Saturday, July 26, 2008

بيت اليك - الجزء الثاني

نقترب أكثر من بيت اليَك..

في دورة الكمبيوتر قال المحاضر لنا عبارة رائعة .. ما معناها أنه لكي نختار يجب أن يكون لدينا معيار للاختيار..هذا المعيار هو العقل والنقل في هذه الحالة..ويوفر الإسلام ميزة نجد مشكلة حقيقية في استيعابها وهي فكرة التوازن بين الغيبي والعقلي ..فلا هو جعل عقول الناس أسيرة للخرافة ولا وضعها كليةً تحت سلطة العقل..

عندما تتعطل المعايير فإنك لا تستطيع أن تختار.. عندما تقف "مبلماً" أمام محل للأحذية معجباً بعدد من الأحذية وتريد شراءً زوجٍ منها وتنسى كم معك من النقود فإنك لا تستطيع اختيار الأنسب لك في حال إذا كان المعيار هو السعر في حال تساوي المقاس واللون..

كذلك العقل.. هو الآخر قابل للتعطل والتعطيل أيضاً..

لسنوات طويلة كان العقل عاجزاً عن حل العديد من المسائل ، وإلى قيام الساعة ستقف أمام العقل البشري ومنجزاته الهائلة مسائل تستعصي على الحل.. يحلها فتظهر له غيرها.. كانت العديد من الأمراض بلا عقار يكتشف لعلاجها فكانت تفسر من قبل الناس تفاسير غيبية بدءاً من السحر مروراً بالأرواح الشريرة .. يستوي في ذلك الغرب والشرق..ولا يمكن تحميل ذلك كله للدين رغم ارتباطه بتفاسير خاطئة له.. وأعني بـ"الدين" في العبارة السابقة أي دين..

ويتعطل العقل عندما نخاف.. الخوف من المجهول بشكل عام لا يزال يشكل هوساً حتى في أكثر بقاع العالم تقدماً.. كلما زاد خوفك وذعرك كلما كنت أكثر استسلاماً لمن يعرض عليك أي حل .. أي حل..شوف انت بقى..

وقد تستغربون كما أستغرب أن اندفاع الناس لتصديق ما هو "ملموس" قد يجعلها فريسة للخرافة .. فالناس في فترات سابقة من التاريخ كانت لتصدق أي شيء طالما اقترن بشيء يمكنهم لمسه .. فقد لا تصدق أن فلان الفلاني "واصل" إلا إذا سمعت أو رأيت أو جعلك أحدهم ترى أنه نظر إلى علان فسُخِطَ قرداً و(بصديري) سموكنج.. واستخدم ذلك من قبل "البعض" في عدد من المذاهب للتسويق المذهبي تارة (بعض المحسوبين على السلفية الآن) ، وللإرهاب الفكري تارة (تاريخ التصوف في مصر بالذات مليء بأمثلة) ، وفي عمليات النصب أيضاً..

في أزمنة العجز والضعف و"الفَلَس" قد نكون أكثر عرضة للحصار في بيت اليَك.. لدينا في مصر مثل يقول "اصبر على جار السَّو يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده".. وفي مراحل سابقة من التاريخ كنا في انتظار هذه المصيبة .. نأمل فقط في وجود قوة خارجية قوية تأخذ "جار السَّو" في تذكرة ذهاب فقط.. ولا تأتي في أحيان كثيرة..فقط نعيش على الأمل .. أي أمل .. شوفوا انتوا بقى..

لذلك نحن نعرف الحقيقة ونصدق في نفس الوقت كل ما يقال .. على اختلاف أدياننا ومعتقداتنا .. بحثاً عن معجزة .. بحثاً عن يقين..عن ضوء في نهاية النفق المظلم..

بيت اليَّك ليس باباً مغلقاً حتى وإن حُبِسْنَا فيه عاطفياً و/أو عقلياً.. هذا الباب له مفتاح من قطعتين.. الإيمان الحقيقي والعقل.. الإيمان يجعلك على يقين بأن كل شيء مهما أخذت بالأسباب مرهون بمحرك هذا الكون .. والعقل يجعلك تميز وتختار وتفرز وتجنِّب.. لا يمكن للمفتاح أبداً أن يفتح بقطعة واحدة حيث أن صحيح العقل يقول أنه من الصعب أن تفتح باباً بنصف مفتاح.. أترككم لتشاركونني التفكير .. ودمتم بألف خير..
هام: ليس في ما سبق أدنى تناقض مع مقال سابق في هذه المدونة قبل شهرين..

Sunday, July 13, 2008

بيت اليَك- الجزء الأول

"خانة الياك" أو "بيت اليَك" كما يقول اللبنانيون.. تعبير يدل على حصار صاحبه وحرج موقفه..بطريقة أو بأخرى.. كلنا في بيت اليَّك..

على شاشة إحدى القنوات الفضائية الدينية "إياها".. كان هناك برنامج يذاع فجر كل يوم سبت عن الحسد والسحر والدجل والشعوذة و-هكذا سماه مذيعه- "شغل العفاريت"*.. البرنامج نفسه أشبه بفيلم رعب .. يزيد من قسوته ورعب مشاهده الاتصالات التي يتلقاها السيد المذيع ، وكلها مريعة ومرعبة بما يكفي.. ومن الممكن للشخص العادي أن يحلم بها إن استطاع النوم أساساً..

كثير ممن شاهدوا البرنامج وجدوا أنفسهم في خانة اليَّك.. بين إيمانهم بأن الحسد مذكور في القرآن الكريم ، وبين إيمانهم أيضاً بقول الله العلي القدير "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" وبحديث الرسول الكريم لابن عباس رضي الله عنه "واعلم أن الأمة لواجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ..." إلى آخر الحديث.. وأن هناك من الأشياء التي تقال في هذا البرنامج تتعارض مع العقل وربما مع النص..وعندما تنكر تلك الأشياء تتهم بأنك منكر لما في القرآن الكريم..

نفس الشيء عندما نتحدث عن الكرامات.. الكل يؤمن أن الكرامات يعطيها الله لأوليائه الصالحين ، لكن في المقابل عندما نسمع العديد من تلك الكرامات ، خاصةً وأن نسبة منها قد يكون مكذوباً ، وأن لا يمكن أن نعد أي شخص من أولياء الله الصالحين بشكل اعتباطي ، قد نجد أنفسنا محاصرين بين الإيمان بشيء خرافي وإنكار شيء غيبي لا يكتمل إيماننا إلا به خاصةً وأنه لا مستحيل على قدرة الله عز وجل..

لست سعيداً عندما أجد نفسي مزنوقاً في "كورنر".. ولا أعتقد أن كثيراً ممن يقرأ هذه السطور ومن لا يقرأونها يرضون بأن يبيتوا ببيت اليَّك.. هذا هو دور أهل العلم ودور عقولنا أيضاً في أن نرى ضوءاً في نهاية الطريق..
* سمعت أن البرنامج قد مُنِع.. وأتمنى أن يكون الخبر صحيحاً..الصورة من موقع عن لعبة الطاولة..

Friday, July 11, 2008

وهوة دة بقى اللي حيحلها؟

في "القاهرة اليوم" .. أبدى السيد "طارق حجي" "امتعاضه" من تدريس آيات من سورة المائدة في منهج اللغة العربية ، مفضلاً أن تدرس في مقرر التربية الدينية* ، واستشعرت أنه كان يقول ذلك على سبيل المجاملة..

كان الرجل يريد أن يقول ما قاله فيمَ بعد مسئولون بحزب "التجمع" عندما اقترحوا منع تدريس التربية الدينية بشكل عام كمنهج.. يعني ألا تكون هناك مناهج للتربية الدينية الإسلامية أو المسيحية ويتم تدريس ما أسماه الحزب بـ"القيم المشتركة" بين الدينين من أجل القضاء على الفتنة الطائفية..

ماشي.. لنمضِ مع السيناريو للآخر..

لا تدرسوا الدين في المدارس ، اتركوا النشء الصاعد لكل متعصب في كل مذهب ، اتركوهم لمؤسسة الشارع الأقوى تأثيراً علينا حتى ونحن ندرس مناهج التربية الدينية كاملةً غير منقوصة.. وما أكثر الأمثلة هنا وهناك..

لنمض خطوة أخرى في السيناريو ، شيلوا الأزهر.. ألغوا المؤسسة الوحيدة التي يمكنها تقديم تعليم ديني مستنير.. وستحل المشاكل من تلقاء نفسيتها.. هكذا يعتقد من يطالب بذلك ، أو ممن يدعي الشجاعة ويفضل المراوغة على مواجهة الغير برأيه ولو كان متطرفاً وغريباً وغبياً..

كيف بالله عليكم يواجه الطالب المسلم ما حوله من تعصب منغرس في بيئته تجاه غير المسلمين بل وتجاه الكثير من المسلمين؟ كيف يواجه الطالب المسيحي ما حوله أيضاً من تعصب صار من دفن الرءوس في الرمال تجاهله؟

وكيف يمكن لرجال الدين هنا وهناك أن يواجهوا ويغيروا ما لم يكن لديهم تعليم وتأهيل ديني معتدل ومستنير؟

كان من الممكن أن يقترح الحزب المحترم الإبقاء على مناهج التربية الدينية مع مراجعة محتواها إن كان فيها ما يحرض على التعصب .. يبدو هذا أكثر "واقعية" خاصةً وأن دولاً قطعت أشواطاً أكبر في "الليبرالية السياسية" التي ينادي بها -إن كان يعنيها- لا تزال تدرس التربية الدينية لطلاب مدارسها.. لكن هذه هي مشكلة العقول الحزبية السياسية في مصر .. عقول تحمد العلي القدير على أنها ترى بوضوح موضع أقدامها!

يمكن حل مشاكل الاحتقان الطائفي بطرق كثيرة .. ليس من بينها هذا الحل الغبي..والله أعلم
* وفي تدوينة قادمة بإذن الله ولكن في المدونة الشقيقة "الصحافة فين التعليم أهه" سأعرض وجهة نظري فيما قاله المفكر "طارق حجي".. الذي خانه التوفيق وغالطه الحساب.. لما نيجي لوقتها إن شاء الله..
Image Credits: Islam online dot net.

Friday, July 4, 2008

اسأل الوزيرة!

بالأمس.. وعلى صفحات "البديل".. أدلى شيخ الأزهر بتصريح مثير للجدل أثناء وجوده في تجمع شبابي بالإسكندرية..أترك لكم فقط قراءة هذا التصريح بالكامل كما جاء في "البديل".. فقط ما استوقفني شيء غريب جداً قاله شيخ أكبر جامعة إسلامية في العالم حين سئل عن إضرابات العمال.. فقال والعهدة على "البديل": "وأنا إيش عرفني بالعمال بقي ؟ اسألوا الوزيرة عائشة عبد الهادي في المواضيع دي"!

كانت الوزيرة قد قالت في صحيفة معارضة هي "الوفد" والكلام للجريدة أيضاً أن إضراب عمال العامرية هو "حرام وغير مشروع وغير مبرر".. وكلمة "حرام"-لحسني النية- طالما لم يحدد السياق التي قيلت فيه فهي تشير إلى "الحرام" الفقهي.. والله أعلم!

لم تنفِ الوزيرة تلك التصريحات الغريبة كما هو المتوقع ، بل إن الموقع الرسمي لمجلس الشعب المصري قد نشر نقلاً عن "الأحرار"- المعارضة أيضاً- ملخصاً لتقرير نشرته الأخيرة عن "الفتوى" .. رأى بعض من سألهم معد التقرير ومن بينهم "سيد طه حسن" رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب أن الوزيرة قصدت أن الإضراب "مرفوض" .. بينما انتقد ذلك آخرون..

ما أعرفه هو أن الفقيه "يستشير" أهل الاختصاص قبل أن يفتي ، لا أن يحول الفتوى مباشرةً إلى أهل الاختصاص..

وما أفهمه.. ربما يكون ذلك خاطئاً أو ما كنتش واخد بالي.. أن أحكام التحريم هي أحكام عامة ومجردة ، فالزنا حرام ولو كان بامرأة مشركة عقيم محترفة كما قال أحد العلماء رحمهم الله ، قارنوا موقف الوزيرة من إضراب عمال "العامرية" وإضراب "المحلة الكبرى" الأول والثاني (ما قبل 6 أبريل).. هل الإضراب حلال في المحلة حرام في الإسكندرية على سبيل المثال؟ أعتقد أنه لكي تستكمل الفتوى شروطها يجب أن تخبرنا بالحالات التي يكون فيها الإضراب "حلالاً" أو "حراماً" أو "مستحباً" أو "مكروهاً"!

وما أراه عن نفسي أن السؤال الذي سئله شيخ الأزهر كان غبياً بما فيه الكفاية.. كان ينبغي أن يسأل السائل الوزيرة مباشرةً في هذه الحالة عن رأيها في الإضراب وليس عن حله أو حرمته ، وكان ينبغي على الوزيرة ألا تفتي هي ، وإلا تعالوا جميعاً نعلن من أنفسنا طبقاً لما حدث أهل اختصاص ونفتِ كما نشاء!

الحمد لله أنه لم يطلب ممن سأله عن الاحتكار أن يسأل "أحمد عز" بالمرة..

عدنا إلى قصة السليق والحريق التي تناولها كاتب السطور أول هذا العام، إما أن يعطى الأمر "كله" لصاحب الاختصاص فيفتي بما لا يعلم فيما لا يعلم فيضع نفسه في موقف "باااايخ" ، أو أن يتم استبعاده من القصة بأكملها في موضوع يتطلب أخذ رأيه وليس فتواه..

تخرج لنا من حين لآخر مواقف جديدة تثبت لنا أنه لا جديد .. ما سبق كله كان على سبيل "طق الحنك" وسبق "تمزيعه" بحثاً ولكن لا حياة لمن تنادي.. دمتم بألف خير..