Friday, July 23, 2010

أقنعة "الاعتدال" : سؤال غبي مشروع

بما أن هذه المدونة حالياً في مرحلة التفكير بصوت عال ، والسؤال في كل الاتجاهات حتى ولو كانت الأسئلة غريبة لدرجة الجنون..اسمحوا لي أن أسأل سؤالاً غبياً ومشروعاً : هل أعطى من كفَّروا "نصر حامد أبو زيد" الفرصة كاملة لآخرين على الاتجاه الآخر لتقديسه ورفض أي نقد موضوعي حقيقي يوجه لأفكاره؟.. الإجابة عندي "نعم"..

سيستشهد بعض "الآخرين" بما حدث بين "إسماعيل أدهم" و "محمد فريد وجدي".. ماشي .. فعلاً وقت أن كان هناك "إسماعيل أدهم" .. كان هناك "محمد فريد وجدي"..ولكن..

"إسماعيل أدهم" فعل ، و"محمد فريد وجدي" رد فعله ، وكانت آراء "إسماعيل أدهم" عدائية بما يكفي (فكرة الترويج الفكري للإلحاد في مجتمع متدين)، وكان من الطبيعي أن تُرفَض وتُهاجَم ، لكن "محمد فريد وجدي" اختار أن يكون رد فعله إيجابياً فكتب راداً عليه ..وبحرية تامة ..دون أن يقلل أحد منه (="وجدي") أو يسفهه..

ولا أعتقد حسب علمي المتواضع أن كان أي من الرجلين محسوباً على السلطة ، لا الملحد ولا غير الملحد ، ولم يدعم هذا حزب وذاك آخر ، فنحن نتكلم عن أواخر الثلاثينات وقت أن كانت الحكومات تتغير باستمرار ، وتحالفاتها مع السراي والإنجليز تتغير باستمرار ، ونذر حرب عالمية تلوح بالأفق تم توريطنا فيها لاحقاً..

أما الآن فتغير كل شيء..

منذ ما بعد الثورة بقليل وحتى الآن تبقى لعبة التحالفات والتحالفات المضادة بين النظام والتيارات الفكرية اليسارية والتيار الديني قائمة ، والتي تنص على أن يتحالف الأول مع أحد الأخيرين ضد الآخر.. ومن المؤكد أن كل تيار يتحالف مع النظام ليستفيد منه لا في سياق خصومة فكرية مع التيار الآخر..

وكما يقال عن تحالف التيارات الدينية مع "السادات" وقت حكمه يمكن قوله الآن على تحالف من يسمون أنفسهم "ليبراليين" مع نظام غير ليبرالي بالمرة ولا يتمنى الشعارات الليبرالية المعتادة مثل "مدنية الدولة" و"المواطنة"و ...الخ..

وعليه .. وعندما قامت التيارات الدينية بتكفير "نصر حامد أبو زيد" وجدها "الآخرون" فرصة ذهبية لقلب المؤشر على النهاية العكسية ، وعلى اعتبار أن "نصر حامد أبو زيد" هو علم من أعلام التنوير ولا تجوز مناقشته ولا يجوز الرد عليه لا بكتاب ولا بمقال .. ولو ظهر الآن "محمد فريد وجدي" لجعلوا منه ، ومن خلال الإعلام الرسمي ، أضحوكة دون احترام حقه في الرد .. كما لو كانت المسألة احترام حق شخص في أن يتكلم ، واحتقار حق شخص في أن يرد بفكره..

طوال مهرجان الرثاء وسرادق العزاء ظللنا نسمع طوال الوقت عن كونه "مفكراً عربياً إسلامياً كبيراً" وبس .. دون أدنى تطرق لنقط الخلاف والجدل الحقيقية في مؤلفاته وإنتاجه ، على العكس مما قد يقال مثلاً عن "طه حسين" الذي يذكر بكتابه "في الشعر الجاهلي" والذي قتل بحثاً ونقداً على يد كثيرين بينهم "محمد فريد وجدي" نفسه، كأنك تسمع في الميديا عن الفنان الكبير "فلان الفلاني" نجم السينما والمسرح والتليفزيون دون أن تسمع في تلك التغطيات الإعلامية عن اسم فيلم واحد شارك فيه ولو ككومبارس صامت!

كل ما نفهمه من ذلك الخطاب أنه "مفكر إسلامي" يتكلم "بلسان الإسلام السمح المعتدل" .. وأي شخص يختلف معه "عارف نفسه كويس"..هل هذا منطق؟

كل منا يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول الكريم (ص) ، كل أفكارنا وتصوراتنا عرضة للنقاش سواء خرجت من رأس "مفكر إسلامي كبير" أو "مفقر غير إسلامي صغير" .. من رأس "نصر حامد أبو زيد" أو "زكي جمعة".. لكن "المعتدلين" فعلوا نفس ما فعله "المتطرفون" .. إذا كان الأخيرون لصقوا عبارة "الإسلام" بجماعاتهم لإعطائها حصانة دينية ، فإن الآخرين لصقوا عبارة "الإسلام" بمفكريهم لإعطائهم حصانة دينية فكرية..

وبالمناسبة.. ماذا لو كان "نصر حامد أبو زيد" اعتصامياً مثل مفكرين ليبراليين ويساريين آخرين قرروا اتخاذ مواقف "مخالفة" لـ"النظام"..هل كان سيحتفى به كما كان الحال الآن ، أم سيعامل معاملة "العيال الوحشين" التي يعامل بها مثقفون مرموقون وكتاب وأدباء كبار كل خطئهم أنهم اختلفوا فكرياً وسياسياً مع النظام الحاكم في وقتهم الحالي؟

مرة أخرى .. كل تيار -ديني أو غير ديني .. معتدل أو متطرف .. يمين أو يسار- يتحالف مع أي نظام حاكم يفعل ذلك بموجب صفقة يستفيد منها كما يستفيد الطرف الآخر ، يحصل مقابل ولائه على حصانة سياسية وفكرية وإعلامية.. وتكون النهاية أن يفسد التيار ، وتفسد الحياة الثقافية والفكرية بكاملها .. ولنا في تحالف "المعتزلة" -المصنفين كأحد رموز "الاعتدال والاستنارة"- مع الخلافة العباسية في بعض المراحل درس موجع وعظة بالغة..خالص تقديري..

Sunday, July 4, 2010

سينما "إسلامية"؟

رجاء حار: أطلب من أصحاب الحساسية المفرطة تجاه الفن عدم التعليق على هذه التدوينة..

قبل الكلام:.. لنتفق أن البعض -متشددين وعالمانيين وأتاتورك ومتمذهبين على السواء - يريدون حصر الدين في مجرد شعائر والسلام ، بل وبعضهم يتمادى في غيه لمدى غير مقبول تحت أي ظرف بمناداته بفصل الدين عن الأخلاق برغم أن أي دين به جانب أخلاقي ويهدف إلى الارتفاع بسلوكيات المنتمين إليه .. وكلا الفرضيتين اللتين يتم الترويج لهما على نطاق واسع (=فرضية فصل الدين عن الحياة ، وفرضية فصل الدين عن الأخلاق) لا محل لهما من الإعراب ، ولا على أرض الواقع.. من الصعب بل ومن المستحيل ألا توجد أي أي علاقة بين الدين -أي دين- والحياة بكافة أنشطتها .. ومن الصعب بل ومن المستحيل أن تجد في أي مجتمع مهما بلغت درجة تحرره وتسامحه وليبراليته و..و... أن تجد الدين بمعزل عن كل مظاهر النشاط البشري .. من سياسة لاقتصاد لفن لرياضة لجريمة إلى آخر القائمة.. فعلى الجميع أن يعترف بأمر واقع مهم .. ألا وهو أن الدين -أي دين- هو مكون من مكونات تفكير وسلوكيات البشر عبر هذا العالم .. وهناك انعكاس للطريقة التي يفهم بها الشخص الدين على تصرفاته ، وسلوكياته ، واختياراته ، وطرق تفكيره ، وعلاقته بالآخرين ، وهي كلها أمور تحدد شكل كل أنشطة الحياة التي يمارسها في مجتمعه ودولته .. والكلام ينطبق على أي دين أو معتقد بما في ذلك الإسلام الذي فرض حدوداً بين ما هو ديني وما هو دنيوي وفق مبادئ وقواعد عامة تتيح حرية الاجتهاد في أمور الدنيا لأهل الاختصاص فيها بشكل تقني ومرن دون تدخل ديني ، إلا إذا تضارب هذا الاجتهاد مع نص صريح أو مقصد أعلى من مقاصد الشريعة ..وبالتالي توقعوا من كاتب هذه السطور أن يمر - من وقت إلى آخر- على مشاهد من علاقة الدين بكل أنشطة المجتمع ، سياسةً واقتصاداً ورياضةً وفناً ، في محيطنا المحلي والإقليمي أو في العالم..وكما اتفقنا من قبل : في محاولة للفهم .. لا أكثر..قبل أن نخسر أكثر.. عذراً للمقدمة الطوييييييييييييلة جداً..

في أحيان كثيرة قد يكون التنقل من مرحلة عدم مناقشة موضوعٍ "ما" ومرحلة "لا .. وألف لا ..لن أقبل" إلى مرحلة يمكن فيها "فتح سكة كلام" عن الموضوع وفي صميمه بشكل أقل ضجيجاً وعصبية ، أمراً إيجابياً في ذاته .. أمر تستخلصه من تدوينة قديمة نسبياً لزميلنا "محمد إلهامي" نشرها قبل سنوات ثلاث عن الطريقة التي كان السلفيون يرون بها الفضائيات.. والطريقة التي أصبحوا يرونها بها الآن..

ونفس ما ينطبق على الفضائيات ينطبق بدوره على الفنون عامةً ، وعن السينما خاصةً.. موضوع هذه التدوينة تحديداً..

لفت نظري في عدد "الوعي الإسلامي" الكويتية ملف عن الإسلام والسينما ، تضمن عدة مقالات وعدة فتاوى قديمة ومعاصرة من أكثر من مدرسة فقهية ويحمل بعضها توقيعات لعدد من كبار فقهاء الإسلام في القرن الماضي وقبل الماضي من بينهم شيخ الأزهر الراحل "عبد الحليم محمود" والشيخ "رشيد رضا" - صاحب تفسير "المنار" - فضلاً عن فتاوى أخرى سعودية..

لكن ما لفت نظري بشدة في الملف - الذي فشلت في العثور عليه على النت مكتفياً بالعدد الورقي لدي- هو المقالات التي توحي بما يشبه ما كتب عنه "إلهامي" قبل ثلاث سنوات.. شجاعة تحسب لهم ككتاب ، ولإدارة المجلة طبعاً ، بفتح الملف في هذا التوقيت ، حتى وإن أختلف وقد تختلف معي تقريباً مع بعض أو كل ما كتبوه..

1-إجمالاً.. لم يخرج الملف القصير نسبياً عن "التوقعات المرئية" لأسئلة يطرحها محافظون عادةً عن السينما ، بدءاً -بالتأكيد- من الحل والحرمة ، مروراً بعديد الأحكام الفقهية المتعلقة بالفن السابع - لا ننسى أن الملف نشر في مجلة "دينية"- خاصةً فيما يتعلق بالمشاهد إياها ، دور المرأة في المشهد السينمائي طبقاً لوجهة نظر (يعتبرونها) إسلامية ، والموقف الديني من ظهور الأنبياء على الشاشة ، وهي قضية لا تزال مثار جدل حتى خارج العالم الإسلامي..

2-لكن كتاب الملف في كتاباتهم مالوا - في معظمهم- إلى الواقعية ، هم لا يريدون خسارة السينما وخسارة تأثيرها القوي ، والذي أراه -عن نفسي على الأقل- واضحاً أولاً مع صحوة السينما التجارية في منتصف التسعينيات وتأثرها فيما عرف بالحراك السياسي (مصر) ، أو ظهور أفلام سينمائية خليجية لأول مرة بشكل تجاري وهو ما لم يحدث من قبل ، ويريد هؤلاء تطبيق نسختهم المحافظة من الفن السابع ، بمواصفاتهم الخاصة المختلفة بطبيعة الحال عن مواصفات الليبراليين مثلاً..

3-فيمَ يخص المخوف الأشهر لدى المحافظين أو المتدينين أو ..أو.. وهو "العري" في الأفلام السينمائية ، أحد أكثر العوامل التي تنفر شرائح أكثر محافظة ليس من السينما فقط ولكن من الفن عموماً .. نجد الناقد السينمائي المغربي -الذي أخطأت المجلة بتوصيفها إياه بـ"كاتب سوري"- "سعيد آيت حو" لا يفاجئك بتفسير فقهي لما تصفه المجلات الفنية المشار إليها في الفقرة السابقة بـ"المشاهد الساخنة" .. لكنه يعتبر المسألة "خياراً فنياً وفكرياً" لصاحب الفيلم ، وهو كلام أراه منطقياً إلى حد كبير جداً.. وفي تاريخ السينما في مصر ما يؤيده في سينما مخرجين كبار من أمثال "عز الدين ذو الفقار" و"حسن الإمام" وكلاهما في أفلام كثيرة أخرجاها كانا يكتفيان باستخدام إشارات ورموز فقط بدلاً من تقديم المشهد كما هو بكل عنف وفجاجة كما يحدث في "سينما الحراك السياسي".. ويرى أن الأسلوب "غير المباشر" والرمزي والإيحائي أفضل بكثير من "شغل الخبط لزق" باعتباره حيلاً فنية تثبت قدرة وقوة المخرج وكاتب السيناريو..أي أن المسألة تبقى في الأخير وجهات نظر..

4-يرى أحد كتاب الملف مع ذلك أن تقديم "سينما إسلامية" بمقاييس "إسلامية" -وفي ظل الظروف الحالية- شبه مستحيل..لكنه يريد إبقاء الباب موارباً ، ربما يتوصل فقهاء وصناع سينما إلى حل وسط -كما حاول الإيرانيون الذين يروجون لسينماهم على أنها النموذج الإسلامي من الفن السابع- يرضي الشريحة "المحافظة" "الأقل تزمتاً" من المجتمع التي لا تعتبر مشاهدة السينما "حراماً" .. بعكس من أسماهم كاتب آخر بـ"الملتزمين" والذين لا يرون في السينما إلا الشر المطلق والعري ومشاهد الإغراء .. كما تراها أحياناً بعض الصحف والمجلات الفنية!

5-وعليه تبقى قدرة هؤلاء على تخطي كل الحواجز التي تمنع الشريحة "المحافظة""الأقل تزمتاً" محل شك ، بدليل تجارب الفضائيات نفسها والتي عكست تخبطاً فيم يخص المرأة ، فهناك فضائيات دينية تمنع ظهورها نهائياً على الشاشة تحت أي مسمى (هم أحرار فيما يروه صواباً) وفي المقابل يسمحون بظهور صوتها كمتصلة في البرامج.. فما بالك بفيلم سينمائي أو حتى سهرة تليفزيونية.. والأغرب ..كيف سيتعامل هؤلاء مع كل النماذج الطيبة والسيئة التي يعج بها المجتمع والتي لا يخل منها فيلم سينمائي (رغم اقتناعي الشخصي بأن ليس كل ما هو واقعي يقبل التقديم على الشاشة)؟ وكيف سيبتعد هؤلاء عن الوعظ المباشر الكفيل بتنفير الناس من السينما بدلاً من جذبهم إليها..

إلا أن يفاجئنا هؤلاء بشيء لا نتوقعه..وكما يقول الشاعر : ستخبرك الأيام ما كنت جاهلاً..ويأتيك بالأنباء ما لم تزود..
* سأحاول في تحديثات لاحقة نقل فقرات وأسماء من الملف الذي يبقى كوجهة نظر أتفق أو أختلف معها.. والتدوينة إهداء خاص لأستاذي "أسامة القفاش"..

Thursday, July 1, 2010

زغزغة دينية

بالتأكيد سيثير هذا الخبر جدلاً كبيراً كما أثاره وقت نشره قبل ساعات من كتابة هذه السطور.. فقط سأقف عند هذه الفقرة تحديداً:

وأشار إلى التعديلات الأخيرة التي أفسحت المجال للنساء لدخول البرلمان، بعد تخصيص 60 مقعدًا لهن "كوتة" اعتبارًا من البرلمان القادم ولفصلين تشريعيين, وقال إن مجلس الشعب حريص جدا على المشاركة السياسية للمرأة أسوة بالصحابيات ونساء آل البيت!

1-فكرة إضفاء أساس ديني على كوتة المرأة أمر مثير للضحك ، بل لعله أكثر إضحاكاً من أفلام كاملة هدفها المعلن الإضحاك مثل "عسل اسود" و"لا تراجع ولا استسلام".. وهذا يعطيني- على الأقل - انطباعاً بأنني أمام عقلية تديِّن كل شيء ، وتسعى على إضفاء تبريرات دينية على كل شيء تفعله.. إذا كان هو قد برر "الكوتة" بالاقتداء بنساء آل البيت والصحابة رضوان الله عليهن ، فماذا سيبرر به إلغاء الكوتة أو التراجع عنها إن قرر؟ تذكروا أن السياسة في بلدنا بالذات مثل كرة القدم.. لا منطق لها ..وتستطيع أن تتوقع فيها أي شيء..

2-هناك تحليلات "شريرة" تتحدث عن أن إعطاء "كوتة" بشكل عام ، سواء للمرأة أو لأي شريحة كانت ، قد تكون باباً خلفياً لتديين الحياة السياسية في مصر ، بفرض أن "الحزبوطني" تحالف ذات صباح مع السلفيين الحسانيين مثلاً ، أو مع الطرق الصوفية مثلاً لضرب الإخوان المسلمين ، ستتضمن الصفقة بالتأكيد "فتح الباب" أمام مرشحين ومرشحات يمثلون انتماءاتهم المذهبية لا أنفسهم كمستقلين ولا كأعضاء حزب ينتظمون تحت لوائه ويلتزمون بسياساته ، وبهذه الطريقة سنتحول إلى عراق آخر أو لبنان آخر..

3-على من يزايد الرجل؟ وفي أي مكان؟ تاريخياً تعد مصر من أوائل الدول التي أعطت حق التصويت والترشيح للمرأة في المجالس النيابية المختلفة ، وحتى في ظل وجود تيارات تعارض علناً مشاركة المرأة في الحياة العامة بالمرة (وليس في السياسة فحسب) ، سواء التيار السلفي بشكليه التقليدي والحساني ، أو ربما داخل تيارات دينية مذهبية أخرى (هذه المشكلة لا توجد بنفس الدرجة لدى جماعات الإسلام السياسي.. صدق أو لا تصدق) ، تبقى المعارضة العامة لدخول المرأة معترك الحياة السياسية ضعيفة ، فأغلب الدول التي ترتبط بها التيارات المذهبية فكرياً بدأت تتيح المشاركة السياسية للمرأة ، سواء في دول الخليج العربي النفطية الغنية ، أو في إيران ، مما يفقد أي معارض أو معترض أي حجة منطقية.. خاصة مع تزايد نفوذ حزب "احنا نعمل زي ما السعودية وإيران بتعمل"*..

4-أنا ضد الكوتة ، وأي كوتة ، نحن نتحدث عن دولة ارتضت الشكل المدني أساساً لها منذ فترة طويلة ، والشكل المدني يتضمن مشاركة المواطنين في الحياة السياسية تصويتاً وترشيحاً بغض النظر عن الاعتبارات الدينية ، في وجود أحزاب سياسية (يفترض أنها) محترمة ، بعيداً عن الأحزاب الدينية ، أو عن نقل الانتماء الديني والمذهبي للبرلمان أو الترشح على أساسه أو تمثيله على حساب بقية أبناء دائرته التي من الممكن -جداً- أن يكون منهم من على غير دينه وليس فقط على غير مذهبه..وهي نقطة ربما أفرد لها تدوينة مستقلة بإذن الله..إذن المسئولية تقع على عاتق الأحزاب ، الأكثر تنظيماً، الأوضح خطاً ، والأقدر على جمع أعضائها تحت مظلة "أكثر أماناً" .. والمشكلة أن تلك الأحزاب بشكلها الحالي هي التي تتعامل مع المرأة ككائن بشري من الدرجة الثانية ، بل إن من أعضائها ومن صحفييها من يطالبون بعلو الصوت بتعيين المرأة قاضية وهم يرفضون أن ترأسهم في أحزابهم وصحفهم امرأة!

ولا أعتقد أن فكرة أن الكوتة ستكون مؤقتة أو انتقالية يمكن أن تنطلي على "بوحة" طالما أن المصالح السياسية التي صنعتها قائمة وطالما أن المناخ على ما هو عليه إن لم يكن يتحرك إلى الأسوأ..إذن فلا نخدع أنفسنا أكثر بتديين مشكلة عزلة المرأة عن الحياة السياسية وبتديين حلها..

وعليه فإنه من الحلبسة الصرفة أن يستغل أي شخص أو حزب أو ما يقوم في محله الدين لحث الناس على المشاركة في الحياة السياسية ، في وقت لا يستغل فيه أي مخلوق الدين لجعل الناس يلتزمون بما جاء فيه من مكارم الأخلاق ، من يستغل الدين اليوم لحثي على التصويت سيستغله غداً لحثي على الامتناع عنه..

وعن نفسي كمسلم أذهب لشيخ أو لعالم لأستفتيه في أمر يخص ديني ، فرائضه وسننه وسلوكياته وأحكامه وتشريعاته ، لكنني لن أذهب إليه ليفتيني بالمشاركة في الانتخابات من عدمها ، لأنه يعلم بالتأكيد أنها شأن سياسي متغير لا تحتاج فيه إلا أن تستفتِ قلبك وإن أفتوك كما علمنا رسولنا الكريم.. خالص مودتي..
*طبعاً الحزب دة بيتمسك بالمبدأ المذكور في أي حاجة إلا فيما يتعلق بقانون التأمين الصحي اللي بتتحول فيه السعودية وإيران إلى الدانمارك والنرويج.. حاجة تقرف..