Friday, January 22, 2010

سؤال.. قبل الآتي بعد

قد يكون من الضروري ، ومن الضروري جداً في هذه الحالة بالذات ، أن أدخل لمناقشة مواضيع وأحداث شديدة الخطورة ، كتلك التي حدثت أوائل هذا الشهر ، من خلال أسئلة قد تبدو شديدة التفاهة ، ولا يلقِ لها أي شخص بالاً خلال الأحوال العادية .. فما بالكم بعد أن تضرب الطوبة المعطوبة وتحدث الكارثة..

السؤال هو : لماذا لم نر أي متحدث في الدين ، سواء من الذين يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين ، أو من شيوخ القنوات أصحاب الصوت المسموع لدى شرائح كبيرة من الناس ومن غيرهم ، أو من خطباء المساجد الأوقافيين ، أو حتى من كبار العلماء أو شيخ الأزهر أو المفتي ، يطلب من الناس برجاء رقيق ألا يسعلوا في وجه بعضهم البعض خاصةً في ظل أنفلونزا الخنازير؟

قبل أن تمسك أي شيء موجود أمام كيبوردك لتضربني به.. اسمعني للآخر..

إذا كان "س" من الناس لا يبالي بإصابة "ص" الراكب معه في الأتوبيس بالأنفلونزا إياها إذا ما "كح" أو عطس في وجهه ، فهل يبالي به عندما يلقي بقمامته أمام باب شقته؟ عندما لا يرد السلام عليه إذا حياه؟ عندما لا يحترم مشاعره في فرح أو حزن؟ عندما يدعسه أو يضربه في الطابور .. أي طابور؟

عندما - ربما- يقتله كذبابة أو صرصور لأتفه سبب؟

إذا كان هذا الـ"س" على هذه الشاكلة مع "ص" الذي على نفس دينه ، فما بالكم به مع "ع" الذي يعتنق رأياً مختلفاً..

أو مذهباً مختلفاً,,

أو ديناً مختلفاً؟

أكن كل الاحترام لمن يتكلم قبل أن تحدث الكارثة ، وقبل أن تحدث كارثة كتلك التي حدثت في "نجع حمادي" والكارثة التي كانت قبلها وقيل أنها كانت السبب فيها ، والبلاوي التي نقرأ عنها ليل نهار.. لهذا كان إمام المسجد القريب من بيتي بعيد النظر لأبعد مدى عندما ألمح ضمناً قبل أشهر إلى أن الخطاب الديني في بلادنا أصبح أنانياً شخصانياً.. لا أكثر.. يركز على جمع الحسنات فقط عن طريق العبادات وعن طريق الذكر فقط -وهذا شيء محمود في ذاته ولا يعترض عليه أحد.. ولكن ما يستحق الاعتراض هو أنه يتجاهل وفي المقابل نصوصاً صريحةً في الكتاب والسنة تعطي أفضليات لمن يميط الأذى عن الطريق ، ويحسن معاملة جاره ولو كان على غير دينه ، ولا يغش ولا يكذب ولا يرتشي ولا يسرق -أياً كان مَن ترتكب في حقه تلك الجرائم - وأن يساعد الغير ما استطاع سبيلاً إلى ذلك -أيضاً أياً كانوا..وأن يكون نافعاً لوسطه المحيط ..

في ظل خطاب كهذا صرنا أكثر أنانية ، والـ"نا" تعود هنا على الكل مسلمين ومسيحيين ، ولا أزعم أن تلك الأنانية لها من يروج لها على الطرف المسيحي كما يحدث لدينا، وفي ظل "الحراك السياسي" صارت المصلحة هي معيار الحكم على حسن وسوء وجمال وقبح وأخلاقية ولا أخلاقية كل شيء ، وكان من الطبيعي أن تتورم "الأنا" وتتهيج على مستوى الأفراد والمجموعات ، "أنا" الفرد و "أنا" الجماعة والمذهب والطريقة والشلة والمجموعة مسلمةً كانت أم مسيحية..

وفي ظل الأنانية المستفحلة يصعب على الأنانيين ألا يكرهوا بعضهم البعض.. أن يبيت كل منهم في كنتونة مستقلة خاصة به ، و"يقفل عليه" .. قد تأخذ شكل شارع أو حارة ، أو قرية , وربما مدينة أو محافظة أو دولة..

في ظل أنانية كهذا توقعوا أي شيء ، سرقة ، بلطجة ، اغتصاب ، وزي ما تقول قول.. ما حدث كان متوقعاً .. لكننا كنا نستعبط .. كما سأوضح في تدوينات قادمة إن شاء الله ..

أترككم مع هذا السؤال .. فكروا فيه وفيما كتبت بهدوء ، ربما أكون قد هولت ، أو هونت .. دمتم بألف خير..
*الملف مهدى لزميليّ "ابن عبد العزيز" و "رامز شرقاوي"..وهذه فقط الحلقة "صفر" أو حلقة المقدمة..