Friday, May 30, 2008

كي لا يكون اجتهاد ديوك!

على قصر خطبة الجمعة هذا الأسبوع في مسجد قريب من المنزل، على مدى خطورة وأهمية الدرس الذي لقنه الخطيب عن قصد أو عن غير قصد لنا جميعاً..

تعرفون حديث الرسول الكريم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده....الخ"..ونعرف المعنى الدارج طبعاً لـ"التغيير باليد" والذي أثار ولا زال يثير لغطاً كبيراً..

ما رأيكم في معنى آخر مخالف تماماً لما نعتقده؟..أن تغير بعطائك ونفقتك على الفقراء ، بالإنفاق على مشروع نافع ، أي أن المسألة ليست تغييراً بالعضلات فقط كما كانت جماعات وفرق كثيرة تعتقد أو ما زالت تعتقد..

وفي استنتاجي أنه استند هنا لعبارة في حديث للرسول الكريم ما معناها "اليد العليا خير من اليد السفلى"..

وهو ما يذكرني أيضاً بموقف لأحد الخلفاء الذي أمر بـ"قطع يد" شاعر أجزل له المديح.. وفي نهاية الموقف يتضح أن الخليفة طلب "قطع يد" هذا الشاعر بإجزال العطاء له كي لا يأتي ثانيةً يتسول العطاء!

ما هو الشيء الخطير الذي احتوته تلك الخطبة القصيرة؟

أن اللغة العربية ، التي أنزل بها القرآن ودونت بها السنة ،حافلة بكمية كبيرة من المجازات والمعاني المطاطية التي تحتمل آلاف المعاني ، دون تعليبها في معنى أو تفسير واحد بعينه.. بل إن تلك المعاني المختلفة يمكن اكتشافها من نص آخر.. مثلاً قول الحنابلة بأن "الولي" في الزواج قد يكون "الحاكم/ الدولة" لمن لا ولي له ، والذي يتفق في تفسيره مع تفسير كلمة "ولي" في قول الله تعالى "فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" -سورة الإسراء..

في كتابه الهام جداً في رأيي "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" طالب الغزالي بدور فاعل لعلماء الفقه في عملية تنقيح السنة من الضعيف والموضوع ، كذلك من المهم جداً أن يكون لعلماء اللغة دور مهم جداً في المسألة الفقهية ، وأن من يتصدى للاجتهاد - الاجتهاد الحقيقي وليس "شغل الحلبسة"- يجب أن يمتلك مقدرة لغوية وعقلية عالية ..وأن تكون لديه رحابة صدر وقدرة على العمل مع آخرين.. بعبارة أخرى: أن الاجتهاد هو في النهاية عمل جماعي تفرض الظروف جماعيته..

لكن تقول لمين؟

حتى في كرة القدم لا تجد "ميسي" أو "رونالدينيو" أو حتى "أبو تريكة" يقوم بالعمل كله بمفرده ، بينما تجد علماء ، ومحدثين ، وفقهاء ، ومفكرين يتمسك كل منهم بلعب كل الأدوار بمفرده .. لقد كان ذلك صعباً وشاقاً على العلماء الأوائل قبل أن تظهر لكل علم من علوم الفقه واللغة والنحو والصرف والحديث والبلاغة شخصيته المميزة.. فماذا عن الآن بكل متغيراته وتعقيداته؟

الاجتهاد الفردي كان ضرورة في وقت وظروف ، أما الآن فيصعب أن يكون له موضع من الإعراب.. ويصعب معه قبول أن يعتقد المجتهد نفسه "ديكاً" لا يقبل له "شريكاً".. هذا والله أعلم..

Saturday, May 24, 2008

المسلماني يناقض المسلماني

في إحدى حلقات برنامجه المتواضع جداً "الطبعة الأولى" شن "أحمد المسلماني" هجوماً عنيفاً على بعض خطباء المساجد الذين هاجموا بدورهم المواطنين وحَمِّلوهم مسئولية الغلاء الذي نكتوي جميعاً بناره نتيجة الفساد الأخلاقي الذي نعيشه على أساس أن ما يحدث هو عقاب من الله عز وجل على الفساد المتفشي داخل مجتمعاتنا ..وقال أن هذا الكلام غير علمي وغير دقيق وأنه على أئمة المساجد أن يحترموا المسلمين أكثر من ذلك..

لم أسمع عن نفسي خطيباً في دائرتي تحدث بهذا المنطق.. وهو تصرف إن حدث بالشكل الذي نوه عنه السيد الصحفي الموقر فهو ينم عن قسوة وفظاظة في الخطاب .. وهو يصل في قمة التنطع في رأيي إن كان ذلك على سبيل الدعاية المذهبية ، كأن نرى خطيباً سلفياً أو صوفياً أو شيعياً يشن عليك هجوماً عنيفاً ويحملك مسئولية فساد هذا الكون فقط لأن مذهب سيادة الخطيب لا يعيش أفضل حالاته..

وفي جميع الحالات السيد المسلماني مخطئ.. ويغالط نفسه..

أولاً.. لا خلاف على أن ما حدث من تدهور اقتصادي هو تراكم لسياسات اقتصادية حدثت على مدى عقود من الزمان ، أتمنى من الرجل أن تكون ذاكرته أقوى وأبعد من مدى الحكومة الحالية فما قبلها به حقول جراح أكثر إيلاماً من أن تُنكأ.. ولا شك أن إقصاء السبب الدنيوي هو نوع من أنواع الاتكالية والتواكل المرفوضين في الدين الحنيف ، حتى وإن كانت الشلل المذهبية سبباً رئيساً في زراعة هذا النوع من التفكير داخل عقولنا..

لكن مبلغ علمي أن أي إنسان مؤمن بأي دين كان ، يؤمن بأن هناك للكون إله ، وبأن هذا الإله خلقه ، ويرزقه ، ويحاسبه.. بعبارة أخرى: حتى ونحن نحلل الأسباب ونبحث عن حلول -ونحن مطالبون بذلك- لا يجب أن نقفز على هذه الحقيقة ما دمنا ذوي "دين"..

ثانياً.. هناك في القرآن الكريم آية يقول فيها الحق تبارك وتعالى : "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد-11) .. وفي موضع آخر "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" (الروم -41)..

بحسبة دينية .. وبحسبة دنيوية .. هناك سياسات فاسدة .. وسلوكيات فاسدة أيضاً..رشوة فوق ورشوة تحت .. الكبير يسرق والصغير أيضاً.. والصغير يبيح لنفسه الاستغلال طالما أن الكبير يفعل ذلك.. هناك من يشتكي من الغلاء ثم "يقرص" عليك في الأسعار بمنطق "زيي زي غيري".. وفي الشئون التجارية والاقتصادية حدث ولا حرج.. احتكار .. تهليب .. غش.. انعدام للشفافية ..انزل أكثر لتجد أكل مال اليتيم بالتي هي (أ....).. والحصول على المواريث بالاحتيال والغش.. وإضفاء مسميات "أخف دماً" على الرشاوى والعمولات ..الخ..

ولماذا نذهب بعيداً .. إذا كان المسلماني- نفسه- قد تحدث في الموضوع في مقاله بتاريخ الحادي والثلاثين من مارس هذا العام بشكل أدق!

أمور كهذه كانت تستحق أن تحتل ترتيباً في مواضيع خطباء الجمعة ، بهدوء وعقلانية لا بعنف وبقسوة ، ودون نفاق أيضاً للمجموع وإسهام في "تبنيجه" وتخديره كما تفعل الصحافة والميديا عندنا بكل أسف.. وإذا كان نفر من الكتاب يهش ويبتهج عندما يرى بعض الخطباء يستغلون منابرهم للهجوم على حكام الجور وعلماء الزور.. فمن باب أولى أن يطلب هذا النفر من الخطباء توسيع مساحة الحديث في أمور هناك من يستفيد من إقصائها من الخطاب الديني .. كان من باب أولى أن أجد الخطيب الواقف على المنبر يطلب مني مقاطعة البائع المستغل قبل مقاطعة المنتجات الأمريكية والهولندية والسييراليونية..لكن من الواضح أن كل يسير في طريق .. الصحفيون والخطباء ..ونحن أيضاً..دمتم بألف خير..

Sunday, May 11, 2008

كمل كلامك

سيظهر -بالتأكيد- من يدافعون بشراسة عن دولة "حزب الله" في لبنان، ومن يصفون من يعارضوهم بضيق الأفق والتأثر بالشعارات الرنانة ، وسيظهر -بالتأكيد- من يدافعون بدورهم عن "حماس" رغم ما فعلته في الأراضي المحتلة ، ويتهمون من يختلف معهم بأنه الذي والذين.. والشيء نفسه مع النظام الإيراني والذي يراه مؤيدوه وريث "دولة الخلافة"، ولديهم هم الآخرون "لستة" من الاتهامات يكيلونها أيضاً لمن يشكك في مايرون..كل يتمسك بشدة بنموذجه كما لو كان حقيقة حسابية يستحق من تسول له نفسه الأمارة بالسوء مناقشتها قضاء الأجازة الصيفية في مستشفى الأمراض العقلية..

لا بأس..

أطلب ممن يؤيدون "حزب الله" ، ومن يؤيدون "حماس" ، وحركات الإسلام السياسي، وأنصار اليسار ، والمال السياسي ،وحتى من يطالبون بتطبيق النظم الليبرالية الغربية تطبيقاً حرفياً ، أطلب منهم طلباً واحداً ، لا أظنه صعباً ولا ترفياً..

أطلب من كل هؤلاء أن "يكمل كلامه" .. أن يسير بعقله مع النموذج لـ"الآخر".. ويخبرنا كيف ستصير الأمور إذا ما أصبح نموذجه في سدة الحكم.. على أن يفعل ذلك بتجرد ، بعيداً عن تأثير الدعايات التي تم حشو عقله بها مثلما يتم - في نظر كل هؤلاء- الأمر نفسه مع "الآخرين"..

من حق كل واحد منهم أن يحضِّر لي قائمة مطولة بالأسئلة التي سيسألها لي منكراً ومستنكراً، عن العزة والكرامة والهوية والأمة ...الخ، على أن يحضِّر كل منهم أيضاً أجوبة عن عدة أسئلة "وحشة"- بلاش شريرة المرة دي- قد يسألها لهم رجل الشارع العادي الذي يعرف بالكاد أسماء الشلل والمذاهب والجماعات والحركات..أطرحها هنا أيضاً بشكل متجرد وحيادي.. وأنا عن نفسي أقبل بأي إجابة يمكن لعقلي أن يقبلها في حدود الواقع وليس النظريات وكلام الكتب الذي ثملت شعوبنا منه..

من تلك الأسئلة: كيف سيتعامل كل تيار مفضل لدى هؤلاء الناس بعد الوصول للسلطة مع المختلفين والمخالفين؟ هل سيعيد "توزيع الثروة" أم "توزيع الفقر"؟ هل سيكون القرار الوطني في عهده مستقلاً أم تابعاً للقرار في دول أخرى حتى ولو كانت تنتمي لنفس العقيدة أو المذهب؟ كيف سيتعامل مع ملفات الفساد خاصة وأن احتمالات "إساءة استغلال السلطة" تبقى واردة نظرياً في أي نخبة تصل إلى السلطة على مستوى العالم؟ وهل يملك شجاعة الاعتراف والتراجع والتي دائماً ما كان ينعيها - مع أمور أخرى- على النخب الحاكمة الحالية؟

جميع الخطابات تقريباً تتسم باللون العاطفي، وهناك كُثُر يتعمدون ذلك للتغطية على ضعف المنطق ، وخوفاً من القدرة على التخيل والتحليل ، والتي قد تغير آراء الناس العاديين فيها وفي الواقفين وراءها - وهو أمر محتمل نظرياً..

مرة أخرى أدعو السادة المتحمسين إلى امتلاك شجاعة "كمل كلامك"- لعلنا نتبعهم إن كانوا ألحن حجة وأقوى منطقاً وأكثر واقعية-ودون أن تؤدي العاطفية الزائدة وتسميع الشعارات بالبعض منهم -على الأقل- إلى مرحلة "لماذا تنسى حين تلقاني نصف الكلام"!

Monday, May 5, 2008

الشيشة ..والحشيشة

ليست المشكلة في الحلبسة فقط ، بل فيمن يُنَظِّرون لها.. هناك على سبيل المثال من يدافع عن كون "البعض" يعيش على سجيته "ع الآخر" في المسجد مطالبين إيانا بألا نسمح لـ"التشدد" بأن يمنع المسلمين من العيش على طبيعتهم في بيوت الله وبأن يضرب "الإسلام الوسطي السمح" الذي نؤمن به كمصريين..ومن سيظهر طبعاً ليؤكد على مكانة المسجد في الإسلام "والتي ليست محل شك" وعلى أنه المؤسسة الرئيسية في الإسلام "هذا طبعاً في وقت سابق وفي بدايات التاريخ الإسلامي" وعلى أن عزل المسجد عن "الطقوس الحياتية" للإسلام هو خدمة لأنصار العلمنة والإلحاد و...و..... .

في أيام الموالد الكبرى ينتقل الناس بـ"كامل التجهيزات" .. طعام وشراب و"بوابير جاز" و"عسكرة" في جوار المسجد ، عادي خالص.. وفي "الويك إند" لا يحلو عقد القران إلا في المسجد الذي يتحول إلى ما يشبه السيرك .. وعلى من يعترض - خصوصاً المصلين- أن يشرب لترين على الأقل من البحر الذي يعجبه.. "انت مش حتصلح الكون".. "سيب الناس ع الطبيعة يا جدع"..

عندما تستمر الحلبسة لتصبح عادةً وعرفاً فيما بعد ، وعندما تجد الحلبسة من يبرر عنها ويدافع عنها ، فمن العادي جداً أن تتطور الأمور لتصل - في حالتنا هذه- إلى وجود "شيشة" في قلب المسجد.. اليوم شيشة عادة.. غداً شيشة ملغومة.. اليوم شيشة .. وغداً حشيشة..

هجر الشيوخ والعلماء المساجد إلى الفضائيات ، وهجر النظام حياتنا في أجازة مفتوحة.. وهجر الوعي السلوك لدينا لدرجة أن أهالي عاقدي القران أخرجوا إمام مسجد قريب من بيتنا عن شعوره في مواجهتهم بعد ما فشلت تعليمات وزارة الأوقاف - الصريحة والمكتوبة"- في ردعهم عن سلوكهم.. وطبعاً هذا الموضوع ليس مدرجاً ضمن مواضيع دروس الفضائيات.. وكأنه لا يهم أحداً..

بس خلاص..

ذو صلة: محمود الكردوسي يعلق على هذه المسخرة في المصري اليوم
* Image Credits: الصورة من أحد المنتديات لتعذر نشر الصورة التي نشرتها المصري اليوم بتاريخ 2/5/2008 بسبب حظر الجريدة نقل أي صور من موقعها بدون تصريح ..وهو ما يقدره ويتفهمه المدون..