Friday, July 6, 2012

معارك الهواء : يجعجعها "مبدعون" ويكسبها الإسلاميون

قبل أن يتضايق قرائي الليبراليون مما سأكتب ، فقط أطلب منهم بعض سعة الصدر التي أتوقعها عادةً من ليبراليين!

أغلب صناع الأعمال الفنية ينتمون لمدارس فكرية وسياسية لها تصورها بالتأكيد تجاه الدين ،والدولة ، والحريات ، وأشياء كثيرة ، وما يعد تابوهات ، بالنسبة للمجتمع ، لا يبدو كذلك بالنسبة لهم ، ويؤمن بعض هؤلاء ، وليس الكل ، بضرورة كسر تلك التابوهات ، من أجل مزيد من الحرية ، ومن أشهر تلك التابوهات بالتأكيد ما يمت بصلة للدين والسياسة..

ومن أغلب هذا الأغلب مؤدلجون ، نموذج "الفنان الناشط" ، ومن هؤلاء والحمد لله من لا يعرف الفرق بين الفيلم والمنشور ، والمسلسل والمانفيستو ، لديه الفن وسيلة ليس لتوصيل وجهة نظر (لإنه لو حب يوصل وجهة نظره كفنان حيوصلها بطريقة فنية محترمة) قد ما هو لـ"النضال" ، ويعيش بعضهم هذا الدور أفضل من أقوى ممثل عندما يتقمص دوراً ، ولكي تصبح مناضلاً أكثر يجب أن تدخل في معارك ، إن لم توجد تلك المعارك في الحقيقة ، افتعلها أنت.. ومن هذا النوع من دخل معارك لا معنى لها ، ولا قيمة لها ، مع النظم السياسية (التي لم ينتقدها بشكل يحترم العقل وإنما بالصراخ والعويل) ، ومع المؤسسات الدينية (التي فيها من يتفهم الفن وفيهم من لم يتفهمه) ، ومع الشارع (الذي يراه هذا النوع من الفنانين جاهل ومتخلف وكذا وكذا).. ويخرج هؤلاء من معاركهم مصحوبين باستهزاء المجتمع الذي يفترض أن يوجه له هؤلاء "أفكارهم" بدلاً من أن يكسبوه إلى صفهم..

في كل يوم يظهر ألف فيلم ، يختار له صناعه ألف اسم ، بلا مشاكل حقيقية أو مفتعلة ، لكن "خالد يوسف" مثلاً كان له رأي آخر عندما أراد افتعال مشكلة لذيذة مع الرقابة والأزهر عندما أطلق اسم "خيانة شرعية" على فيلمه "خيانة مشروعة" ، وما أن بدأ الاعتراض حتى بدأ هو في الصراخ محتجاً على الحملة العنيفة ضد حرية الفكر وحرية الرأي وحرية الفن وحرية الحرية ، رغم أن الاسم الذي اختاره هو أبعد عن فكرة الفيلم الذي شاهدته وكتبت عنه في حينه في المدونة الشقيقة "فرجة" قبل خمس سنوات ، مع تسليمي بأنه "حر" في أن يفعل ما يشاء ، لماذا افتعل هذا الحوار الفاكس؟ ليلفت النظر إلى فيلم شاهده الملايين في السينمات ثم تهكموا عليه عندما عرض في الفضائيات ، ومنهم من لم ينتظر عرض الفيلم في الفضائيات لكي يتهكم عليه وعلى صانعه!

ويمكنك أن تتساءل كيف شئت عن مستوى موهبة فنانين لا يعرفون إلا المباشرة ، والمبالغة الشديدة في المباشرة ، آل يعني بيعمل shock... في حين أن الغرض الحقيقي ليس إنارة المجتمع أو تنبيه المجتمع كما يظن ويدعي ، أبداً ، بل الغرض هو عمل شو سياسي وديني ، وخصوصاً الشو الديني ، الذي يخرج من بعده الفنان أو المخرج مقروفاً من الجمهور الذي "لم" يستطع استيعاب شطحاته وحبشتكاناته ، رغم أنه كان الممكن - لو كان موهوباً والعياذ بالله - أن يكسبه إلى صفه إن قام بما يريده بشكل "فني" و غير مباشر يعتمد على كل تقنيات الفن ، بما أنه لم ينبهه أحد إلى الفرق بين القصة بطابعها الفني والأدبي و"الحدوتة" التي نحكيها لبعضنا البعض على القهوة ، وبين الشعر والكلام العادي ، وبالتالي كام مشهد من إياهم بلا ضرورة ولا هدف ولا لزوم ولا داعي ، يتفرغ بعدها للصراخ والعويل و("ظلموني .. جرحوني...الخ" مع الاعتذار لـ"حكيم") ، ولنا في "إيناس الدغيدي" ما يملأ مجلداً ويخرج في إطار رؤيته بشكل موضوعي عن نطاق هذه المدونة..

والمستفيد الوحيد معروف طبعاً : الإسلاميون..

1-حصلوا على فرصة من ذهب ليثبتوا فيها أنهم حماة حمى القيم في المجتمعات كلها ، هم لا يفعلون شيئاً أكثر مما يردده الجمهور المحافظ وكاتب العمود المحافظ ، بل إن واقعة تبعد بعض الشيء عن منطق هذه التدوينة هي مطالبة حزب "النور" بمنع عرض "مدرسة المشاغبين" كان لها علاقة بتراكمات كبيرة من كتابات كتبة الأعمدة في الصحف القومية المناهضة للمسرحية والتي تعتبرها كذا وكذا وكذا ، والشيء نفسه مع "تهامي ووديع" رغم مرور ثلاث سنوات على عرض دعاياتهم على فترات ، وسيكتسب الموضوع قبوله عندما يدخل "بتوع ربنا" على الخط في مواجهة أي عمل فني..

2-استثمر هؤلاء جيداً جداً في صورة موجودة في الوسط الفني تربط ما بين الاشتغال في الفن والانحلال ، مع تسليمي أيضاً بأن في كل وسط يوجد الصالح والطالح ، ومعها استطاعوا اكتساب أرض فيما يتعلق بالفنون ، ومعظمهم ينظر للفن في ذاته بكل اشمئزاز واحتقار إن لم يكن يحرمه تماماً ، والناس معهم ، ليس فقط لأن الإسلاميين يتحدثون بلغة الدين (حتى لو حوَّروا تلك اللغة بما يناسب مصالحهم في أحيان كثيرة جداً جداً جداً) ، بل لأنهم أيضاً يخاطبون مجتمعاً له ، وهذا حقه ، سقفه فيما يتعلق بالشعرة ما بين الحرية والانحلال..

3- بالمرة ، بعد أن كسب الإسلاميون المجتمع في صفهم ، قرروا تصفية حساباتهم مع فنانين دخلوا المواجهة ضدهم ، وبصراحة ، لم تكن تلك المواجهة كلها على فكر أو اعتقاد أو تصور ، بالعكس ، كان منها جزء كبير له علاقة بالصدام بين النظام المباركي والإسلاميين ، من رفع منهم السلاح ومن لم يرفع ، بدليل أن مواقف بعض "الصنف إياه" من بعض هؤلاء تغيرت بعد سقوط "مبارك".. ولو لم يشكل الإسلاميين عنصر ضغط ، حتى ولو لم يكن بَنَّاءًا ، على النظام المباركي ، لما أصبح هؤلاء مادة للحرب الإعلامية والفنية - من جانب واحد - ضد الإسلاميين..

وخير دليل طبعاً ما حدث مع "عادل إمام" .. لم يسأل أحد نفسه : لماذا يقوم هؤلاء بحملة على أفلام "عادل إمام" رغم أنهم لا يشاهدونها بحجة أنها حرام؟ ولماذا يقومون بحملة على ممثل هو في النهاية موظف متعاقد مع منتج الفيلم ، لو لم يقم بهذا الدور ، لقام به غيره؟!

4-في أحيان كثيرة يكون التطرف رد فعل لتطرف ، من بعض كتاب السيناريو والمخرجين من تطرفوا مثلاً في مسألة ظهور الأنبياء على الشاشة ، التي يرفضها المجتمع وليس رجال الدين بالمرة جملةً وتفصيلاً ، عندما تتطرف فتستفز المعتدل المسالم ، من المؤكد أنه سيخرج لك المتطرف العدائي ، ليكسب المعتدل المسالم إلى صفه..

تلك المعارك التي يقوم بها بعض المنتسبين إلى الفن ، وأساءوا له ، هي معارك هواء ، شيء من لا شيء ، لا تبنى في الغالب على إيمان حقيقي بمبدأ حتى ولو كان قائماً على عدم وجود سقف لحرية التعبير ، بل على حب للظهور مختلط باصطناع دور الضحية واستدرار التعاطف ، مع قليل من الغباء الذي يزيد من سعار التطرف في حياتنا ، سواء أكان سياسياً أو ذا طابع ديني.. قيل لي في بداية حياتي العملية "أخذ الحق صنعة".. وهم لا يجيدون ما يعتبروها صنعتهم!

وعلى كلٍ، سيأتي الكلام بإذن الله لاحقاً على معركة هواء أخرى.. مثيرة للسخرية أكثر من أي شيء آخر!

No comments: