Sunday, January 23, 2011

دين المال السياسي

كل شيء في هذه الدنيا أصبح يشبه أزرار الكيبورد ، ولا شك أن زر الدين له جاذبية خاصة جداً ، بالذات لدى من يتفاخرون دائماً أن أصابعهم لا تطأه أبداً.. معاذ الله..

منذ أن انتحر الشاب التونسي قبيل ما عرف بـ"ثورة الياسمين" أو أياً كان اسمها ، وتزايدت المخاوف من أن يحدث في مصر ما حدث قبل أسبوع وبعض الأسبوع في تونس الخضراء ، وبالفعل بدأ من أعجبتهم لعبة "فرافيييروووو" - للي يوعى عليه أو سمع عنه- وبدأوا في تقليد "البوزيدي".. وكان من الطبيعي ، ومن المتوقع ، أن تظهر خطب الجمعة كلها منددة بالانتحار كأسلوب وتصرف أياً كانت الظروف التي يرتكبه فاعله من تحت رأسها ، والانتحار كما نعلم جميعاً حرام ، من قبل أن تكون هناك معارضة ولا سلطة ولا بابا غنوج..

فما كان من أصابع المال السياسي -عن طريق كتابه ومنظريه و"مو-ناضليه" -إلا أن كبست زر الدين ، كأزرار كثيرة تكبسها عادةً لكي تسترضي الشارع الذي تحتاجه في حرب "التوم والجيري".. من ذلك مثلاً ما كتبه الدكتور "محمود خليل" في عدد المصري اليوم بتاريخ اليوم ، مقال لذيذ ومسلي يكاد يصل إلى درجة "إباحة الانتحار" بناء على استنتاج "غريب" وغير منطقي بالمرة لتفسير الآية الرابعة والخمسين من سورة البقرة (1)، مروراً بمقال "شاليمار شربتلي" بنفس العدد.. والتي تنتقد فيها بدورها نفس تلك "الفتاوى" التي هي ليست بفتاوى لأن الفتوى عادة ما تأتي في جديد مستحدث ، وليس في أمر به نص صريح.. لكن ما يجعلك تستلقي على ظهرك من الضحك فعلاً فقرة قالتها الكاتبة المذكورة على لسان "أم ثكلى" في بداية المقال:

لِمَ يا شيخ يا جليل لم تفت لنا فى ماضينا العربى بحكامه (2).. هل حلال ما فعلوه بنا.. وهل حلال ما نحن فيه؟ هل الأراضى المنهوبة والأموال المسلوبة، والفقر العشوائى الكامن المستقر والجهل الانتهازى - مثلك - حلال؟

لم ينكر أحد أن الرشوة والسرقة والفساد والظلم حرام ، مثله مثل الانتحار تماماً ، وأن أحداً من شيوخنا الأفاضل لم يعط تلك المواضيع حقها ، ولم يعظ الناس محكومين قبل الحكام في كل هذه القضايا بلا استثناء، وتكلمنا كثييييراً في تلك النقطة.. كلام جمييل ، وكلام معقوول.. ما أقدرش أقول حاجة عنه .. إلا..

إلا أنه يمكن تصديقه من أي شخص آخر ، ومن أي إعلام آخر ، إلا إعلام المال السياسي..

السرقة والرشوة والفساد أمور دائماً ما كانت مقترنة بالنخب الحاكمة ، كما تصور لنا هذه النوعية من الإعلام ، وهي في الواقع مقترنة بسلوك مجتمعي ، المجتمع الذي أنجب السلطة هو من أنجب الكروش الكبيرة التي عينت من أنفسها مناضلين ووطنيين ..

في كرة القدم أي لاعب يحصل على إنذارين يطرد ، سواء في مصر ، أو في تونس ، أو في بنجلاديش ، قاعدة ثابتة يا عزيزي لقانون واحد ، والدين في مصر هو الدين في تونس هو في بنجلاديش، والحرام واحد أياً كان مرتكبه وأين كان.. ومن صميم عمل رجل الدين أن يوجه خطابه للجميع ، فوق وتحت ، لا أن يقصره على فوق ، ولا على تحت.. (والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه لا نرى أي شيء فوقاً ولا تحتاً)!

ماذا لو سئل أصحاب تلك الصحف وشركاها : هل ثروتكم نفسها أيها المناضلون حلال في حلال؟ هل الاستيلاء على أراضي الدولة بطريقة مريبة حلال؟ هل الرشاوى التي تعتمدونها لتسيير المراكب الواقفة حلال (مسيرهم يجيبوا فتوى لمفتِ ما بتقول إنها حلال زلال ، وإن اتزنق حيقول لك "إلا ما اضطررتم إليه")؟ هل التلاعب بحقوق الأسهم والمساهمين حلال؟ هل الاحتكار حلال؟

الفول م الطعمية والطعمية م الفول .. هكذا قالت "شيرين" في مسرحية "المتزوجون" قبل بضع وثلاثين عاماً، والحزبوطني والمال السياسي بينهما علامة يساوي (فثروات المال السياسي لم تنشأ إلا من "علاقة عابرة" بالحزب وأولي الطول فيه في مراحل سابقة) ، كلاهما يلعب نفس اللعبة ، ويستخدم نفس الأسلحة تقريباً ، ويتربح بالطائفية ويتاجر بالدين ، هذا يقول لك "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" فيرد ذاك بـ"إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ..

عندي المال السياسي يشبه "مختار ليل" - فاكرينه؟-لديه مبرر لكل شيء ، الانتحار الحلال إذا كان سياسياً (3)، والسرقة والنهب الحلال من الصغار (لحد ما يكبروا لدرجة تقلق البهوات المليونيرات طبعاً) ، وحتى القتل حلال ، قانون المصلحة ، أنا ومن بعدي الطوفان ، امتيازاتي حقوق مكتسبة ، شهواتي أوامر يجب أن تطاع ، أحلامي واقع يجب أن يتحقق ولو طارت فيها الرقاب ، هكذا علموها للناس ، ويتباكون على جريمة تحدث هنا وهناك ، ومن برامج التوك شو إياها على حال المجتمع ، قائلين لنا "ياللا ثوروا ع الحرامية اللي هناك".. حرامي يحرض الناس على الثورة على حرامي.. مسخرة..

"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم".. قيلت لبني إسرائيل في القرآن الكريم ، ولا مانع من أن تقال لمن يلعب بالدين ، في سدة الحكم ، وفي خارجها، خصوووصاً خارجها.. وسمعني سلام :"قولوا للي أكل الحرام يخاف"..
(1)وسيختلف الأمر طبعاً لو أن الكاتب فكر في الآية السادسة والستين من سورة النساء ربما وصل إلى خلاصة أخرى!

(2)تحديث 24/1: للإمام "محمد عبده" فتوى عن الإضرابات أدانها وطلب في نفس الوقت من أولي الأمر العمل بكل السبل على إصلاح أحوال المضربين ، لكنه لم يفعل ما فعله الشيخ "يوسف القرضاوي" الذي بدا موقفه أقرب للتبرير ، ولإضفاء مسميات كبيرة على تصرف لم يقصد صاحبه من ورائه كل "الكلام الكبير" الذي قاله الشيخ الكبير ، لكن ما يثير الغضب هو موقف كتاب الحزبوطني الحقيقيين ، وليس من أسماهم "محمد أمين" الكاتب بـ"المصري اليوم" بـ"شيوخ أمن الدولة" ..ولنا عنه بإذن الله كلام في القريب العاجل جداً بإذن الله ..

(3)...وفي أحيان أخرى نجد هؤلاء يلومون هؤلاء الشباب مطالبين إياهم باعتناق ثقافة العمل الحر.. مش بأقول لكم زراير في زراير؟

Thursday, January 13, 2011

في الآتي بعد : حافة الهاوية

أول الكلام اعتذار حار لمحبي "الدين والديناميت".. ولمن انتظروا مني أن أكتب شيئاً هنا منذ فترة طويلة.. حتى وإن كنت نشطاً بعض الشيء في أماكن أخرى ، أعترف بأن التوقف جاء طويلاً ، ولأسباب ليست كلها تقنية خالصة ، هناك أسباب شخصية وأسباب تتعلق بحالة "صدة النفس" التي يفرضها المناخ العام علينا جميعاً.. كنت أحضر للكتابة عن عشرات المواضيع ، بدءاً من الانتخابات التي كنت أعتزم الكتابة عنها قبلها بأيام ، مروراً بتدوينات متفرقة عن الفن والدين ، ونهايةً حتى بتدوينة أحضر لها عن ما بعد الحادث الإرهابي الأخير ، ولكن ضيق الوقت ، وضيق النِفس حالا دون إتمام كثير من تلك التدوينات في وقتها..

لكن هذا الضيق تحول لدي إلى غضب عارم أمس ، وبسبب موضوع لم ينتبه إليه إلا زملاء قلائل ، بينهم صديقي العزيز "ابن عبد العزيز" الذي كتب عن الموضوع قبيل أيام من انتهاء شهر رمضان المبارك ، وقبل أربعة أشهر وبعض الشهر من مجزرة الشرقية ، وبين السلوك النيابي ، الذي أعف عن وصفه بعبارات لا يعاقب عليها القانون ، والذي يلخصه ذلك الخبر "من الآخر" كما يقول التعبير المصري الدارج الحديث..مكتفياً بوصفه المخفف جداً بأنه "لا أخلاقي"..

المنطق يقول أن هؤلاء- إن كانوا قد جاءوا إلى البرلمان بانتخابات حرة- هم ممثلون عن الجميع ، القاتل والمقتول ، لكن الذي صوت له المقتول عاد ليدافع عن القاتل ، بحجج حمقاء يسهل على أي طفل في الرابعة من العمر تفنيدها وشرشحتها ، بدءاً من حجة سوء الطرق الذين تناسوا أن تطويرها سيأخذ وقتاً طويلاً وسيزيد التحميل على الطرق السيئة ، ونقص تدريب السائقين الذين إن قررت الحكومة تدريبهم غداً فسيعتصمون ويضربون ، إلى تساهل الحكومة في منح بعض السائقين رخصاً وكأنهم نسوا أن سائقين من شركاتهم دهسوا عدداً لا يستهان به من الأبرياء على الطرقات.. وتصل الوقاحة إلى ذروتها إلى المبدأ الذي يمكن استخراجه من كلام "السيد" -تعمدت عدم استعمال تعبير أدق- "منصور قدح" بأن أي شخص لا تعطيه الدولة "حقه" - أو الامتيازات التي يعتبرها حقه- من حقه أن يكون إرهابياً .. منطق ابتزاز يسري على عصابات ولا مكان له في دولة ، يعلم الله عز وجل جيداً لماذا نريدها قوية ، حتى لا نغرق في بحور من البلطجة والطائفية وطبعاً الدم..

هل تعرفون ما هي خطورة ذلك الموقف ، وغيره إن تكرر؟

خطورته أن هناك أفكاراً داخل شرائح سلفية ومستصوفة تعتبر الدولة - تقريباً - حراماً ، والقوانين "حكما بما لم ينزل به الله سلطاناً" وأنه "لا سبيل لعز المسلمين إلا بعودة دولة الخلافة" -اللي ما قالوش حترجع إزاي- وبالبيعة - التي هي بديل عن الانتخاب ، مضافاً إليها أفكار "الجهاد" وجماعات التطرف في الثمانينات التي كانت ناراً تحت الرماد..

سلوك هذه الشرذمة من النواب سيعيد تلك الأفكار إلى الواجهة ، تلك الأفكار التي كانت حدودها مقتصرة على دائرة معتنقيها الضيقة ، رغم ضراوة ما قاموا به من عنف ضد الدولة وضد الناس ، ستجد متسعاً لها بين عامة الناس بهذه الطريقة ، الذين سيحنون ليس فقط إلى الديكتاتورية ، بل سيدافعون عن تلك الأفكار المتطرفة طالما أنهم لم يجدوا أمانهم مع الاعتدال.. بل وإن قرر معتنقو تلك الأفكار دخول لعبة السياسة من بابها فسيساعدونهم على دخول الانتخابات .. فالناس المهددون بالقتل بلواري جنرالات الطرق هم الآخرون أحرار في أن يدافعون عن حياتهم ، مثلما النواب أحرار في الدفاع عن مصالحهم التي تهدد حياة الآخرين وأمنهم..

هؤلاء ، ومعهم الإعلام الذي يساندهم ، ومعهم الناشطون الذين يساندون ، أو "يطرمخون" ليس لديهم أي حد أدنى من الوعي بخطورة أن تنتقل فكرة متطرفة واحدة يعتنقها أشخاص يقلون عن عدد رواد قهوة بلدي في الظهيرة ويرفضها عامة الناس إلى عامة الناس أنفسهم.. مجتمعنا نفسه ، كما سأوضح في تدوينة قادمة -بس المهم بإذن الله ما أنساش-ليس بهذا التطرف المتوحش الذي يصوره البعض عليه ، لكنه سيصبح كذلك إن لم يؤمن النظام السياسي المعتدل ، وإن لم تؤمن الدولة ، لأفراده حقوقهم ، وتحميهم من الفساد وسوء استعمال السلطة والقوة ..

هؤلاء النوام قدموا للتطرف أحلى هدية مع بداية هذا العام .. وربنا يستر على مصر..