Wednesday, July 25, 2012

ميسي ، ورونالدو ، والمسلسل ، وخيبة مولانا

نحن نعيش حالياً في أجواء الفرح البلدي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، إذا كنت قريباً من وسيلة إعلان ، فهناك "ستيريوتايبات" و"حوارات" تصلح لمناسبات معينة يتم إطلاقها على الطريقة التي يحيي فيها مطرب "المهرجان" أهل العريس والعروسة ، وهناك تحايا في الإعلام لكل أهل عريس وعروسة ، المجتمع المحافظ ، الليبراليين ، الإسلاميين ، رجال الأعمال ، اليسار ، الناصريين ، الثوريين ، الفلول ، وأنا وانت..

أحد الشيوخ السعوديين تصرف بنفس الطريقة بمناسبة مسلسل "الفاروق" الذي ما كان أن يعرض ولا أن يجاز إلا في ظل موافقة سياسية - دينية ، تحول معها كل الهجوم على كار التمثيل وعلى الفنون ، والذي يتعدى درجة التحريم ، إلى شيء آخر يختلف ، نلمسه من خلال التحية السخيفة التي وجهها المذكور ..

يقول لا فوض فوه :

اسأل نفسك وجاوبها بكل تجرد.. متى قريت سيرة عمر؟ لا تجاوبني أنا كم مرة سمعت اسم عمر في مجلسك واستراحتك

...

أكثر هؤلاء لو تسأله كم كانت مدة خلافة عمر ومتى تولى لا يعرف وأكثرهم يعرف عن رونالدو وميسي ما لا يعرف ربعه عن عمر وغير عمر

تشعر أن مولانا يتحدث فيما يبدو عن عالم غير العالم الذي نعيشه ، يتحدث عن عالم كله حانات وخمور ودعارة ، وليس مجتمعاً فيه مساجد ضخمة يصلي بها عشرات الآلاف خلف إمام أو شيخ معروف لا تنزل كلمته الأرض أبداً ، وفيه بدل القناة الدينية ألف ، وبدل الشريط ألف ، وبدل الفيديو ألف ، وبدل الموقع ألف ، وكلهم يتحدثون بنفس الخطاب "القصصي" المبني كله على "تقديم القدوة" و"العظة والعبرة" سواء فيما يستطيع الناس الاقتداء به وتقليده أو ما يتعدى قدرات البشر في زماننا الراهن بتحدياته وتغيراته..

والمفروض أنه من مهام رجال الدين ، وليس كل مهام رجال الدين ، توعية الناس - حكاماً ومحكومين - ووعظهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتقديم النماذج بشكل يستطيع الناس استيعابه والاقتداء به ، عملاً بالقول المأثور : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع..

فضح الرجل نفسه وغيره من حيث لا يعلم ولا يدري ، وكشف أنه لا يقوم هو وغيره بعملهم كما يجب ، مثله مثل كثيرين يعجبون بأنفسهم أكثر من اللازم ، ويفصلون الخطب على طول الشريط ، أو يهملها ليتفرغ لتقديم برنامج فضائي ، ويقوم بتضبيط الميكروفون بدقة قبل صلاة التراويح علشان الصوت يطلع حلو، عندما لا تؤدي عملك تقوم فوراً بالإسقاط على الغير ، بالهجوم المبالغ فيه على أي غير من أي نوع من باب "إديله في شكارة في شكارة" و"محدش حيعد ورانا".. ما هو دخل "ميسي" و "رونالدو" بالمسلسل أو بـ"عمر بن الخطاب" رضي الله عنه ، خاصةً وأن من جمهور مولانا عدد لا بأس به من جمهور "ميسي" و "رونالدو"؟.. و/أو ما بالثناء المبالغ فيه على الغير كي تهرب من المسئولية (وهو ما حدث من الرجل مع المسلسل وصناعه) .. ويصبح "الحديت ماسخاً" لأبعد مدى عندما لا يكون ذلك "الغير" علاقة بما تفعل أنت.. هل أخبر الرجل أحد أن الفن ليس من وظيفته القيام بعمل المنبر؟ الفن يطرح أسئلة ويقدم واقع وليس من مهمته تقديم حلول، الحلول مهمة أناس آخرين ، الفن يعتمد على الخيال والواقع (وعلى الخيال بشكل أكبر) ، بينما لدى رجل الدين قيم ومعلومات يوصلها للناس كمعلم يوصلها لتلاميذه ، طبقاً للمنهج الذي يتبناه مولانا على الأقل..

تحية هابطة اللغة والمنطق معاً تليق بأجواء يغلب عليها عدم الفهم ومعاداته ، أشبه بأجواء الحشيش والبيرة ، في الضياع في الضياع على رأي المطرب الشعبي "هوبة" ، ومحاولة للتنصل من الفشل والهرب من المسئولية .. هذا إن كان صاحب التحية قد بلغه درس "شارع الهرم" العام الماضي ، وكيف تحول كثيرون ممن ملأوا صلوات التراويح في رمضان الماضي إلى مشاهدة "شارع الهرم"!

لو كان الفن هابطاً كله ، وحراماً كله ، وأهله كلهم الذي والذين ، لماذا يبيحه الرجل وأمثاله الآن؟ وما الذي سيضمن لنا أنه لن يكفره بأهله غداً؟ لماذا لا يترك عمله للفن والفنانين بينما يتحول الفنانون إلى وعاظ والمهنيون إلى ساسة والساسة إلى أطباء والأطباء إلى محامين؟ ولماذا لا يحتفظ بنصائحه ، أو يحتفظ غيره كل في بلده ، ببعض من نصائحه لحكامه ، بما أن "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه كان نموذجاً للحاكم القدوة ، الذي لا تقوم في بلاده اضطرابات ولا ثورات ضد الفقر والتهميش والديكتاتورية؟

يا فرحتي ببعض المنتسبين لرجال الدين الذين يتهربون من عملهم الأصلي ، بل ويسهمون في عمل تمارين إطالة لألسنة الناس بسبب تصريحاتهم ومواقفهم..

للتذكير : هذا ما سبق كتابته في ذلك المكان في العشرين من أغسطس الماضي .. نحن ندور حول أنفسنا بصورة مرعبة..

1 comment:

Me, myself, and her said...

مرحباً..
أجمل الثورات هي ثورة النفس على غيابها و ظلمتها. و أعظم ما حصل في الثورات العربية أنها حصدت للشعوب العربية غياب الغياب و شروق الصحوة و موت الظلمة.
تتشرّف مدونة "ديجا فو" بالتعاون مع شبكة "ضاد" الإعلامية أن تطلق هذه الحملة بمناسبة شهر رمضان الكريم.
تابعوا ما ننشره بشكل يومي في رمضان، و يسعدنا مشاركتكم في الحملة بين الكثيرين ممن ننشر لهم جُمَلهُم الإيمانية .. كل عام و أنتم بألف خير.
للمزيد من التفاصيل:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=205365699590840&set=a.181972185263525.37854.174021456058598&type=1&theater