Wednesday, July 4, 2012

الفن "الإسلامي" أم ما يطلبه "الإسلاميون"؟

نبدأ من "هشام النجار" أحد كتبة موقعي "المصريون" و "الجماعة الإسلامية" ، حقيقةً كان المقال الذي قرأته "لُقْطَة" بمعنى الكلمة ، بالتأكيد كنت تحتاج لأن تسمع كيف يرى المتحدثون الرسميون - أو من أعلنوا أنفسهم كذلك من جانب واحد - باسم الدين الفنون بكافة أنواعها ، أن تسمع منهم قبل أن تسمع عنهم ، تعرض الكلام على العقل وتزنه بهدوء وموضوعية..

يحاول "هشام" الرد على اتهامات موجهة للإسلاميين ، وليست للإسلام ، فيما يخص الموقف ضد حرية الفنون بكافة أشكالها ، صحيح أنه يبدأ مقاله بالدفاع عن التصور الإسلامي للفن ، وأنه قد حرر الفنان من ابتزاز السلطة ورجال الدين :

تعرض الفن على مدار التاريخ للابتزاز والتقييد من سلطتين ، الأولى سلطة الدين ، فاستخدمه الهندوس والإغريق والبابليون والأفارقة والعرب قبل الإسلام فى خدمة عقائدهم ، وفرضوا على الفنان نمطا وحيدا من الإبداع بتجسيد آلهتهم المعبودة فى تماثيل منحوتة . ووجهت المسيحية الفن لخدمة العقيدة وتحقيق أغراض الكنيسة ، ليس فى العصور الوسطى فحسب ، بل فى عصر النهضة أيضا ؛ حيث حدد القساوسة والرهبان للفنانين الكبار إطار إبداعهم ، وهذا واضح تماما فى أعمال مايكل أنجلو وليوناردو دافنشى وغيرهما .

....

كذلك تعرض الفن والفنان للابتزاز والتقييد من سلطة ثانية غير سلطة الدين ، وهى سلطة الدولة ، وأوضح مثال على ذلك هوليوود وكيف استخدمت أمريكا صناعة السينما فى بسط نفوذها وهيمنتها ونشر قيمها فى الخارج للدرجة التى اعتبر معها جورج بوش الأب السينما الأمريكية أحد أهم الأسلحة التى انتصرت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب الباردة...

....

ويبقى المثال الأوضح والأقرب لنا هو السينما المصرية والفن المصرى على وجه العموم ، فى بلد لا أرى فى تسميتها هوليوود الشرق إلا فى جانب تقليد السينما الأمريكية فى استخدامها لخدمة أغراض الدولة وتطويع المجتمع وإخضاعه ، وسوق الجمهور للرضا والإيمان برؤى السلطة وسياساتها . فمن جانب استخدمت السلطة الحاكمة الفن والفنانين فى الترويج لنهجها فى علاقاتها وسياستها الخارجية ، وقد غلبت على الدراما المصرية طوال العقود الماضية روح الانهزامية أمام النموذج الغربى ، وتشبعت ثقافتنا بالرجل الغربى والأمريكى الخارق القادر على فعل المعجزات ، حتى صار هو منتهى طموح كثير من الشباب الذين تهافتوا على النزوح غربا ، ولو كلف ذلك أحدهم حياته فى عرض البحر فى رحلة هجرة غير شرعية

ويعرض في هدوء لما يتصوره الإسلام .. ضعوا تحت الجملة السابقة ألف خط ، للفنون :

وبمجئ الإسلام فى القرن السابع الميلادى تحرر الفن من سلطة الدين ، عندما توجه للفنان بصيغة النهى الاختيارى ( لا تفعل ) ، بعد أن كان مقيدا لقرون برغبات وأوامر وإملاءات رجال الدين . وإذا أجرينا مقارنة سريعة لوجدنا فارقا هائلا بين سلطة دينية تجعل الفنان خادما لأوامرها ومسخرا لأغراضها حيث لا اختيار له إلا أن يفعل ما أُمر به ، وبين دين يمنح الفنان مجالا واسعا للحرية والاختيار ؛ لأن صيغة الأمر ( افعل ) لا تتيح للفنان اختيارا آخر يتعدى رؤية السلطة ، أما أسلوب ( لا تفعل ) الذى اتبعه الإسلام ، فالفنان معه حر وله كامل الاختيار فى القيام بالبدائل الأخرى ، بعد التقيد بما ورد من نهى فى جزئيات بعينها تتعلق باستخدام الفن كمطية لتحقيق أهداف تنحرف به عن رسالته ودوره فى الحياة . كذلك تعرض الفن والفنان للابتزاز والتقييد من سلطة ثانية غير سلطة الدين ، وهى سلطة الدولة ، وأوضح مثال على ذلك هوليوود وكيف استخدمت أمريكا صناعة السينما فى بسط نفوذها وهيمنتها ونشر قيمها فى الخارج للدرجة التى اعتبر معها جورج بوش الأب السينما الأمريكية أحد أهم الأسلحة التى انتصرت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب الباردة ،

إلى الآن نسمع كلاماً عاقلاً وموضوعياً ، يزيل شبهة أن الإسلام يقف ضد حرية الفنان بشكل عام إلا فيما يختص ما هو حرام وغير مقبول دينياً .. ولكن عند تلك النقطة تشعر أن الكاتب بدأ يضمن هذا الدفاع الموضوعي دفاعاً عن الإسلاميين بما هو ليس فيهم بالمرة..

ففي ظل الصراع على الزعامة الدينية وظهور القيادات المذهبية وجماعات الإسلام السياسي أصبح كل أولئك يتكلمون باسم الدين ، ويحددون بشكل قطعي (ما لا يجب فعله) لا النصوص الموجودة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.. كما يحدث مع الموسيقى مثلاً ، التي يعتبرها شيوخ التيار السلفي حراماً صرفاً على إطلاقها ، حتى كفاصل موسيقي في القنوات كما يحدث في كل مكان في العالم بما فيه دول إسلامية، ويتحايلون عليها بالصوت الموسيقي البشري في تناقض غريب ..

ويجيد الإسلاميون عموماً فن "الكلفتة" بالذات فيما يتعلق بتلك النقطة (1)، فما أن يطرح عليهم المرء تساؤلاً في هذا الخصوص حتى يقولون له "انت عايز ترجعنا لسينما القبل والأحضان والملابس الخليعة والمشاهد ...الخ".. كما لو كان أي اعتراض أو محاولة لفهم ما لا يقبله الإسلاميون ، ويقولون من وجهة نظرهم التي لا تحتمل أي نقاش أن الدين يرفضه يعني سينما القبل والأحضان والابتذال و..و.. محدش جاب سيرة الهباب دة نهائي .. (2).. أتحدث عن عموميات بعيدة عن تلك النقطة بعد سيبيريا عن تشيلي..

يحول الإسلاميون بأفعالهم (لا تفعل) إلى (افعل) مقنعة ، تخيل مثلاً أنك واقف مع شخص ما أمام فاترينة محل أحذية ، بها خمسة أحذية على مقاسك تماماً ، نفس الموديل ، ولكن بخمسة ألوان مختلفة ، لينصحك هذا الشخص ، وله عليك دلال ، مثلاً ، بألا تختار الحذاء الأبيض ، ولا البيج ، ولا الزرعي ، بحجة أنها لا تناسبك ، وبذلك لن يكون أمامك منطقياً سوى الحذائين الباقيين ، البني والأسود!

وبالتالي ، تنحرف الأمور عما قاله في نهاية المقال مدافعاً عن التصور الإسلامي ، الذي هو ليس تصور كثير من الإسلاميين :....

أما الإسلام فقد أعطى الحرية للفنان ليكون قادرا على تطوير المجتمع وتبصير الحاكم بعيوبه وبث الأمل والثقة وعلاج الأمراض المجتمعية واستشراف المستقبل وإثراء الحياة العقلية والوجدانية ، والارتقاء بالمشاعر والأحاسيس وتوطيد العلاقات الإنسانية ، وليساهم فى بناء النهضة وليحافظ على ترابط الأسرة والمجتمع .

إلى الدعاية المباشرة وغير المباشرة للنهج ، سواء كان سلفياً ، أو صوفياً ، أو شيعياً ، بالأسلوب الوعظي المباشر أو حتى غير المباشر .. نفس ما كان يأخذه الكاتب على ديانات ما قبل الإسلام!

وبالتالي سيسأل البعض ، ولهم حق :إذا كان الفن في ظل قاعدة (لا تفعل) الذي لا يطبقها الإسلاميون بما يرضي الله البعيد عن كل مظاهر الإسفاف والاعوجاج والترويج للرذيلة وغيرها يتماشى مع ما جاء به الإسلام من قيم وأخلاقيات ، فلماذا مصطلح "الفن الإسلامي" إذن ، بما أنه لا إسلامي في العادة إلا بنص؟ (ولتصححوني في هذه إن أخطأت)؟ هل هناك سينما إسلامية وأخرى غير إسلامية؟ أو دراما تليفزيونية إسلامية وغيرها لا إسلامية؟ هل حدد الإسلام فعلاً تلك المقاييس أم أنها من بنات أفكار اجتهادات وتصورات الإسلاميين بشكل عام؟ ومن أعطى الإسلاميين الفرصة لفرض رقابتهم على الفن فيما يبتعد تماماً عما هو معلوم حرمته في القرآن الكريم والسنة؟

لدي تصور عن إجابة السؤال الأخير قد يكون صادماً بعض الشيء : بعض الفنانين أنفسهم!
(1)...وحنروح لبعيد ليه؟ هناك مقال آخر لنفس الكاتب يلعب فيه نفس اللعبة بشكل غير مباشر.. حتى وإن بدا ذلك عرضاً لأهم ما هو مرفوض دينياً في السينما على سبيل المثال ويمكن -في رأيي - التحايل عليه فعلاً ، وهو ما سأعرض له بإذن الله في وقت لاحق بعيداً عن مزايدة الكاتب..
(2) والغرض من تلك اللعبة واضح ، أن يشغلك بالدفاع المستمر عن نفسك في مواجهة هذا السيل المنهمر من الاتهامات فتنسى قضيتك الأصلية أو تتوه هي وسط زحام الجدل..

No comments: