Wednesday, July 11, 2012

"شرعنة" الفن.. ومنطق الدجاج

نشر هذا الخبر على بوابة الأهرام في السادس عشر من ديسمبر عام 2010 ، أي قبل الثورة بشهر وتسعة أيام تقريباً ، والواقعة حدثت بعد فشل الأزهر في وقف عرض المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" والذي استقبل بتمجيد مبالغ فيه للدراما والنموذج السياسي الإيرانيين ،وبتهليل مبالغ فيه لا يتناسب مع المستوى الفني المتواضع والأخطاء التاريخية الصارخة (دة لو حنتكلم فن وتاريخ)..وبغض النظر عن صياغة "العلاقات العامة" الصارخة في الخبر (والتي تتنافى بالمرة مع أساسيات صياغة الخبر الصحفي بشكل يدركه أي شخص تعلم القراءة حديثاً)، سواء النسخة المنشورة على بوابة "الأهرام" في ذلك الوقت ، أو في الصحف السعودية ، إلا أن الخبر يظهر حقيقتان ، أقلهما أهمية مفادها أن مسلسل "عمر بن الخطاب" يهم الشبكة التليفزيونية السعودية بأي طريقة .. أما الحقيقة الأهم فهي تتلخص ببساطة شديدة في أن البعض يحتاج لرجال الدين لكي يضفي شرعية دينية على الفن!

يشترك النموذجان السعودي والإيراني في شيء واحد : الترويج لدعاية أن كل ما يفعل كل منهما مقدس ، ولا يحتمل الخطأ ، في فترة من الفترات كان يتم الاعتماد على رجال الدين والمؤسسات الدينية بشكل صريح وصارخ ، تماماً كما حدث في الخبر ، أما الآن وقد استقرت تلك الصورة في وجدان الناس ، فيبدو توقيع السلطة الحاكمة وحده يكفي لإظهار أن أي فعل لها هو مقدس لا يأتيه الباطل من أي داهية .. بدليل حملة العلاقات العامة المستمرة وراء المسلسل صحفياً وإلكترونياً رغم أن "المرجعيات الدينية" أعلنت رفضها له ، سواء الأزهر ، أو مؤسسة الإفتاء في السعودية نفسها.. والجديد في اللعبة هذه المرة أن الحكومات تحاول إظهار أنفسها هذه المرة بمظهر الإصلاحي الذي يمثل الإسلام المعتدل المستنير (في مواجهة المؤسسات الدينية المحافظة الطابع)، أمر نلاحظه بشكل صارخ في الحالة السعودية بالتحديد.. ومن قبلها في "إيران" في فترة "خاتمي"..

ويبدو توقيع السلطة الحاكمة على أي فعل بهذا الشكل لسبب بسيط ، وهو أن للسلطة رجال الدين الخاصين بها والمبررين لسياستها ، كأننا نتحدث عن "مصر مبارك" تماماً.. مع الفرق أن "تديين ما ليس بديني" في المجتمع المصري لم يصل إلى مستوى ما يحدث في الدولتين سالفتي البيان.. لا في عهد "مبارك" ولا حتى الآن..

وفي ظل علاقة السلطة الحاكمة في البلدين بالإعلام ، والإنتاج الفني (سواء بشكل مباشر أو بغير مباشر) من العادي أن يوقع رجل الدين على العمل الفني أو يراجعه "شرعياً" من وجهة نظره أو ما يعتبره وجهة نظر الشرع ، سواء في المسلسلات "التاريخية" في الحالة الخليجية (التي تستعين بكفاءات من خارج الخليج لإنتاجها وإخراجها بما أن الدراما الخليجية لا تزال تحبو وتقابل بهجوم من رجال دين متشددين)، أو في كل ما له علاقة بالدراما تقريباً في "إيران" ، حيث يقوم رجال الدين بنفس الدور الذي كان يقوم به "محمد علي" في الاقتصاد في مصر طوال فترة حكمه (1805-1840) : المنتج الأوحد ، الموزع الأوحد ، الرقيب الأوحد ، والمصدر الأوحد ، بما لا ينافي أجندة الدعاية داخلاً وخارجاً.. أمر يبدو مرذولاً عندما نتحدث عن فن وإبداع وأفكار وخلافه..

هل نحتاج إلى "رجال الدين" لضبط الفن و/أو للترويج له؟ هل نحتاجه لأن يقول لنا "افعل" و "لا تفعل" معاً؟ أم لأن يقول لنا افعل ما شئت ما دمت لا تخالف كذا وكذا وكذا؟ هل معرفتنا كعامة ناس ، بيننا الصانع والزارع والطبيب والمهندس وبالتأكيد الفنان بالدين "ميح" لدرجة أننا لا نعرف حلالاً من حرام؟ هل نحتاج لأيزو رجال الدين لكي نطمئن لمشاهدة أي عمل فني أياً كان؟ حتى ولو كان برنامج "عالم سمسم"؟ باعتقادي أن أي شخص مهما كانت درجة انحلاله به شيء من الدين ، بما أننا لا نتحدث عن مجتمع ملحد أو يعبد الأصنام..

وبين شرطتين : هناك فرق بين أن يراجع أساتذة التاريخ وفقهاء الدين تفاصيلاً تاريخية ودينية تتعلق بعمل فني ما ، وبين أن يقوم رجال الدين بمراجعة أي عمل فني مشهداً مشهداً وجملةً جملةً وحرفاً حرفاً و/أو أن يقوم بـ"اعتماد" العمل الفني من عدمه..

ختاماً.. ما يضحك أكثر أن من يهش لهذا الدور لرجال الدين هم أنفسهم من يقولون أنهم ليبراليون ، الليبراليون عادةً ما ينتقدون عامة الناس لأنهم يميلون لرجال الدين ويصدقونهم بداعٍ وبدون ، وهم أنفسهم يفعلون نفس الشيء معتبرين أن تجسيد الأنبياء والمرسلين على سبيل المثال- ما دام أباحه رجال دين - فهو دليل على حرية واستنارة ومواجهة لقوى الظلام ، رغم مواقفهم من رجال الدين وتديين المجتمع ، ولم يسألوا هم أنفسهم عن الاستنارة في مجتمعات بها أصنام سياسية ، ويعتبر فيها تقديم أي تناول فكري أو اجتماعي أو تاريخي معارض للنظام الحاكم في بلادهم جريمة تقترب من الطعن في الأنبياء والمرسلين أنفسهم.. أم ينتظر هؤلاء المستنيرون من رجال الدين أن يصدروا فتوى "تبيح" انتقاد النظم والتابوهات السياسية في أي مجتمع؟

آمل أن أكون قد أوصلت فكرة التدوينة بشكل صحيح.. دمتم بخير..
* وعلى جنب : أليس من الغريب أن يرفض مخرج مسلسل "عمر بن الخطاب" العمل في مسلسل "الشحرورة" بداعي تعرضه - كما يزعم - لقادة وزعماء عرب؟

No comments: