون وراء ذلك رغبة حقيقية في التطهر حتى وإن تعارضت مع تمسك الشخص بمكتسباته التي يرفضها أخلاقياً ، وقد يكون وراء ذلك رغبة في الغسيل تغطية على مخازي وفضائح تهدد مكتسباته ومصالحه .. وفي كل الحالات "يفتن" السلوك على الدافع سواء أكان إيجابياً أو سلبياً..

تأخذ عمليات الغسيل تلك أبعاداً خاصة عندما يتعلق الأمر بالفن بالذات ، فوجهات نظر المتمذهبين تجاه الفن "تجنن" بما تحتويه من متناقضات عجيبة سأناقشها باستفاضة قريباً بإذن الله ، قد لا يشكل المتمذهبون نسبة كبيرة من تعداد السكان في مصر لكنهم يتمتعون بنفوذ قوي داخل المؤسسة الدينية والإعلامية سواء الرسميتين منهما أم غير الرسميتين..ويصب معظمها في أن الفن إن لم يكن حراماً فهو منكر.. وأن هناك فرق بين الفنان "الملتزم" والفنان "غير الملتزم".. وعليه فإن كل أموال الفن حرام حرام حرام.. بعض الفنانين "يشهر التزامه" مقتنعاً بتلك الأفكار الممتمذهبة دون أن يفعل شيئاً تجاه الأموال التي هي - من وجهة نظر من أقنعوه - حرام حرام حرام!

قد يكون الجدل هنا على حرمة أموال الفن من عدمها .. أحكام الحلال والتحريم في ذاتها أحكام عامة* .. ومع ذلك فإن الفن الذي يقدمه "البعض" قد يثير الجدل ويجعلك تتعاطف مع من يفتون بتحريم أموال الفن كله!

هذه المقدمة الطويلة كانت لازمة لتقديم واقعة هذه المداخلة ، وبطلها فيما يبدو شخص أعتقد أنه مقدر لي : سعد الصغير!

تعرفون أن وائل عباس و ماكسد أوت زميلينا -والـ"نا" هنا ليست تعظيماً ولكن عطفاً على فكرة كوني مدوناً ومعظم الزوار مدونين فكلنا مدونين في بعضينا-قد نشرا في وقت سابق كليباً "فضيحة" للبيه سعد الصغير تكرر كثيراً فيما يبدو ، وألمحت له قبل أيام في المدونة الشقيقة "فرجة" ، وبعد أيام أفاجأ بـ"المصريون" تنشر أن سيادته قد بنى مسجداً تحت عمارة مكونة من عشرة أدوار (هناك آراء فقهية تقول أن المسجد لا يجب أن يعلوه شيء.. ربما كان المصطلح الأدق الذي يصف المكان هو أنه "زاوية" والله تعالى أعلم).. وكان رد فعل أهل المنطقة - والعهدة على الصحيفة الإلكترونية- هو المقاطعة التامة ، وكذا الشيوخ الذي يفترض بهم الخطابة في صلاة الجمعة المقامة في تلك الزاوية بدعوى أن المال الذي بنيت به .. حرام!

قد يقول البعض بأن هذا الموقف ليتخذ حتى ولو كان سعد الصغير -لا سمح الله - فنان بحق وحقيق ، لكن أنا مع وجهة نظر معظم أهل المنطقة الذين يجدون صعوبة في الصلاة في مسجد بني بأموال شخص فعل ما فعل في الكليب المذكور (وربما لأنهم عشيرته الأقربون فهم يعرفون عنه في أفراحهم ما لا نعرفه ، وما لم ينشره ماكسد ووائل)..

الغريب أنه من هؤلاء أيضاً من يحضر الأفراح التي يقوم فيها سعد بيه بحركاته إياها ويستمتع بها ، ولا مانع من أن يحكي ما حدث لأصدقائه ويتفاخر بالحركة الفلانية التي قام بها مع الراقصة العلانية ، ثم إذا حدثته عن الصلاة في الزاوية التي بناها سعد بيه يقول لك : استغفر الله العظيم .. دي مبنية بفلوس حرام!

وجهة النظر الأخرى لها وجاهتها ، حسناً ، كسب فلان الفلاني أموالاً من التمثيل المبتذل والغناء المسف و...و....ماذا سيفعل بتلك الأموال التي يعلم بأنها حرام؟ هل يحرقها مثلاً؟

معضلة صعبة ، سواء أفترضنا حسن نية سعد وغيره أو سوئها..كيف ترونها؟

تحديث:نشرت جريدة صوت الأمة في عدد الأحد الماضي صورة للزاوية التي بناها سعد الصغير وأجرت تحقيقاً عن الموضوع..

تحديث 12/1:ذكرتني الزميلة زمان الوصل بأن كانت هناك عبارة ما مكتوبة على الستارة في خلفية الكليب الشهير الذي نشره وائل عباس لسعد الصغير.. المسخرة أن الكتابة - كما رأيتها - هي عبارة : محتاجينك يارب!.. تلك العبارة المكتوبة على قطعة من القماش تحدث أمامها هذه الكمية من المساخر قد أتطرق إليها بإذن الله تعالى في تدوينة مستقلة..
* ولي هنا أن أذكر بتعليق ينسب للعالم الأزهري الكبير الراحل الشيخ محمد أبو زهرة ، الذي قال ما معناه أن الإسلام يتسم بالجدية في أمور التحريم ، فهو عندما حرَّم الزنا حرمه ولو بامرأة مشركة عقيم محترفة..