Friday, April 20, 2007

عودة إلى مفترق الطرق

اليوم هو العشرون من أبريل ، اليوم الذي كتبت فيه أولى تدوينات "الدين والديناميت" ودخلت فيه عالم التدوين قبل عام كامل من الزمان..

في العشرين من أبريل العام الماضي كان لدي تساؤلات ، واكتشفت بعد عام أن التساؤلات كلها تلد تساؤلات.. في الفقه والفتاوى والممارسة والإعلام والسياسة ..

لم يكن التساؤل ترفاً فكرياً طوال تلك الفترة ، بل كان محاولة للفهم..لفهم أشياء كثيرة كان مسكوتاً عليها ، وتناقضات تحيطنا وتحاصرنا ونتصادم معها في عباداتنا ومعاملاتنا..

مصدر سعادتي بعد عام كامل من "الدين والديناميت" هو إحساسي بأن الكثيرين يشاركونني التساؤل والرغبة في الفهم، حتى في قضايا ثقيلة الدم من عينة "فقه الانتخابات" ، اتفقت معهم أو اختلفت ، إلا أنني وجدت أنساً حقيقياً بآرائهم وتعليقاتهم ، واستفدت منهم وتعلمت منهم ولا زلت أتعلم..حتى وإن وجدت بعض المجاهيل -جمع مجهول- وقد خرجوا عن النص ، وحولوا تعليقاتهم إلى فواصل من الردح لشخصي المتواضع (موضوع قناة الناس على سبيل المثال)..للكل كل شكري وتقديري ، فقد مروا على الأقل على هذه المدونة وربما فكروا معي فيما فكرت فيه وشاركوني تساؤلاتي..

وما دام في العمر بقية ، وما دامت الألغاز والتقاليع الغريبة والفتاوى الملغومة واللعب بالدين موجوداً ، تبقى التساؤلات موجودة ، وتبقى "الدين والديناميت" مجرد محاولة من العبد لله لفهم ما يحدث ، وسوف يحدث..محاولة للبحث عن الصواب والخروج من مفترق الطرق..

يبقى القول بأنه - بإذن الله - هناك تساؤلات أكثر سخونة ، وبعض التغييرات في شكل المواضيع وربما في شكل المدونة ، والتي أرى أنه حان وقتها..

Monday, April 2, 2007

بَدَّك تِرجَع لَوَرا؟

يقال أن الموضة في الملابس تعود للخلف ثلاثين عاماً كل حين ومين .. ولدينا كشرقيين – إن لم يكن كبشر – هوس بالعودة إلى الماضي بشكل عام حتى ولو كان أسود من قرن الخروب!

الفرق المتصارعة على الزعامة الدينية تحاول "تقرير" هذا الحنين علينا مثلما يقرر التعليم الرابسوي علينا ما يوافق مشيئة "ساخب المخل" ، كل إلى الماضي الذي يناسب هواه طبعاً ، بما أن الكل يتكلم هذه الأيام باسم "الأمة"..

وما التصريح الذي أدلى به "الأخ العقيد" ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية إلا مجرد مثال صغير، الرجل يطالب بإقامة "دولة فاطمية ثانية" في الشمال الأفريقي! الرجل فعلاً يساير الموضة ، والفرق بينه وبين مصممي الأزياء أن الأخيرين مهووسون بإعادة موضة ثلاثين عاماً مضت ، أما الرجل فهو أكثر انفتاحاً ويبحث عن إعادة أفكار عمرها أكثر من ألف عام!

الشيعة في مصر يرون في الدولة الفاطمية صورة من صور العز الغابر ، السبب المنطقي الوحيد أنها التجربة الأهم لوصول الشيعة إلى السلطة ، والسلطة تمثل للشيعة حلماً وهاجساً حققوه في إيران فيما أسموه – من جانب واحد – بـ"الثورة الإسلامية" والتي على أساسها أعلنوا "الجمهورية الإسلامية" في 1979!

أما الصوفيون فهم مغرمون بشكل غريب بالعصر المملوكي ، لكن إذا عرف السبب بطل العجب ، فهذا العصر هو الذي شهد مولد وازدهار الطرقية وتغلعلها في عقول البسطاء وتحولها إلى بيزنس دين مخلوط بالخرافة!

ولا يوجد لدى السلفيين إلا التاريخ .. والتاريخ فقط..والتاريخ لديهم "مشكل" ، قصص أموية وعباسية وعثمانية كمان .. وإلا كيف تملأ الشرائط وكيف يدور المتحدث حول نفسه حتى ينسى المستمعون ماذا كان يقول؟

كل المذكورين أعلاه يعيشون في الماضي لأن قدرتهم على مواجهة الحاضر وفهم تحدياته شبه منعدمة ، وليس لديهم إلا الشعارات الرنانة والأمة ويا حلاوة الأمة ويا جمال الأمة وعز الأمة وكرامة الأمة.. فضلاً عن القصص التي تستهوينا ، ولأن الجمهور عايز كدة فمن الطبيعي أن يملأوا كل كتبهم ومطبوعاتهم وخطبهم وبرامجهم التليفزيونية بتلك الحواديت سواء ما كان منها حقيقياً أو ما تم "ضربه في الخلاط"!

إحقاقاً للحق ، "الاتجاه الورائي" في بلادنا ليس قاصراً فقط على الصراع على زعامة الدين ، بل نجده في الصراع حتى على الزعامة السياسية، ونسمع "للخلف در" في الفن والرياضة والسياسة ، هناك اتجاهات سياسية تتبع سياسة "كرباج ورا يا أسطى" ، ولا ترى بعينها إلا الأمس ، وتتجاهل الحاضر الواضح وضوح الشمس..

ونحن – فلة شمعة منورة – عاطفيون طحن ، نعشق الشعارات الرنانة والقصص ، نريد من يجعلنا نعيش ونتذكر باستمرار وننقد اليوم بمعايير الأمس ، ونتصعب على الحال "المنيل" للأمة العربية والعالم الإسلامي، ونبحث عن المنقذ الهمام السوبرمان في عصر لا يعترف بالفارس الذي يرتدي بدلة سموكنج أبيض في أبيض على حصان أبيض ويرتدي ساعة بيضاء ونظارة بيضاء .. لكنهم يصرون على القفز على الواقع وتسويق أنفسهم بصفتهم فرساناً بلا جياد أتوا لإنقاذنا من الوكسة والخيبة المربعة!

جميلة هي قصص الأمس وحصص التاريخ عندما تحكى بهذه الطريقة، مخدر قوي ، "يعمل دماغ" ، ينسيك الإحباط والألم (تماماً في الأفلام المبتذلة عندما يبرر فلان "قربعته" للخمر بأنه يريد فقط أن ينسى) .. لكن لا يوجد مخدر في العالم يدوم مفعوله للأبد.. ولن يكون أمامك سوى حل من اثنين .. إما أن تعيش الآن وتواجهه وتتخلص من تأثير المخدر ، أو أن تطلب "شمة" تاريخ أو "سيجارة" ملغومة بالماضي وليس بالبانجو!

عموماً ، بدك ترجع لورا؟ أي أمس الذي تريد؟ الأمس القريب أم الأمس البعيد؟ فشل الفاطمين أم جبروت المماليك أم ظلمة العثمانيين أم نووي أحمدي نجاد؟

أتمنى ألا "تُلوَح" رقابنا للخلف ، فلا نستطيع استعدالها للأمام!

حاشية : إحدى الطرق الصوفية في مصر نشرت منذ العام كتيباً بعنوان "الطريق إلى باماكو" على ما أذكر تمجد فيه إسهامات شيخ الإسلام معمر القذافي ، أمين القومية العربية ، وتناست إنجازاته العظمى في بيع قضية برنامجه النووي ، ورعاياه من ضحايا ممرضات الإيدز البلغاريين.. وربنا يخليلنا الكتاب الأخضر ، ومين عارف حيبقى لونه إيه بعد كدة!
* إفيه العنوان مقتبس من حملة دعائية شنها تليفزيون المستقبل ضد الوجود السوري في لبنان..