Monday, May 28, 2007

ما بعد الفتوى ، ونخلي القوس مفتوح

على غير عادتي في "الدين والديناميت" فضلت أن أكتب مجموعة من الملاحظات المتناثرة وغير المرتبة عن فتوى وقول مثيرين للجدل ، فضلت فيهما تناول نقاط أرى أنه حان وقت تناولها والتفكير فيها .. فهي أبعد من العبارات والفتاوى نفسها وقد ينذر تجاهلها بتكرار الفتاوى الشاذة والاختراعات والافتكاسات في الدين بشكل يهينه أكثر مما يهينه جهلة أو متعصبون في الدانمارك أو بلاد الواك واك!

1- يقول الصحفي خيري رمضان في برنامج القاهرة اليوم أن أناساً قد أوضحوا له أن مفتي الديار لم "يفتِ رسمياً" بفتوى البول الشهيرة ، وإنما هو سئل في ذلك في مسجد السلطان حسن فأجاب بما هو نص الحديث ، فاعتبر صناع الكتاب المنسوب للدكتور علي جمعة ذلك فتوى وطبعت في الكتاب المذكور ..

لماذا انتظر فضيلة مفتي الديار المصرية كل هذا الوقت ليعلق على الموضوع؟ ولماذا لم يقاضِ الجهة التي نشرت الكتاب على أساس أنها قوَّلته ما لم يقل؟

2- كان لمفتي الديار المصرية فتاوى - في رأيي - أكثر أهمية ، لم يناقشه أحد فيها ولم يسأله على الإطلاق.. هل تصبح الصحافة "حلوة جميلة يا محلاها" عندما تتجاهل تلك الفتاوى وتصبح "وحشة وكخة" عندما تركز على "قول ما" - لا أقول فتوى -منسوب لفضيلة المفتي؟ أنا شخصياً أرى أن الصحافة "كخة" في الحالتين!

3- نحن للأسف غارقون في بركة من المجازات ولم يعد لدينا أي رغبة في معرفة معاني ما يقال حولنا من مصطلحات ، ومن تلك المصطلحات مصطلح "فتوى".. أي قداسة لفتوى في وقت قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما معناه "استفت قلبك وإن أفتوك".. وتستفتِ قلبك في ضوء الفطرة السليمة والعلم الصحيح ، فهناك هذه الأيام فتاوى تبريرية وفتاوى "ملعوب فيها" من أجل التسويق المذهبي والمصالح بجميع أنواعها ، ويعتمد مروجوها على سرد نص بدون أدنى فهم له وعلى طريقة "لا تقربوا الصلاة"..

الشيء نفسه ، ومعلش في دي الكلمة ، ينطبق على الفرق بين المحدث ، والفقيه ، والمفتي .. فرق لا أظن أنه يعار ما يستحق من أهمية ..

4- التعصب الأعمى للمشايخ والمفقرين وصل لدرجة لا تطاق قد تفوق درجة التعصب الكروي ، إن قال فلان شيئاً فلا تناقشه فلا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، لمشايخ الشرائط هووليجانز لا يرون أن هؤلاء بشر يخطئون ويصيبون ، وحتى للمفتي هووليجانز يدافعون عنه بالحق وبالباطل ويبررون له كل شيء..

أذكر بأنه من الوارد نظرياً ألا يكون في الأمة علماء كبار مجددين وثقات يستفتيهم الناس في أمور دينهم في الوقت الذي يوجد فيه ألف متحدث ومتحدث منتمي لكذا أو لكذا ..

تذكروا مقولة "كل منا يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام" -والمقصود بصاحب هذا المقام في المقولة هو الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام..

5- تنقية ما ينسب للسنة من أكاذيب وأباطيل عمل ضخم يجب أن يقوم به عدد من العلماء الثقات بحق وحقيق والمستقلين مذهبياً بلا غرض وبضوابط علمية واضحة بلا عشوائية ولا سبهللة ، لا أن يقوم به صحفي يخوض معارك دينية ومذهبية بالإنابة عن آخرين ، ولا عن متمذهب يستغل الأمور للتسويق لمذهبه بالكذب والباطل ، ولا هو طاعن في مصداقية السنة بأكملها (وهؤلاء موجودون) ، فأي منطق يقول بأن شخصاً لديه موقف مسبق من شيء يكون محايداً إزاء تناوله؟

هناك في الدين قضايا تستحق مشرط الجراح وليس ساطور الجزار ، لها طريقة تناول معينة وتوضيحات معينة ، خاصة وأن السواد الأعظم منا ليس متخصصاً في علوم الفقه ولا في الفتوى وبالتالي فإن أي شيء يثار بأسلوب غير ملائم من قبل صحيفة أو من قبل الشخص نفسه سيحدث بلبلة يعلم الله عز وجل وحده كيف سيتم احتواء آثارها..

6- اللاعبون بالدين من أجل الإثارة ، سواء كانوا من حملة مؤهلات أكاديمية في الأزهر أو من حملة الباكالوريا القديمة ، يستغلون كون مجتمعاتنا لا تقرأ ، وكون كتب السيرة والسنة والتفاسير مجموعة في كتب ضخمة ومجلدات "تخض" تحبط كل من تسول له نفسه قراءتها ، ثم يقول منهم من يقول أن ذلك جاء في الكتاب الفلاني والعلاني ، قبل أن يكتشف أي شخص جريء الحقيقة المرة وأن البيه كان ينصب على الرأي العام من أجل التهييج وعلى طريقة محمد صبحي في مسرحية الجوكر!

7- تفسير الحديث النبوي وإعادة شرحه أضحيا ضرورة أكثر من أي وقت مضى ..وسأحاول توضيح وجهة نظري في ذلك في مقال قريب .. المهم ما أنساش بإذن الله..

8- فتوى إرضاع الكبير وما نسب للمفتي أثبتا الفشل الذريع لأكاديميي الأزهر وأثبت أن تسعاً وتسعين في المائة منهم نمور من ورق ، فالذين كانوا أسوداً أمام الفاتيكان وفي موقعة الدانمارك لم يعدوا كذلك عندما تأتي الإساءة من الداخل ، فلا رد على صحيفة تهيج باسم الدين ، ولا على أكاديمي أزهري أو مدعي فكر إسلامي يجتهد على طريقة "اللمبي" ، ولا حتى على أي شريط يطرح على الأرصفة ، مكتفين بالتلسين (على طريقة العاجز) على القناة الفلانية والشيخ العلاني.. هؤلاء حقاً رموز ثقافة التعادل السلبي والفشل الذريع والعشوائية بكافة أشكالها .. وفي وجود هؤلاء سيحقق المتمذهبون مكاسب خرافية سندفع - كلنا - ثمنها غالياً ، والأيام بيننا..

Monday, May 7, 2007

ولكنا بالمرصاد!

يبدو أن هناك موافقة قدرية بين مشاهدتي يوم الجمعة لمسرحية "الزعيم" وبين تصريحات نشرتها المصري اليوم للدكتورة عبلة الكحلاوي تنتقد فيه فتوى شيخ الأزهر بتكفير من يسب الصحابة ، ومن ضمن عبارات التصريح عبارة تقول ما معناه "أعتز بـ«طنطاوي» كمعلم، وأحترمه كإمام، لكن ما كان ينبغي أن تصدر منه مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت، الذي يسعي فيه الغرب إلي تنفيذ مخطط لتدمير وتفتيت المسلمين والإسلام"..

قد نختلف حول حدة تصريحات الإمام الأكبر ، ولكن لا أعتقد أنه من المقبول فكرة تقبل فكرة سب الصحابة (فالفرق كبير بين نقد الصحابة وبين الردح لهم وتكفيرهم) ، ولا أعتقد أيضاً أنه من المقبول تكرار اسطوانة "مؤامرة" .. "أيدي خفية".. "خياااااااااااااااانة"!

والواقع أن ما يقال من أن "هناك أيدي خفية" "تتآمر على الإسلام" و "تسعى لتفريق الأمة" و "إثارة الفتنة" هو كلام فارغ يصلح فقط للمظاهرات والتهييج ، ولا يختلف في عبثيته وكوميديته عن خطبة "الزعيم" في المسرحية التي تحمل نفس الاسم : "نحن لا نقبل الشمبرة بأي حال من الأحوال ، من يشمبر لنا نشمبر له ، ولكنا بالمرصاد"!

مبدئياً.. لنضع "على جنب" المواقف المتخاذلة والمتناقضة للمؤسسة الأزهرية في مواجهة كل أشكال التطرف المنسوبة للإسلام ، وفي مواجهة الهوس المذهبي ، وكيف أن الذين عملوا "أباحمدات" في موقعة الفاتيكان تحولوا إلى "شيء آخر" عندما يساء للإسلام داخل العالم الإسلامي.. وكيف أن الشرائط والخزعبلات موجودة في كل مكان على الرصيف وعلى إنترنت دون أن يكلف "دال" أزهري نفسه أو نفسها مشقة الرد وتوضيح الصورة للمسلم العادي..

لنضع ذلك على جنب ونتحدث بشكل عقلاني..

عندما نتحدث عن "مؤامرة" في عالم اليوم يفترض أن يكون هناك "سبب مقنع" للمؤامرة ، بالتالي من المفهوم والمعقول أن تكون هناك مؤامرة على دولة بسبب ثرواتها أو دورها الإقليمي أو ..أو...الخ ، ولكن من الكوميدي أن تكون هناك مؤامرة على دين.. خاصة وأن المفارقة هي أنه من أغنى دول العالم دول إسلامية ، ومن أفقر دول العالم في نفس الوقت دول إسلامية أيضاً!

ومهما كان دور القوى الاستعمارية كبيرة في دعم التمذهب في العالم الإسلامي ، فإن حكامنا البررة على مدى التاريخ الطويل لعبوا وتلاعبوا بالمذاهب وعملوا على تسخيرها لمصالحهم في كل وقت وكل مكان.. هذه واحدة..

الثانية، طالما نحن نتحدث عن مؤامرة على المسلمين ، أعتقد أنه علينا أن نحدد أولاً .. من هو المسلم المقصود بتلك المؤامرة الدنيئة؟

هل هو قيادي في مذهب أو جماعة ما يحرك لناس في الشوارع للتظاهر والحرق والتكسير و.. و.. ، أم فصيلة "زكي قدرة" من المذهبيين الذين يسيرون في المظاهرات ويعتبرون نفسهم رهن إشارة البيج بوس الذي لا ينطق عن هوى؟ هل هو "الضقتور" الأكاديمي الذي يعشق تلعيب لسانه بأي هراء حنجوري؟ أم الشخص العادي الذي لا يفهم في لعبة المذاهب ولا يحبها؟ أم هو "عم عويس" الذي ينهي يومه بحلقة الذكر التي ينسى فيها واقعه المؤلم المرير وأخذه المستمر على القفا (حتى من غير أن يدخل قسم بوليس)؟ أم هو مسلم دول الخليج المرفه؟ أم هو مسلم المهجر الذي ينام على عصابات النازي الجديد ويصحو على "ساركوزي"؟ أم هو مسلم الصومال الذي لا يعيره أحد التفاتاً لأنه لا يوجد "جاز" في بلده؟

الغرب الوحش حيتآمر على مين ولا على مين؟

هناك متطرفون في العالم الغربي بعقليات عنصرية ترفض الحوار وتحتقر كل مختلف في جنس أو عقيدة .. لكن مؤامرة كاملة متكاملة على طريقة السينما الهوليودية.. واسعة شوية!

الثالثة .. هذه الأفكار التي يقال أنه يتم إثارتها وتهييجها لم تهبط من المريخ ، بل هي في صميم الأفكار التي شكلت الهوية التنظيمية لكل مدرسة فكرية قام عليها مذهب ، هي موجودة بالفعل على الأرض وقامت على أساسها دول وجماعات وميليشيات .. ولا تحتاج لأحد من الخارج لكي يثيرها طالما أن في الداخل من يقول يا أنا الكابتن يا مفيش لعب!

المسألة استعباط في الداخل ، وليس مؤامرة من الخارج..

أرى أن الدكتورة عبلة الكحلاوي مع احترامي الشديد لها خانها التوفيق تماماً في العديد من عبارات تصريحها وبالأخص ما يختص بالمؤامرات والحبشتكانات تلك.. كلنا نخطئ بالتأكيد..لكن من يستحق الهجوم فعلاً هو من يلعب بهذا الكلام ويتلاعب بنا ويؤكد أننا دائماً بالمرصاد .. لإيه؟ معرفش!!