Wednesday, May 31, 2006

أيها السيدات والسادة .. ماذا سنقول لحمادة؟

هذه التدوينة أدين بفكرتها لهشام الذي رد رداً في غاية الذكاء في تدوينة سابقة.. وطرح أموراً تستأهل النقاش.. أريد أن أفكر معكم فيها كالعادة بصوت عال..

حمادة هنا هو أي حمادة .. لقب يطلق هذه الأيام على أي طفل صغير بما أن اسم "محمد" أو "أحمد" الأكثر شيوعاً بين صبيتنا ، ودلعهما "حمادة".. لنفترض هنا أنه ابنك مثلاً .. وأنت جالس معه في جلسة مصارحة

يا حمادة خليك طيب ومؤدب وكويس .. اسمع كلام بابا وماما واحترمهم.. احترم الكبير واعطف على الصغير..عامل الناس كلهم كويس وبأدب مهما كان دينهم أو لونهم أو غناهم أو فقرهم.. ذاكر (من غير صم من اللي علمهولنا وزير التعليم الأسبق) بفهم علشان تنجح وتنفع نفسك.. اهتم بدينك وبدنياك.. طور فيها .. استعمل عقلك اللي ربنا وهبهولك صح وفي الخير .. اتقن عملك وماتكروتهوش .. الخ..

يأمرنا الدين بذلك كله.. الدين عقيدة وعبادة وعمل (معاملات) ..لماذا لم نصارح حمادة بتلك الحقيقة البسيطة؟ أو (لو حمادة أكبر سنة صغيرين) بإن الدين دافع قوي للإنسان إنه يبقى أفضل وبالتالي للمجموع(وأرجو ألا يفهم كلامي أنه ترويج لشعارات صناع الحياة ولا لغيرها "بما أن تجربتي المتواضعة علمتني أن سوء الفهم كيف بشري")؟ لماذا لا يصبح ذلك جزءاً من خطاب المؤسسة الدينية الرسمية مثلاً (بما أن المؤسسة غير الرسمية تهمها أمور أخرى كالأولياء وفتاوى البوكيمون والوصول للسلطة ومقاطعة الغرب الكافر)؟

إذا فعلنا ذلك في بيوتنا و/أو فعلت المؤسسة الدينية الرسمية (ولا أقول شيوخ الفضائيات) لعلا الصراخ والاتهام بمحاولة تديين المجتمع ، رغم أن الدين مكون محوري للسلوك والثقافة ، ولو لم يفعل ذلك أحد لقيل : مش بتقولوا الدين ومش الدين ، وفيه نصوص بتعلمنا إن الدين المعاملة .. مبتقولوهاش للناس ليه؟

حلوها معايا.. قبل ما يحتار حمادة .. وكل حمادة!

Friday, May 26, 2006

خميس وجمعة.. وزقزوق!

سواء في طفولتي المرحة المليئة بالتجارب والمغامرات ، أو في تجربة الاغتراب وأيامها حالكة السواد ، كان يوما الخميس والجمعة دلوعتي أيام الأسبوع في عيون العبد لله.. ولي في اليومين ذكريات وتجارب ومشاهدات تستأهل الكتابة ، خصوصاً ما يمكن تبويبه ضمن مواضيع "الدين والديناميت"!..

نبتدي بالخميس..

الخميس هو كما تعلمون اليوم المفضل لعقد القران ، على الأقل في الأماكن التي زرتها وأقمتها وعشت وعملت فيها ، والمكان المفضل لعقد القران هذه الأيام هي المساجد ، ومنها طبعاً المساجد التي تخضع لسلطة وسلطان وسلطوت وزارة الأوقاف .. المساجد في إحدى المحافظات الساحلية مثلاً "مسلية" للغاية في فترة صلاة العشاء يوم الخميس .. والشيء الوحيد الذي لا تستطيع فعله في ذلك التوقيت هو دخول المسجد للصلاة!

أنت محظوظ عندما تدخل المسجد قبل صلاة العشاء بفترة .. ولحسن الحظ فإن الأمور منضبطة في بعض المساجد التي دخلتها في ذلك التوقيت .. وإن كانت الضوضاء حاضرة بمعدلات أقل.. وتبدأ الإثارة كلها بعد أن ينتهي الإمام من الركعة الأخيرة في صلاة العشاء..

وما أن تخرج حتى تفاجأ بالجيش العرمرم من أهالي العرائس والعرسان وقد احتلوا المدخل .. و"الفَسَحَة" المجاورة للمسجد أو الحديقة أو أيا ما كان .. وهات يا طبل وزمر .. وجايز تبقى فرصة لبعض المشجعين الكرويين "للبعبرة" عن "مكامين نفسياتهم" تجاه فريقهم المفضل والفريق المنافس المكروه!

المفترض أن هناك منشورات وكتب دورية -يطلق على الأوامر التي تصدر كتابة من الوزارة وترسل إلى وكالات الوزارة في المحافظات ما يسمى بالكتاب الدوري وصححوني إن أخطأت -تنظم عقد القران داخل المساجد بشكل يحافظ على هيبتها دون أن تحولها إلى سيرك .. فضلاً عن ذلك يفترض أن يكون هناك نوع من التوعية يوجهه خطباء وأئمة المساجد في خطب الجمعة للسلوك العام داخل المسجد سواء عند عقد القران أو غيره..

لكن ماذا عن خطبة الجمعة؟

هذا يدفعنا دفعاً للحديث عن خطبة الجمعة عموماً.. وبما أن سيادته مشغول في معركة توحيد الآذان (أم المعارك).. فلماذا لا يشغل نفسه بمعركة بحق وحقيق مع الذين حولوا خطبة الجمعة ، وهي جزء من شعيرة ، إلى شرائط تباع على الأرصفة ، حتى ولو تطلب ذلك تعذيب المصلين داخل المسجد في قيظ يولية وأغسطس؟.. ألم يفكر سيادته في محتوى خطب الجمعة نفسه؟ بما أنه وغيره فيما يبدو يرون من الشطارة أن يعزل وأن ينعزل الخطيب في خطبته عن واقع المسلمين وعن حياتهم.. وألا تتضمن أي جوانب سلوكية إلا فيما ندر ورحم ربي؟.. ماذا عن خطبة الجمعة المذاعة نفسها التي وصلت لمدى في مولد الإمام عبد الحليم محمود لسرد ما نسب إليه من كرامات وخوارق ، حتى أكثر ربما من سرد مواقفه ومناقبه كعالم جليل تولى مشيخة الجامع الأزهر يوماً ما؟ هل الخوارق والكرامات وقصص الزهد وسب الدنيا ولعنها لها علاقة بتجديد الخطاب الديني ؟

كل مشكلة الوزير هي الآذان ، والآذان فقط ، صحيح أن هناك أصواتاً سيئة تؤذن وتنطق خطأً.. لكن ما هو المطلوب في الآذان مثلاً؟ هل أن يغنيه المؤذن ، كما يغني مشاري ورفاقه القرآن الكريم (خاصة آيات الوعيد والعذاب) ، وكما تغنى الأدعية في صلوات التراويح في رمضان؟ .. وما هو الشكل العام للآذان القادم الموحد؟ هل سيستعين بعلي الحجار ، أو بعمرو دياب ، أو بسي دي لمؤذن صيني، بما أن الصين هي التقليعة الجديدة في بلاد الفراعين؟..ولو مؤذن المسجد القريب من بيتي جيد الصوت ومخارج الألفاظ ، هل يجب إعدامه كما تعدم كل الطيور المشتبه بإصابتها بأنفلونزا الطيور؟

الحل سهل : مسابقة بسيطة للمؤذنين ، بما أن هناك إكليشيه معلق في كل مسجد تابع للوزارة بأنه لا يؤذن إلا العامل المصرح له بالآذان..مسابقة لا واسطة بها كمسابقات المطربين المعتمدين في الراديو يوماً ما..وإن ظهر صوت بشع على الميكروفونات إذن لا تلومن إلا الواسطة..وهناك الحل الأبسط .. الاعتماد على الراديو.. وكل المساجد في الأحوال العادية تفتح الراديو وتذيع عبر ميكروفوناتها تلاوة القرآن الكريم التي تسبق آذان الظهر يوم الجمعة أو صلاة المغرب في كل يوم في رمضان أو حتى آذان الفجر.. القصة لا تستأهل كل هذه المعارك على صفحات الجرائد ، والحملات على صفحات روزا اليوسف وأخواتها..لكن ماذا تقول للشو ، وحب الشو .. والفرحة بمنظر رصة الكتب والطلات في المؤتمرات والندوات والتحقيقات الصحفية؟

وكم ذا بمصر من مضحكات.. ولكني لم أسمع عن مصري مات ضحكاً!

مادة مرفقة :

Sunday, May 21, 2006

مولانا الديجيتال!

-في السعودية يتحدثون عن خطبة الجمعة الديجيتال ، وما أن أفتى أحد رجال الدين هناك بتحريم إلقاء خطبة الجمعة نقلاً عن اللابتوب (كما نقلت بعض وسائل الإعلام) حتى قامت الدنيا هنا ولم تقعد ..وربما كان لي رأي مؤيد لمنتقدي تلك الفتوى حتى قرأت ، بإمعان شديد ، التحقيق الذي أعده موقع عشرينات عن الموضوع من قلب الواقعة سالفة الذكر، وليس من العيب أن أغير رأيي طالما قناعتي الفكرية تغيرت نحو هذه المسألة..

بالمناسبة ، ملف عشرينات لم يتضمن فتوى بالمعنى المذكور في الخبر الشائع ، لكن لنفرض وهذا غير مستبعد أن أحد رجال الدين في السعودية أو خارجها قد أفتى بتحريم استخدام اللابتوب في خطب الجمعة تحريماً قطعياً ، وقامت عليه الدنيا كما قامت على الخبر..

أنا ضد أي فتوى ترفض التكنولوجيا من الباب للطاق ، لكن في المقابل أرى أن تلك الحملة الرافضة للفتوى (وأنا ضد الفتوى نفسها من حيث هي) أقرب إلى الهتاف منها إلى وجهة النظر..المبنية على قناعة وبراهين ومنطق ..

هناك خطآن لابد أن نعترف بهما في تناولنا لمثل تلك المسائل ، الأول هو أن كل شيء إما حلال مطلق وإما حرام مطلق ، وما ليس حراماً فهو حلال وما ليس حلالاً فهو حرام.. الحلال والحرام هما طرفا مسطرة بينهما أمور كثيرة .. والثاني هو أننا نعطي للفتوى وهي رأي فقهي غير ملزم في حد ذاتها أكبر من حقها ، فلدينا فتاوى في كل كل شيء .. ومن المخزي أنه حتى التصويت في الانتخابات من عدمه أصبح بفتوى كما حدث بكل أسف في مصر والعراق..

أنا لا أسأل في هذه الحالة هل استخدام اللابتوب حلال أم حرام في خطبة الجمعة.. اللابتوب هو تكنولوجيا .. والتكنولوجيا مستجد .. والمستجد يجب أن تكون له ضرورة وإلا صار ضرباً من ضروب العبث.. أنا أرتدي ساعة يد في يدي اليسرى لضرورة أنني أريد معرفة الوقت ولا أرتديها عياقة أو كبديل للأنسيال مثلاً!..

إحساسي الشخصي كمسلم عادي لا يملك المعرفة الفقهية الجبارة التي يمتلكها المشايخ ومن يسمون أنفسهم بالمفكرين الإسلاميين أنه لا شيء فقهياً على أي خطيب يستعمل اللابتوب ، لكني أرى أن استخدام اللابتوب في الخطابة "مالوش لازمة" ولا توجد ضرورة حقيقية تستدعيه حتى اللحظة..

في عهد النبوة لم تكن هناك قواعد وأصول للخطابة كممارسة ، لكنها استجدت ، وفرضت الحاجة نفسها في ظروف معينة لإعمال تلك الأصول .. وبقيت على هذا الحال.. استجد الميكروفون .. وفرضت الحاجة نفسها بازدحام المساجد وزيادة عدد المصلين .. وأصبح الميكروفون بديهياً .. لكن الجديد أنه استجدت تكنولوجيا لم تظهر بعد الحاجة لها ، فعليها أن تنتظر على الرف إلى أن تفرضها الحاجة ، وحين تفرضها الحاجة لن نحتاج لفتوى تقرها أو لا تقرها طالما أنها ليست في معصية ولا تخالف نصاً صريحاً ثابت القطعية ..وعليه أنا مع الخطيب الآلي الديجيتال- وليس النقل من اللابتوب- طالما كانت وراء استخدامه ضرورة ملحة..

ليس كل من انتقد منتقدي الفتوى مع الفتوى وأصحابها إذن.. مرة أخرى : الحلال والحرام يحددهما الشرع ، أما الصواب والخطأ والمناسب وغير المناسب فنحددها جميعاً نحن ، وعليه فأتمنى ببساطة شديدة من منتقدي الفتوى تلك بمجرد النظر ألا يقعوا في خطأ صاحبها ، وأن يعرضوا المسألة على العقل أولاً..وإذا كان أصحاب الفتاوى البوكيمونية لا يجيدون التعامل مع المستجد ، فعلينا أن نعمل عقولنا .. دون أن "نعمل عقلنا بعقلهم"!

مادة مرفقة:

Thursday, May 18, 2006

سياسة ؟ أستغفر الله!

الجماعات التي تحترف السياسة باسم الدين وعرفنا ديتها (بعيداً عن بقية المثل) ، ولنا تحفظاتنا عليها وآراؤنا فيها .. لكن ماذا عن أصحاب المذاهب الإسلامية بالمعنى الذي سبق شرحه، والتي تعد أقطابها ومشايخها ورؤساءها بمثابة "رجال دين" لا يصح نقدهم ويعد انتقادهم - في عرف هووليجانز تلك المذاهب - جريمة لا يمحوها إلا الدم؟

سأعرض هنا حالتين فقط ، الحالة السلفية والحالة الصوفية في مصر ، أما الحالة الطهرانية الشيعية فيحسب لها - رغم أنني ضدها على طول الخط - أنها على موقف واضح وغير منافق من ممارسة السياسة ، حتى ولو خلطتها بالدين بشكل ممجوج..

السلفيون أصحاب التوجه المتشدد كانوا على صلة فكرية بالجماعات المتطرفة التي نشطت خلال العقود الثلاثة الأخيرة في المحروسة ، ومن الفكر السلفي تفرعت اتجاهات وصلت لتكفير الحاكم والدعوة للخروج عليه وتكفير المجتمع بالمرة (وإن كان السلفيون ليسوا المكفراتية الأوحدين.. انظروا لحركة الأحباش في لبنان مثلاً)..

وهووب.. تغير الموقف الآن ، والعهدة على جريدة المصريون الإلكترونية ، صار السلفيون ينظرون للحاكم على أنه ولي الأمر الذي لا تجوز معصيته ولا الخروج عليه بأي شكل من الأشكال حتى ولو كان ظالماً..بل إنهم يؤمنون أنه من السياسة ترك السياسة!

الآخرون - الاتجاه الصوفي - يمارسون نفس اللعبة ، فهم دائماً ما يقولون أنهم لا يمارسون السياسة والعياذ بالله ، في الوقت الذي أطلقوا فيه "البيعة" للرئيس ، كما فعل المذكورون عاليه (وإن كان بعضهم لا يزال ينفي).. ولاحظوا اختيارهم لمصطلح "البيعة" أو "المبايعة" في وقت أصبح فيه المعيار بمقتضى تعديل المادة السادسة والسبعين من الدستور المصري هو الانتخاب.. ومن الواضح طبعاً أنهم يلعبون على المعنى الذي تكون على مر التاريخ الإسلامي لكلمات "البيعة" و "ولي الأمر" الذي تشكل منذ ما قبل الحقبة الأموية.. حسناً .. بمقتضى المادة السادسة والسبعين يا حلوين فإنه من حق أي مواطن مصري أن يرشح أي شخص غير ولي الأمر دون أن يعاقبه على ذلك ولي الأمر ، فضلاً عن ذلك ، ماذا لو تنحى ولي الأمر (وهو ما لم يحدث تقريباً في الوقت الذي كانت البيعة هي النظام الوحيد لاختيار ولي الأمر).. حتبايعوا مين؟

كلمة بيعة - وصححوني إن أخطأت - تحمل في معناها الموروث نوعاً من أنواع الإلزامية (حتبايع ولا مش حتبايع لا قدر الله).. أما الانتخاب فأمامك أن تصوت لـ (س) أو (ص) ، أو (ع) ، أو لا تصوت أصلاً..استخدام البيعة في زمن الانتخاب ما هو إلا محاولة من المبايعين للاستثمار السياسي وتسويق الذات ، وهذا لا يليق بمن يقولون أنهم أصحاب مذهب ديني (أو من يقولون أنهم الدين)..

لم يطالب أحد السلفيين بالقتال ضد الحاكم ، ولم يطالبهم أحد في المقابل بالتطبيل له ، في رأيي على الأقل كلا الأمرين خطأ ، ومن العيب على الصوفيين ممثلي الإسلام المعتدل كما يزعمون أن يحاولوا خداعنا بقولهم أنهم لا يفعلون الشيء وهم يفعلوه.. وبرأيي أن كلا الاتجاهين كشف نفسه تماماً ، فما يفعلون ، وكثير مما يفعلون ، يندرج في نهاية الأمر تحت بند عبارة عائلة ريا وسكينة "ما لناش في الخبص".. وعليه إن أراد هؤلاء لعب دور حقيقي في مجتمعاتهم أن يراجعوا أفكارهم ، ويركزوا على بناء "الفرد" (بما أن بناء الفرد المسلم الملتزم بدينه هو أحد ما يزعمون وغيرهم أنه أولويتهم).. وإذا كانت السياسة هي فن حماية المصالح .. فإن من مصلحتنا أن يبتعدوا عن المعترك السياسي ، بمعنى أدق : من السياسة "لنا" تركـ(هم) السياسة!..

لمزيد من التفاصيل:
-راجع عدد "الدستور" القاهرية 17/5/2006
-
أخطار توظيف الدين في عملية التغيير السياسي/ وحيد عبد المجيد -الحياة اللندنية

تصحيح واستدراك واجب:
مقولة "رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأيك صواب يحتمل الخطأ" تنسب للإمام الشافعي وليس للإمام أبي حنيفة ، وأشكر الأنونوميوس الذي صحح لي تلك المعلومة المغلوطة ، وإن كنت أختلف معه في شيء ، حين قال أن "الكل يعرف ذلك".. في حين أن الكل لا يعرف ذلك..فإسناد هذا القول للإمام أبي حنيفة يعد في مصاف "الخطأ الشائع".. ومصادر أخطائنا الشائعة كثيرة خاصة في زمن صارت فيه الغالبية العظمى منا بعيدة تماماً عن الكتب والمراجع ، الأمر الذي يجعلنا نسلم ذقوننا -الحليقة وغير الحليقة- للخطباء غير المؤهلين ولمشايخ الفضائيات وضقاترة الأزهر وغيرهم..وعن دول ودوكهمة الكلام جاي بإذن الله .. ما تستعجلش!

Friday, May 12, 2006

حلالاً زلالاً!

لا أحب الكتابة بالألغاز والفوازير ، لكني ألجأ في هذه التدوينة لذلك الأسلوب لأن الأسماء معروفة جداً جداً .. ولن يفيد ذكرها شيئاً..

شركة لمطاعم الوجبات السريعة ، وهي بالمناسبة شركة أمريكية تعمل في مصر ، كانت تلك الشركة تتصدر قوائم المقاطعة التي كلنا نعرف تايوانيتها ، ونعرف كلنا البيزنس الدعائي الذي صنعه التيار الديني (الإخوان والصوفيون والسلفيون) والتيار القومي والناصري من تحت رأس المقاطعة .. الأمر الذي وصل لتعيين حراسة أمنية مشددة حول محالها بالقاهرة والمحافظات في الفترات الذي يصل فيها التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ذروته..وخسرت الشركة الكثير والكثير من جراء تلك الحملات وصداها وسط الشباب المتحمس الجلد والسقط .. لكن ليس للدرجة التي تدفع تلك الشركة لحزم حقائبها والرحيل من المحروسة..الشركة ، وهي معروفة بسمعتها السيئة في مجال "الفراخ" تعرضت لهزة أعنف من جراء أنفلونزا الطيور.. والتي نعرف ما الذي فعلته ببائعي ، وآكلي الدواجن من كل صنف ولون..
ولأنه من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم ، ولأن الفهلوة هي اللغة الرسمية في بلاد العجائب ، فقد تفتق ذهن الشركة عن حيلة جهنمية .. وهي الإشارة بأن منتجات الدجاج التي تقدمها في مطاعمها "حلال" مذبوحة على الطريقة الإسلامية!.. صحيح أن الكلام مشكوك في صحته لأن ما يدور في أوساط المتعاملين مع تلك المطاعم يؤكد أن تلك الشركة تصعق الدجاج قبل أن تذبحه .. لكن ليس هذا ما يهمنا ..
ضعوا خطاً نحو طريقة استعمال الدين كعامل جذب تسويقي ، وهو ما لم يحدث في الفترات التي تعرضت فيها الشركة وغيرها لحملات أشد داخل الشارع المصري..
الشركة نجحت برأيي وبامتياز في أن تخاطب المجتمع المحيط بنفس اللغة التي يتقنها ويجيدها ، في الوقت الذي حصل فيه الإخوان على ثمانية وثمانين مقعداً في البرلمان في عين العدو ، وأصبح الصوفيون يمارسون السياسة رغم أن شيخ مشايخهم ينفي باستمرار ، وقد يكونون ورقة الحكومة في مواجهة الإخوان ، أما السلفيون فعينهم على السياسة أيضاً ، فضلاً عن حزب الوسط الجديد شبه الديني ، بل إن روزا اليوسف نشرت كلاماً عن نية الشيعة عمل حزب سياسي ، وهو ما نفاه محمد الدريني أحد أكبر الشخصيات الشيعية المصرية.. في بيئة فيها كل هؤلاء ، بأساليبهم التهييجية ، وبلجوئهم الدائم للشارع بمناسبة ومن غير مناسبة .. كان يجب مخاطبتهم باللغة التي تحقق المصالح وترضي جميع الأطراف.. ولا مانع من تقديم "تنازلات" تجعل الشعب المصري يقتنع بأن دجاجنا حلال زلال .. طالما أن هذا يجعلنا "في السليم" على المدى البعيد ..
كوكوكووووووكوووووو!

بلد تماثيل صحيح!

شر البلية ما يضحك ، وكلما كانت البلية أكثر شراً كلما حصلت على ضحك أكثر في نهاية المطاف ، وهذا ما يفسر بقاء الشعب المصري قادراً على الضحك حتى الآن .. ما هو من اللي بيشوفه..

هناك قصتان ظريفتان جداً أبطالهما تماثيل ، القصة الكوميدية الأولى بطلها تمثال الملك فؤاد في بورفؤاد - هذا الحي الجميل الوادع في بورسعيد.. حيث قررت المحافظة ذات يوم في العام 2002 نصب تمثال للملك فؤاد في ساحة الميدان الرئيسي بالحي ، وهنا قامت قائمة الناصريين ولم تقعد ، مطالبين بأحد العبارات ، وفي حملة كانت جريدة الأسبوع طرفاً فيها ، وانتهى الأمر ببساطة شديدة بنزع التمثال بعد أن بقي لمدة لا تزيد على اليومين على قاعدته.. والطريف أن أهل بورفؤاد الرافضين للحملة الإعلامية الناصرية قد أطلقوا تعبيراً ساخراً جداً على مبرر نزع التمثال : أصله يندرج تحت بند "الأصنام"!.. خاصة وأن التمثال على غير مبعدة من أحد المساجد الكبيرة في الحي..

من أطلق هذا التعليق أطلقه بسلامة نية شديدة ، ولم يكن يعلم أن الجدل حول التماثيل والأصنام سيثور إلى هذه الدرجة..

وهنا تأتي المسخرة الثانية..

في مجلة التصوف الإسلامي عدد ربيع الآخر ، والذي أنا محظوظ بوجوده على النت ، نرى موقفاً غريب الشكل من المسألة التمثالية ، ففي الوقت الذي يؤكد فيه
شيخ المشايخ على عدم حرمة التماثيل ، مظنة أنها قد تُعبَد.. نرى تحقيقاً صحفياً في قلب المجلة يصف الانتقادات الموجهة إلى فضيلة المفتي بشأن الفتوى ، أو بشأن نقله للفتوى القديمة على أنها "هجمة علمانية".. العلمانية هذه الأيام صارت شتيمة واحنا مش عارفين.. وليتهم يحاولوا معرفة معنى الشيء قبل ممارسة السب أصلاً!

أعرف أن البعض قد يقول أن التحقيق الصحفي مجرد تحقيق ، لكننا عندما نتحدث عن صحيفة أو مجلة أيديولوجية تصدر من حزب أو جماعة ، فإن كل ما في الجريدة أو المجلة يمثل الخط الفكري لمن وراء الجريدة أو المجلة..ولو قيل أن ذلك الاختلاف هو دليل على الديمقراطية ، فإن الكل يعلم أن هامش الديمقراطية سواء داخل الطرق الصوفية أو جماعة الإخوان المحظوظة (المحظورة سابقاً( ليس على الوسع المطلوب!..وربما كان هذا التناقض رداً لجميل فضيلة المفتي على تصريحه الذي هاجم فيه معارضي الفكر الصوفي ووصفهم فيه بالمنافقين كما نشرت المصري اليوم!
صحيح أن كلا من المفتي والصحفيين جانبهما الصواب تماماً في تلك القضية برأيي الشخصي المتواضع ، ولكن ما حدث ليس في الواقعة الثانية فقط بل في الأولى أيضاً يثبت أننا عشاق للشكليات بكل أشكالها بشكل غريب الشكل.. فلا تمثال الملك فؤاد إهدار للوطنية المصرية ، ولا فتاوى التماثيل تستحق كل هذه الضجة العنيفة خاصة وأنه يبدو أن فضيلة المفتي قد اكتشفها فجأة ، ولا أي مذهب إسلامي صنم يصنف المختلفون معه على أنهم من عائلة البوبي!
ما حدث في الواقعتين يثبت أننا بلد لا يزال يعيش على أصنامه الفكرية ، ويتشطر على أصنامه المنحوتة.. بلد بتاعة تماثيل صحيح!

Friday, May 5, 2006

البهائية .. صفر

أكتب هذا المقال قبل أن يأتي صحفي ليحاور قائد البهائيين في مصر ، ويبدي إعجابه بتمسكه برأيه في مجتمع يكاد أن يكفره.. وأحب أن أذكر هذا الصحفي إن ظهر بأنه إذا كان هؤلاء أحرار فيما يعملون ، فباقي المسلمين أحرار هم أيضاً في قبول أو رفض البهائيين..

لا يوجد لدى البهائية ولا البهائيين أي شيء يمكن أن تناقشه أو تتفق أو تختلف معهم فيه أو عليه .. على العكس من مذاهب واتجاهات دينية أخرى أياً كانت درجة شططها والجرائم التي ارتكبتها في حق المسلمين..

ورغم ذلك كله فإني أرفض التفسير السائد لظهور البهائية ، لأنه تفسير ساذج مبني على نظرية المؤامرة الاستعمارية الملوخية المهلبية ، وهي لا تصلح لتفسير هكذا أمور ، العبد لله يرى أن الطريقة التي ظهرت بها البهائية هي الامتداد الطبيعي للطريقة التي ظهرت بها المذاهب (الاتجاهات وليست المذاهب الفقهية) في الإسلام ...

وقد مرت تلك الطريقة بهذه المراحل كما أراها :

المرحلة الأولى : مرحلة الاختلاف في وجهات النظر : أن تختلف مجموعة ما مع المجموع ، وياخدوا كدة جنب ، وينزووا لواحدهم ، بس الخلاف ما وصلش لدرجة من الحدة تفصلهم تماماً عن المجموعة ..

المرحلة الثانية : المرحلة المميزة : اللي تتنقل فيه المجموعة من مجرد مجموعة لشلة منظمة ليها شخصيتها الفكرية المميزة ، برضه في إطار المجموع (باقي المسلمين في حالتنا دي)، وجوة الدين (يعني المجموعة تتفق مع باقي أتباع الدين على نفس المبادئ الأساسية)، شوية بشوية تبقى للمجموعة دي شكل تنظيمي ، ليها قيادة ، وليها قواعد للدخول والخروج .. وكلما كان الإطار دة أبعد عن ما يتفق عليه المجموع ، كلما كان أكثر تطرفاً ، كلما كان الدخول والخروج لـ و من المجموعة أصعب ، ودخل فيه عنصر القهر والقوة (فدخول الحمام غالباً مش زي خروجه).. حاجة كدة شبه الجماعات المتطرفة الكلاسيكية.. بس دة مش معناه إن الجماعات دي دخلت المرحلة الثالثة..
المرحلة الثالثة : مرحلة التصادم : اللي تتحول فيه المجموعة أو الشلة إلى مذهب ، ويصبح لها فقه كامل خاص بيها ، ويصبح لها تصور كامل للدين ، بل وقواعد اخترعوها للدخول والخروج من الدين ، التصور دة طبعاً بيصطدم مع تصور المجموع كله ، وممكن يكون من التطرف لدرجة ياخد باقي المنتمين للدين والرافضين للمجموعة موقف عدائي .. ودة يفسر بعض المشاكل اللي قابلها الصوفيين والشيعة ..بالمناسبة بتصبح المجموعة في الحالة دي أكثر تنظيماً ، وبيكون هيكلها الإداري نضج..
المرحلة الرابعة : مرحلة الاستقلال : اللي يصل فيها صدام تصور المجموعة أو المذهب للاستقلال التام عن باقي أتباع الدين ، يعني كدة تفتكس لها شبه دين ظريف كدة زي ما البهائيين عملوا..
مش شرط طبقاً للتصور اللي قلته إن المجموعة تمر بالمراحل كلها .. فمن الممكن إننا نلاقي المجموعات في المرحلة الثالثة أو الرابعة مباشرة ، قياساً على ظروف المجتمع ، قابليته للرأي الآخر ، والتجارب المشابهة داخل المجتمع..
وعليه .. ظهور البهائية عكس المرحلة السياسية والفكرية اللي صاحبتها.. في إطار الإضافات اللي بيضيفها كل صاحب مذهب أو اتجاه أو جماعة على الدين (راجع المقال السابق)..
زي ما قلت .. دة استنتاج ، ممكن تتفق فيه معايا أو تختلف معايا عليه..
عموماً .. البهائيين ، وغيرهم ، أحرار في أن يعبدوا كونفوشيوس وبوذا ، لكن بدون أن يستخدموا القرآن والسنة في التدليل على مذهبهم أو شبه الدين الذي يعتنقوه ، ولن يقبل أي مسلم في تقديري أن يستخدم شخص ما القرآن والسنة في اختراع دين آخر..
وتبقى الدعوة للحوار الحقيقي مع باقي الاتجاهات الدينية الأخرى سواء الشيعي أو الصوفي أو السلفي ، فهما كانت جرائم هؤلاء في حق المسلمين ، فإنها أقل من الجريمة الفكرية للبهوات البهائيين!

Wednesday, May 3, 2006

نحو إسلام خالي من الكوليسترول

أشعر كمواطن مسلم بأن الإسلام في حقيقته أبسط وأخف وزناً مما أصبح عليه ..

هذا الدين .. ببساطة .. هو ضحية للكثيرين من أصحاب المذاهب ، وأعني هنا الاتجاهات الدينية ، كل قد أضاف كوليستروله الخاص للدين ، بما يتسق مع مصالحه أو أهدافه ، سواء أكانت الزعامة الدينية ، أو الزعامة الدنيوية.. كل أضاف خزعبلاته التي صارت في عقولنا جزءاً من الدين بقوة الاستمرار .. وصار من يفكر فيها متهماً بأنه جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة..

أنصار كهنوت الدين يريدون مؤسسة دينية كهنوتية لا تسمح بالخلاف ولا بالنقاش ولا بالاجتهاد ،فكل فتوى يقولها مولانا أو سماحته أو الملا أو آية الله هي غير قابلة للنقاش ، حاجة كدة زي فواتير التليفونات (ادفع وبعدين اتظلم) ، بل ونجد بعضهم وبمصطلحات غريبة من عينة ولاية الفقيه يريدون استحداث دور سياسي لرجل الدين أو الفقيه لم يكن ليوجد أصلاً.. وهذا العبث الذي نراه في العراق الشقيق من تحت رأس أفكار هؤلاء..

أنصار فلسفة الدين حكايتهم حكاية ، فهم يريدون إغراق الممارسة الدينية بكاملها في سلسلة طويلة من التأملات الفلسفية ، كما لو كان الدين نظاماً يهدف لعزل المنتمين له عن العالم ، من بعضهم من يرى أن التصوف "فريضة" بل هو ركن من أركان الإسلام ، وأن النظرة السائدة له - وهي نظرة أغلب المسلمين - تنم عن عدم إدراك - بل لنقل جهل فاضح!..ويبدو أن صاحب تلك الوجهة الألمعية قد نسي أن مسألة أركان الإسلام محسومة منذ قرون وبنص صريح لا يحتمل التأويل!

أنصار تسييس الدين اعتبروا هم الآخرون الخلافة ركناً من أركان الإسلام ، ونسوا لا فضت أفواههم أن الإسلام لم يفترض نظاماً سياسياً بعينه لإدارة الدولة ، وأنه ترك المسألة تماماً للمسلمين كشأن دنيوي لاختيار من يحكمهم والطريقة التي يريدون تسيير بلدانهم بها، كما أن الإسلام ليس "وطنا" كما يدعي بعضهم ، وبعض أنصار الطرق الصوفية بالمناسبة ، بل هو دين لا يتعارض الانتماء له مع الانتماء الوطني.. تذكروا "ورضيت لكم الإسلام ديناً" في سورة المائدة..العباقرة نسوا في السكة أن مجتمع النبوة كان به غير مسلمين ، ولم نسمع عن فتن طائفية في عهد النبوة...

أما أنصار عسكرة الدين فقد لوثوه بالدم ، وبخطابهم المتطرف.. وهم يدورهم يقولون أن ذلك من صميم الدين!.. وإن استطعت النقاش معهم فسيقولون لك أن ما يفعلوه هو الجهاد .. ولن تعرف منهم في جمل مفيدة يسهل فهمها من يجاهد من وعلى أي أساس...ومافيش مانع من استخدام بعض الشعارات الرنانة من عينة "دولة إسلامية" ، "خلافة إسلامية" في مواجهة "الشيطان الأكبر" , والشيطان الأصغر ، والشيطان شاطر!

وكأن الدين ناقص كوليسترول ، حتى يضيف إليه البعض الكرامات والخرافات ، وبل وجعلوها هم الآخرين جزءاً من العقيدة يعتبر من يجحده ناقص الإيمان وربما كافراً.. ويقولون أن تلك من دلالات الصلاح ، رغم أننا لم نسمع عن قدرات خارقة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو الذي لرسول الله عليه الصلاة والسلام أحاديث عن مكانته وتقواه وصلاحه..
وفور مواجهة المذكورين بما سبق سيشير لك بعضهم ، أو كلهم ، بآيات قرآنية ، أو أحاديث نبوية يزعمون أنها تؤيد ما أضافوه من هراء لم يكسب منه المسلمون أي شيء .. بل خسر مليار مسلم من ورائه الجلد والسقط..

كل هذا الكوليسترول قدم صورة مترهلة ومشوهة للإسلام ، قدمه للمسلمين قبل الغرب على أنه دين خرافة معادي للعلم والدنيا يهدف لعزل أصحابه عن المشاركة في شئون دنياهم بل وعن مجرد التفكير فيها ، ولجعلهم -أي المسلمين - جماعة دموية لا تحترم ولا تعترف بأي آخر من أي نوع ولا تسعى للتعايش مع الغير أو التصالح مع الذات.. كل هذا الكوليسترول أضيف بدم بارد رغم أن الحدود بين الدين والدنيا واضحة في الإسلام ، رغم أنه من المرفوض أو الممجوج أن يضيف كل من هب ودب على الدين ما يشاء أموراً ليست فيه ويعدها فرائض وأركان .. الإسلام بالفطرة البسيطة ، كما أراه كمواطن مسلم بسيط ، دين خال من الكوليسترول ، والحوار الحقيقي ، وشجاعة الاعتراف بالخطأ من قبل أولئك وهؤلاء هي المقدمة ، فالدين الذي نتشنج به ليل نهار يحتاج منا تقديمه على مصالح زائفة اكتسبها البعض من الوزن الزائد الذي أضافه على الإسلام!