Saturday, June 23, 2007

عدو ولا حبيب؟

لنعد مرة أخرى إلى الغلاسة والمواضيع ثقيلة الظل على حق..

ما هو الشكل المثالي لعلاقة المسلم بالدولة؟ هل هو السمع والطاعة العمياني أم التمرد والعصيان والرفض لكل شكل من أشكال الدولة لا يلائم المذهب الذي أنتمي إليه؟

عندما فكرت في علاقة الأحزاب الدينية (وهي كلمة سأستخدمها هنا في الحديث عن المذاهب) بالسلطة وجدت تناقضاً عجيبة ، وأشياء قد تفسر أشياء كثيرة تتعمد تلك الأحزاب في وسائل إعلامها الملاكي إثارتها وتحتوي على أطنان من اللغط..

بداية ، أجد تناقضاً عجيباً في شكل علاقات الأحزاب الدينية ، وما خرج منها من أفكار صاغت حركات الإسلام السياسي بالدولة ، ففي التيار السلفي والصوفي من يرى الطاعة العمياء لولي الأمر ، الذي هو قدر مقدور لا دور للاختيار ولا الانتخاب فيه ، بل ويصل الأمر لاعتباره "أمير المؤمنين" الذي "تجب بيعته"، وفي التيار الشيعي وبعض التيارات الجهادية وبعض الجماعات المتطرفة من يرى أن أولياء الأمر الحاليين جواسيس وخونة لا تجب طاعتهم ولا موالاتهم ويصبح من الحتمي الانقلاب عليهم حتى تعود العزة والكرامة للأمة ، وفي أكثر نسخ تلك الرؤية تطرفاً أن كل أشكال الدولة ونظمها كافرة..

تلك المسألة جمعت فيما يبدو "الشامي والمغربي" ، فمن ير كم العداء بين السلفية والصوفية لا يصدق أنهما قد يتفقان في شيء ، والشيء نفسه بين الفكر البنلادني والشيعي.. والغريب أنني ألاحظ - وربما تلاحظون - انقساماً داخل كل فرقة ما بين رؤية الطاعة العمياء ورؤية العصيان والمعاداة..

والأغرب في أداء الأحزاب الدينية المهادنة (أكثر من المطلوب) لولي الأمر هو الفصل بين رأس الدولة ومؤسسات الدولة ، نوع من "المماينة" يعني ، طالما أنت أرضيت رأس الدولة وبايعته في دولة نظامها يقضي بانتخاب رأس الدولة من عدة مرشحين فلا أهمية تذكر لمؤسسات الدولة الأخرى ولا للقواعد السياسية التي تنظم الدولة ، وللأسف فإن الحزب الوطني البيروقراطي (في الحالة المصرية) هو الذي شجع هؤلاء على المضي قدماً في هذا السخف..

الأسوأ أن هذه الأحزاب الدينية تمعن في استغلال هذا الوضع وتمارس السياسة بدون غطاء حزبي ، تلعب كجماعات ضغط ، وتعرض خدماتها على قوى سياسية ، وتستقبل مسئولين خارجيين وربما يأتي اليوم التي تستقوى فيه بالخارج .. والمبرر الجاهز طبعاً هو صالح الحزب أو المجموعة ، وهو مبرر فضفاض وواسع ، فلا تعرف إن كان يشير إلى مصالح الصغار أم مصالح الأتباع ، أو إلى بقاء كل شيء "على ما يرام" بالنسبة لتلك الفئة أم شيئاً آخر..وهذا كله رغم إيمان معظم هذه الفئات بأن من السياسة .. ترك السياسة!

هم إذن يمارسون السياسة بصفتهم الدينية ، فتلك الصفة الدينية في رأيهم تكفي .. ولا يوجد لديهم مفهوم واضح للمواطنة ، يوجد فقط الانتماء للحزب الديني ولا شيء أكثر .. ولا تصور سياسي إلا ذلك الذي يتماشى مع مصالحها ولتذهب الدولة في ستين داهية ، هذا ما يحدث في العراق والخوف كل الخوف من تكراره في مصر..

وفي هذا تخطي ، ليس فقط لما رسموه لأنفسهم "قدام الناس" ، ولكن لدورها داخل الدولة ، والدولة تشبه المسرحية لكل ممثل فيها دور محدد لا يجب تخطيه ، وعليه فمن الصعب بل من المرفوض أن يتخطى هؤلاء وغيرهم دورهم الذي افترضوه وافترضه المجتمع نفسه إلى دور لا يصلحون لأدائه!

ما سبق كان تلوياً لا يفوقه إلا تلوي المعارضين لمؤسسات الدولة ، "المشمأنطين" منها.. والذين يمارسون نوعاً من "التقية" السياسية تجعلهم يتعاملون مسدودي العين والأنف والأذن والحنجرة مع الدولة ، قائلين باستمرار أنهم يحترمون الدولة ومؤسساتها بينما يتحينون الفرصة المناسبة للقفز عليها..

كنتيجة لذلك ، يثير هؤلاء -الموالون على طول الخط والرافضون على طول نفس الخط- مخاوف بعضهم البعض (بسبب منطق يا أنا الكابتن يا مفيش لعب) ، ومخاوف وغضب عوام الناس من غير أصحاب الانتماءات المذهبية الدينية(بل وتقلل من تعاطف الناس غير المنتمين معهم إذا ما تعرضوا لاضطهاد حقيقي) بسبب لعبهم المستمر على وتر "الاضطهاد" واتصالات بعضهم المريبة بالخارج ، ومخاوف الجهات الأمنية (وبعضها مشروع ولها ما يبرره ، لو حنتكلم بصراحة) مما يدفعها للتضييق أكثر وأكثر عليهم..

والنتيجة مزيد من العزلة ، قد تدفع هؤلاء لبناء مدارسهم ، ومستشفياتهم ، وخدماتهم ، ومجتمعاتهم ، كما سيتم العرض لذلك بمزيد من التفصيل في تدوينة قادمة إن شاء الله..كل ذلك كبديل عن مؤسسة الدولة ، مجتمع موازي يعني ، مجتمع موازي سلفي ومجتمع موازي شيعي ومجتمع موازي مش عارف إيه ، والأمثلة في العالم العربي كثيرة..

عندما لا يكون التعايش هدفك الحقيقي ، فإنك بذلك تحرض "طوب الأرض" عليك ، خاصة ذلك النوع الذي يمتلك أفكاراً أكثر تطرفاً ونزعات عنيفة ، ثم تشكو بعد ذلك من اضطهاد المجتمع وتطرف الآخرين ..تيجي إزاي؟

لماذا لا يبتعد هؤلاء عن السياسة وعن ممارستها ، وحتى عن الدعوة والتبشير بمناهجها المذهبية(عملاً بشعار كل واحد ينام ع الجنب اللي يريحه)؟ لماذا لا يبادر هؤلاء إلى التعايش مع بعضهم البعض وغير المنتمين في إطار الدولة واحترام مؤسساتها؟ لماذا لا يترك هؤلاء التلوي الذي انتقدوا جماعات الإسلام السياسي (وهو للأمانة لا يزال موجوداً فيها) فيما يتعلق بعلاقتهم بالدولة ومؤسساتها؟

رأيي الشخصي: صحيح أنه "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" ، لكن هناك شيء اسمه الدولة ، إطار يضمني ويضمك ويضم المسلم مع غير المسلم ، دولة يفترض أن بها "ديمقراطية" تختار بها حاكمك ، وإن تحسن حالها أن تغيره بمن هو أفضل ، قائمة على التعايش بين كل الأفكار والمذاهب ، وتلك الدولة في نفس الوقت لها قوانين ، ونظم ، وآليات يجب احترامها..المسلم داخل الدولة جزء منها متعايش مع غيره فيها ، حتى ولو لم تكن تلك الدولة مسلمة أصلاً .. والله أعلم..

هذه كانت مجرد خاطرة ، وعذراً للإطالة ..

Monday, June 4, 2007

خيبة إلكترونية

للمرة الثانية أؤجل الكتابة عن الأزهر.. إذا كان شر البلية ما يضحك فإن أشرها ما يضحك ويتم السكوت عليه والدفاع عنه وتبريره أيضاً..

بعد تليفون ميتسوبيش الإسلامي ، ومبردات "المشتاقون إلى الجنة" ، أبشركم بأن أصابع "التكنولوبيا" ستمتد إلى الصلاة أيضاً!

ففي أحدث صيحات الهيافة توصل أحد أصحاب شركات البرمجيات -ولله الحمد والمنة- إلى اختراع جهاز أسماه مبدئياً "الرفيق" يقوم مقام الإمام في الصلاة ..وأجازته دار الإفتاء مع مراعاة عدة اقتراحات أخرى.. أتركها لكم لقراءتها في متن الخبر للذين لا يعانون من مشاكل في ضغط الدم..

ولأن الحاجة هي أم الاختراع ، فإن حاجة مخترع البرنامج تمثلت ببساطة في "رغبته الشخصية في الاستماع إلى أكبر قدر من آيات القرآن الكريم بدلاً من العدد المحدود من قصار السور ، مضيفاً أنه لاحظ عددا كبيرا من المسلمين ومن خلال صلواتهم يكررون بعض آيات يحفظونها ويشعرون بالثقة عند قراءتها وبالتالي لا يتيحون لأنفسهم فرصة قراءة عدد اكبر من الآيات إلا عندما يتفرغون لقراءة القرآن عندما يتاح لهم ذلك"!.. عن نفسي كنت أفضل الذهاب إلى مساجد بعينها بدلاً من الاختراع ووجع القلب!

ولأننا لسنا ببعيد عن واقعة "الإمام الديجيتال" التي تنوولت هنا منذ عام ، فقد ظهر متحمسون للفكرة مثلما تحمس آخرون للتقليعة السعودية ، هذه المرة تصدر هؤلاء مفتي الديار الشيخ علي جمعة الذي قال أن "الإسلام كمنهج وحياة لا يتعارض مع منجزات العلم بقدر ما يتفاعل معها ارتباطاً بتقدير الإسلام للعلم والعلماء ودورهم في تعمير الأرض وتطويرها والتيسير على الإنسان في كل أمور حياته "..

ما الجديد فيما قاله فضيلة مفتي الديار؟ لا شيء ، كلنا نعرفه..وأعتقد أننا وصلنا لدرجة وضعه كأمر مسلم به ولسنا بحاجة لمن يذكرنا به باستمرار من وقت لآخر!

وأخشى أن نرى على مواقع النت وفي الصحف من يتهم كل من يعترض أو ينتقد تلك التقليعة بالتخلف ومعاداة التكنولوجيا ، أو يدخل على الخط أحد "ولاد الحلال اللي ما خلوش لولاد الحلال حاجة" ليتصيد الرفض ويقول بسلامته أن الإسلام نفسه معادي للتكنولوجيا!

لا أحد ضد التكنولوجيا في حد ذاتها ، لكن علينا أن ندرك أن التكنولوجيا تحركها حاجات حقيقية وليست رفاهية ولا استعراض عضلات ..

ما الذي يمكن للتكنولوجيا أن تقدمه للعبادات بشكل عام وللصلاة بالذات؟ ما الحاجة الملحة لاختراع كهذا سوى في حالات قليلة جداً إن جاز ذلك؟ مش عارف!

أليس اختراع جهاز يساعد المكفوفين على قراءة القرآن الكريم أولى وأهم؟ عن نفسي رأيت شخصاً كفيفاً يقرأ القرآن الكريم من نسخة ثقيلة الوزن جداً مكتوبة بطريقة برايل..وكان واضحاً أنه -وهذا أمر طبيعي- يجد صعوبة كبيرة في حمله..

ألا توجد أمور دنيوية من الأولى أن توجه إليها صناعة البرمجيات في مصر أولوياتها ، خاصة مع قلة الصادرات المصرية من البرمجيات قياساً على صادرات "جار السَّو"؟ أم أن أتمتة العبادات هي المجال الذي تعوض فيه صناعة أوجه فشلها وعجزها؟

وللناس أن تستغرب من القبول السريع من رجل في علم ووظيفة الدكتور علي جمعة لـ"شيء كهذا" ، ولوضع أبراج المحمول فوق المآذن ، في وقت تتغير فيه الصورة تماماً إذا ما تعلق بمستجدات دنيوية يتم فيها إصدار الأحكام دون مجرد التفكير في الرجوع إلى أهل التخصص والتشاور معهم ، وللناس أن تستغرب أكثر أن المؤسسة الدينية المعروفة بمواقفها المتشددة إزاء ما هو جديد تتحمس لقبول "شيء كهذا" في الوقت الذي نرى فيه أكاديميين في جامعات يرفضون إخضاع أي بحث أو أي شيء للتجربة التي هي المحك الحقيقي للحكم على الأبحاث والأفكار.. وكأنما الاجتهاد (أو ما يتصور أصحابه أنه اجتهاد حتى لو كان حاجة تانية) في الدين أمر محمود والاجتهاد في شئون الدنيا بمثابة الأذان لصلاة الظهر في مالطا!

المفارقة أن الدين يستخدم من قبل بعض المتخصصين في مجالات دنيوية لتعليق شماعة رفض ومحاربة التكنولوجيا ، ويستخدم من قبل آخرين كشماعة يعلقون عليها فشلهم التكنولوجي..

دمتم بألف خير..

Saturday, June 2, 2007

ليست دعوة

قبل الكلام : أطلب ممن يقرءون هذا الموضوع أن يكونوا أكثر هدوءاً وأرحب صدراً ، وأطلب من الشتامين الامتناع عن الإدلاء بأي رأي في هذا الموضوع فهو سيغضبهم حتماً وسيستمطر آدابهم الرفيعة التي أعرفها جيداً..

كنت أنوي الكلام عن الأزهر وسنينه بناءً على وعد أعطيته لأحد الزملاء الذين ردوا على الهوامش السابقة على جدار الفتوى ، إلا أن بنت مصرية أعادت فتح موضوع غريب أعتقد أنه يستحق النقاش .. بهدوء وبدون تشنج وانفعال..

لا يختلف أحد على الدعوة إلى الله وطاعته والتزام شرعه، الذي نختلف عليه وبشدة هي الطريقة التي يرى أصحابها أنها السبيل الأمثل "لإصلاح حال الأمة" و "لهدايتها مما لحق بها من ضلال"!

يقول الله عز وجل "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".. والواقعة التي تناولتها بنت مصرية ، مضافاً إليها وقائع أخرى ، تعكس أنه لا توجد حكمة ولا حسن موعظة فيما يفعله بعض البشر ممن يعتقدون أنهم بتصرفاتهم يدعون إلى الله!

لماذا يمعن شيخ في استخدام الأداء التمثيلي المسرحي والصراخ والتشنج وأحياناً التنكيت ، هل هذا أسلوب دعوة؟ أنا شخصياً لا أعلم أن هذا كان يحدث إبان السلف الصالح الذي يرى بعض الناس أن هذا الشيخ أو ذاك يمثلون نهجهم..

ولماذا يتخصص بعض الشيوخ في وصف النار وأحداث النهاية معتبراً إياها عملاً علمياً ضخماً؟ أليس الاجتهاد وإيجاد الحلول للمشاكل التي تربكني وتربكك والعمل على مقاومة الفتاوى إياها أهم وأبقى وأصلح لعامة المسلمين؟ لماذا يصر فريق آخر على القص والقص ثم القص؟ نعرف أن العديد من الزهاد والعباد والصالحين كانوا قدوات حسنة ، لكنهم عاشوا ظروفاً غير الظروف التي نعيش وتبدو مقارنتنا بهم ظالمة جداً وشبه مستحيلة..

القص ليس "ختم النسر" الذي يعطي موثوقية لما يقوله الخطيب ولا لعلمه ، خاصةً وأن من تلك القصص ما يحتوي على نسبة دسمة من الإسرائيليات ومما لا ثقة في صحته بمقاييس العلماء الثقات المتفق عليها منذ قرون!

لماذا أرى كل الميكروباصات وقد تحولت إلى ألبومات صور -مثل ألبومات "بم بم" للي وعي عليها-"للاستيكر الدعوي" الذي هو عبارة عن صورة مركبة بجانب حديث أو آية ، وبشكل لا يرى أحد - سوى أصحابه طبعاً - أنه يرقق القلوب؟ تخيل أن راكباً مسكيناً تلفت حوله ليجد ستيكراً عليه كفن .. أصحاب هذه الاستيكرات العباقرة لا يعرفون أن الناس قد وصلت لدرجة أوشكت فيها على النطق بالشهادتين قبل ركوب أي وسيلة مواصلات عامة!

هناك أشياء لا يمكن أن تكون وسائط للدعوة بأي حال من الأحوال ، فلا وسائل النقل العام ولا غير العام ، ولا حتى المدونات (عاتبت على أحد من ردوا علي مؤخراً أنه ترك لي رداً كاملاً ومطولاً بأدعية قرأها في كتاب) أو رسائل الاس ام اس التي صارت "شوطة" وتضرب القنوات الفضائية كلها..

أنا لا أدخل في النوايا فالله عز وجل أعلم بها.. لكن هل يتصور من يرسل رسالة دينية على قناة أغاني خليعة أنه يدعو إلى الله؟ لم يعد ينقصنا فعلاً إلا أن يذهب البعض من الأدعياء إلى الخمارات والكباريهات ليدعون إلى طاعة الله ورسوله!

والمصيبة أنه عندما تناقش بعضاً منهم بهدوء تسمع أشياءاً غريبة ، فعندما ناقشت أحدهم في مسجد في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الماضي عن مطربي القرآن في صلاة التراويح قال لي سيادته : أنا صح وانت غلط.. فعلاً طريقة رائعة للمجادلة بالتي هي أحسن ، وربما "كانت تكمل" إذا ما تطوع اثنان من "قلاضيشه" لضربي داخل المسجد!..

قد يقول قائل : هذا هو أسلوب الدعوة الذي ينجح ويثمر ، ولا أعرف ماذا سيكون رد فعله عندما ينزل إلى الشارع ويكتشف أن النتيجة هي العكس على طول الخط!

أين دور المسجد في الدعوة؟ لماذا حول المخترعون خاصة من المتمذهبين بجميع أنواعهم المساجد لدور مناسبات ولأي شيء آخر غير الأغراض الأساسية التي أنشئت من أجلها ، ثم يقولون لي ولك "هذا هو دور المسجد الحقيقي"؟ لا أحد يكره أن يقوم المسجد بأدوار مختلفة فيما تسمح به ظروف العصر (كان المسجد يقوم بأدوار مختلفة في زمن النبوة لأنه كان المؤسسة الوحيدة في الدولة ، فلما استقرت وظهرت المؤسسات قامت المؤسسات الجديدة بأدوار سياسية وخدمية كان المسجد يقوم بها سابقاً) ، ولكن هناك أولويات.. فلا يمكن أن أحول المستشفى إلى فندق خمس نجوم ولا توجد به معدات لعلاج المرضى!

فضلاً عن هذه الافتكاسات ، أعتقد أن ظهور الشرائط ، والقنوات الفضائية "الإسلامية" ، أسهم بشكل كبير في تدهور أداء مؤسسة المسجد ، الذي يفترض أننا نذهب إليه لنتعبد إلى الله عز وجل ونتلقى فيه علماً دينياً نافعاً (وحط تحت "نافعاً" خمسين خط على الأقل) ، فنجد على المنابر خطوباً لا خطباء (ينطبق فيهم قول شوقي في كرومر : خطبت فكنت خطباً لا خطيباً) يطيل في الخطبة لمدد طويلة فقط من أجل تعبئة الشريط فحسب ، ولا يهمه في شيء أن تخرج الألوف المؤلفة من المسجد وقد نسيت - تماماً - موضوع الخطبة ، ثم يندب حال الأمة الناكرة للجميل التي لا تستفيد من مواعظه ولا تشتري شرائطه.. شيء عجاب!

لماذا لا يوجد لدى الأزهر ، الأمل الوحيد المتبقي للحفاظ على الوسطية في مصر (رغم أنه مخترق من طوب الأرض و"حاله عدم") أو لدى وزارة الأوقاف ما يشبه إدارة البحث والتطوير؟ دراسات علمية حقيقية عن ظروف الناس ومدى قابليتهم للدعوة بشكلها التقليدي أو بالعين كاف الذي يحدث هذه الأيام من أجل الحصول على طرق مبتكرة بلا افتكاس ولا فهلوة ولا تقاليع.. معرفة الجمهور المستهدف وفهمه وتفهمه أول خطوة على طريق التصرف معه بحكمة ووعظه بشكل حسن ، كما أن من يعتقد أنه قادر على وعظ الناس وتفقيههم في الدين (سواء من المؤسسة الأزهرية أو من خارجها ، وبالذات من خارجها) يجب أن يكون لديه الحد الأدنى من القدرة على مجادلة الناس بالتي هي أحسن ، لا أن يفاجأ كل من تسول له نفسه مناقشة السيد الداعية والعالم العلامة بطائفة من رابطة مشجعيه تشبعه سباباً وإهانةً فقط لمجرد أنه تجرأ على مناقشة العالم العلامة..

لو تذكر الشاخطون و "بتوع الاستيكرات" والاس ام اس والافتكاسات التي ما أنزل الله بها من سلطان الآية الكريمة لما كتبت هذه التدوينة.. والله أعلم..

تحديث : كل الشكر للزميل أبي العلاء على روابط ما كتبه عصفور المدينة و عبد الرحمن جادو و محمد عماد وكلها تدوينات هامة تستحق القراءة والنقاش..