Friday, March 28, 2008

المؤنس المواسي في فهم السيرك السياسي

وبما أننا في ذكرى مولد سيدي الحراك السياسي ..وجدتها فرصة لأستكمل ما ذكرته في التدوينة السابقة عن تغير علاقة الدين بالسياسة في العالم العربي والإسلامي واضعاً خطاً تحت ما يحدث في مصر بالتحديد..

تعرفون أن سي "البتاع"-الذي يسميه الحزبوطنيون فقط "الحراك"-السياسي جاء على وقع واقع جديد في السياسة الداخلية المصرية.. صراع بين قطبين كبيرين .. الأول هو الحزبوطني ورجال أعماله .. والثاني هو المال السياسي ..رجال الأعمال الطموحون الذين يخوضون حرب مصالح مع الفريق الأول.. حرب تستعمل فيها كل الأسلحة ..بدءاً من موارد الدولة التي هي في معظمها أموال دافعي الضرائب ، مروراً بالإعلام هنا وهناك ، وطبعاً الدين..

صحيح أن الحزبوطني هو الأطول يداً على "المؤسسة الدينية الرسمية" ممثلةً في الأزهر (رغم اختراقه صوفياً وشيعياً وسلفياً) إلا أن هذا لم يكفِ .. يرى البعض أن الحزبوطني نفسه هو الذي أطلق المد السلفي بما له من جماهيرية وحضور لدى الناس ، وبما فيه من تصورات "مهادنة" للحكام تدعو لطاعتهم العمياء وتعتبرهم "أمراء المؤمنين" كما في الفتوى الأخيرة التي سبق الحديث عنها هنا ، وبالموازاة أطلقت المد الصوفي أيضاً لتشابهه مع السلفيين في عدة نقاط رغم العداء الشديد بينهما..

على الجانب الآخر وجد المال السياسي ضالته ليس فقط في قيادات مذهبية أخرى ولكن في "مفكرين إسلاميين" من أمثال "جمال البنا" ورفاقه يبحثون عن "غطاء ديني" لعملية "التغيير"* وهو هدف مشترك لهؤلاء جميعاً -لا تسأل عن مصلحتنا يا أخ علي- حتى يصبح للجماعات المذهبية تأثيرها ويصير الريموت كنترول في يد كبار الحيتان .. ورغم أن الكبار في تيار المال السياسي يعرفون جيداً حقيقة أفكار المفكرين والمتمذهبين المتحالفين معهم وأنها تتصادم تماماً مع التصور "الليبرالي" و "التنويري" الذي يروج له التيار إلا أن "السياسة تحكم"..

مباراة في كرة الغوغائية بين التيارين معاً.. التيار الأول يَلدُد في الخصومة مع الآخرين ، كل الآخرين ، طالما يخالفونهم في الرأي .. وربما يصل ذلك إلى درجة التكفير.. ع الفاضي وع المليان.. أما الثاني فيعتبر كل العلماء والشيوخ الذين لا يوافقونهم الرأي هم علماء السلطة الساعين لمصالحهم الشخصية وابتعاد مصر عن دورها "المقاوم" لـ"القوى الامبريالية الاستعمارية" التي تستهدف إضعاف "الأمة"..شعارات الاستقرار في مواجهة شعارات العزة والكرامة.. "طاعة الحاكم" في مواجهة "الجهاد" و"المقاومة" و"تغيير الاستبداد"..وزغرطي ياللي مانتيش غرمانة..

ماذا عن جماعات الإسلام السياسي؟ لا أعتقد أن لها نفس القوة والنفوذ الذي تمعن ميديا الحزبوطني والمال السياسي في تضخيمه.. ولا أعتقد أن الطرفين المتحاربين ، ولا نحن كآحاد الناس ، سنكون سعداء بوصولهم للسلطة الذي لن يتحقق (تذكروا تجربة حماس بما عليها قبل أن يكون لها)..خاصةً وأنها لم تنضج بعد لفكرة قيادة دولة وتعاني من تصادم ما بين أيديولوجياتها من ناحية وما بين ما يمليه "حكم بلد" من مسئوليات..ما يهمني تأكيده هنا أن تأثير جماعات الإسلام السياسي- مهما تعاظم-ضعيف مقارنة بتأثير شيوخ السلفية والصوفية الذين أتباعهم بعشرات الملايين ، ولديهم قنوات فضائية ومطبوعات وأقدر على الوصول للناس و"اللعب" في الشارع الذي هو أحد "ميادين" المعركة بين الحزبوطني والمال السياسي.. تذكروا مظاهرات الدانمارك الأولى!

نحن أمام حرب على أدمغتنا ، وعواطفنا ، وربما جيوبنا.. كانت هذه السطور محاولة متواضعة جداً لفهمها الذي أعرف جيداً أنه قد يختلف بشدة مع فهمكم.. لكن ..دعونا كما هي العادة في "الدين والديناميت" أن نفكر معاً.. علنا نصل لشيء..
*والفرق رهيب ما بين "التغيير" و "الإصلاح" السياسي الذي لا يخدم مصالحهم إن تحقق في رأيي.. لأنه عندما "تغير" فإنك تغير أشخاصاً.. أما عندما "تصلح"- لو كان دة في نية اللي بيقوله بحق وحقيق- فأنت تغير آلية وطريقة عمل النظام نفسه بغض النظر عن تغيير الأشخاص..والله أعلم..

Thursday, March 27, 2008

كنتي فين يا لأة!

خمس سنوات مرت على احتلال العراق ، أو على الحرب على العراق ، أو على حرب تحرير العراق لمن لا يعتقد أن العراق قد تم احتلاله.. قبل خمس سنوات كانت المناظرات والمناقشات على أشدها في البرامج وعلى صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات وعبر مواقع إنترنت .. أغلبية كانت ترفض ما يحدث ، وأقلية تدعي العالمانية والليبرالية تؤيد وتصرخ وتتشنج دفاعاً عن احتلال أمريكا للعراق و"تتلكك" في إيجاد مبررات له..

وكان حقاً على هؤلاء الذين أيدوا غزو العراق أن يبدوا ندمهم تماماً على حكمهم الخاطئ الذين أرادوا إقناعنا به عن غرض أو عن ضعف مخيلة..

غزو العراق ، الحرب على لبنان ، وصول نجاد للسلطة في إيران ثلاثة أحداث كقطع الدومينو المتجاورة إذا ضربت واحداً سقط وراءه الاثنين الآخرين.. تغيرت العلاقة بين الدين والسياسة في العالم العربي كليةً ، وصلت جماعات الإسلام السياسي للسلطة في بلدان ، وتعزز وضعها في أخرى ، أعيد حلم تصدير الثورة الطهرانية مرة أخرى للواجهة مع احتلال العراق بما ترتب عليه من فتح لأبواب الدولة الجارة على مصاريعها بعد أن كانت موصدة بالضبة والمفتاح ، ظهرت نعرة "المذهب" و "المرجعية" من جديد هنا وهناك.. كل يريد دولة على الطريقة الإيرانية يتمتع فيها بالتوكيل الحصري للمذهب والدين معاً..

ومع ارتفاع نعرة "المرجعية" أياً كان مذهبها ونوعها وماركتها بدأ الساسة هنا وهناك في استغلالها أحسن استغلال ، فما حدث أفرز فكرة أن "المرجعية" تعرف أكثر ، وهي الأقدر على توجيه الجماهير وتجييشهم وصنفرة أدمغتهم ، فلم لا يتم "التعاون معهم" من أجل الصالح الخاص (اللي بيبقى عام قدامنا..فاهمين طبعاً)، وأعجبت اللعبة "المرجعيات" رغم تأكيدها المستمر على أنه من السياسة ترك السياسة .. فتحت النظم الباب لبعضها .. ولعبت المعارضة مع البعض الآخر..ومن لم يلعب مع هذا أو ذاك بادر هو بعرض خدماته عليهما..

حاول من أيدوا غزو العراق إقناعنا بأن العنف والإرهاب سيتوقفان ، فعاد هوس "الفتكنة" وزعامة الدين للظهور ، وقوي دور شيوخ طرق وملالي وشيوخ شرائط بحيث أصبحوا ساسة في وقت لا يصلحون فيه لهذا الدور الذي له أهل اختصاص ودراية بمتطلباته وألاعيبه غير النظيفة.. وتسابق الجميع علينا وسط رعاية من المستفيدين ، وكثير ما هم كما سيتقدم في تدوينة قادمة بإذن الله..

أنصح كل "ربراري" أيد غزو العراق أن يعلق في الذكرى الخامسة لاحتلال العراق لافتات من عينة "لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت" أو "كنتي فين يا لأة لما قلت الآه".. وأن يدلونا - بما أنهم العقول "المستنيرة" في بلداننا المسكينة - على الطريقة التي سنخرج بها من تلك الورطة التي وقعنا فيها..أو يسكت خالص..