Wednesday, September 30, 2009

في الصالح والمصالح والمصلحة : السمع والطاعة

تداعيات أزمة أنفلونزا الخنازير أكبر بكثير مما توقعناها ، وتركت العديد من المفاجآت والصدمات في تصوري الشخصي فيما يخص أشياء كثيرة ، منها بالتأكيد إكليشيه "السمع والطاعة".. والذي اتضح أنه نكتة سمجة روجها بعض المحسوبين على جماعات الإسلام السياسي والناشطين وأدعياء الفكر الإسلامي..

تحدث الأخيرون كثيراً عن "علماء السلطة" و "شيوخ السلطة" و "الموالاة العمياء للسلفية الحسانية والتيار الصوفي لأولي الأمر" ، وعن أن التدين الحالي كرس "الطاعة العمياء" و "الخنوع" للسلطة وأن .. وأن... .

وبسبب الثقة العمياء التي نوليها نحن لأولئك وهؤلاء ، تعاطفاً معهم ومع أفكارهم أو لتلاقي في وجهات النظر أو المصالح الفكرية فنحن نتشرب تلك الإكليشيهات غيباً كما نتعلم جدول الضرب ، مع أننا لو تأملنا ما يحدث لخرجنا بنتيجة مختلفة ، وصادمة أيضاً..

0-لنعترف أننا نفتقد إلى الكثير من أساسيات النضج السياسي ، فتجارب "الدولة" في العالم العربي إلى حد ما حديثة العهد ، ومتشبعة لدرجة "النشعان" بعيوب السنوات الأولى من تطبيق أي "اختراع" جديد ، خاصةً وإن كان ثقيل الظل ويضرب العديد من موروثاتنا عن "الحكم" في مقتل ، وأن هذه التجارب تعطلت بفعل عوامل كالطائفية (لبنان) ، أو القبلية (الكويت) أو البيروقراطية (مصر) ، ومن أهم مشاكلنا في هذا الصدد هو أن جميعنا تقريباً -المثقفون منا وعامة الناس ومنهم كاتب السطور-لا نزال نعاني من الخلط بين "الدولة" و "النظام" و "الحكومة" و "الحزب الحاكم" و"ولي الأمر" .. خلط موجود في صفوف الفرق الدينية والمذهبية وممارسي السياسة والمثقفين وغير المثقفين ، عن حسن نية أو عن غير ذلك..

1-بالتالي ، فإن أولئك وهؤلاء اختزلوا "النظام" و "الدولة" في شكل الشخص الذي هو على رأس النظام ، كجزء من الانتهازية السياسية التي تضرب مجتمعاتنا طولاً وعرضاً ، ولذا عندما يؤيد هؤلاء حاكماً ما فإنهم يستعملون مصطلح "البيعة" لا "الانتخاب" ، رغم أن النظام يسمح لمواطنيه بالعملية الانتخابية - حقيقية ولا صورية دة مش الموضوع - كما تفعل عادة بعض الجماعات المحسوبة على التيار السلفي ،وكما فعل المستصوفون .. قبل "صراعهم" الأخير مع النظام على وقع أزمة "شيخ المشايخ" ما بين "أبي العزائم" و "القصبي".. والكل يستشهد بآيات وأحاديث تدعم الطاعة لـ"ولي الأمر" ، دون وعي فكرة تغير مفهوم "ولي الأمر" منذ عهد الرسالة إلى الزمن الحالي ..

2-وفي الحقيقة لا فرق بين سلوك "المبايعة" بهذه الطريقة وبين ما تفعله جماعات مصالح أخرى داخل الدولة ، فالأخيرون "يبايعون" في وجود المصلحة ، وفي غيابها سيقلبون على الوجه الآخر ، وكذلك الأمور بالنسبة للفرق المذهبية الأخرى ، من النقيض إلى النقيض اللي هناك.. وسيفعل هؤلاء كما تفعل بعض جماعات الإسلام السياسي التي ترى أنه لا طاعة لولي أمر "غير عادل" مستندة إلى تفاسير وأفهام لآيات وأحاديث .. أيضاً..

3-أخذ الموضوع على مدار التاريخ شكل الصفقات ، عرض وطلب ، نفع واستنفع .. مالت النظم على مدار التاريخ لكسب وجد المجموعات المذهبية ، لما لها من نفوذ على الشارع وعلى العامة الذين يشكلون جل المجتمعات ، وتستطيع امتصاص سخط الناس على السياسات ، كما حدث في فترة المماليك (وما أدراك ما هم حتى مذبحة القلعة) ، ثم العثمانيين الذين تحالفوا مع الصوفية ، وفي نظم تحالفت مع السلفية المتشددة ولا تزال ، وحتى في الحقبة الليبرالية المصرية (=من ثورة 1919 إلى ما قبل 1952)كان يحدث مثل ذلك ، في المقابل ، لعبت التيارات المعارضة على خطاب "ثوري" يستغل سخط الناس على النظم وسياساتها بما فشلت به على مدار قرون في تحقيق "توازن" اجتماعي واقتصادي ، فلعبت على أفهام وتفاسير "ثورية" للدين ، وعلى فكرة "الحاكم العادل" في مواجهة "الحاكم المستبد" ، وهو ما وجدته تلك التيارات ، خصوصاً التي لها علاقة بالمال و"قلبها قوي" في مواجهة النظم ، في جماعات الإسلام السياسي ، لكن تضارب المصالح بين تلك التيارات وجماعات الإسلام السياسي جعلها تراهن على "الإسلام الليبرالي" الذي وفر "مفكروه "بالنسبة لها خلطة عبقرية ، خلطة تستطيع استقطاب المثقفين بشعاراتها البراقة ، وتستطيع استقطاب البسطاء بالكلام عن العدل والعدالة وتستثمر في سخطهم على نظم لم توفر لهم ما توفره نظم أخرى لمجتمعاتهم ، وعندما تصل التيارات المعارضة إلى سدة الحكم ،فقد تلقي تلك التيارات بشعارات "الإسلام الليبرالي" من الشباك ، أو أن تستمر الصفقة ، ويتحول الخطاب إلى أحلى خطاب سمع وطاعة..

4-إذن التدين ، بل والدين ، بريء تماماً من مسألة تكريس سلطة أو تقويضها ، وما لم يعيه الكثيرون من المثقفين أن المسألة صارت on-off حسب المصلحة التي تتمتع بها كل فرقة ، توسع في منح الصلاحيات للمستصوفين سيعطوك عيونهم ، امنح حرية الحركة الإعلامية للتيار الحساني سيعطوك قلوبهم ، اقلب على الوجه الآخر .. الباقي معروف..

ما بين استغلال الدين لتبرير تأييد السلطة ، واستغلال الدين للانقلاب على السلطة ، يبقى سؤال هو موضوع الجزء الثاني من هذه التدوينة ، هل الإسلام دين الحكومة أم دين المعارضة؟

Sunday, September 20, 2009

رمضان شو

"صايم ولا زي كل سنة؟"

قبل بداية رمضان نجد من يسألنا هذا السؤال .. وللأسف فإن "أحدهم" على فضائية دينية اقترح أن نجيب عن السؤال بعبارة "زي كل سنة" .. والحكمة من ذلك كما يرى أن الشخص صائم في كل عام!

يا حلاوة..

تعلمنا أن حسن الإجابة يبدأ من حسن قراءة السؤال ، ولكي نجيب عن سؤال "تخييري" كهذا يجب أن نعرف أولاً البديلين اللذين نختار منهما ، الصيام الحقيقي بانعكاساته على السلوك والهادف إلى رفع مستوى التقوى ، وما يحدث كل عام..

1-يقولون في بلادنا "عرفت فلان؟ آه .. عاشرته؟ لأ .. يبقى ما عرفتهوش".. وهذا ما يدفعني للقول بأن المرء ينخدع بسهولة عندما يرى المساجد ملأى عن بكرة أبيها في الأيام السبعة ، أو العشرة ، أو الخمس عشرة الأُوَل من الشهر الفضيل ، ثم يصاب بالصدمة عند أول احتكاك مع البشر في المصلحة الحكومية أو في الشارع أو حتى في قلب المسجد..

وكنا نشتكي من أنه لا اختلاف في سلوكيات نسبة كبيرة من الناس في رمضان عنها في غيره ، الآن أصبح السلوك العام في رمضان أسوأ من بقية الشهور الأخرى ، فمن العادي –جداً- أن يذهب شخص إلى بيت الله خصيصاً للسرقة ، أو أن يرتكب "بعضهم" مذبحة بشعة مثل تلك التي نشرت عنها "الدستور" ، أو المذبحة الأخرى التي قام بها أربعة بلطجية وقت الإفطار فتلوا فيها صاحب مقهى أمام أولاده كما نشرت "الدستور" أيضاً ، أو شيئاً مشابهاً لما حدث من سطو بشع في مدينتي الهادئة البعيدة عن صخب العاصمة المدللة (حين أجبرت عصابة مسلحة رجلاً وزوجته على الإلقاء بنفسيهما من الشرفة لكي يستطيع اللصوص الأفاضل سرقة شقتهما) .. ويصر بعض الناس على اتباع كافة الطرق الملتوية لـ"تخليص المصالح" ، وطبعاً تشنف آذانك يومياً بأحدث أنواع السباب البسيط ، والمركب ، بالأب ، والأم ، والعائلة ، والدين .. في رمضان..

في الماضي كان الصيام هو الشماعة التقليدية لأي سخافة ، أما الآن فلا توجد شماعات ، فالرخامة هي الحل ، وإن تسأل فسيسألك الشخص نفسه عن دخل أهلك بالموضوع..

والكل كما نعلم ، يذهب ليلاً إلى المسجد..

2-ونحن كرنفاليون إلى أقصى حد ممكن ، ونعشق الهيصة والزيطة حتى في شئون العبادات ، ونصل إلى درجة من "الصداغة" في تبريرها ، نحن الذين اخترعنا الموالد ، وحالة "الباللو" المصاحب لها، وابتكرنا طقوساً فريدة في رمضان منها تزاحم السادة المتسولين على أبواب المساجد ، وداخل المساجد (ما أن تسلم مع الإمام حتى يبدأون في الصراخ في صحن المسجد) ، ثم تحولت صلاة التراويح ، والتهجد بعد انتشارها في المساجد ، إلى ما يشبه الحفل ، خاصةً في ليلة السابع والعشرين ، فالإمام مطرب بامتياز ، قادر على غناء أي آية في كتاب الله بما فيها آيات الوعيد ، والناس تذهب له من كل حدب وصوب ،وتتزاحم ، وفي الليلة السابعة والعشرين تحديداً ندخل أجواء النزهة الخلوية ، كل شخص مع أصدقائه وأبنائه وأطفاله وجيرانه ، "وتبقى فضيحة" في حال عدم تمكنك من الذهاب إلى المسجد الفلاني للصلاة خلف الشيخ العلاني، ولا مانع من قليل من الطعام والعصائر والشاي ، ثم نجد نفسنا أمام "محدتة" كبيرة ، وعلى المصلي المسكين المتضرر الذاهب لأداء العبادة بحق وحقيق أن يخبط رأسه في أقرب حائط ، والوضع المسلي واللذيذ يصل إلى منحىً مأساوي في المساجد التي توزع سحوراً في الليلة المفترجة ، حيث يبدأ هجوم الفرنجة على السحور بشكل أكتفي بوصفه بالـ"مهين"..

وفضلاً عن الهيصة والزيطة تتحول العبادة مع الوقت إلى شكل من أشكال الوجاهة والتفاخر بطريقة مثيرة للغضب ، نجد مثلاً من يسأل زميله أو صديقه أو شقيقه "انت ختمت القرآن كام مرة؟".. أنا عن نفسي أستغرب ممن يختم القرآن خمس وست مرات في رمضان ، فالقرآن بحر زاخر بأحكامه ولغته ومن الصعب على أي إنسان أن يحيط به بتدبر وإمعان خلال فترة قصيرة كتلك في ظل تفرغ كامل ، فما بالكم في ظل إيقاع حياتي طاحن كالذي نعيشه هذه الأيام.. والأغرب هو تبرير ذلك كما قال "أحدهم"- غير اللي فوق- مستحسناً لـ"كرّ" القرآن الكريم واصفاً تلك الختمات بأنها ختمات "تجارية"!.. لا تعليق..

3-وطبعاً تحول رمضان "الجديد" إلى مظهر من مظاهر الشو المذهبي ما بين مؤتمرات ومنتديات لأتباع كل شلة حسانية كانت أم مستصوفة كما لو كنت تتعامل مع أحزاب سياسية لا متدينين.. ومن أطرف تلك التقاليع أنك تجد سيارة مثلاً تمر في الشوارع في اليوم الأخير من رمضان "تدعونا" فيه "جمعية خيرية" لأداء الصلاة -بيوت الله مفتوحة ولا تحتاج لتقديم دعوة لأي مسلم لأن يؤدي الصلاة فيها..هذا للعلم- في الخلاء "اتباعاً لسنة الرسول الكريم" -بطريقة تؤكد أن الذين يصلون في أماكن مغلقة مبتدعون..ماشي- وطبعاً خلف إمام معين من مكان أو جمعية معينة .. بداية لمسلسل "مساجدنا" و "مساجدهم" الذي يسبق أي فتنة مذهبية كما حدث كثيراً في التاريخ الإسلامي من قبل ، خاصةً وأن لدينا عقليات في التيارين السلفي الحساني والمستصوف الطرقي وظروف إقليمية وسياسية كافية لسكب البنزين على عود الكبريت.. ربنا يستر..

4-ولكي تكتمل المهزلة نجد المال السياسي وصحفه يتهافتون على تقديم التفاسير "المسيسة" للدين ، بما يخدم أغراضهم ومصالحهم الشخصية ، كما حدث في جريدة مالسياسية يومية شهيرة واسعة الانتشار -لنا كلام عن ذلك بالتفصيل في وقت لاحق بإذن الله- لكي تبقى عجلة المتاجرة بالدين والسعي وراء الزعامة الدينية الموهومة مستمراً.. والعبي يا ألعاب..

5-وطبعاً فإن الشهر الكريم تحول على أيدينا إلى شهر للتسول بكافة أشكاله ،سواء تسول الشارع أو التسول في التليفزيون ، بل لعل التسول المتلفز أخطر بمراحل لأنه يخلط بشكل معيب بين صدقة السر وصدقة العلن يعامل فيه صدقة العلن بمعيار صدقة السر.. أي باختصار يتم جمع التبرعات لبناء مستشفى أو مشروع في العلن مع إبقاء ميزانيات المستشفى أو المشروع سرية وبلا رقابة.. إذا لم يكن ذلك "حلبسة" ، فماذا تكون الحلبسة إذن؟..

هذا هو رمضان "زي كل سنة" .. صنعة أيدينا أفراداً ومجموعات وشلل ، مسلسل كبير لا يختلف عن مسلسل الإعلانات الذي تفصله بضع دقائق من الدراما في التليفزيون ، إذا أردنا أن نعيده (=رمضان) سيرته الأولى دون هذه السلسلة من الممارسات السمجة المقحمة عليه .. فستكون البداية من عندك ، وعندي ، وعندها ، وعندهم .. فما يفسده الأفراد يتولون إصلاحه .. و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"-الرعد :11..

كل عام أنتم بخير .. كل عام أنتم أفضل..

Thursday, September 17, 2009

الإفطار على بودرة النفاق الصحفي!

كان من المقرر كتابة هذه التدوينة في المدونة الشقيقة "فرجة" .. لكن بما أن الموضوع مستفز للغاية قررت كتابته هنا في "الدين والديناميت"..

لن أتكلم الآن باستفاضة عما فعلناه ونفعله برمضان ، فالموضوع ذو شجون ومثير للغضب من أوله لآخره ، وربما كان من حسن حظي أن أعود للتدوين هنا في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل ، بما أن خواتيم الأشياء تؤهل المرء للحكم عليها بدقة وموضوعية .. لكني فقط سآخذ جانباً واحداً فقط هو مستفز بما يكفي..

فكرة "الذقون" التي تظهر بمفردها .. زر الدين عندما يتم الضغط عليه .. وأي زر إما أن يكون On أو Off.. وعندما يقرر أحدهم "أننة" الزر -أي جعله On- تفاجأ بأن ضاغطه يشمر عن ساعده ويتقمص دور الواعظ الديني ليخطب في الناس ويعظهم في الحلال والحرام ..

ما كتب في "مجلة" "شاشتي"- وأضع "مجلة" بين علامتي تنصيص لحين البحث عن لفظ لا يعاقب عليه القانون يصفها بدقة- على سبيل المثال لا الحصر ، هو مجرد مثال صارخ ، على تلك الممارسة ، فالمجلة المحترمة جداً بها ناس يبحثون بمنكاش عن مواطن "قلة الأدب" في المسلسلات ، كي يتحمس ليرى من لم يكن قد رأى من قبل (وإلا إزاي الصحافة حتقوم بدورها التنويري؟) ، وبالمرة ليتحمس الكاتب نفسه للوقوف على أقرب كرسي وإسماعنا عبارات "محيي إسماعيل" التاريخية في فيلم "خلي بالك من زوزو".. جمعاااااء!

أعتقد أن المقال نفسه لا يقل سوءاً عن المشاهد التي كتبت فيه ، فمعظم تلك المسلسلات يعرض في مواعيد "ميتة" للمشاهدة يتصادف عرض مسلسلات أكثر جماهيرية فيها ، وما كتب - كما سلف - سيلفت النظر إليها وإلى تلك المشاهد أكثر في وقت يفترض فيه أن ينصرف فيه الناس عن تلك المشاهد ، وكان يفترض - بما أننا نتكلم عن حسن النية - بالمجلة "الغراء" أن تلفت أنظار رقابة التليفزيون مبكراً جداً لـ"حرمة" الشهر الكريم -رغم أنه من المعروف أن رب رمضان هو رب غيره- وللحرص على عدم عرض ما يصطدم مع ما في رمضان من روحانيات.. وحتى وإن حدث و"صهينت" الرقابة ، أليست هناك طرق أخرى للتنبيه ولفت النظر بدلاً من طريقة "التعليق والوصف التفصيلي" لمباراة كرة قلة الأدب؟

وما دامت الشجاعة موجودة - برات البيت عامل لي عنتر- فلماذا لم يتكلم هؤلاء المغاوير عن ما هو أسوأ ألف مرة ، عن ما نشر في "الدستور" من استغلال مقزز للمرضى والأطفال في الدعاية للمستشفيات والمشاريع "الخيرية" .. هذا الاستغلال الذي يتبعه ما يمكن توصيفه بـ"الأذى" الذي نهى عنه المولى في الذكر الحكيم* ، مثير للغضب بطريقة تنسف أقوى صيام في الشهر الكريم.. هذا الاستغلال "أوبن بوفيه" في الميديا التي هي إحدى مجالات تخصص "المجلة".. ويراه أي شخص بوضوح شمس أغسطس الحارقة في كبد السماء..

قلة الأدب في مجال ما حرام ، وفي الآخر حلال .. هذا هو منطق كتبة الأعمدة ، الواعظين الجدد ، والذين يضيفون بممارساتهم التي تقرض الصيام كما تقرض "العتة" البطاطين إلى ما تفعله صحفهم نفسها بنشر مقالات أدعياء الفكر الإسلامي أصحاب التفاسير المسيسة والمريضة.. لتصبح الصحف نفسها أسوأ من التليفزيون ألف ألف مرة هذا العام..

وما دام رمضان هو الشهر الوحيد الذي نتدين فيه ، ونتذكر فيه الحرام والحلال ، يبقى التذكير بأن الحلال بين والحرام بين ، وأن لافتة الحرام لا يندرج تحتها "قلة الأدب" بالمفهوم الدارج فحسب ، بل تدخل تحت لوائها أيضاً أمور أخرى كالغش والنصب والاحتيال والرشوة والاستغلال وأشياء كثيرة أخرى.. لكن من لا يعي تلك الأمور في رمضان ، الشهر الذي نتدين فيه فقط ، سيعيها متى بالضبط؟
* أليس من الغريب أننا لم نسمع عن أي شيخ أو داعية انتقد مثل تلك الممارسة ، خاصةً أن منهم من لديه صوت مسموع لدى الناس ويمكنه أن يحقق تأثيراً إيجابياً بدلاً من المشاركة في تلك المهازل ولو بحسن النية؟ أستغفر الله العظيم لي ولكم..

Thursday, September 10, 2009

المفكر الإسلامي سعد الدالي!

من ألذ ما في قصة "شوطة" "المفكرين الإسلاميين"(1) هي أن هؤلاء نسخة مهذبة ولطيفة ممن ينتقدون ، كما يقول المثل الذي لا أتذكر عباراته بدقة "يعيب عليك ويجيب اللي فيه فيك".. ويؤكد هؤلاء بتصريحاتهم وأفعالهم أنهم واجهة سيئة للغاية للدين الحنيف الذين دخلوا على خط تعيين أنفسهم من جانب واحد ممثلين له ومتحدثين باسمه .. سواء من يزور منهم مؤهله العلمي ثم يتحدث عن مكافحة الفساد ، أو من يركبه داء الغرور ليتحدث إلينا على طريقة "سعد الدالي" ، على الأقل هذا الأخير فعل شيئاً يمكننا النقاش حوله!

يقول "أحدهم" أنه أكثر علماً من الأئمة الأربعة لامتلاكه لوسائل علمية وبحثية أحدث لم تكن متوافرة في عصرهم.. وهذا الكلام مضحك إلى أقصى حد ممكن.. صحيح لا يشترط أن يكون العالم الأكثر قدماً أفضل ممن بعده بدليل أن الأئمة الأربعة أنفسهم ظهروا بعد فترة طويلة نسبياً من بداية الإسلام ، ولكن أيضاً وبحكم المنطق السليم لا يشترط أن يكون الأحدث أفضل .. لهذه الأسباب ..

1-من الممكن أن تتوافر وسائل معرفية أفضل في الزمان الحالي ، ولكن يا فرحتي بوجودها في ظل عقل كسول يدخل على إنترنت ويقرأ هنا وهناك ليقدم معزوفة من الكوبي والبيست يسميها سيادته اجتهاداً ، دون الإلمام بالمهارات العقلية والتحليلية اللازمة ، ودون محاولة الدخول على الخط مع أكثر من تخصص خاصةً في الفتاوى الشائكة التي يترتب فيها الرأي الديني على معلومة دنيوية ، وللرجل سوابق في الانفراد بالرأي دون الالتفات لأهل التخصص..

2-وما دمنا نتحدث عن العصر الحالي فعلينا أن نتعامل معه بشيء من الاحترام ، ولكي نحترمه يجب أن نحترم مفرداته ، وأهمها التخصص ، علوم اللغة مثلاً كانت علماً واحداً فقسمت مع الوقت إلى نحو وصرف وبلاغة وظهر في كل فرع متخصصون ، وهذا يختلف تماماً عن العصور السابقة التي كان يمكن لعالم دنيوي بالتخصص مثل "ابن سينا" أو "أبو بكر الرازي" أن يكتب في عشرات التخصصات الأخرى ومن بينها اللغة والفقه..

لكن ليه؟ العديد ممن يقولون أنهم أفضل ممن سبقوهم يريد القيام بكل الأدوار "انت بس سيبلي الكاميرا وأنا أعوم في المشهد(2)".. المحدث والفقيه والمفكر والواعظ ، حتى أن الرجل يكتب حالياً عموداً في صحيفة مالسياسية شهيرة كما لو كان من وعاظ وزارة الأوقاف الذين دأب هو على نقدهم.. مذهللللل!

وهذه الممارسة ليست بالمناسبة حكراً على سيادته ، بل إننا نرى وبوضوح في أكثر من اتجاه مذهبي نفس التصرفات!

3-كما أنه من مفردات العصر التي لا يحترمها الرجل ولا يحترمها غيره العمل الجماعي ، لا يوجد إنجاز تم في القرن العشرين على سبيل المثال قام به شخص واحد ، بدءاً من الـ DNA على يد "واتسون" و "كريك".. مروراً بجوائز نوبل في العلوم والتي كان سوادها الأعظم مناصفة ومثالثة ، ووراء كل عالم مشارك هناك جيش جرار من الباحثين في تخصصات عدة ، وحتى في الأدب والفكر والعلوم الإنسانية نتحدث الآن عن مدارس واتجاهات لا تمر بشخص واحد حتى مع الطبيعة الفردية للأدب ..

في الوقت الذي نحتاج فيه لاجتهاد جماعي ، ولتفاسير جماعية للقرآن الكريم والحديث الشريف ، يغرد الرجل خارج السرب تماماً ، أنا حارس المرمى والمدافعون والمهاجمون والمدرب والجمهور ، أنا "سعد الدالي".. أنا صاحب دعوة الإحياء .. أنا .. أنا .. (مع الاعتذار لـ"عبد الباسط حمودة").. وهذا في رأيي ليس مستغرباً لأن الرجل مثلنا جميعاً ابن لثقافة تحتقر العمل الجماعي ، حتى أن الرمز الوحيد للعمل الجماعي في التراث العربي كله هو "عصابة الأربعين حرامي"!

4-أخيراً ، من مفردات هذا الزمن فكرة التراكم المعرفي ، لا يستطيع عالم فيزيائي محترم أن يتهم من سبقوه بالجهل والتخريف لأنه يعلم أن نتاجه الفكري والعلمي مبني على أعمالهم واجتهاداتهم ، وهو أيضاً ما يلقيه الرجل وراء ظهره مثل كل ما سبق..

من السخيف أن أضع علامة يساوي كبيرة بين عصر ما ومنجزاته دون محاولة فهم واحترام مفرداته .. ومن يفعل ذلك لا يمكنه أن يفكر لهذا العصر ، ومن الأسخف أن أقدم نفسي على أني مفكر "إسلامي" بكل القيم التي حملها الإسلام وأضرب عرض الحائط قيمة التواضع مصوراً نفسي على أني المفكر السوبرمان وأن من يخالفونني من فصيلة الدوبرمان.. دمتم بألف خير..
(1)ولن يطلق المدون هذا المصطلح عديم المعنى على أي مخلوق .. هذه وجهة نظري وأنا حر فيها مثلما مخالفوها أحرار فيما يرون وأحترم ذلك..

(2)عبارة في إحدى حلقات "مسلسلات كوم" على لسان شخصية أحد أدعياء الفن..

Tuesday, September 1, 2009

السادة المفطرون

قلتها في مكان آخر : تخيلوا أي مسخرة وسترونها تحدث حولكم في اليوم التالي..

في الأسبوع الأول من الشهر الكريم فوجئت بلافتة في طريقي للعمل تتحدث عن عقوبة المجاهرين بالإفطار في رمضان ، بصراحة استغربت اللافتة عن نفسي ، قلت في عقل بالي أنه مجرد نقل من بامفليت سعودي بحكم علاقة السلفيين التقليديين (وليسوا الحسانيين) بالمدرسة السلفية السعودية خاصةً وأنهم قد نقلوا في أوقات سابقة تنويهات دعائية صممت للمجتمع السعودي عن مكافحة التدخين* ، وضاعف من استغرابي حقيقة أننا في مصر لا نعرف ظاهرة المجاهرة بالإفطار في رمضان ، ليس فقط بسبب ارتفاع درجة الالتزام التعبدي في الشهر الكريم صلاةً وقرآناً وصياماً بطبيعة الحال ، ولا لطبيعة مجتمعنا نفسه الميالة إلى المحافظة ، أو لعلاقة المصريين عموماً بالعبادات ، ولكن أيضاً بسبب قوة تأثير تيارات مذهبية تولي اهتماماً كبيراً بالعبادات فرائضها ونوافلها (وإن كان هذا الاهتمام قد جاء كثيراً على حساب المعاملات رغم خطورتها التي نعرفها من الكتاب والسنة)..

ولكن هذا الاستغراب تحول إلى ذهول عندما نشرت الشروق قبل أيام خبراً عن حملة قامت بها محافظة أسوان لضبط "المجاهرين بالإفطار"..وأن الحملة ضبطت مائة وخمسة وخمسين في عين العدو من هؤلاء .. أي أن الرقم ليس صغيراً!

أعرف ما أتوقع سماعه عن أن هؤلاء أحرار في أن يفطروا وأنه لا يجب أن تتم ملاحقة هؤلاء فقط لمجرد أنهم يفطرون في نهار رمضان .....الخ.. لكن معلهش.. لدي بعض الأسئلة التي قد تغضب هؤلاء..

في التسلسل المنطقي عادةً ما نتحدث عن دافع الفعل قبل التحدث عن حرية الفاعل في فعل الفعل.. وما أعرفه أن من يجاهر بشيء يجاهر به عن اقتناع وعن موقف ..

لماذا إذن اتخذ هؤلاء الأشخاص هذا الموقف-إن لم تكن المسألة لها علاقة بالإدمان كما قيل؟ لماذا قرر هؤلاء ذلك في الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء في مجتمعنا الذي يعرف أن ارتكاب الخطأ في السر يبقى خطأ ، أما ارتكابه نهاراً جهاراً فهو خطأ وبجاحة و"بجاسة عين"؟ .. حتى وإن رأى المفطر نهاراً جهاراً في رمضان أنه حر فيما يفعل ، لماذا يفعل ذلك أمامنا، إذا كان أصحاب الديانات الأخرى التي لا يصومون معنا رمضان لا يفطرون "في وشنا" بهذه الطريقة؟ ما هي الرسالة التي يريد السادة المفطرون توصيلها لنا؟

هل المسألة لها علاقة بفكر قد يعتنقه هؤلا على شاكلة قصة "كريم عامر"؟ وإن كانت كذلك.. أليس من الغريب جداً أن نتحدث عن تلك الأفكار في وسط هادئ بطبعه كأسوان، وبعيد عن الصخب الفكري والثقافي والإعلامي وحتى المذهبي التي تعيشه العاصمة؟ هل انتقل هذا السلوك لنا من مجتمعات أخرى تعيش نفس القصة؟ وهل -بما أننا هنا نفكر بصوت عال ونطرح كل الأسئلة المتاحة- لذلك علاقة بالخطاب الديني السائد رغم ما يوليه من اهتمام شديد بالعبادات؟

لغز جديد يضاف إلى قائمة ألغاز رمضانات كل عام.. أنتظر إجاباتكم..دمتم بألف خير وأعتذر عن التأخير..
* مع تسليمي بخطورة التدخين -وأنا غير مدخن بالمناسبة - لا يشغل التدخين في اهتمامات المدرسة السلفية المصرية ، ولا في المجتمع المصري نفسه ، نفس الاهتمام الذي يشغله في بلاد أخرى ، كما أنه حتى في الدعاية لكل مقام مقال ولكل وسط لغة وطريقة توصيل إذا ما أردت توصيل فكرة أو دعاية أو حتى دعابة ..