Wednesday, August 5, 2009

تبرعوا لإخوانكم البلطجية

كيف عجزت الأمة المصرية في ريفها وصعيدها بقضها وقضيضها طوال أربعة أشهر أن تجمع ثمانمائة ألف دولار فقط لاغير‏,‏ لتفتدي أبناءها المختطفين في الصومال‏.‏ وإذا كان للخارجية المصرية موقفها المفهوم من عدم الرضوخ للإرهاب‏,‏ فماهو عذر المجتمع المدني المصري في التقاعس عن نجدة مواطنيه ؟


أين الدعاة الذين يملأون الفضائيات ببرامجهم وحواراتهم‏,‏ ولماذا لم يدعوا الأمة للتبرع من أجل فك أسر إخوانهم‏,‏ أو ليس هذا من أبواب الجهاد والزكاة؟‏.‏ وأين رجال الأعمال ولماذا لم يبادروا ببذل هذ المال اليسير للإفراج عن ثلاثة وثلاثين مواطنا مصريا‏,‏ والذي إن اضطلع به واحد فقط منهم دون مساعدة من أحد فما كان ليضلعه؟‏..‏ وأين لاعبو الكرة والفنانون ولماذا لم يستغلوا شعبيتهم في الدعوة لهذا العمل الوطني الجليل وجمع المال لبني وطنهم ؟


ليست شيمة المصري أبدا أن يترك إخوانه نهبا لعصابة من اللصوص القراصنة‏,‏ وليست ثمانمائة ألف دولار أمريكي بالمبلغ الذي يعجز المجتمع المدني المصري عنه أليس كذلك‏.‏؟


السطور السابقة هي رسالة في بريد الأهرام بعدد 5/8/2009.. "كلام جميل ، وكلام معقول ، مأقدرش أقول حاجة عنه" سوى إنه كلام شعبوي وفارغ..


أريد أن أعيدكم تسعة عشر عاماً إلى الخلف ، عندما كان كل من له صلة بالدين إبان غزو العراق لدولة الكويت يقول لنا في كل مناسبة أنه إذا جاء إليك البلطجي يطلب مالاً فلا تعطيه إياه تحت أي مسمى وظرف .. وإن قتلك فإنك شهيد .. ما الذي جعل القصة تتغير الآن؟.. وأين الآية الكريمة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله .."-الآية (المائدة : 33) والتي كنا نسمعها ونسمع غيرها مراراً وتكراراً عندما كان الإرهاب الأسود يضربنا في عقر دارنا؟ ولماذا لم نسمع من المذكورين أعلاه ومن سيادة كاتب المقال في بريد الأهرام شيئاً عن موقف الدين من قطع الطريق والبلطجة خاصةً وأنها تأتي من أناس محسوبين علينا مسلمين؟


هل يثق كاتب المقال وغيره في "شجعنة" و"نخوة" القراصنة المغاوير الذين يتمتعون بكلمة شرف كتلك التي نجدها - في الأفلام فقط- عند السادة تجار الصنف وتجار السلاح؟ أي أنهم إذا ما دفعنا لهم الفدية فإنهم سيعطوننا الرهائن وعليهم بوسة؟


وهل -والرجل يحدثنا عن الدين وبالدين - سيصل بنا الأمر لتمرير "الحلوان" على كل بلطجي وقاطع طريق سواء في بلادنا أو خارجها؟ أو إلى صرف حصة من زكواتنا تبرعاً للسادة البلطجية؟ وربما يسمع أحد شيوخ الفضائيات دعوة الدكتور الموقر ليطالبنا بنصرة إخواننا البلطجية في "صومالي لاند" و"بونت لاند" على أساس أنهم يرابطون على ثغور بلاد الإسلام وأن ملاليمنا ستكفي البهوات شر الفاقة وتعيدهم إلى الصراط السوي؟


كواحد من ملايين عاشوا الفترتين ، أصبحت لا أعرف ما هو المطلوب بالضبط ، فتح أم تسليك؟ طبطبة أم ترزيع؟ بل ولا أعرف إن كان هؤلاء القراصنة بلطجية أم مجاهدون في سبيل الله؟


لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ، لكني أشعر أن هناك تياراً عاماً ، خاصةً في الإعلام المسيس أو في إعلام المال السياسي ، لتلبيس القيم علينا، وجعلنا نتعاطف مع ممارسات لا تتضارب فقط وصحيح الدين بل وصحيح الفطرة السليمة.. قد توافقونني على ذلك وقد لا توافقون..


إلا أن الشيء الوحيد الذي أتفق فيه مع كاتب المقال على كل الاختلافات سالفة البيان ، هو أن المجتمع المدني المصري تعامل بحالة من اللامبالاة مع القصة برمتها ، ولو حدث ذلك في أي مجتمع آخر لقامت الدنيا ولم تقعد ، لكن لدينا ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، منظمات "حروق إنسان" وناشطون واعتصاميون يصرخون في الشوارع ويمنون علينا بنضالهم بينما هذه هي مشاعرهم الحقيقية تجاه أبناء بلدهم ودينهم الذين اختطفوا على يد عصابات.. ورب ضارة نافعة إذ عرفنا هؤلاء على حقيقتهم..