Saturday, May 1, 2010

علاقات عامة

ع الماشي .. حكاية حلوة وظريفة ..مليئة بالمواعظ والعبر .. مهداة إلى كثير من الناس .. في مقدمتهم صحفي ابتلينا به مؤخراً مقدماً لفقرة عن الصحافة يقوم فيها بالدعاية المجانية لمجلته القومية التي نسي معظم الناس اسمها..وعدد من الأتاتوركيين المصريين، وممن يتبنون مفاهيم شديدة السطحية للتسامح وثقافة العلاقات العامة.. ستسليهم تلك القصة بطريقة شنيعة..

في بلد كألمانيا توجد حساسيات تجاه الأجانب عموماً ، والأتراك خصوصاً (مثلما تلك بالنسبة للجزائريين في فرنسا) باعتبارهم يشكلون جل الأجانب فيها، وبالتأكيد تجاه المسلمين الذين يأتي معظمهم من جذور تركية.. قرر الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني وهو واحد من أشهر الأحزاب الأوروبية اختيار سيدة ألمانية مسلمة من أصول تركية لتكون وزيرة دولة في حكومة ولاية "ساكسونيا" للشئون الاجتماعية..خطوة ستفرح الكثيرين في العالم الإسلامي ولا ريب..

السيدة "إيجول أوزكان" -أتمنى أكون كتبت الاسم صح- (39 سنة)..أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب تصريح لها أدلت به قبل أيام عن ضرورة منع الصلبان والرموز الدينية المسيحية في المدارس تماماً مثلها مثل الرموز الدينية الأخرى لأي دين آخر بما فيه الرموز الدينية الإسلامية..لاقت تلك التصريحات بحسب "دير شبيجل" هجوماً شديد العنف داخل الحزب وخارجه من صحف ألمانية متفرقة ..بمن فيهم "دير شبيجل" نفسها.. لم يخل تعليق تلك الأخيرة من "أسباب دينية" .. لكنها اعتبرت تعيين المهاجرة ذات الأصول التركية أشبه بحملة "علاقات عامة" يقوم بها الحزب لتحسين صورته بين المسلمين والمهاجرين عموماً لا أكثر..

طبعاً حاولت "أوزكان" "لم" الموضوع والاعتذار ومحاولة التوضيح .. لكن تيار الغضب داخل الأحزاب الألمانية كان أقوى..على الرغم من تطمينات "كريستيان وولف" رئيس الحكومة الفيدرالية لولاية "ساكسونيا السفلى" التي تعمل بها "أوزكان".. أما اتحاد مسلمي ألمانيا فأيد الإبقاء على الصلبان شريطة الإبقاء أيضاً على الحجاب الذي منع في مدارس ألمانيا أيضاً..ويرى رئيس الاتحاد "أيوب اكسل كولر" أنه "نحن نعيش في دولة ذات طابع مسيحي عميق وثقافة مسيحية عميقة ولذا يتعين أن يكون الدين واضحا في الأماكن العامة" وأنه "إذا حظرنا الدين من الأماكن العامة فإن هذا يعني أننا نطرح دستورنا العلماني للتساؤل"..

وسيرى البعض أن الموضوع كله علاقات عامة في علاقات عامة.. فالحزب أراد أن يختار وزيرة مسلمة من أصول ألمانية في حكومة محلية تبديداً لمخاوف الألمان المسلمين والمهاجرين من تصاعد التيار العنصري ضدهما.. وتصرف "أوزكان" ثم التراجع عنه كمحاولة منها لتطمين الحزب ، والمحافظين على أن وجود ألمانية مسلمة من أصول تركية لن يحدث مشكلة كبيرة للناخبين الليبراليين أولاً ، ثم المحافظين ثانياً..وبالتالي لو أراد الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني قبول مهاجرين - بحسب "دير شبيجل"- فعليه أن يتحمل الجدل الذي سيثيرونه..و"اللي يخاف من الدح.. ما يكونش كح"!

ولكن يبدو -في رأيي المتواضع جداً- تصرف "أوزكان" في رأيي محاولة لمعالجة خطأ بخطأ.. الخطأ الأخير كان فرض رمز ديني في مدارس بافاريا "بالعافية" بما يتناقض مع الدستور الألماني ، قوبل بمحاولة "تنميط" بحذف كل أشكال الهويات الدينية.. في مجتمع لا يخل من تأثير للدين فيه سواء بالنسبة للألمان المسيحيين أو المسلمين (4.3 مليون أغلبهم من أصول تركية وعربية) أو اليهود ..

ما تبنته "أوزكان" هو نفس ما تبناه "أتاتورك".. والذي كان من أحلامه انضمام تركيا للقارة الأوروبية .. وهو ما يحاول من خلفوه حتى لحظة كتابة السطور تحقيقه.. لكن لا هو ولا غيره يدركون صعوبة قبول الأوروبيين لهم .. ليس لكونهم مسلمين ولكن بسبب النظرية الأتاتوركية التي ترى أن الانتماء الديني مضاد للانتماء الوطني.. وهو ما يصطدم بواقع أوروبا التي تحكمها دساتير عالمانية ولكنها تتيح الحريات الدينية بمن فيها حرية إظهار الرموز الدينية ..ولا تخلُ تلك المجتمعات - كما أوضحت "دير شبيجل" - من ناخبين محافظين .. والناخب هو من يقرر عادة من يحكم.. ومن لا يحكم..

لدينا من يفكر مثلما فكر البافاريون أبطال المشكلة التي ثارت قبل ربع قرن ..ويثيرون مشاكل .. لكن حلها ليس بتحضير روح "أتاتورك"..لا يعالج التطرف بتطرف.. حتى وإن اعتقد في ذلك من يقولون أنهم معتدلين.. دمتم بخير..
*إهداء خاص لصديقي "ابن عبد العزيز"...