Friday, July 22, 2011

زاويتان : ساويرس والسلفيين :من خسر أكثر؟

تجربة جديدة قد تكون ثقيلة الظل بعض الشيء للوهلة الأولى ، لكني أدعوكم للمشاركة فيها..

من حين لآخر ، إن أعطاني الله عز وجل المقدرة و"النِّفس" ، ستجدون تدوينات من هذه العينة ، حدث واحد وزاويتين مختلفتين ، تاركاً الصورة بكامل ما أحاط كاتب السطور من أبعادها لك ، لتتفق أو تختلف..

اخترت هذه المرة حدثاً احتل مساحة لا بأس بها من اهتمام الناس خلال الفترة السابقة ، توابع الصورة التي نشرها "ساويرس" على صفحته في "تويتر".. ودعوة التيارات السلفية لمقاطعته.. فرصة لتحليل ما حدث على الجانبين بعد أن هدأت العاصفة نسبياً ، أو هكذا اعتقد كثير من الناس..

سؤال صعب : ماذا خسر السلفيون في مواجهتهم مع "ساويرس"؟

بداية أود أن أضعكم أمام صدمة صغيرة ، وهي أن الصورة تم نشرها أول الأمر في منتدى شيعي في "السعودية" منذ ثلاث سنوات كاملة كدعابة سمجة ، تبين المجال -الوحيد- الذي يتمتع فيه "الخبير" -صاحب المنتدى- بأي خبرة ، لكن الأمر لا يبرئ "ساويرس" تماماً مما حدث وهو الذي اختار الصورة ، رغم ما يمكن أن يسوقه البعض من مبررات كما سيتقدم..قُصْر الكلام..

في كل مكان تطالع عيناك ورقة نشرها القائمون على حملة مقاطعة "موبينيل" ، تستند فيها على عدد من الحيثيات ، أذكرها بالترتيب ومرقمة (ولذلك حكمة) وهي :

(1) أن الرجل قطع الاتصالات عن الثوار أثناء الثورة ، (2)أن الرجل يريد الالتفاف على نتائج الاستفتاء ، (3)أن وسائل إعلامه تناصب الإسلاميين ، وفي لافتات أخرى "الإسلام" العداء ، (4) أنه نشر رسوماً مسيئة للإسلام..

المنشور موجود في كل مكان ، ويمكن الاطلاع عليه.. عن نفسي خلصت لعدة نقاط ، بنفس ترتيبها في المنشور:

0-نذكر فقط بأن "ساويرس" وآخرين من رموز تيار المال السياسي الذي كون ثرواته من خلال مصالح مع رموز النظام السابق ، ولا تبدو سيرهم الذاتية ، كلهم ، فوق مستوى الشبهات ، وتورطوا إن لم يكونوا قد ضلعوا وبشكل كبير في فضائح فساد مختلفة دار الحديث عنها منذ عقد كامل من الزمن.. وعندما اختلفوا مع الوريث وتصادمت مصالحهم مع رجاله عاشوا دور المعارض ، وقرروا العمل بطرق مختلفة على تشكيل المجتمع ، تركيبته السياسة وأدمغة أفراده ، بالطريقة التي تتناسب مع مصالحهم ، وحاولوا استثمار الغضب الشعبي على سياسات النظام السابق كورقة ضغط ، ووقفوا من الثورة على مسافة ، ثم عادوا قبيل التنحي ليعلنوا أبوتهم لها ، ويفتكسوا أحزاباً مبنية على ثرواتهم فقط ، ويدعمون هذا ، وذاك ، من فوق "الترابيزة" ومن تحتها ومن كل الجهات المحيطة بها..وهم من أكثر الناس تلوناً ، مع النظام السابق ومع الثورة ومع ما يدعونه من مدنية للدولة ومن تسامح و..و.. مرة أخرى هذا للتذكير فقط..

1-قطع الاتصالات عن الثوار أثناء الثورة ليس بالمعلومة الجديدة ، بل أزيدكم من الشعر بيتاً ، أن شركات المحمول الثلاث ، بمن فيها موبينيل طبعاً ، تحوم حولها شبهات عن أداء خدمات "ما" للجهاز السري بالحزبوطني من بينها التجسس إلكترونياً على ناشطين ، والغريب أن الموضوع لم يُثَر أصلاً على خطورته!

2,3-يبقى "الإسلاميون" قوة سياسية ، اختلف البعض أو اتفقوا على مدى قوتها ومدى خبرتها و..و... وكما أن لأي تيار سياسي ، بمن فيه "المال السياسي" مؤيدون ، فمن الطبيعي أن يكون هناك معارضون ، وكما أن لنتائج الاستفتاء من أيدها ومن استفاد منها ، فإن من الطبيعي أن يكون لها من يعارضها ومن تتضارب مصالحه معها ، خاصةً ونحن نتحدث عن تيار كـ"المال السياسي" لديه إعلامه ومصالحه ، كما أن للتيارات الدينية الأخرى بمن فيهم السلفيين أنفسهم تواجدهم وحضورهم حتى في الميديا هي الأخرى..

4-قد يبرر البعض ما فعله "ساويرس" بأن "النقاب" لا يزال مسألة "مختَلَفاً فيها" وعليها ، حتى بين فقهاء المدارس السلفية المتعددة ، بالتالي لا يمكن مقارنة ما فعله "ساويرس" بما فعله الرسام الدانماركي إياه ، والشيء نفسه حول اللحية التي فسرت أسانيد فرضها والموقف منها بطرق مختلفة.. بل هناك "تضارب فتاوى" واضح في تلك المسألة بالتحديد.. ما بين هذه الإجابة..و تلك..

وقد يراه البعض الآخر تخيلاً لـ"التعديلات السلفية" أو التي يراها السلفيون على الفن والمجتمع كله ، رغم أن الصورة ، كما سلف الذكر ، كانت ضد المدرسة السلفية السعودية ، والتي يختلف معها "الحسانيون" بشكل واضح وتختلف هي معهم وبشدة.. وسيستشهد البعض بالموسيقى "الصوتية" التي تستخدم في القنوات الفضائية ذات التوجه السلفي مكان الموسيقى على سبيل المثال..

لست هنا للدفاع عن "ساويرس" أو عن غيره ، فتيار المال السياسي الذي يعد "ساويرس" من رموزه هو أكبر خطر على مصر على الإطلاق ، وكثير من تصرفات التيار ، إن جاز لنا أن نسميه كذلك ، تتضارب وأبسط قيم أي دين، وهو أكثر التيارات تلوناً ونفاقاً ، والى المخلوع لمصلحته وعارضه لمصلحته ومن الممكن أن "يبزنس" مع الشيطان لمصلحته أيضاً.. ولديه كل الأساليب متاحة من إتجار بالدين والوطن ، لكن ما لاحظته ، وقد يكون خاطئاً أن السلفيين خسروا عدة نقاط..

دفع السلفيون ثمن موقف بعض شيوخهم من الثورة في بدايتها ثم تغيره بعد انتصارها ، وموقفهم -السلبي جداً كغيرهم- من المال السياسي عموماً ومن حزمة قيمه التي أرساها بعد فترة الحراك (2005-2011) ، الموقف الذي يفترض أن يكون موقفاً دينياً أخلاقياً ضد ثقافة الأثرة والمصلحة والنفعية "المالسياسية"، وأصبح السؤال المطروح الوحيد : لماذا لم يتحدث هؤلاء عن ذلك الفساد إلا عندما جاءت سيرة النقاب و/أو عندما ارتبط الأمر بـ"ساويرس"؟ أمر قد يضرهم "سياسياً" بشدة إن أصروا على ممارسة السياسة والتخلي عن دورهم الأصيل (=الدعوي).. أو إهماله أو وضعه ثانياً على الترتيب..

أخطاء تضاف إلى أخطاء سابقة وفادحة منها عدم صياغتهم لمشروع "سياسي" "واقعي" "قابل للتحقيق" بما أنهم يتحدثون عن دولة ذات طابع أو مرجعية دينية ، وعدم شرح ذلك للناس بشكل واضح (البهوات اللي على الطرف الآخر -الأتاتوركي- وقعوا في نفس الحماقة) ، وعدم تقديمهم إجابات واضحة عن أسئلة من عينة "ما دمتم كلكم تيار ديني ليه ما عملتوش مشروع واحد؟" ، "طب لو تيار تاني أو تيار سلفي تاني قال حاجة تانية دة يبقى كويس ولا وحش ولا حرام ولا حلال؟"..والنتيجة أن معسكر المال السياسي ومنتقدي السلفيين كسبوا ولو معنوياً نقاطاً على تيار ، أو لنقل "مزاج" أو "حالة"(1) قوية وحاضرة في الشارع كان من الممكن أن يشكل أكبر وأقوى خطر على مشروع دولة أتاتوركية في مصر.. بل والأنكى ، إن صح ما في هذا الرابط ، أن "ساويرس" نفسه قد يكون أكبر مستفيد من حملة مقاطعته!

أو يكون قد وقع في الحفرة التي أعدها هو للتيارات الدينية.. كما سيتقدم!
(1) والتعبير للباحث "حسام تمام" المتخصص في شئون الحركات الإسلامية في حوار على قناة "الجزيرة مباشر مصر" حيث أنه يرى ، وأتفق معه ، أن السلفيين ليسوا تياراً "منظماً" بمعنى أنهم ليسوا "منظمة" لها قيادة تنظيمية وقانون داخلي وتعليمات كـ"الطرق الصوفية" أو "الإخوان" مثلاً..

وسؤال أصعب : هل "فقع" "ساويرس" في "الوخ"؟

هو يتحدث عن دولة "مدنية" ، ويتحالف مع تيارات "دينية"..ويتحدث عن "وثيقة الأزهر" و"يقبلها" كأحد أسس وضع "الدستور الجديد" رغم أنها صادرة من جهة "دينية"!

إن صح ما ذكر في الرابط الأخير فهو يوجه لنفسه ضربة موجعة ، إذا كانت الحملة التي قام بها السلفيون لمقاطعة شركات سيادته قد أضرت بالسلفيين ، فإن "ساويرس" قد يخسر المباراة كلها بهدف وحيد من نيران صديقة..

ومصيبة أي تيار سياسي ، بمن فيه "المال السياسي" الذي انتقل من حزب السلطان إلى حرب السلطان ، أنه لا يدرك أن الغباء يبدأ حين يتصور المرء من حوله أغبياء أو مغيبين.. وهذا الشعور ينتقل من التيار الذي يمسك في يده بعظمة (بتسكين الظاء) السلطان إلى أقرب تيار لإمساكها في يده..


كان الحزبوطني يتصور أنه لا يخطئ ، وإن أراد فلا يستطيع ، فالمال معه ، والميديا معه ، والسلطة معه ، والأمن معه ، لا يعقل أن يخطئ أن يكون كل هؤلاء معه كما يرى.. وسار اللحلوح السياسي على نفس الدرب ، مغتراً بثروته ، وإعلامه ، حتى رجل الشارع العادي يثق في تصرفاته وتصرفات من في تياره (إذا اعتبرنا "المال السياسي" مجازاً تياراً وبما أن "تيار" أسهل من "كومبينة" أو "كارتل" أو...) على أساس أن "الناس دي مبتلعبش" "أمال عملوا القنوات والجرايد والأحزاب والمليارات دي منين"..وبالتالي فإن أي تصرف سيخرج من أي عتل من رجال سياسة البيزنس أو بيزنس السياسة سيكون "مدروساً" وفي مكانه ولا يخضع لـ"الصدفة"..

صورة قد يكون لها ما يبررها في ذهنيتي وذهنيتك ، الرجل الذي بحث عن صورة في موقع يصعب العثور عليه في "جوجل" ولو باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني ، أو الذي قبل الصورة كهدية من صديق له - لو سلمنا بصحة تلك القصة- ونشرها عن عمد ، وهو يعرف جيداً جداً تبعاتها - ما هو "مخلص" وفاهم في "الكفت"- يعرف ، ويعرف جيداً جداً ، ماذا يفعل!


إن صح ما جاء في الرابط المذكور عن استخدام "ساويرس" للدين لنصب فخ اقتصادي و/أو سياسي ، فهذا لن ينسف مصداقيته و/أو مصداقية حزبه فحسب ، بل ينسف مشروعه السياسي كله .. هو الذي (يُنسَب له أنه) قال أن "الدين في الجامع والكنيسة" يعود ليضرب بكل ذلك عرض جميع الحوائط ، ومن لعب بالدين في الاقتصاد سيلعب به حتماً في السياسة ، ومن سيتحالف مع فلان صباحاً سيتحالف مع علان عدو فلان بعد الظهر ، ويتحالف ضدهما ليلاً..

بل أن الرجل أثبت ، وبالدليل العملي ، استحالة تنحية الدين عن العملية السياسية ، وعلاقة الدين بالسياسة ليست فقط في أن يحكم حزب ديني ، أو أن تكون الدولة دينية يحكمها رجال دين أو مجلس صيانة دستور أو لجنة علماء ، بل من الممكن أن تصل الأمور لمستوى (قد يراه البعض أسوأ) في ظل دولة كـ"الفارم فريتس" "تقرمش من برة وتبوش من جوة".. دولة "مدنية" يتحالف فيها أي حزب مدني مع أي مجموعة دينية أو مذهبية ، وتحصل المجموعة على امتيازات من الحزب فور وصوله السلطة بالانتخابات ، وقد تكون تلك الامتيازات - بالمرة- جزءاً من سلطات الدولة ، أو قد يلجأ الحزب لعمل توازنات قوى بين تلك التيارات جميعها أو بعضها ويعطيهم مما لا يملكه من مزايا وسلطات فعلية.. صفقات مع الأزهر والكنيسة كما كان "الحزبوطني" "مقضيها"!

إذا كان هو أو غيره يتصورون أنه من الممكن أن يبعد الدين عن السياسة بشكل كلي ، أو أن تتحول مصر أو أي دولة أخرى بمن في ذلك "تركيا" نفسها إلى دولة أتاتوركية فهو واهم ، الأتاتوركية وهم يسكن رأس "أتاتورك" ومن معه فقط ، وها قد توفي وبقي قيد الحياة بعض أتباعه يشاهدون بأم أعينهم نظريتهم وهي تنهار يوماً بعد يوم ولا يزال منهم من يكابر.. وستظل -شاء هؤلاء وشئنا أم أبينا جميعاً- العلاقة بين الدين والسياسة في أي دولة على ظهر هذا الكوكب حتى في أوروبا والولايات المتحدة قائمة.. وعندنا بالتأكيد، مهما كان لـ"ساويرس" أو "بهجت" أو غيرهما رأي آخر، والسؤال الذي علينا أن نسأله : هل ستؤدي تلك العلاقة - التي نرفضها كلنا أو بعضها- إلى مزيد من الاتجار بالدين؟ وهل ستأتي على حساب ما جاء في كل كتب الله تعالى وما أتى به رسله عليهم جميعاً الصلاة والسلام من مثل وقيم؟..هذا هو السؤال .. وهذا هو الأهم..من "ميكي" ، بذقن ، أو بدون..

Sunday, July 10, 2011

ع الترابيزة

وللقصة جذور يا سادة..

كان لدينا يا كرام عدد من رجال الأعمال ، أخذوا من أموال البنوك ، ولم يعيدوها ، وهرب بعضهم إلى خارج البلاد ، وتم إلقاء القبض على بعضهم الآخر ، بشكل يذكرني بعبارة شهيرة للشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودي" ما معناها أن السجن هو المكان الذي يذهب إليه المجرمون الذين فشلوا في الخروج على القانون!

واختُلِفَ في تصنيف هؤلاء ، فمنهم من يرى أنهم رجال أعمال سيئي الحظ خرجت الأمور من تحت سيطرتهم فـ"تعثروا".. ومنهم من يرى أنهم لصوص محترفون كونوا شبكات كبيرة من المرتشين والمنحرفين داخل بنوك ومؤسسات اقتصادية وجهات رقابية أسهمت في قيام هؤلاء بهبر الهبرة الكبرة مطلقين عبارة "محمد شرف" الشهيرة في مسلسل "ريا وسكينة" : يا فكيييك! والفرضية الثانية وجدت من الأدلة ما يؤيدها أكثر بكثير من الأولى..

ليظهر في مصر- وسبحان الله- توجه في سنوات "الحراك" ، التي شهدت صعوداً كبيراً لمن استفادوا وتربحوا من علاقاتهم مع بعض "آل مبارك" -سواء من بقي على ولائه للبيت "المباركي" أو من قرر دخول مجال "النضال السياسي" - ما مفاده أن "اللي فات ننساه .. ننسى كل أساه".. لنحتكم إلى لغة الترابيزة ، لغة التفاوض .. ما لا يدرك كله لا يترك كله نتفاوض .. نجدول .. نسدد .. يخرج المتعثرون من السجن ، ويعود الهاربون إلى مصر كالسوبرهيروز ، ولا "الخوميني" بعد ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" في "إيران"..

ومن الطبيعي ، والطبيعي جداً جداً أن يثير ذلك "التوجه" ، جدلاً واسعاً داخل المجتمع المصري خاصةً عندما تم طرحه في برامج "بتسمَّع في الشارع" كـ"القاهرة اليوم" ، وانقسم الناس فرقاً ، فرق تؤيد التصالح مع المتعثرين ، وفرق ترفض..

المؤيدون يعتبرون ذلك "نوعاً من العملانية"- من "عملي" - بمعنى أنه ما لا يدرك كله لا يترك كله ، والبلد بحاجة إلى كل مليم و..و... ، أما المعارضون فلا يعتبرون مبدأ التفاوض على سرقة مجرد خضوع للابتزاز يهين هيبة الدولة والوطن بأكمله فحسب ، يتيح لرجل الأعمال أن يجلس رجلاً على رجل رافعاً "اللي لابسه في رجله" في وجه الدولة ، بل يكرس لاحقاً لجعل السرقة عملاً مشروعاً ("اسرق يا حبيبي بس لو رجعت اللي سرقته مش أزعل منك تاني".. وبين المعارضين على طرفها الآخر وقفت فرق أخرى تتساءل "طب اشمعنى المتعثرين أبو مليارات وسايبين المتعثرين بملاليم يدخلوا السجون؟".. "ليه في الوقت دة؟" "..وأهم تلك الأسئلة على الإطلاق "وأنا أعرف منين إن كان الراجل دة متعثر ولا حرامي؟ ولو كان حرامي ح أفاوضه ولا لأ؟.. وإن فاوضني الحرامي يبقى متعثر ويحصل على المسامحة من قبل النظام السياسي والقضائي (والإعلامي) المصري؟".. وكلها أسئلة لا تمنح عادةً وقتاً للرد ولا للنقاش لأن "الزن على الودان أمر من السحر"..

وتروحي يا أيام ، وتعالي يا أيام ، وتقوم الثورة ، وتسقط أقنعة ، وتظهر أقنعة جديدة ، وتظهر النية لـ"تقنين التصالح" وسط "ترحاب" من بعض رجال الأعمال..الذين تحولوا-جميييييعاً وبمن فيهم اللصوص الحقيقيون- إلى "ضحايا لفساد النظام السابق" (انتهازية معهودة في فترات التغير السياسي وشفنا منها كتير قبل كدة) وفسرت تلك النية "القانونية" على أكثر من محمل ، ما بين "حسن النية" ومحامل أخرى كثيرة..

ما علاقة ذلك كله بـ"الدين والديناميت"؟

اليوم ، 10 يولية 2011 ، خرج علينا فضيلة مفتي الديار المصرية ، بفتوى "غريبة" تثير عشرات علامات الاستفهام ، وستظل تثير..وستقسم الناس ما بين مؤيدين ومعارضين ، تقسيمة قد تتعلق أيضاً بوجود مؤيدين ومعارضين لفضيلة مفتي الديار..

مؤيدو الفتوى وأغلبهم من مؤيدي المفتي سينطلقون من نفس النقطة التي بدأ منها مؤيدو مشروع التصالح قبل الثورة ، وسيعتبرون الفتوى فتحاً واجتهاداً في صالح الدين والدنيا ، باعتبار أنه يحقق مصلحة للمجتمع ككل ، نظرة في مجملها "عملي" من وجهة نظرهم.. وسيقابلهم على الناحية الأخرى عدد من المعارضين للفتوى وفيهم معارضين لنفس المفتي يرون المسألة "أخلاقية".. التفاوض كما يرونه مسألة "تنازل أخلاقي" قد يمنح فعل "السرقة" مشروعية.. حتى وإن رأى فضيلة المفتي أن الأمر :


"ليس بالسرقة التي وضع الله بإيذائها حدا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، وليست من السرقة كذلك ما يشاع عن أن الناس سرقت أموال الشعب؛ لكن التعبير الصحيح أن نقول: إن أناسًا ما قد استولوا، أو قد اختلسوا، أو قد اغتصبوا، أو قد نهبوا، ونحو ذلك من الألفاظ المنفرة للفعل ولكن لا تأخذ في حكم الفقه الإسلامي موقف السرقة"

وهو ما يرد عليه أيضاً بفكرة أننا لو احتكمنا للتعريف القانوني للسرقة والاختلاس فقد تخرج أمور كثيرة عن دائرة التجريم..

دعوني أسأل السؤال بشكل مختلف وبلغة غير متخصصة ، هل ما قرأناه من فضيلة المفتي يشبه ما اجتهد فيه الفقهاء القدامى عن جواز دفع زكاة الفطر بالمال لمصلحة الفقير؟ أم أن هذا الموضوع لا تصالح فيه لأنه لا تصالح في حقوق العباد على العباد؟ هل أذهب مع من سرقني إلى الترابيزة؟ هل أصالح في المال ولا أصالح في الدم؟ ولا إيه بالضبط؟

تبقى نقطة: تعمدت وضع أكبر عدد ممكن من التصنيفات في هذه التدوينة بشكل مربك لاحتمالها جميع وجهات النظر ، قد تتفق مع الفتوى وقد ترفضها..

Friday, July 8, 2011

لمن تُلْتَمَس الأعذار؟

مائة وثمانون درجة..

مائة وثمانون درجة تغيرت بها لغة الخطاب في خطب الجمعة فيما يخص السياسة.. من كان يستمع للخطب قبل الثورة ، وحتى في نفس يوم "تنحي" "السابق" ، وهو يوم جمعة بالمناسبة ، لا يصدق ما يسمعه بأم أذنيه اليوم..

لم أسمع خطيب المسجد القريب من المكان المفضل للمتظاهرين قبل الثورة (والسبب طبقاً لمعلومات شبه مؤكدة أن الأمن منع الصلاة في المسجد أيام المظاهرات لا لشيء إلا لقرب المسجد فقط من مكان المظاهرات ، لسبب لا علاقة له بتوجهات الإمام) ، لكني فوجئت بما قاله اليوم ، كلام محرض على التأمل..

يرى وهذه وجهة نظره أن الخروج على الحاكم الظالم هو نوع من أنواع التقويم له ، وليس الخروج الذي تراه بعض الفرق والمذاهب يقترب إلى مصاف الكفر.. وأن أي حاكم (يفترض أنه) قد وضع دستوراً أعلن عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله "أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" ، صراحةً أو ضمناً ، وبالتالي فإن تقويمه لا يعد مؤثماً –بفتح الثاء- على الإطلاق ، بل إن السكوت عليه هو الخروج المؤثم-برضه بفتح الثاء- بعينه..

لماذا لم نسمع ذلك الكلام قبل الثورة؟ وإذا كان ذلك من وجهة نظر شريحة من الناس تبريراً لـ"الخروج على الحاكم" والتظاهر ضده باسم الدين؟ فماذا عما قيل للناس على المنابر كلها أيضاً باسم الدين ، من أن ما حدث هو فتنة ، وأن دور المؤمن عندما تأتي الفتنة .....الخ..

ستصدمون عندما أقول أنني ألتمس بعض العذر لمن غيروا مواقفهم بهذا الشكل..

ألتمس العذر لأي إمام ينتمي إلى نفس الطبقات الاجتماعية التي ننتمي لها ، حصل على وظيفته بصعوبة شديدة ، ويخاف أن يخسرها ، فلا قضيته استفادت ولا هو بقي على حاله ، نفس الطبقات التي عانت ميراثاً طويلاً من القهر السياسي والتخويف من أي مناقشة سياسية ، أو إبداء أي رأي في أي شيء حتى في مسلسل تليفزيوني أو موضوع تعبير خشية أن "يُفهَم الكلام" على أنه سياسة.. نفس الطبقات التي ترى ، حتى وإن رفضت ذلك عقلياً ، أن بقاءها على قيد الحياة مقترن بعدم الصدام مع السلطات ، وبالمشي "جنب الحيط" ما استطاع أفرادها إلى ذلك سبيلاً..

لكني لا ألتمسه أبداً لأي طموح طامع في منصب ، يرى أن وصوله إليه مقترن برضا السلطان أكثر من أي شيء آخر..

ألتمس العذر أحياناً لأي إمام مستقل جنَّبَ نفسه الكلام في السياسة على المنبر قبل الثورة قناعةً منه بأن تسييس المنابر لا يأتي إلا ممن يستفيد ويتربح منه ، جماعة أو طريقة أو تياراً ، موالاة أو معارضة ، وانفعل بعد الثورة كجزء من انفعال من حوله بها ، بعد أن تحولت السياسة إلى خبز جديد للشعب ، وإن كان لا يختلف كثيراً عن خبز المسامير..انفعل كأي شخص عادي تقوم الميديا الحالية – ميديا المال السياسي بعد موت الحزبوطني بالسكتة القضائية- بتلقينه وتلقيننا ما تريد هي أن توصله إلينا ، وقد يكون انفعاله نتيجة خروجه – ككثيرين- من حالة كبت سياسي ، وشعوره بالتفاؤل بما هو آت..

لكني لا ألتمسه لأي إمام منتمٍ إلى تيار ، وهذا حقه ولم أنعِه عليه، سار مع التيار ، طالما رأى التيار أن "مبارك" حاكم صالح فلا يجوز الخروج عليه ، وبعد أن ترك السلطة أو أجبر على تركها –أياً كان تفسيرك وتفسيري- وتغير موقف التيار عام معه..فالدين أكبر من مصالح عارضة لتيار أو جماعة أو طريقة..

ألتمس العذر لأي إمام قد لا تكون عنده صورة واضحة عن علاقة الدين بالسياسة ، وهي علاقة شديدة التعقيد فيها بعدد شعر الرأس آراء ومذاهب ، ما بين دولة خلافة و"لا دولة في الإسلام" مروراً بكل الآراء بين طرفي المسطرة ، ومن الطبيعي أن تلتبس حتى على المثقفين دينياً وليس على عامة الناس فقط ، ما بين "موروث" يداعب عواطف الناس عن أزمنة العزة ودولة الخلافة بكل التباين الرهيب بين ظروف زمانها وظروف هذا الزمان، وبين ما قد يعايشوه هم ويتناقض معه..بمعنى أنه من الممكن أن يتحمس شخص ما لعودة دولة الخلافة بشكلها القديم ، لكنه يكتشف مما يرى حوله أن التحول إلى دولة خلافة من ثامن المستحيلات إن لم يكن هو المستحيل التاسع..

لكني لا ألتمسه لمن (يحاول أن) يلعب على كل الحبال كما يفعل من يسمون أنفسهم بـ"المفكرين الإسلاميين"، كأحدهم الذي يصر على مدنية الدولة في الإسلام ، ثم طالب في مقال قريب له في صحيفة مالسياسية بتقديم المرشحين لـ"البيعة" لمرشح بعينه ، أو لشيخ محسوب على التيار السلفي قام الحزبوطني بتلميعه وبجعله رمزاً للتيار السلفي لتهليله لـ"السابق" ، ليقوم الإعلام المتلون بتلميعه مرة أخرى بعد أن أعلن ولاءه للثورة "المباركة" ، ويقدمه كـ"داعية إسلامي" على فضائية حكومية متخصصة!

قُصْر الكلام.. الآن لم يعد هناك نظام ، وبعد كل هذه الهوجة ستتولى الحكم أحزاب تشكل حكومات ، وستحمل وزارة الأوقاف بالتأكيد توجهات كل حزب أو حركة تصل إلى السلطة ، هل سيبقى الخطباء على توجهاتهم وآرائهم؟ أم سينتظرهم توجيه الوزارة بعصاها وجزرتها؟ هل يجب أن يبقى الخطباء خاضعين للوزارة بشكل إداري أم بشكل إداري وسياسي؟ أم يجب أن تبتعد الوزارة تماماً عن المنبر؟ وهل ستصر الحكومات المتعاقبة أياً كانت درجة "ليبراليتها" على إخضاع المنابر لسلطاتها وسلطوتها؟

وفي المقابل ، هل يضمن ابتعاد الوزارة عن المنبر أن يبتعد عنها المذهب؟ خاصةً وأن بلادنا عرفت "سياسة المذهب" ، دخول المذاهب والفرق في العملية السياسية ، وهو ما حذرت منه المدونة المتواضعة مراراً وتكراراً ضمناً وصراحة؟ هل ستمارس قيادات التيارات والفرق نفس الضغوط التي كان النظام السابق يمارسها على خطبائه؟ أم أن الوضع الحالي سيتيح للإمام ، القدوة ، والمعلم بأن يكون شهيداً بالقسط ولو على نفسه وتياره الذي ينتمي إليه فينتقل إلينا ذلك الإحساس ويتحول إلينا إلى ممارسة ومعتقد؟

أسئلة سيكون من المهم الإجابة عنها لنعرف لمن سنلتمس الأعذار فيما بعد ، ولمن لن نلتمسها..