Thursday, January 24, 2008

أهم من القانون

أعتذر مرة أخرى عن التأخير..

أعادت السطور التي كتبها "جمال البنا" في "المصري اليوم" إلى الواجهة مشروع قانون نقل الأعضاء .. قد يكون في بعض ما قاله ما يستحق النقاش .. وإن كنت أرى أن الحملة المروجة للقانون لا تخل من كمية كبيرة من الغوغائية المفرطة..

أولاً ..اسطوانة السعودية وإيران الشهيرة ، وهي اسطوانة (......).. ولا أعلم كيف يقبل البعض ممن يصرخ بعلو الصوت مدافعاً عن الاجتهاد وقائلاً أنه لا "كهنوت" في الإسلام (وهذا صحيح) على نفسه أن يدافع عن "البابوية" في الإسلام ، بما أنه يرى أن كل ما تطبقه السعودية وإيران يجب أن يسري على كل الدول الإسلامية وكأن شيوخ السعودية وملالي إيران يؤدون نفس الدور الذي يؤديه بابا الفاتيكان مثلاً؟!..نفس الغوغائية التي نسمعها من هؤلاء عندما يطالبوننا بالصيام ،وقريباً بالصلاة ،حسب الدولتين من أجل "وحدة" "الأمة"!

أذكر نفسي وإياهم بأن هذا القانون هو مسألة اجتهادية ،تقررها المصلحة ،وتتباين من دولة لأخرى بحسب ما يراه أولي الأمر والعلماء أصح وأصلح للمصلحة العامة.. من الممكن أن يتفق علماء الإسلام في الدولة الفلانية على شيء لم يتفق عليه علماء السعودية ولا إيران في الأمور الدينية التعبدية والتي تحتمل الخلاف رغم وحدة الدين ، فما بالكم بالشأن الدنيوي بما يحمله من تباينات في الظروف ما بين دولة وأخرى..ليس من حق دولة أو مجمع فقهي وضع أيزو للإسلام وتصبح باقي الدول ملزمة بالسير على خطاه ..حقيقة يتعامى عنها هذا البعض بكل أسف..

ثانياً.. على تسليمي بالجوانب الإيجابية في القانون .. ما سمعته من ضجيج وصراخ وعويل من جانب مؤيدي القانون قد "غلوش" على شيء أراه أهم من القانون.. من الذي سيحمي الناس من كل صنوف الاستغلال المرتبطة بنصوص ذلك القانون، ومن الذي سيحميهم من تحول الموضوع إلى تجارة؟

لم أسمع من "المفكر الإسلامي" الذي صدعنا طويلاً بالحديث عن "العدالة" حرفاً واحداً عن اعتبارات العدالة، أو حتى في مقاله عن أهمية وضع ضوابط مشددة لرفع كل أصناف الاستغلال التي قد يتعرض لها البعض من جراء استخدام نصوص القانون..كنت أتمنى من الرجل أن يتصرف كـ"مفكر" لمرة واحدة وينبه على تلك النقطة الهامة والحيوية ، أن ينظر لأبعد من ذلك وأن يسأل ويفهم قبل أن يصدر أحكامه التي اعتاد على تذكيرنا بها من حين لآخر بمناسبة وبدون.. كنت أتمنى أن يتذكر المبدأ الشهير "درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة" .. حتى وإن خرج هذا القانون للنور فيجب أن تكون هناك "تدابير احترازية" بلغة القانون تفرمل الاستغلال والاتجار كي لا تتحول "التضحية"-كما وصفها سيادته- إلى بيزنس..بمعنى أصح لا يقبل أن أفرد للشخص المتبرع له بالعضو كل الرعاية بينما أتعامل مع الشخص المتبرع كأنه كلب وراح يا هوى..كنت أتمنى ذلك لكن ليس معظم ما يتمناه المرء يدركه.. وحسن الظن فيمن لا يستحق أسمى معاني الغباء!

نحن للأسف لا نرى في وسائل الإعلام سوى ضجة تثار حول قانون وعن "التشنج" في معارضة قانون وعن اتهام تعميمي لكل من يعارضه ويتحفظ عليه ، ضجة هي التشنج بعينه وتكشف عن حقيقة عقول من يروجون لها.. هذه العقول التي لا تعترف إلا بالصراخ ومنطق "خدوهم بالصوت" هي أعجز العقول عن الاجتهاد والتفكير..والتي بفضلها يتحول الاجتهاد إلى فوضى عارمة..وبفضل هؤلاء والمتحجرون معاً سنرجع أميالاً إلى الخلف .. بما أن التقدم للأمام ليس بالنيات وحدها..ألا هل قد بلغت؟

ذو صلة: ما كتبه "جمال البنا" في المصري اليوم.. للاطلاع على وجهتي النظر..

Tuesday, January 8, 2008

رشوة

كل عام هجري أنتم بخير .. ومعلهش.. اتأخرت عليكم..:)

فضلت أن أعود بخاطر غريب ومخيف لا يختلف كثيراً عن الخاطر الذي كتبت عنه أول تدويناتي في المدونة الشقيقة "فرجة" مع أول أيام العام الميلادي الجديد.. كما لو كان هذا العام هو عام "الخواطر" الشريرة..

كان العبد لله من كثيرين تناولوا فوضى الفتاوى على مدوناتهم خلال السنوات الماضية ، كل حسب وجهة نظره وحسب رؤيته للمسألة .. لكن أحسب أنه قد فاتنا جميعاً أن ننظر للجانب الآخر من الفتوى .. للسؤال الذي يحركها.. ومن هنا يبدأ الخاطر اللعين في الظهور!

على أي قناة دينية تجد من يسأل عن حرمة العمل في مكان به خمور ، أو عن حرمة العمل في بنك .. لكن لم نجد من يسأل عن حرمة العمل في قطاع أو في وسط تكثر فيه الرشاوى بشكل مخيف ، بشكل يهدد من يعمل فيه إما بالتشريف في أبي زعبل ، أو بالوقوع في المحظور دينياً..

الخمور حرام ، أمر مفروغ منه ، فوائد البنوك وشركات التأمين ، مسائل جدلية .. لكن هل الرشوة حلال؟ وهل معنى انتشارها أنها حلال؟ هل الرشوة شيء دنيوي مثل اختيار نوع السيارة أو لون الشيء الذي تنتعله؟ هل ليس فيها شبهة تستحق منا بسؤال أهل الذكر أو بدون سؤالهم أن نتفاداها؟

كم شريطاً سمعنا حول الرشوة؟ كم محاضرة ظهرت حول الرشوة؟ كم مقالاً في أي مطبوعة دار حول الرشوة؟ وكم متحدثاً يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة في أي برنامج أو قناة دينية تناول الرشوة؟

قيسوا على الرشوة طابوراً آخر من الأمور التي على نفس الشاكلة.. وتعامل نفس معاملة الرشوة!

من الذي لا يكترث ولا يبالي؟ الشيوخ والمفقرون الذين يتظاهرون بالاعتدال ويديِّنون ما هو دنيوي والعكس بالعكس ، أم نحن ، ومنا من يتخذ لنفسه مبررات على طريقة فيلم "خيانة مشروعة" لفعل المحظور ، واستساغته ، وعدم الثقة إلا فيمن يقع فيه، وفي إعلامنا من يسوق لذلك بطريق أو بآخر (الفقير دقة ليس أمامه سوى الرشوة ليسد رمقه)؟

بهذه الطريقة أعتقد أن الجيل القادم سيشك في حِل الرشوة من حرمتها.. وربنا يستر عليهم وعلينا..دمتم بألف خير..