لا يهم استقلال المؤسسة الدينية "الرسمية" في مصر نفراً كثيراً من "الموصقَّافين" ، ولا يهتم هذا النفر بأي دور يلعبه الأزهر ، أو تلعبه دار الإفتاء في مواجهة التمذهب المتطرف.. ولهذا فقد ظهرت حالة من اللامبالاة في مواجهة تصريح أقل ما يقال عنه أنه "غريب" لفضيلة مفتي الديار المصرية..
صدمنا فضيلة المفتي بتصريح فاجأ الكثيرين - وفاجأني بشكل شخصي- عن أن دار الإفتاء ستستقل مادياً وإدارياً عن وزارة العدل .. وهذه أول مرة أعرف ويعرف فيها قسم كبير من الشعب المصري أن دار الإفتاء "كانت" تتبع وزارة العدل رغم أن مفتي الديار يعينه رئيس الجمهورية مباشرةً طبقاً للدستور والقانون .. وليست الصدمة في هذه المعلومة التي لم يخبرنا أحد بها من قبل .. ولكنها ببساطة تكمن في استمرار "تبعية دار الإفتاء لوزارة العدل من الناحية السياسية"!
الجملة الموضوعة بين القوسين لغز كبير يستعصي على الفهم بالنسبة لعقلي المتواضع.. ماذا يعني أن تكون دار الإفتاء مستقلة مالياً وإدارياً وفي نفس الوقت تابعة سياسياً؟ وهذا يفتح الباب على مصراعيه لسؤال سيسئل في يوم أو آخر بطريقة أو بأخرى ، بتجرد وموضوعية وبعيداً عن هراء الشلل المذهبية وجماعات الإسلام السياسي في هذا الشأن : هل الإفتاء في مصر "سياسي"؟ وهل من المنكر والمستَنكَر أن يكون الإفتاء "سياسياً" بشكل عام، أم أن تسييس الإفتاء في اتجاهٍ "ما" عار وشنار وتسييسه في الاتجاه الآخر "زي العسل على قلبي هواك"؟ أسئلة أتركها لكم ملقياً بالكرة في ملعبكم ، أعجب ذلك جوقة "كارهي التساؤل" أم لم يعجبهم..
فقط ما لاحظته أن فضيلة مفتي الديار ضرب عصفورين بحجر واحد ، عصفور "التشكيك" في استقلال دار الإفتاء بالقول أن دار الإفتاء مستقلة مالياً وإدارياً، وعصفور الاستقلال نفسه بالقول أن دار الإفتاء تتبع وزارة العدل سياسيا!
وكما ضرب هذا التصريح عصفورين بحـجر واحد ، فنفس الحجر ضرب آخر أمل في التفاؤل بهذا العام ، الذي أتوقعه على يد كبار الشخصيات المتمذهبة في مصر عاماً حافلاً بالتسلية والمرح والكوميديا ناصعة السواد.. وكم ذا بمصر من مضحكات .. ولكنه ضحك حتى الموت..