على غير عادتي في "الدين والديناميت" فضلت أن أكتب مجموعة من الملاحظات المتناثرة وغير المرتبة عن فتوى وقول مثيرين للجدل ، فضلت فيهما تناول نقاط أرى أنه حان وقت تناولها والتفكير فيها .. فهي أبعد من العبارات والفتاوى نفسها وقد ينذر تجاهلها بتكرار الفتاوى الشاذة والاختراعات والافتكاسات في الدين بشكل يهينه أكثر مما يهينه جهلة أو متعصبون في الدانمارك أو بلاد الواك واك!
1- يقول الصحفي خيري رمضان في برنامج القاهرة اليوم أن أناساً قد أوضحوا له أن مفتي الديار لم "يفتِ رسمياً" بفتوى البول الشهيرة ، وإنما هو سئل في ذلك في مسجد السلطان حسن فأجاب بما هو نص الحديث ، فاعتبر صناع الكتاب المنسوب للدكتور علي جمعة ذلك فتوى وطبعت في الكتاب المذكور ..
لماذا انتظر فضيلة مفتي الديار المصرية كل هذا الوقت ليعلق على الموضوع؟ ولماذا لم يقاضِ الجهة التي نشرت الكتاب على أساس أنها قوَّلته ما لم يقل؟
2- كان لمفتي الديار المصرية فتاوى - في رأيي - أكثر أهمية ، لم يناقشه أحد فيها ولم يسأله على الإطلاق.. هل تصبح الصحافة "حلوة جميلة يا محلاها" عندما تتجاهل تلك الفتاوى وتصبح "وحشة وكخة" عندما تركز على "قول ما" - لا أقول فتوى -منسوب لفضيلة المفتي؟ أنا شخصياً أرى أن الصحافة "كخة" في الحالتين!
3- نحن للأسف غارقون في بركة من المجازات ولم يعد لدينا أي رغبة في معرفة معاني ما يقال حولنا من مصطلحات ، ومن تلك المصطلحات مصطلح "فتوى".. أي قداسة لفتوى في وقت قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما معناه "استفت قلبك وإن أفتوك".. وتستفتِ قلبك في ضوء الفطرة السليمة والعلم الصحيح ، فهناك هذه الأيام فتاوى تبريرية وفتاوى "ملعوب فيها" من أجل التسويق المذهبي والمصالح بجميع أنواعها ، ويعتمد مروجوها على سرد نص بدون أدنى فهم له وعلى طريقة "لا تقربوا الصلاة"..
الشيء نفسه ، ومعلش في دي الكلمة ، ينطبق على الفرق بين المحدث ، والفقيه ، والمفتي .. فرق لا أظن أنه يعار ما يستحق من أهمية ..
4- التعصب الأعمى للمشايخ والمفقرين وصل لدرجة لا تطاق قد تفوق درجة التعصب الكروي ، إن قال فلان شيئاً فلا تناقشه فلا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، لمشايخ الشرائط هووليجانز لا يرون أن هؤلاء بشر يخطئون ويصيبون ، وحتى للمفتي هووليجانز يدافعون عنه بالحق وبالباطل ويبررون له كل شيء..
أذكر بأنه من الوارد نظرياً ألا يكون في الأمة علماء كبار مجددين وثقات يستفتيهم الناس في أمور دينهم في الوقت الذي يوجد فيه ألف متحدث ومتحدث منتمي لكذا أو لكذا ..
تذكروا مقولة "كل منا يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام" -والمقصود بصاحب هذا المقام في المقولة هو الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام..
5- تنقية ما ينسب للسنة من أكاذيب وأباطيل عمل ضخم يجب أن يقوم به عدد من العلماء الثقات بحق وحقيق والمستقلين مذهبياً بلا غرض وبضوابط علمية واضحة بلا عشوائية ولا سبهللة ، لا أن يقوم به صحفي يخوض معارك دينية ومذهبية بالإنابة عن آخرين ، ولا عن متمذهب يستغل الأمور للتسويق لمذهبه بالكذب والباطل ، ولا هو طاعن في مصداقية السنة بأكملها (وهؤلاء موجودون) ، فأي منطق يقول بأن شخصاً لديه موقف مسبق من شيء يكون محايداً إزاء تناوله؟
هناك في الدين قضايا تستحق مشرط الجراح وليس ساطور الجزار ، لها طريقة تناول معينة وتوضيحات معينة ، خاصة وأن السواد الأعظم منا ليس متخصصاً في علوم الفقه ولا في الفتوى وبالتالي فإن أي شيء يثار بأسلوب غير ملائم من قبل صحيفة أو من قبل الشخص نفسه سيحدث بلبلة يعلم الله عز وجل وحده كيف سيتم احتواء آثارها..
6- اللاعبون بالدين من أجل الإثارة ، سواء كانوا من حملة مؤهلات أكاديمية في الأزهر أو من حملة الباكالوريا القديمة ، يستغلون كون مجتمعاتنا لا تقرأ ، وكون كتب السيرة والسنة والتفاسير مجموعة في كتب ضخمة ومجلدات "تخض" تحبط كل من تسول له نفسه قراءتها ، ثم يقول منهم من يقول أن ذلك جاء في الكتاب الفلاني والعلاني ، قبل أن يكتشف أي شخص جريء الحقيقة المرة وأن البيه كان ينصب على الرأي العام من أجل التهييج وعلى طريقة محمد صبحي في مسرحية الجوكر!
7- تفسير الحديث النبوي وإعادة شرحه أضحيا ضرورة أكثر من أي وقت مضى ..وسأحاول توضيح وجهة نظري في ذلك في مقال قريب .. المهم ما أنساش بإذن الله..
8- فتوى إرضاع الكبير وما نسب للمفتي أثبتا الفشل الذريع لأكاديميي الأزهر وأثبت أن تسعاً وتسعين في المائة منهم نمور من ورق ، فالذين كانوا أسوداً أمام الفاتيكان وفي موقعة الدانمارك لم يعدوا كذلك عندما تأتي الإساءة من الداخل ، فلا رد على صحيفة تهيج باسم الدين ، ولا على أكاديمي أزهري أو مدعي فكر إسلامي يجتهد على طريقة "اللمبي" ، ولا حتى على أي شريط يطرح على الأرصفة ، مكتفين بالتلسين (على طريقة العاجز) على القناة الفلانية والشيخ العلاني.. هؤلاء حقاً رموز ثقافة التعادل السلبي والفشل الذريع والعشوائية بكافة أشكالها .. وفي وجود هؤلاء سيحقق المتمذهبون مكاسب خرافية سندفع - كلنا - ثمنها غالياً ، والأيام بيننا..