سواء في طفولتي المرحة المليئة بالتجارب والمغامرات ، أو في تجربة الاغتراب وأيامها حالكة السواد ، كان يوما الخميس والجمعة دلوعتي أيام الأسبوع في عيون العبد لله.. ولي في اليومين ذكريات وتجارب ومشاهدات تستأهل الكتابة ، خصوصاً ما يمكن تبويبه ضمن مواضيع "الدين والديناميت"!..
نبتدي بالخميس..
الخميس هو كما تعلمون اليوم المفضل لعقد القران ، على الأقل في الأماكن التي زرتها وأقمتها وعشت وعملت فيها ، والمكان المفضل لعقد القران هذه الأيام هي المساجد ، ومنها طبعاً المساجد التي تخضع لسلطة وسلطان وسلطوت وزارة الأوقاف .. المساجد في إحدى المحافظات الساحلية مثلاً "مسلية" للغاية في فترة صلاة العشاء يوم الخميس .. والشيء الوحيد الذي لا تستطيع فعله في ذلك التوقيت هو دخول المسجد للصلاة!
أنت محظوظ عندما تدخل المسجد قبل صلاة العشاء بفترة .. ولحسن الحظ فإن الأمور منضبطة في بعض المساجد التي دخلتها في ذلك التوقيت .. وإن كانت الضوضاء حاضرة بمعدلات أقل.. وتبدأ الإثارة كلها بعد أن ينتهي الإمام من الركعة الأخيرة في صلاة العشاء..
وما أن تخرج حتى تفاجأ بالجيش العرمرم من أهالي العرائس والعرسان وقد احتلوا المدخل .. و"الفَسَحَة" المجاورة للمسجد أو الحديقة أو أيا ما كان .. وهات يا طبل وزمر .. وجايز تبقى فرصة لبعض المشجعين الكرويين "للبعبرة" عن "مكامين نفسياتهم" تجاه فريقهم المفضل والفريق المنافس المكروه!
المفترض أن هناك منشورات وكتب دورية -يطلق على الأوامر التي تصدر كتابة من الوزارة وترسل إلى وكالات الوزارة في المحافظات ما يسمى بالكتاب الدوري وصححوني إن أخطأت -تنظم عقد القران داخل المساجد بشكل يحافظ على هيبتها دون أن تحولها إلى سيرك .. فضلاً عن ذلك يفترض أن يكون هناك نوع من التوعية يوجهه خطباء وأئمة المساجد في خطب الجمعة للسلوك العام داخل المسجد سواء عند عقد القران أو غيره..
لكن ماذا عن خطبة الجمعة؟
هذا يدفعنا دفعاً للحديث عن خطبة الجمعة عموماً.. وبما أن سيادته مشغول في معركة توحيد الآذان (أم المعارك).. فلماذا لا يشغل نفسه بمعركة بحق وحقيق مع الذين حولوا خطبة الجمعة ، وهي جزء من شعيرة ، إلى شرائط تباع على الأرصفة ، حتى ولو تطلب ذلك تعذيب المصلين داخل المسجد في قيظ يولية وأغسطس؟.. ألم يفكر سيادته في محتوى خطب الجمعة نفسه؟ بما أنه وغيره فيما يبدو يرون من الشطارة أن يعزل وأن ينعزل الخطيب في خطبته عن واقع المسلمين وعن حياتهم.. وألا تتضمن أي جوانب سلوكية إلا فيما ندر ورحم ربي؟.. ماذا عن خطبة الجمعة المذاعة نفسها التي وصلت لمدى في مولد الإمام عبد الحليم محمود لسرد ما نسب إليه من كرامات وخوارق ، حتى أكثر ربما من سرد مواقفه ومناقبه كعالم جليل تولى مشيخة الجامع الأزهر يوماً ما؟ هل الخوارق والكرامات وقصص الزهد وسب الدنيا ولعنها لها علاقة بتجديد الخطاب الديني ؟
كل مشكلة الوزير هي الآذان ، والآذان فقط ، صحيح أن هناك أصواتاً سيئة تؤذن وتنطق خطأً.. لكن ما هو المطلوب في الآذان مثلاً؟ هل أن يغنيه المؤذن ، كما يغني مشاري ورفاقه القرآن الكريم (خاصة آيات الوعيد والعذاب) ، وكما تغنى الأدعية في صلوات التراويح في رمضان؟ .. وما هو الشكل العام للآذان القادم الموحد؟ هل سيستعين بعلي الحجار ، أو بعمرو دياب ، أو بسي دي لمؤذن صيني، بما أن الصين هي التقليعة الجديدة في بلاد الفراعين؟..ولو مؤذن المسجد القريب من بيتي جيد الصوت ومخارج الألفاظ ، هل يجب إعدامه كما تعدم كل الطيور المشتبه بإصابتها بأنفلونزا الطيور؟
الحل سهل : مسابقة بسيطة للمؤذنين ، بما أن هناك إكليشيه معلق في كل مسجد تابع للوزارة بأنه لا يؤذن إلا العامل المصرح له بالآذان..مسابقة لا واسطة بها كمسابقات المطربين المعتمدين في الراديو يوماً ما..وإن ظهر صوت بشع على الميكروفونات إذن لا تلومن إلا الواسطة..وهناك الحل الأبسط .. الاعتماد على الراديو.. وكل المساجد في الأحوال العادية تفتح الراديو وتذيع عبر ميكروفوناتها تلاوة القرآن الكريم التي تسبق آذان الظهر يوم الجمعة أو صلاة المغرب في كل يوم في رمضان أو حتى آذان الفجر.. القصة لا تستأهل كل هذه المعارك على صفحات الجرائد ، والحملات على صفحات روزا اليوسف وأخواتها..لكن ماذا تقول للشو ، وحب الشو .. والفرحة بمنظر رصة الكتب والطلات في المؤتمرات والندوات والتحقيقات الصحفية؟
وكم ذا بمصر من مضحكات.. ولكني لم أسمع عن مصري مات ضحكاً!
مادة مرفقة :