Wednesday, February 27, 2008

سؤال شرير واحد..

ما شجعني على طرح هذا السؤال الشرير ببساطة شديدة هو متابعتي لعدد من التعليقات هنا وهناك وفي بعض المنتديات.. وما أثير حول فتوى ما لإحدى المجموعات المذهبية في مصر..

اسمحوا لي أن أوجه سؤالي هذا بالذات للمنتمين لأي مجموعة مذهبية ، سلفية أو صوفية أو شيعية وما يشتق منهم.. كل الاحترام لهم كأشخاص رغم خلافي العنيف للغاية على الأسس التي بنت تلك الفصائل والأحزاب وجودها عليها ووجهات نظرها الغريبة تجاه الدين والدنيا معاً..

هل لو وجه شيخ مشايخ الطرق ، أو شيخ الطريقة التي تنتمي لها (إن كنت تنتمي لطريقة) ، أو لو وجه رئيس أي من الفصيلين السلفيين المصريين (أنصار السنة والجمعية الشرعية) أو شيوخ السلفيين المصريين من أمثال الشيخين محمد حسان والحويني (إن كنت منتمياً للتيار السلفي)، أو لو وجهت قيادات شيعية مصرية (إن كنت منتمياً للتيار الشيعي) ، الدعوة لك للقبول بتوريث الحكم ، أو لمبايعة "سيمبا" -وليس حتى لانتخابه -ستقبل بتلك الدعوى أم لا؟ ولماذا؟-رغم أن توريث الحكم من عدمه-أياً كان الرأي فيه- وما على شاكلته من مسائل هي شئون دنيوية صرفة مثلها مثل اختيار اليد التي تلبس عليها الساعة!

فكروا بهدوء..وردوا بهدوء..

ذو صلة: هذه التدوينة..

Friday, February 22, 2008

هاللو هولندا - الجزء الثاني

وعد العبد لله في وقت سابق أن يخصص كلامه في هذه التدوينة عن الجاليات المسلمة في الغرب.. والآتي بعد هو مجرد تفكير بصوت عال brainstorming في حدود مبلغي من العلم عن تلك المسألة.. خواطر غير مرتبة كما اعتدت.. ويبقى أن تشاركونني النقاش فيه بهدوء وعقلانية..هذه المرة سأضعه في صورة "س" و "ج" على طريقة المذكرات السمجة للدروس الخصوصية..

س: مم تتكون الجاليات المسلمة في الخارج؟ وما الفرق بينها وبين غير المسلمين في مجتمعاتنا؟

ج-الجاليات المسلمة في الخارج مكونة من :أ)مسلمين من سكان البلد..مثلاً آمنة زهاو زينج، عبد القادر علييف ، محمد شينيتجر ، يوسف واطسون ، الحسن إيبوندا*.. و ب)مهاجرون من دول العالم الإسلامي سيلي ذكرهم فيما بعد..

الفرق كبير بين الجاليات المسلمة في الخارج وغير المسلمين في العالم الإسلامي..فالإسلام عندما دخل بلداناً كان من الطبيعي جداً أن يكون بها غير مسلمين متمسكين بدياناتهم الأصلية ، هؤلاء هم من أهالي تلك البلاد وليسوا مهاجرين إليها وهم جزء من نسيج مجتمعاتها مثلنا تماماً .. ونحن وهم شركاء في أوطاننا التي نحن مواطنون فيها (ومسألة التعايش مع غير المسلمين من أبناء البلد معروفة وقديمة قدم الدين الإسلامي نفسه.. قراءة في السيرة تؤكد ذلك)..

أما الجاليات المسلمة في الغرب فالأمر يختلف.. أغلب الجاليات أو نسبة كبيرة منها جاءت من دول العالم الإسلامي.. وليسوا من تلك الدول.. هناك كما سبق الذكر مسلمون من أهل البلاد منهم من دخل الإسلام عن اقتناع ومنهم من هم جيل ثاني أو ثالث من المسلمين.. مثلما في ألمانيا مثلاً..

س: ماذا عن المهاجرين القادمون من دول العالم الإسلامي و"الشرق الأوسط" تحديداً؟

ج- أقول لك..

يمكن تقسيم هؤلاء ،وهم الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً إلى الفئات الآتية.. ومفيناش من عصبية:

1)مجموعة من الكفاءات التي تم تطفيشها من بلدانها ، ومعهم مجموعة من الذين سافروا للخارج بغية تحسين أوضاعهم المعيشية معتمدين على خبراتهم وعملهم وكفاحهم.. وهؤلاء واجهات محترمة لبلدانهم ولدينهم.. بعكس الباقين..

2)مجموعة من الذين سافروا للبلدان الغربية-تحديداً- بسبب ما يعدونه "اضطهاداً مذهبياً" أو فكرياً عانوا منه في بلادهم ويسعون للعب دور (أو العيش فيه) يصبحون بمقتضاه مؤثرين في بلدانهم.. آل إيه : لجوء سياسي وفكري ومذهبي.. ومن هؤلاء سلفيون ، وجهاديون ، وشيعة ، وأحباش ، ومستصوفين، ومن جماعات الإسلام السياسي ، ومن هؤلاء أشخاص من آحاد الناس (يعني اللي زيك وزيي) ومفكرون ومنظرون وقياديون في جماعات متطرفة..ونسبة كبيرة من هؤلاء "أرزقية"- بتوع أكل عيش وبيزنس وشهرة وميديا- وليسوا أصحاب مبادئ كما يزعمون..

وهناك نسبة من آحاد الناس من هؤلاء دخلوا تلك البلدان بشكل غير شرعي ، ويعرفون تمام المعرفة بمدى الخلاف والعداء الديني والفكري بين ثقافاتهم وأديانهم من ناحية وثقافات وديانات ومعتقدات المجتمع "المستقبِل" من ناحية أخرى..

الفئة الثانية هي فئة "القلق" والمشاكل.. الأعلى صوتاً.. الأكثر بحثاً عن النجومية والأضواء والبطولة المصطنعة..

س: ما هو حجم الضرر الذي سببه هؤلاء للنماذج الإيجابية الوافدة على بلدان العالم الغربي أو لمسلمي العالم الغربي ؟

ج- كبير..

أولاً.. سيطرة هؤلاء على الوسط "المسلم" هناك عززت لدى العالم الغربي قناعة كبيرة بأن هؤلاء هم مجموعة من الغرباء وبأن الإسلام دين غريب على مجتمعاتهم وأنه من "غير المألوف" أن يعتنقه أهل تلك البلاد الأصليين الذين يرون أنه لا تعارض بين مواطنتهم لتلك البلدان وبين اعتناق الدين الحنيف.. وبالتالي يتعاملون مع مسلمي تلك البلاد كأنهم "مش تبعنا"..وكلكم يعرف ماذا يمكن لمجتمع فيه ثقافات عنصرية كارهة للآخر (ولنفسها بالتأكيد) أن يفعل بمن هم أبناء ثقافات وأديان أخرى.. تذكروا النازي الجديد في النمسا وألمانيا وكيف أن تلك الحركات "إيدها طارشة" في التعامل مع القريب والغريب "اللي مش تبعهم"!

ثانياً.. جاء هؤلاء إلى تلك البلدان بكل عيوب ثقافات بلدانهم وأفكار مذاهبهم ، إشي شللية وإشي فهلوة وإشي تطرف .. إمام مسجد قريب من بيتي كان في بعثة إلى بلجيكا.. وشاهد مساخرهم وأفكارهم الغريبة وهي تنزل على رءوس المسلمين وغير المسلمين من البلجيك كالصاعقة وتصدر لهم المتاعب.. أنصحه شخصياً بتأليف كتاب عن تلك التجربة يحمل عنوان : المشاهدات الأنتيكا في عموم بلاد بلجيكا!

ثالثاً.. لم يتعظ هؤلاء -وأعني هنا آحاد الناس- من تجارب غير المسلمين في العالم الإسلامي..

غير المسلمين في العالم الإسلامي عملوا واجتهدوا ولكل مجتهد نصيب .. منهم من اشتغل بالطب وبالاقتصاد وبالعلوم وكانوا إيجابيين ، والكلام ليس وليد الآن بل منذ أن صار للمسلمين دولة وخلافة وحتى اللحظة التي أكتب فيها..هؤلاء اكتسبوا بسلوكياتهم سمعة طيبة وإيجابية في بلداننا ، وكان أولى بنا كمسلمين يحتوي ديننا على مكارم الأخلاق أن نكون بنفس المستوى بل وأعلى..بل ركنا إلى السلبية والبلادة..

وأخذ من هاجروا تلك السلبية والبلادة معهم إلى بلاد المهجر.. مضافاً إليه فتحة الصدر الشهيرة "جايلك يا هولندا".. لا علم .. لا خبرة.. لا إصرار.. وبالتالي أعمال هامشية(غسيل صحون.. كنس شوارع) .. والعيش في قاع قيعان الفقر والتهميش.. وبالتالي العنف والاضطرابات التي عززت أسهم اليمين المتطرف في بلد مثل فرنسا.. وكانت النتيجة وصول "ساركوزي" إلى الحكم.. وهو وزير الداخلية الذي قمع المهاجرين إبان حكم "شيراك" في أشهر أعمال عنف عرفتها بلاد الفرنسيس..

وبالتالي صار المجتمع المسلم في الغرب مهمشاً ، خارج الحسابات ، لا خاطر له ، ولا اعتبار لمشاعره..فضلاً عن كونه مفتتاً بين المغتربين وأهل الدار.. أغنياؤه منفصلون عن فقرائه ، ومتطرفيه أعلى صوتاً من معتدليه..

س: هل قصرنا في بلادنا في حق هؤلاء؟

ج- طبعاً .. وأسهمنا في زيادة عزلتهم.. وجعلنا المحترمين وأهل الدار يدفعون الثمن غالياً..والسبب أننا في مجتمعاتنا "مش فاضيين" .. فالزعامة الدينية هي كل هم الكثيرين في بلادنا وليخبط "اللي مش عاجبه" رأسه في أقرب حائط..والحيطان كتير!

هناك مليارديرات ينفقون أموالهم في الخارج في "الليدو" و"الفولي برجير" هنا وهناك ويزعمون أنهم أصحاب قضية ثم يتجاهلون أي عمل مفيد لمسلمي أو لعرب الخارج من بني جلدتهم ووطنهم..

س: أفهم من ذلك أنك من أنصار الطرح الذي يحملنا نحن مسئولية ما يحدث للغرب من مشاكل؟

ج- طبعاً لأ.. بل إني أعتبر هذه الفرضية قمة الدونية.. نحن جزء مما يحدث وليس الكل.. فعلى الجانب الآخر هناك عنصرية ونفاق مقيتين وازدراء للآخر.. وأنه كما أنه يوجد في الخارج من ليس لديه مشاكل معنا ، ومن يرى أننا طيبون ولكن لنا مشاكل ، فهناك نسبة مؤثرة تصوت لـ"جان ماري لوبان"- ساركوزي قطة وديعة بالنسبة له- ليس بسبب أوضاع الأقليات ولكن بسبب اعتبارهم لكل ما هو مختلف عنهم من كل جنس ولون مجموعة من القرود.. ومن هؤلاء من وصل لمناصب ولأماكن هامة بالانتخابات الديمقراطية لا بالسحر ولا بـ"الشبشبة"..والأنكى أن لدينا من هم "دلاديل" لهؤلاء ينسون تلك الحقيقة أو يتناسوها استعباطاً.. وعندما يردون على أي سفالات ترد من الغرب نجدهم يردون بالاعتذار و "أطبطب وأدلع".. لكن كان حرياً بنا أن نعرف مع مَن نتعامل وتركيبة المجتمع الذي نواجهه..

كيف يقبل "س" من الناس يعلم أن هذا المجتمع العلاني يزدري الإسلام وبه عنصريون يمكنهم إحراق بيته وتشريده في الشوارع وجعله "يمشي يبص وراه" أن يعمل فيه ويعيش ويستوطن.. وهو نفسه كان ليكون في الصفوف الأولى لأول مظاهرة تهاجم نفس المجتمع لو كان بقي هو في بلاده؟.. وأين - في المقابل- في بلادنا فرص العمل والنجاح والثقافة التي تبعد هذا الـ"س" عن الحاجة للسفر لبلد فيه من يزدري ديني ويحتقره؟

الزميل "محمود المصري" قال في معرض رده على الجزء الأول من هذا المقال أنهم يحتاجوننا.. ماشي .. بأمارة إيه؟ هل جعل الوافدون من بلادنا من أنفسهم رقماً صعباً في بلاد المهجر أم أن حاجتهم لنا هي حاجتهم لبضاعة ستجد حتماً من يشتريها في بلادنا أو في غيرها؟.. صدقني كان الوضع ليختلف لو أن المهاجرين كانوا رقماً صعباً.. لو أن مصداقيتهم كانت عالية لدى مسلمي أهل الدار.. لم تكن الصورة لتكون بهذه القتامة ولم تكن ردود أفعالنا هنا لتكون بهذا الغباء ..عذراً للإطالة الشديدة التي جعلت من هذه التدوينة الأطول في تاريخ مدونة "الدين والديناميت"..
* أسماء افتراضية..

Thursday, February 21, 2008

هاللو هولندا!

أعتقد أن البعض لم يتمالك نفسه من الضحك عندما قرأ في روزا-الصفيحة- قبل أيام عن استهجان الصحيفة لهجوم برلماني هولندي متطرف على الإسلام.. ولا عندما رأى الرسم الكاريكاتيري الذي رسمته روزا-المجلة- على أحد أغلفة أعدادها لبابا الفاتيكان.. فالمحاولة المكشوفة من قبل المؤسسة الحيزبون لاستمالة المشاعر الدينية للبسطاء تذكرني تماماً بعجوز متصابية لا تعيش سنها وتعتقد أنها قادرة على اصطياد الشباب الصغير بباروكة صفراء وطقم أسنان "أنا حلوة.. وصغيرررررررررة"!

سباق محموم على التهييج ،والبزنسة ، وكأن تلك الإهانات التي تتوالى على الإسلام من كل حدب وصوب فرصة للقيادات المذهبية ولبعض وسائل الإعلام للتسويق لنفسها والمزايدة على التدين وربما الدين..وعندما يبدأ التهييج ينتهي هنا دور العقل..

إلى متى نظل نستجدي شهادات الغرب في حق الإسلام؟ وإلى متى نتشنج عندما نسمع هؤلاء يسبون ديننا؟ هل ننتظر من الغرب ، بل ومن هولندا تحديداً ، أي إشادات بالدين الحنيف؟

هولندا - لمن لا يعرف - من أكثر دول أوروبا خضوعاً للنفوذ الصهيوني ، في البيزنس والتجارة والسياسة وحتى كرة القدم.. بل في عديد مباريات الدوري الهولندي تجد العلم الصهيوني موجوداً في المدرجات.. ويصعب أن تجد في القارة العجوز دولة في نفس وضع هولندا بما فيها فرنسا - التي تفتخر بأنه لا ديانة رسمية بها من أي نوع- أو ألمانيا-التي تبتزها إسرائيل بسبب الهولوكست- أو انجلترا-التي قدمت خدمات لا حصر لها للكيان الصهيوني- إلا في بولندا التي كان لاجئوها اليهود هم قوام إسرائيل وكبار قادتها..

وطبعاً سننتظر ثناءًا ومديحاً من إسرائيل أوروبا ، وربما يصل العبط لذروته بأن ننتظره من إسرائيل نفسها!

وهناك دول كالدانمارك لا يرتع فيها الصهاينة ، ولكن بها كسائر دول أوروبا خطوط فكرية تستخف بالدين من حيث هو - سواء أكان الإسلام أو المسيحية أو حتى البوذية..وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان أن نقنعهم -ونحن أصحاب "دين"-بديننا ، كما أنه من الصعوبة بمكان أيضاً أن يقنعونا - وهم اللادينيون- بلادينيتهم!

فقط علينا أن نقنعهم فقط بأن يتقبلوننا كما نحن كما نتقبلهم هم كما هم.."لكم دينكم ولي دين".. لكم إلحادكم ولي ديني..وفي هذه الحالة المشكلة مشكلتهم "هم" ..ولسنا مطالبين بتقديم اعتذارات لهم حتى يتقبلوننا.. نحن متخلفون تقنياً واقتصادياً لكننا لسنا قروداً..وعلى من يريد أن تكون له مصالح معنا أن يتعامل معنا على هذا الأساس..

هذه كلها حقائق واضحة وضوح الشمس ، لكن يتعامى عنها من يتصورنا في سوق عكاظ فينشد أبياتاً شعرية بالعربية الفصحى لا معنى لها وكأنها ستنزل كالرزة المزدوجة الغراندايزرية على أم رءوس الدانماركيين والهولنديين والبولنديين والإسرائيليين- ما كانش حد غلب- ويأتي آخرون مطالبون بالاعتذار وسح الدموع على ما فعلته قلة ضد الغرب وكأن هذه القلة لم تفعل بنا نفس الشيء وكأن الغرب نفسه لم يأو قياداتهم وقيادات مذهبية متطرفة أخرى، نحن متخلفون تقنياً واقتصادياً لكن لا يعني ذلك تقبيل أعتابهم ، ويأتي آخرون مطالبون بالحوار وإرسال البعثات وحوار الأديان الذي اتضح أنه بيزنس سياسي وفكري ، ونرى آخرين يطالبون بـ"تجديد الخطاب الديني" لأجل سواد عيون الغربيين (جبر خواطر يعني) ، وطبعاً هات يا حملات مقاطعة لن تؤثر في الاقتصادات الأوروبية .. دون أن نرى "هتيفاً" يطالب رجال الأعمال "العرب" بتجميد استثماراتهم في الدول التي تسيء قياداتها للإسلام -لو عايزين رد جامد وموجع.. ولن يخل الأمر من مظاهرات (مدد مدد مدد مدد*..الشورعة شغالة في البلد) ..فضلاً عن "أوبريطين" ثلاثة وأغاني ماركة "عبده حريقة" وأناشيد بلهاء..وخطب حماسية و"نأخذ من كل رجل قبيييييييييلة"!

بالمناسبة.. ماذا عن الجاليات المسلمة في هولندا وغير هولندا؟.. هذا هو موضوع التدوينة القادمة بإذن الله..
* مع الاعتذار لـ"محمد نوح"..

Friday, February 8, 2008

قد ضل من كانت العميان تهديه

على شاشة "فضائية" "دينية" خرج علينا أحد الشيوخ الأفاضل بفاصل من الهجوم على الشباب "المغيب" الذي خرج للفرحة بعد مباراة مصر وكوت دي فوار الأخيرة في كأس أفريقيا للأمم.. لن أناقش الرجل في هذا الموضوع لعلمي أن الناس أحرار في قناعاتهم العقلية من حيث المبدأ.. هو شخص يكره كرة القدم ولن أستطيع أن أفرض حبها عليه.. وليس من العقل أن أفرض جدلاً بيزنطياً على شخص لن يستطيع تغيير رأيي في شيء ولن أستطيع أنا أن أغير رأيه في نفس الشيء..

بدأ الرجل لا فوض فوه موعظته الحماسية النارية الملتهبة بفاصل يغني فيه سيادته آيات من القرآن الكريم ، غناءً واضحاً يراه الأعمى في قلب الظهيرة ويسمعه الأصم في قلب صحراء "الربع الخالي"، هازاً رأسه كما لو كان "هاني شاكر" ، طبعاً متسلحاً بالفهم الانتقائي جداً للحديث الذي يستحب "التغني" بالقرآن دون أن يكمله العالم الجليل إلى نهايته..الأمر الذي أثار حفيظة بسطاء شاهدوا الحلقة وقالوا لي ما معناه : مال الراجل دة بيغني القرآن كدة ليه؟

بعد الانتهاء من غنائه للقرآن الكريم بدأ سيادته الوعظ والهجوم على الشباب سالفي الذكر قائلاً ما مفاده "لماذا يفرح هؤلاء؟ ..هل حررت فلسطين؟" (كأن طوب الأرض من طهران إلى واشنطن الذين تاجروا بالقضية الفلسطينية قدموا لفلسطين أو الفلسطينيين شيئاً ونحن فقط المقصر الأوحد..بلا وكسة)..طبعاً لن يتصل به أحد في البرنامج رغم أنه يذاع في ساعة متأخرة من فجر اليوم (ويتلقى عادةً اتصالات) ليسأله عن الطريقة التي يمكن للشباب أن يحرر بها فلسطين إذا اكتفى بالتعبد دون التوكل على الله حق توكله ، أو ليذكره بالمغول وكيف ذبحوا المسلمين الذين استنجدوا بدور العبادة على طول الطريق من بغداد إلى عين جالوت ، وكيف يمكن لشباب لا يشارك في صنع التقنية أحد أمضى أسلحة زماننا الحالي علماً بأن كل النواحي التقنية في ستوديوهات القناة ، وفي غيرها بالتأكيد ، كلها من صنع الغرب "أعداء الأمة".. فإما أنه سيتم عرقلة الاتصال من الخلف في "الكونترول روم" - عفواً لسقوطي في خطأ استعمالي لمصطلح "كروي"- أو سيسمع من "أولاد الحلال"-عارفينهم طبعاً ومجربهم- الفاصل إياه "رويبضة .. ضال .. ثكلتك أمك..عااااااا..الخ"..(فهناك ممن أعطاهم الله بعض العلم من لم يحسنوا شكر العلي القدير على النعمة بدليل أنهم يتحدثون عن حرية الخلاف والجدال بالتي هي أحسن ثم تجده - أو طرف ثالث- وقد لقنك درساً في الأخلاق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)..

ثم وقع سيادته في الخطأ الثالث والأكبر عندما استشهد بحديث "إن الله يبغض كل جعظري جواظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة".. وقال أن الألباني صححه.. وبالبحث عنه على النت اتضح أن الرجل لم يقل الحقيقة كاملة .. إذ نسي -من باب حسن الظن-أن يذكر أن الشيخ الألباني نفسه هو الذي تراجع بعدها وضعَّفه.. الألباني تراجع عن تقدير خاطئ وهو تصرف يليق بالفعل بعالم كبير وهو قطعاً أكثر علماً مني ومن الداعية مقدم البرنامج.. أما حجم الشتامين فمعروف!

طالبنا أن نكون رجالاً ثم قرأ كتاب الله بهذه الطريقة المنكرة التي لا تتناسب مع الرجولة والنخوة* ، وطالبنا بأن نتواكل لا أن نتوكل مع العلم بأن الفارق شاسع ورهيب بين الكلمتين ..ثم أعطى معلومات ناقصة عن حديث ضعَّفه من قال بصحته..وتكرار هذا النوع من الأخطاء مصيبة لمن يرى..

وعلى ذكر من يرى..أذكركم بشخص لم يكن يرى.. "بشار بن برد" على كل تاريخه "سيء السمعة" -على حق-في المجون والفحش والبذاءة.. إلا أن حياته لم تخل من أشياء تركها لنا.. كالبيت الذي قاله عندما طلب منه (وهو الكفيف) شخص "مبصر" أن يدله على بلدة ما.. والذي قال فيه :

أعمىً يدل بصيراً..لا أباً لكم   ..   قد ضل من كانت العميان تهديه
يمكنكم طبعاً أن تستنتجوا عدد المبصرين الذين يقودون الشباب الذي وصفه الداعية سالف البيان بالضلال.. حسبي الله ونعم الوكيل..
*نسيت القول بأن العديد من الشباب "المغيب" والشباب الذين قاموا بغزوة "تحرشستان" في وسط البلد..والعديد من المرتشين والنهابين الذين جعلونا في أسفل سافلين كانوا يصلون وراء مطربي القرآن، ويحتفظون بقراءتهم الخالية من الخشوع على رنات محمولاتهم.. انتهت الحاشية..

Friday, February 1, 2008

إلى أنصار "الزعامة الدينية": لسنا ماعزاً

آل إيه : سر قوة إيران في التفافهم حول علمائهم ..آل إيه : سر ضعفنا في "تشرذمنا" فقط لأنه ليس لدينا إمام أو قائد أو مخلص نلتف حوله لينقذنا!

طرح يطرحه البعض ويؤمن به وهذا حقه ،ومن حقي أيضاً أن أرى أنه مثال عملي على الهراء المركز كما ينبغي أن يكون.. مع التماسي الكامل للعذر لمن يقولوه ولبعض من يروجون له..

زن الميديا يا حضرات أمر من السحر ، وهناك في الإعلام العربي من يعمل لحساب قوى إقليمية وغير إقليمية تحت غطاء عربي وشعارات دينية براقة ، وسط الزن لا تستطيع أن تفكر ،وكيف تفكر أصلاً وغرض الزن هو ألا تفكر.. أن تنساق وتنجر وتتعصب وتتحول إلى هتيف ، أو ربما إلى طوبة ، أو عصا ، أو حتى إلى قنبلة.. وسط الزن يوفر عليك البهوات مشقة التفكير ويوصلونك للخلاصات التي يريدون إيصالك إليها ..

صوت الزن أعلى ألف مرة من صوت العقل.. والصوت الأعلى هو الأكثر فعالية وفاعلية .. تذكروا المثل المصري الشهير : خدوهم بالصوت!

لتفكيك هذا الهراء لدي مجموعة من الأسئلة الشريرة أتمنى أن أجد لها إجابة مقنعة:

0-هل يجب أن نلتف أصلاً حول "زعيم"؟ في فترات طويلة ووقت أن كانت الدولة الإسلامية دولة مركزية واحدة كان الخليفة هو ولي الأمر وله السمع والطاعة في ظروف اقتضت ذلك من الناحية السياسية لكنه لم يكن "بابا" للمسلمين..وإلا بعد أن انقسم العالم الإسلامي إلى عدة "خلافات" في الشام والعراق ومصر والمغرب كان ينبغي أن يكون لكل هؤلاء "بابا"..

1-ما هي مواصفات هذا "الزعيم" أو "الإمام" الذي سوف يحولنا من قطيع من "المعيييييز" الشاردة إلى أمة متقدمة وقوية؟ تذكروا أن الكلام في الفقرة الأولى عن إمام على أساس "ديني"..وطبعاً سيجرنا الحديث عن "الماركة المذهبية" لهذا الإمام القادم ، والذي يعتقد البعض من أتباع بعض المذاهب أنه منهم!

2-وبما أننا لا نريد أن نعيش عصر "التشرد الأطفالي" ونريد أن يبقى لدينا إمام أو قائد بما أن "الموت علينا حق".. كيف يمكننا أن نختار خليفة لهذا الإمام؟ وعلى أي أساس إن شاء الله؟ هل سيختار بالانتخاب أم بالمبايعة أم بالقرعة عند تساوي فارق الأهداف واللعب النظيف؟..أم يجب علينا - علشان تكمل - أن نستحدث نظاماً يجعلنا نختار جناب الزعيم دون قلق ودون إحداث حالة من التشرذم في صفوف "الأمة"؟

3-أليس هذا الطرح برمته طرحاً بابوياً صرفاً.. في دين لا بابوية فيه أصلاً؟..أكرر وللمرة الألف .. لست هنا لكي أناقش البابوية عموماً.. الأديان مثل نظم تشغيل الكمبيوتر لكل منها تضبيطاته.. وما يعمل في بعضها لا وجود له في البعض الآخر ..أنا أطرح ذلك في الإسلام الذي لا يوجد فيه "رجال دين" ولكن "علماء"..وفي ظرف زمني "خاص" و "مختلف" ..

عن نفسي - والله أعلم- لا أرى أن المسلمين قطيع من الماعز الشاردة يحتاجون لقيادة .. الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان هو الزعيم الأوحد لأمة الإسلام ، انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن وضعنا على أول الطريق الذي نعتمد فيه على أنفسنا دون حاجة لزعامة دينية أو لكهنوت أو لبابوية..ويفترض بنا أن نتصرف كبشر ناضجين قادرين على الفهم، يستنيرون بفهمهم للنص وروحه ، ولعلم العلماء دون تحويلهم إلى زعماء أو كهان أو باباوات ، وليس كقطعان الماعز الشاردة التي تنتظر راعياً يقودها في الصحاري..وإلا لو أردنا لأنفسنا أن نكون من الماعز.. فعلينا أن نتقبل مصير الماعز أيضاً..