Wednesday, November 24, 2010

أقنعة الاعتدال : السيارة ستقفز إلى الخلف

0-لم تكن المشكلة أبداً في وجود وضع "سيء" أو "وحش".. فـ"الوحاشة" هي الوجه الآخر لعملة "الحلاوة".. والسلوك "المشين" هو الوجه الآخر للسلوك "الممتاز" أو "البطولي".. ولكن تبقى المشكلة في طريقة تعاملنا مع كل ما سبق.. بعبارة أخرى .. هناك أمور نسبية تختلف باختلافنا ، وهناك ثوابت هي كذلك بالنسبة للمبادئ التي نعتنقها ونؤمن بها ،عليه ، ومن المثير للغضب والاستغراب أن تتعامل مع شيء مطلق بالنسبة لثوابتك على أنه نسبي ، وأن تتعامل مع شيء نسبي بصفته مسألة مطلقة..

1-فاجأنا رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بفتوى ستعيد هذا البلد قروناً إلى الخلف ، يعتبر فيها طبقاً لعدة صحف ولعدة مواقع على إننرنت الذهاب للانتخاب عملاً "في سبيل الله" ..

خطورة الفتوى السابقة في أمرين .. الأول هو أنها نسفت - تماماً - كل الجهود التي بذلها أزهريون ، وبذلها من يقولون أنهم "معتدلون" في الدفاع عن المؤسسة الأزهرية في مواجهة الاتجاه السائد بأنها مؤسسة "موالية للسلطة" .. فالمؤسسة التي يقول المدافعون عنها من أولئك وهؤلاء ، من حسني النية ومحترفي الصيد في كل سائل عكر ، أنها مؤسسة مستقلة تحمي الاستنارة والاعتدال تورطت هي الأخرى في الكذب على الناس ، كما فعل المستصوفون الذين قالوا نحن لا نمارس السياسة وهم يمارسونها ، وأكبر الخاسرين طبعاً هو المؤسسة الأزهرية نفسها ، حيث ستقابل كل الجهود الحقيقية التي يبذلها البعض داخل الأزهر لتقديم ثقافة دينية معتدلة وسطية بحاجز نفسي أكبر لدى الناس التي كان لديها شكوك في تبعية المؤسسة سياسياً للسلطة قبل الفتوى..هدف سجلته قيادات المذاهب المتمسلفة والمستصوفة بنيران صديقة..

والثاني هي أنها جاءت تطوراً رهيباً إلى الوراء .. ففي السابق كانت الفتاوى المستعملة في الدعاية تستند إلى أن الانتخابات "شهادة" ومن يكتمها فإنه "آثم قلبه" ..أما الآن فقد ارتقى الذهاب لتصويت في الانتخابات إلى مقام "الجهاد في سبيل الله".. وإثم تاركه أكبر!..

2-دعوني أفكر بصوت عال في الفتوى في إطار فكرة "المطلق" و"النسبي"..

في الفتاوى السابقة التي تعتبر الانتخابات ، رئاسية أو برلمانية أو غيرها ، "شهادة".. أليست الشهادة عملاً نسبياً؟ في واقعة ما -لنفرض أنها مشادة مثلاً- كان هناك بعض الناس حاضرين ، وشهدوها ، وشهدوا على أطرافها ، بعض الناس ، وليس الكل ، فهل يحق للشرطة أن تطلب أناساً لم يشهدوا الواقعة ، ولم يعرفوا أطرافها ، بأن تستجوبهم؟ وهل يصبح لزاماً على أشخاص لم يحضروا الواقعة وليست لديهم أدنى معلومة عن أطرافها بأن يدلوا بأقوال في قسم الشرطة؟ لو كان ذلك كذلك فنحن نتحدث عن نقوط في فرح شعبي..وليته كان كذلك..

"الشهادة" في الانتخابات لا تختلف كثيراً .. بما أننا اتفقنا أنه لكي تشهد على شيء يجب أن تعرف عنه شيئاً.. الفرق أنك مطالب بأن تعرف الشيء الكثير ، أقله علشان شهادتك تبقى شهادة حق ، عن مرشحيك وبدائلهم واختياراتهم لأن الأمر جلل وخطير يحتاج لأن تعرف عنه أكثر.. كما أنك في الانتخابات حر في أن تشهد أو لا تشهد .. فالانتخاب عملية اختيار بين بدائل ، مرشحين .. لنفرض جدلاً أنك لا تعرف أي من المرشحين ، ولا تهتم بهم ، ولا تثق بأي منهم ، وهذا ما يحدث في 99% من الحالات على الأقل ..فهل سيلومك من أحد على أنك لم تذهب للتصويت؟ ولا هو نظام "شاهد ما شافش حاجة"؟

3-لا إزاي؟ الفتوى الجديدة جعلت الشهادة - الاختيارية - أشبه بالجهاد ، الذي يعد تاركه "متولياً عن الزحف" وهي كبيرة ضخمة في الإسلام بل هي من السبع الموبقات بنص الحديث.. وأعتقد أنه من المهم جداً أن نسأل : من الذي يحدد إن كان هذا العمل في سبيل الله أم لا .. باعتبار أهمية الجهاد في الإسلام؟

4-وبالمرة .. سؤال شرير آخر .. هل إذا قرر شخص ما أن يصوت بناء على قرار رئيسه ، أو شيخه ، أو حزبه ، أو أي شخص آخر ، لشخص هو يعلم تماماً أنه لا يصلح ، فهل هذا الشخص الذي سيترك بيته من أجل شهادة زور - طبقاً لفتاوى سابقة- مجاهداً في سبيل الله؟ يا مثبت العقل والدين!

5-على كل .. الفتوى غريبة ، والتعليق الذي قرأته على موقع جريدة "الأسبوع" الإلكتروني الذي اقتبستها منه أغرب ، لكن موقف من يقولون أنهم الوكلاء الحضريون للاعتدال ، المدافعون عن "الاستنارة" و "الوطن" و"الهوية المصرية" الذين لم يستنكروا تلك الفتوى المضادة لكل ما ثقبوا فيه آذاننا وأدمغتنا بشنيور غليظ السلاح أغرب وأغرب..

هم ببساطة مع تديين السياسة والمشاركة السياسية ما دامت تصب في بحر مزاجهم الفكري ومصالحهم فقط.. المسألة لا مسألة مبدأ ولا يحزنون ، ولم يتركوا شيئاً لمن أفتى بالفتوى أنفسهم.. وبفضل أولئك وهؤلاء .. فإن السيارة لن تقفز فقط إلى الخلف..

Tuesday, November 9, 2010

حاشية على كلام فارغ -جزء ثالث وأخير

14-لنتفق أنه كما تتنازع الأحزاب السياسية على كعكة السلطة ، وتتفنن في التنافس بكل الوسائل للفوز بأصوات الناخبين -هذا لو كنا بعد الشر في نظام ديمقراطي تعددي شفاف - بتقديم ما يمكن وصفه بـ"حلول عملية" لمشاكلهم الملحة ، تتنافس المذاهب على زعامة الدين واحتكار تمثيله دون غيرها بنفس الطريقة.. وفي مجتمع هذه هي نظرته للزواج ، المقصورة على الجنس وحفظ النوع ، فقط ، رغم محاولة الأديان كلها والإسلام بشكل خاص وصريح للرقي بها إلى ما هو أسمى وأعلى .. كان من الطبيعي أن تقفز مسائل الزواج والطلاق ، ومشاكل كارتفاع معدلات الطلاق والتأخير في سن الزواج المسمى هنا في بلادنا بـ"العنوسة" إلى ترتيب متقدم في قائمة أولويات تلك التيارات.. حتى على حساب مسائل خطيرة ومرعبة منها "الفقر" مثلاً..

15-يقول هؤلاء أن ارتفاع معدلات الطلاق و"العنوسة" سببه الرئيسي "الابتعاد عن منهج الله" .. صحيح .. ولكن لم يوضح لنا هؤلاء كيف .. هل في المظهر أم في المخبر.. في الاختيار .. في التربية .. في.. في .. ، فمنهج الله أوسع من مجرد مظهر أو تصور للدين ، الذي هو عقيدة وعبادات ومعاملات ، كما نعرف جميعاً.. ومشكلتنا أن من يقولون من خلال خطبهم وشرائطهم ومطبوعاتهم وفضائياتهم لا يعلموننا المنهج كله كما ينبغي .من المهم فعلاً أن نعرف موطن الخطأ أقله كي نتفادى كل تلك السلبيات ونسير أمور حياتنا بشكل إيجابي وسليم، هل وضح هؤلاء ، طالما افترضنا أنهم وضحوا سلبيات ، التصور الإيجابي لعلاقة زوجية ، بشكل قابل للفهم في زمننا الحالي ، فما جاء في الكتاب والسنة أسس عامة ومبادئ يحققها الإنسان في إطار مفردات ومتغيرات زمنه ، والاختلافات الضخمة بين المجتمعات في عهد السلف الصالح وبينها اليوم لا تخفى على أحد ، إلا على البعض الذي يشق على الناس فيحملهم ما لا يطيقون فيعنتهم..

15-ولأن الشيء بالشيء يذكر ، هل "العنوسة" مشكلة "دينية" رغم أن الزواج نصفه قدري كما أن نصفه اختيار.. بما أنه من أساسيات الإيمان هو الإيمان بالقضاء والقدر..وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها؟.. وبما أن كاتب هذه السطور من عامة الناس ويهمه أن يعرف ويفهم فإنني أسأل - سؤال استفهام وليس سؤال استنكار- هل في كتاب الله وسنة نبيه المصطفى (ص) ما يفيد بأن تأخر سن الزواج في ذاته مشكلة أو عقاب إلهي ينزله الله عز وجل فيمن يعصاه؟

17-وبما أننا نتحدث عن مسألة مبدأ ومعرفة صواب من خطأ .. هل درَّسَ لنا الإعلام الديني ، ولنكن صرحاء ، فقه الزواج سواء في الخطب والدروس "التي هي أساس قوي لتبصرة عامة الناس مثلي ومثلكم بأمور الدين" ، أو في الفضائيات التي بدأ البعض يتصورها بديلاً للمسجد ، فقه الزواج ، كاملاً غير منقوص، أقله لكي نعلم ، لأن من يعلم ليس كمن لا يعلم ، الذي يكون نهباَ لمن يقول أنه يعلم..

18-لاحظت ، وقد تحتمل ملاحظتي الخطأ ، أن كل التركيز فيما يوجه من خطاب ديني في مسألة الزواج ..الجانب الأول هو المسألة الاقتصادية ، والتي تعامل بتسطيح لافت للنظر.. أمر -عن نفسي- قبل ذهابي للعمل على لافتة ملصقة على محل في مدينتي عليها عنوان لذيذ آخر الشارع "هيا بنا نزوج الشباب".. والأمر لا يعدو مجرد حملة تبرعات من أهل الخير لتسهيل متطلبات الزواج بالنسبة للأسر الصغيرة "تحصيناً لأبنائها من الحرام".. ماشي .. حلو قوي..ألم يكن من الأفضل بالمرة أن تساعدوا هؤلاء بوظائف تساعدهم على إعالة بنات الناس ، بما أنه من القوامة بنص القرآن الكريم النفقة ، بدلاً من أن يجدوا أنفسهم مثقلين فجأة بأعباء مادية ضخمة تلقي بهم في قارعة الطريق في وجه الفقر اللعين -الذي استعاذ منه الرسول (ص) نفسه في دعاء شهير جداً نردده كثيراً- وفي هذه الحالة نكون قد أنقذنا "الشباب" من حرام لنوقع بهم في يد حرام آخر!

ويستمر التسطيح في الحديث عما يخص المهور أيضاً.. كما لو كانت المسألة اقتصادية صرفة ، بينما لم يمعن أولئك النظر في حقيقة أن هناك حالات انفصال تحدث ،وبالجملة ، بين عائلات متكافئة جداً في المستوى المادي ، بل وفي أوساط غنية اقتصادياً ، ولا تئن من الفقر الضنك الذي يعيش ما يقرب من نصف سكان البلد - طبقاً لإحصائيات- تحت خطه..

أما الجانب الثاني وهو جانب العلاقة الجنسية ، والتي يتكلم فيها كل من يمثل أي تيار في مصر ، مذهبي ديني ، عالماني ، يساري ، ماركسي ، ليبرالي ، حزبوطني ، تيارات دينية سياسية ..الخ.. وفقاً لتفاسيره.. ونسمع فيها ما يقتل من الضحك من شدة الغيظ .. فالمتمذهبون يتحدثون عادةً عن "العفة" وعن ما يحدثه "المجتمع الفاسد" من صور "إلهاب الغرائز" في الوقت الذي يصعب فيه اقتصادياً على الشاب أن "يعف نظره" ، وتحتل مفردات "غض البصر" و"الاحتشام" وغيرها أولويات في خطابهم.. وفي المقابل يرى المتطرفون على الجانب الآخر ، مثل السيد "حامد" أن مجتمعنا يعيش حالة من "الكبت" وأن الدين نفسه ، لا فهمنا له ، هو السبب الرئيسي لنصه على ترتيبات يرون هم أنها تعرقل "إشباع الغريزة الجنسية" في الوقت التي نراها كعامة ناس ترتيبات تضمن العلنية والعدالة والاستقرار و"السكن" - راجعوا الآية - وهي من أسس قيام مجتمع سليم وصحيح وسوي..

19-الدين نفسه يطرح الزواج بشكل سام، لا مسطح ولا حيواني ، لا اقتصادي نفعي مادي بحت ولا غرائزي ، مسألة قائمة على اختيار حقيقي ، ووعي وإحساس بالمسئولية ، وتقوى الله في الغير بعيداً عن الأنانية التي شابت سلوكنا كله في فترة ما بعد الحراك لتصل إلى التدين نفسه .. العيب ليس في الدين ، بل فينا إن علقنا العيب عليه .. كان الأمر ليختلف تماماً إذا ما تغير المجتمع نفسه ،عاداته وتقاليده ، بشكل يعلم الشباب أنفسهم حسن الاختيار ، وفهم الغير ، والإحساس بالمسئولية ، حينئذ لن نسمع عن احتقار ودونية ينظر بها مجتمع ما إلى امرأة طلقت (خرج بيوت) أو لم تنجب (أرض بور) أو ترمل عنها زوجها (بومة) أو تأخر بها السن قبل أن تتزوج (عانس).. أو إلى رجل لأسباب مشابهة..

20-العيب في التطبيق وليس في النظرية .. وتعييب النظرية نفسها حجة البليد .. حقيقة نعرفها .. لكن كما قال "نجيب محفوظ" : لكن آفة حارتنا النسيان..

Monday, November 8, 2010

في الشعب المتدين

نحن شعب متدين و100 فل وعشرين..لمن يغضب من استخدام كلمة "عشرتاشر"..

نحن شعب متدين من قديم الأزل ، وننتفشخر على خلق الله بأننا شعب متدين ، بل من أكثر الشعوب تديناً ، منذ أيام كهنة آمون وإلى ساعة كتابة هذه السطور ، معتقد مردنا عليه وتربينا عليه ،وكرست له مقالات وفصول في كتب -كما في "شخصية مصر" لـ"جمال حمدان" - وربما كتب كاملة تتغزل في جمال التدين المصري ، وتمصمص الشفاة على حال المصريين اليوم ومقارنتهم بأيام زمان على طريقة "الله يرحمك يا طهطاوي" في "مدرسة المشاغبين"..

اسأل أي قريب لك أكبر في السن بمسافة كبيرة وسيخبرك ، وستقتنع عندما تنزل الشارع بأننا شعب متدين جداً جداً جداً جداً.. المظاهر الدينية موجودة ، سواء الإسلامية منها أو المسيحية ، صوت القرآن الكريم منتشر في كل مكان ، والعبارات الدينية موجودة بنسبة في الحوار اليومي ، بالنسبة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء..ملايين يتجمعون في المناسبات الدينية وما في حكمها ، في صلوات الجمع والتراويح والأعياد والموالد والمواسم ، وما يعادلها أيضاً لدى المسيحيين..طقوس ذات طبيعة دينية كإيقاد الشموع في الكنائس وزيارة أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين ..يتفاخر الناس بالحصول على ألقاب مثل "الحاج" أو "المقدس" .. وبسلوكيات من عينة "ما بيفوتش فرض" .."السبحة في إيده" ..الخ..

لكنك عندما تقترب تجد تنافراً عجيباً بين المظهر والمخبر ، وتصطدم بتصرفات لا تعكس أبداً ما تراه عيناك المجردتان ، ادخل أي مصلحة حكومية لتجد آيات الذكر الحكيم مسموعة في الوقت الذي يتحدث فيه الكل داخل المكان ، رغم أن الأصل عندما يقرأ القرآن هو السمع والإنصات كما جاء فيه ، احتك بالعديد من أصحاب المظاهر الدينية وستفاجأ بسلوكيات مختلفة وغريبة.. من غش إلى كذب إلى نميمة إلا لامبالاة ..

قد يرى البعض فيما أقول تجنياً ، وقد يراه أعراض تمرد زائد واستسخاف لكل شيء حتى ولو بدا "عادياً" ، وقد يرى البعض في حكايا القدماء وليد "رَوَقان".. فلم تكن تلك النزعات المثالية الموجودة لدى الشباب صغير السن- في الجيل الحالي -نسبياً موجودة ، والتي تصنع لديهم حالات من التمرد كلما يصطدمون بواقع يتنافر مع ما يؤمنون به من مثاليات من مصدرها -في مجتمعنا وغيره- الدين..ويبدو أنه كلما تقدمنا في الزمن كانت الأجيال الجديدة أكثر تمرداً وإحباطاً..

هل يوجد شعب أكثر تديناً من غيره؟ ما هو دليلي في أن شعباً ما أكثر تديناً من غيره؟ هل التدين خاصية ملتصقة بشعب؟ هل ما لدينا هو تسامح أم علاقة نفاق نعتقد بها أننا نرضي بها الله عز وجل ثم نمضي إلى حال سبيلنا لنرضي أنفسنا على حساب الله عز وجل والذي اطمأننا طبقاً لما فعلناه إلى أننا أرضيناه طبقاً لمفهومنا؟

هذه أسئلة أوجهها لكم مسلمين ومسيحيين على السواء .. والكرة في ملعبكم..