Thursday, July 26, 2012

المرض .. والعقاب .. ونظرية "أحسن"

مقدمة:أنا واحد من الناس الذين أخذوا ، ويأخذون ، "شبورة" إعلانات التبرعات للمستشفيات بحساسية شديدة ، قناعتي الفكرية وأنا حر فيها ، قد ينظر البعض لتلك الإعلانات على محمل حسن النية ومساعدة المرضى في البحث عن فرصة علاج آدمي ولائق ، وأنا أعتبرها جزءاً من نظرة كراهية غير عادية متغلغلة في ذهنيتنا عن المرضى كلهم بشكل عام ، من مظاهرها إهانتهم في هذا الإعلان أو ذاك..

وعندما تأتي السيرة أتذكر "جلين هودل" ، وهو مدرب كرة قدم إنجليزي شغل لبعض الوقت منصب المدير الفني للمنتخب الإنجليزي ، وكان يعتنق بعض المعتقدات البوذية ، ومن ضمنها أن "المعاقين يدفعون ثمن أخطاء ما قبل الوجود" ، هذا التصريح الذي عد إهانة لذوي الاحتياجات الخاصة وكان سبباً في الإطاحة به من منصبه..

الهودليزم أصبح جزءاً لا يتجزأ فيما يبدو من ثقافة مجتمعنا المتدين السَّمح السِمِح ، والشماتة في المرض لدينا فعل لذيذ ، غير أننا زدنا عليه اعتبار فكرة أن المرض هو عقاب من الله عز وجل يلحقه بأي مخلوق نتيجة سوء سيره وسلوكه..

"فلان الفلاني" أصيب بالسرطان - مثلاً - كنتيجة طبيعية لـ"المشي البطال" الذي ظل عليه طوال حياته من سجائر ومخدرات وخمور ، وحتى لو اتضح أن هذا الشخص مستقيم ولا علاقة له بالسجائر ولا الخمور ولا المخدرات ، يمكن النبش عن أي سبب آخر يستحق من أجله هذا الشخص تلك العقوبة.. "دة أكيد كان بيعمل كذا وكذا".. "دة كان قليل الأدب" .. "دة كان ..." ، "دة كان".. وحتى لو ثبت أن السرطان لديه وراثي ، يبقى باب النبش والنخربة واسعاً..

أما "علان العلاني" المصاب بالإيدز فقد أصيب به كنتيجة طبيعية لسلوكه غير السوي وممارساته المش عارف إيه ، حتى لو اتضح أنه تلقى الفيروس من شخص مصاب عن طريق نقل دم (في مستشفى لا يملك القائمون عليها ولا العاملون بها الحد الأدنى من الدم).. وأول ما يسمع حين تأتي سيرة "ترتان الترتاني" المصاب بالسكري هو "ما هو من طفاسته".. فس على ذلك الأمراض العضوية كلها بشكل عام والمزمن منها والقاتل بشكل خاص..

والمرضى النفسيون طبعاً أشد هؤلاء إثماً وجريمة .. وهؤلاء من وجهة نظر البعض "أعداء الله" وش .. "لو كان ربنا هاديه ، ما كانش عمل كدة فيه".. "فلان الفلاني بيكلم نفسه.. أحسن.. ماهو من عمايله السودة"..

ولن تحتاج للدخول على النت لمتابعة خبر عن وفاة أي شخص مشهور لتجد أمثلة على ذلك المنطق ، فكلما مشيت في الشارع ستتعثر حتماً في مثال أو اثنين..

وبعيداً عن الشماتة في المرض ونظرية "أحسن" ، التي صارت جزءاً من روتين الرخامة في كل أشهر السنة ، ما الذي يدريني ، ويدريك ، أن إصابة س أو ص من الناس بمرض معين هو عقاب إلهي؟ ما أعرفه هو أن الله عز وجل "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون" (الأنبياء : 23) ، له مطلق الحرية في أن يرزق هذا ويمنع عن ذاك ، أن يهدي فلاناً ويضل علاناً .. وهو غني عنا جميعاً .. والمرض مثله مثل الرزق ، يوزعه الله عز وجل على الجميع عاصياً ومطيعاً ومؤمناً وكافراً ، لحكمة يعلمها .. هذا أولاً..

ثانياً.. ألا تستحق النظرة التي يلقاها المرض والمرضى من شعب "متدين" مراجعة جذرية وشاملة؟ هل أصبحنا مثل الشخص "الرخم" الذي سقط في بالوعة فكان أول ما قاله "أحسن"؟ هل أصبحنا كارهين لأنفسنا إلى هذا الحد؟

No comments: