Saturday, April 16, 2011

دعاية مجانية للعالمانية!

ما قدمه "الإخوان" في مؤتمر أول من أمس من مصطلحات "غريبة" من عينة "امتلاك الأرض"و "صبغ الشعب المصري بصبغة الإسلام" ،والكلام عن "تطبيق الحدود" في الوقت الذي تواجه فيه تلك المسألة صعوبات قانونية وعملية ضخمة .. مضافاً إليه تراجعهم الفجائي عن كل تصريحاتهم السابقة عن "تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية" و"السعي للحكم" و..و...

ما قدمه من يطلقون على أنفسهم "شباب الأزهر" أمس في محاولة لدعم "تصويف الأزهر" ، تحت زعم "استقلال الأزهر سياسياً وإدارياً"- مطلب حق يراد به شيء آخر ، يستقل الأزهر طبقاً لهم سياسياً وإدارياً ولا يستقل ثقافياً وفكرياً ، أن تنتقل تبعيته من قصر الرئاسة في "عابدين" إلى مشيخة الطرق في "الدراسة"- وأهي جنبهم وأقرب- وتحويل منصب "شيخ الأزهر" -الصوفي بالمناسبة- إلى مرجعية دينية ومتحدث باسم الإسلام ، على سبيل الإرهاب الفكري لكل من تسول له نفسه انتقاد المؤسسة أو الخط الفكري ، وما فُعِلَ مع هادمي الأضرحة- مع إدانتي ورفضي لما فعلوا- قد يتكرر مع من يختلف في وجهة النظر..ولا يوجد حالياً ما هو أسهل عند الجميع ،وبخاصة "المعتدلين" من إطلاق وصف "خارج عن الإسلام" و"عدو الله" على اللي رايح واللي جاي..

ما فعله الصوفيون والسلفيون أنفسهم ،من تكوين أحزاب سياسية ،وهم الذين دائماً ما يؤكدون للناس أنهم لا يمارسون- أستغفر الله العظيم- السياسة ، عشرة أحزاب للسلفيين بعد الثورة ، وحزب لـ"العزميين" وآخر "للرفاعيين" في المقابل ، وينتظرون منا أن نصدقهم ، خاصةً عندما يقولون أن أحزابهم ليست سياسية ، وأن لديهم برامج ، وأن لديهم مشروعاً على غرار حزب "العدالة والتنمية" في "تركيا"!

كل ما سبق ،وغيره ، أفضل دعاية يمكن للعالمانية أن تحلم بها، كل ما سبق وغيره كافٍ لخلق حساسية شديدة لدى الناس من اقتراب الدين من السياسة ، بأي شكل وفي أي دين .. كما كان لسلوكيات الأحزاب السياسية في مصر ، قبل الثورة وبعدها ، أسوأ الأثر على أي تجربة ديمقراطية محتملة في مصر ، بل لن يجد الكثيرون مشكلة لو عادت مصر لحكم ديكتاتوري على طريقة "الأسد" أو "الأخ العقيد"..

والمصيبة.. في رأيي الذي يحتمل الكثير من الخطأ ، أن شخص أو اتجاه من يحقق ما يعتقده "الحكم الإسلامي" صار أهم بكثير من تحقيق المبادئ التي ينادي بها الإسلام والتي يقول كل هؤلاء وغيرهم أنهم جاءوا لتحقيقها.. وهي تحتاج إلى قدرات سياسية وتقنية يفتقر إليها جميع هؤلاء في الوقت الحالي على الأقل.. ولو أخذنا الموضوع على أساس أن الكل ، أو بعض الكل ، حسنو النية ، لبدا الأمر أشبه بعشرة أشخاص يحاولون العبور من باب ضيق..

كل تشدد يقابله تشدد ، وأخشى أن تدفع تصرفات هؤلاء وأخطاؤهم وتخبطهم ، وتصرفات من يتحالف معهم سواء من أحزاب الكرتون التي صنعها النظام السابق ، وأحزاب المال التي صهينت على إنشاء بعض المجموعات الدينية لأحزاب سياسية ، الناس إلى اختيار نظام أتاتوركي عسكري وديكتاتوري أيضاً.. وفي هذه الحالة نكون قد انتقلنا من تطرف إلى تطرف .. وسلملي قوي على الاعتدال

Thursday, March 10, 2011

في الآتي بعد : الهبل الطائفي

"علمناهم الشحاتة سبقونا ع الأبواب"..

مثل مصري فصيح جداً لم أجد ما هو أدق منه ليصف وبدقة حالة الاستهبال التي يعيشها إعلام المال السياسي حتى وهو ينفخ في نار مشكلة طائفية- وكيف لا وهو الذي تعلم من مدرسة الإعلام الحزبوطني ، واستعان بالعديد من "كفاءاته" (إن كان لنا أن نصف هؤلاء بذلك الوصف) .. بالأمس على قناة "الصفوة" خرج علينا أحد المذيعين بمصطلح من أعجب ما يمكن : "مشاجرة طائفية بين عدد من البلطجية والأهالي"!

حاولت في حدود عقلي الصغير أن أفهم هذا الهراء وبعد أن كاد أن يهنج أعلنت استسلامي..

فالمعتاد والطبيعي أن يطلق مصطلح "...طائفي" على أي مشكلة بين أبناء طائفة "س" متعصبين وأبناء طائفة "ص" المتعصبين أيضاً ، لا بين بلطجية وأهالي أو بلطجية وبلطجية..بما أن "الدين" أو "الطائفة" أو "المذهب" عادة ما يكون جزءاً لا يتجزأ من موضوع الخناقة..

لكن لأ...

إعلام المال السياسي ، الذي يزعم أنه مستنير ، ومعتدل ، هو من يحول كل شيء لمشكل طائفي، أي جريمة في نظره لا تصبح جريمة إذا ما ارتكبها مسلم ضد مسلم ، أو مسيحي ضد مسيحي ، أما أي جريمة مهما كان طابعها جنائياً تتحول في التو واللحظة إلى عمل إجرامي "طائفي"!

هذا الفكر يكرس للطائفية في أبشع صورها..

من الطائفية بمكان أن ينعزل كل أهل طائفة أو دين على أنفسهم ، ولا يحتكون بالآخرين ، وأن يتعامل كل منهم مع الآخر كأنه غريب ، وليس كأنه مواطن من نفس البلد له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات أمام القانون ، لا يبيع له بما أن البيع سيكون طائفياً ، ولا يعمل معه باعتبار أن الزمالة ستكون زمالة طائفية سودة ، ولا يسكن معه في بيت واحد بما أن الجيرة ستكون في تلك الحالة طائفية طائفية طائفية..وبالتالي لا تسري العقوبة المنصوصة في القانون على أي عمل إجرامي "عادي" بل تضاعف فقط لأن المجني عليه والجاني ليسا على نفس الديانة!

ما سبق هو تعليق على الأحداث الدامية التي شهدتها مصر أمس في بعض مناطق العاصمة ، وعلى تغطية القنوات "إياها" لتلك الأحداث.. وفي تحليلي المتواضع ، الذي يحتمل كثيراً من الخطأ ، بل والجنون المركز كما قد يراه البعض ، أنه -حتى وإن ضلع الجهاز السري للحزبوطني في التوتر الطائفي قبل وبعد سقوط النظام بشكل مباشر- فإن المال السياسي غير بعيد عما حدث في "منشية ناصر" أو "المقطم" أو حتى في "أطفيح".. هو يريد الضغط على القوات المسلحة ، المؤسسة الأقوى والأكثر استغلالاً لعمل دستور جديد ، ولم يجد أفضل من الضغط الطائفي واستثمار جذور الطائفية التي كانت موجودة من قبل ليحقق مبتغاه ، ويشكل دستوراً وواقعاً سياسياً يحقق مصالحه ، حتى ولو توارى خلف بعض فصائل شباب الثورة..وطبعاً آخر هم لذلك التيار ، ومن يخدمونه من الطائفيين عن /عن غير عمد هو أن تقوم في مصر دولة مدنية لا يحكمها ولا يشارك في حكمها رجال دين ، شيوخاً أو قساوسة..

ألا هل قد بلغت؟

Monday, February 28, 2011

الحسانيون والمستصوفون ولعبة السياسة ونحن أيضاً

أشعر أن البعض استغرب مما كتبته على مدار أربع سنوات وبعض السنة فيما يخص المذاهب والمتمذهبين .. وربما تساءل "لماذا لم يكتب هذا الشخص يوماً عن جماعات الإسلام السياسي؟".. وكان جوابي هو أن تلك الجماعات محدودة التأثير مهما قويت ، وليست بقوة التيارات المذهبية الأوسع انتشاراً والأقرب للناس في أماكن تواجدهم وأعمالهم وقلوبهم وعقولهم أيضاً..وهي بالتالي التي تستطيع صياغة الكثير من مواقف الناس مع أو ضد ..

أدعو من استغرب إلى أن يرجع بالذاكرة قليلاً لأيام الثورة ، وما حدث فيها ، وكيف كانت مواقف شيوخ وعلماء وفتاواهم أثناء وبعد الثورة.. فتاوى سلفية نسبت في منشور قرأته في السبت الثاني للثورة للشيخ "مصطفى بن العدوي" تحرم وتجرم المظاهرات وتعتبر من ماتوا فيها ليسوا بالشهداء .. وصدقها البعض ..وسمعت نقاشاً عنها بالصدفة في مقهى النت الذي أجلس فيه قبل أيام ، وفضل المستصوفون الفرجة وترقب الموقف ، بعض أنصار أحد التنظيمين السلفيين الكبيرين كان في "مصطفى محمود" .. والآخرون التزموا الصمت..

ثم حدث ما حدث قبل أسبوعين..

عادت الفضائيات السلفية للعمل .. وتحدث الشيخ "محمد حسان" عن القناة، وعن الخسارة الفادحة التي تسبب فيها إغلاق القناة وغيرها التي "أرشدت الشباب ووضعتهم على الطريق الصحيح" طبقاً لخطابه المطول يوم الثاني عشر من الشهر على القناة ، وأنها كانت من الممكن أن تكون منبراً لتهدئة الثائرين وإرشادهم ،وعندما أغلقت "اضطر" للذهاب إلى قنوات فيها "مخالفات شرعية" - يقصد قناة "العربية"- ليوجه رسالته للشباب أثناء المظاهرات في الثلاثاء الأول المليوني ..

عقد السلفيون الحسانيون وغير الحسانيين مؤتمرات حاشدة هنا وهناك .. منها مؤتمرين أو ثلاث بالمنصورة ..وهناك نية لحزب سياسي يمثل السلفيين بحسب مواقع إخبارية ، وكما استشف البعض من تصريح للشيخ "محمد حسان" أيضاً قبل أسبوع ..

المستصوفون من جهتهم احتفلوا بسقوط الرئيس "السابق" بوليمة فتة ، وبمشروع "حزب" سياسي.. بما أن زمن الزهد وشعار "لا تصوف في السياسة ولا سياسة في التصوف" لحق بزمن الـ($#$#$# $#$#$) الذي انتهى .. بحسب "اللمبي"..

إذا كان كدة .. مااااااشي..

بما أن الجميع قد غير من مواقفه إذ فجأة تجاه السياسة ، تحت أي شعار كان ، هل هؤلاء مستعدون لممارسة السياسة ، بفرض أن هناك من يقبل في المجتمع أن يمارس رجال المذاهب السياسة تحت أي ظرف كان ، وبأي كيفية كانت؟ هل هؤلاء مستعدون للتنازل عن فكرة "الخلافة" التي يتكلمون عنها ما بين الفينة والأخرى ، بالتصريح تارة ، وبالتلميح تارة؟ ما الذي لدى تيارات لم تصحح علاقتها بالدنيا -بعد- لتقدمه في البرلمان بمجلسيه والمحليات ، بما أن تلك هي الأماكن التي يُسمَح فيها عادة بممارسة السياسة في أي دولة متحضرة؟ ما هو البديل الذي يقدمه هؤلاء للناس؟ ما هي رسالتهم للمختلفين معهم مذهبياً ودينياً كي يصوتوا من أجلهم في الانتخابات؟ ماذا سيقول هؤلاء للناس عندما تسألهم- وهذا حقهم- "كنتم فين في عهد مبارك؟" ، "ليه ما اتكلمتوش عن الفساد إلا لما الأمور ما جتش في صالحكم، لما اتقلفت قنوات السلفيين ، ولا لما الحزبوطني ما اتحيزش لناس بعينهم في خلافة شيخ مشايخ الطرق؟".. "فين الكلام اللي اتكلمتوه عن المعاملات؟" "إيه اللي غير علاقتكم بالسياسة؟.. هل هو إصلاح الدنيا بالدين ، طب كان دة فين؟".. "تقدروا تهاجموا فساد المال السياسي؟" .. "تقدروا تصححوا مساركم لو السلطة أو المال أفسدكم؟".."فين دوركم التربوي؟ فين كلامكم عن فهم السلف وأخلاقيات السلف؟ فين كلامكم عن الزهد وتربية النفس يا مستصوفين"؟

لا أعلم عن نفسي إن كانت هناك إجابة عن تلك الأسئلة ، بعضها أو كلها ، أو إن كانت هناك رغبة منهم للإجابة عن بعض أو كل تلك الأسئلة.. لكن غياب إجابات صريحة وواضحة سيجعل المجتمع كله يطالب بأن يعود هؤلاء إلى مكانهم ، وإلى الابتعاد عن لعبة السياسة التي ستضيف إلى أخطائهم الكارثية كوارث جديدة.. وفي تجارب التمذهب السياسي في الخليج وفي لبنان ما يكفي من دروس وعظات.. دمتم بخير..

Sunday, January 23, 2011

دين المال السياسي

كل شيء في هذه الدنيا أصبح يشبه أزرار الكيبورد ، ولا شك أن زر الدين له جاذبية خاصة جداً ، بالذات لدى من يتفاخرون دائماً أن أصابعهم لا تطأه أبداً.. معاذ الله..

منذ أن انتحر الشاب التونسي قبيل ما عرف بـ"ثورة الياسمين" أو أياً كان اسمها ، وتزايدت المخاوف من أن يحدث في مصر ما حدث قبل أسبوع وبعض الأسبوع في تونس الخضراء ، وبالفعل بدأ من أعجبتهم لعبة "فرافيييروووو" - للي يوعى عليه أو سمع عنه- وبدأوا في تقليد "البوزيدي".. وكان من الطبيعي ، ومن المتوقع ، أن تظهر خطب الجمعة كلها منددة بالانتحار كأسلوب وتصرف أياً كانت الظروف التي يرتكبه فاعله من تحت رأسها ، والانتحار كما نعلم جميعاً حرام ، من قبل أن تكون هناك معارضة ولا سلطة ولا بابا غنوج..

فما كان من أصابع المال السياسي -عن طريق كتابه ومنظريه و"مو-ناضليه" -إلا أن كبست زر الدين ، كأزرار كثيرة تكبسها عادةً لكي تسترضي الشارع الذي تحتاجه في حرب "التوم والجيري".. من ذلك مثلاً ما كتبه الدكتور "محمود خليل" في عدد المصري اليوم بتاريخ اليوم ، مقال لذيذ ومسلي يكاد يصل إلى درجة "إباحة الانتحار" بناء على استنتاج "غريب" وغير منطقي بالمرة لتفسير الآية الرابعة والخمسين من سورة البقرة (1)، مروراً بمقال "شاليمار شربتلي" بنفس العدد.. والتي تنتقد فيها بدورها نفس تلك "الفتاوى" التي هي ليست بفتاوى لأن الفتوى عادة ما تأتي في جديد مستحدث ، وليس في أمر به نص صريح.. لكن ما يجعلك تستلقي على ظهرك من الضحك فعلاً فقرة قالتها الكاتبة المذكورة على لسان "أم ثكلى" في بداية المقال:

لِمَ يا شيخ يا جليل لم تفت لنا فى ماضينا العربى بحكامه (2).. هل حلال ما فعلوه بنا.. وهل حلال ما نحن فيه؟ هل الأراضى المنهوبة والأموال المسلوبة، والفقر العشوائى الكامن المستقر والجهل الانتهازى - مثلك - حلال؟

لم ينكر أحد أن الرشوة والسرقة والفساد والظلم حرام ، مثله مثل الانتحار تماماً ، وأن أحداً من شيوخنا الأفاضل لم يعط تلك المواضيع حقها ، ولم يعظ الناس محكومين قبل الحكام في كل هذه القضايا بلا استثناء، وتكلمنا كثييييراً في تلك النقطة.. كلام جمييل ، وكلام معقوول.. ما أقدرش أقول حاجة عنه .. إلا..

إلا أنه يمكن تصديقه من أي شخص آخر ، ومن أي إعلام آخر ، إلا إعلام المال السياسي..

السرقة والرشوة والفساد أمور دائماً ما كانت مقترنة بالنخب الحاكمة ، كما تصور لنا هذه النوعية من الإعلام ، وهي في الواقع مقترنة بسلوك مجتمعي ، المجتمع الذي أنجب السلطة هو من أنجب الكروش الكبيرة التي عينت من أنفسها مناضلين ووطنيين ..

في كرة القدم أي لاعب يحصل على إنذارين يطرد ، سواء في مصر ، أو في تونس ، أو في بنجلاديش ، قاعدة ثابتة يا عزيزي لقانون واحد ، والدين في مصر هو الدين في تونس هو في بنجلاديش، والحرام واحد أياً كان مرتكبه وأين كان.. ومن صميم عمل رجل الدين أن يوجه خطابه للجميع ، فوق وتحت ، لا أن يقصره على فوق ، ولا على تحت.. (والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه لا نرى أي شيء فوقاً ولا تحتاً)!

ماذا لو سئل أصحاب تلك الصحف وشركاها : هل ثروتكم نفسها أيها المناضلون حلال في حلال؟ هل الاستيلاء على أراضي الدولة بطريقة مريبة حلال؟ هل الرشاوى التي تعتمدونها لتسيير المراكب الواقفة حلال (مسيرهم يجيبوا فتوى لمفتِ ما بتقول إنها حلال زلال ، وإن اتزنق حيقول لك "إلا ما اضطررتم إليه")؟ هل التلاعب بحقوق الأسهم والمساهمين حلال؟ هل الاحتكار حلال؟

الفول م الطعمية والطعمية م الفول .. هكذا قالت "شيرين" في مسرحية "المتزوجون" قبل بضع وثلاثين عاماً، والحزبوطني والمال السياسي بينهما علامة يساوي (فثروات المال السياسي لم تنشأ إلا من "علاقة عابرة" بالحزب وأولي الطول فيه في مراحل سابقة) ، كلاهما يلعب نفس اللعبة ، ويستخدم نفس الأسلحة تقريباً ، ويتربح بالطائفية ويتاجر بالدين ، هذا يقول لك "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" فيرد ذاك بـ"إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ..

عندي المال السياسي يشبه "مختار ليل" - فاكرينه؟-لديه مبرر لكل شيء ، الانتحار الحلال إذا كان سياسياً (3)، والسرقة والنهب الحلال من الصغار (لحد ما يكبروا لدرجة تقلق البهوات المليونيرات طبعاً) ، وحتى القتل حلال ، قانون المصلحة ، أنا ومن بعدي الطوفان ، امتيازاتي حقوق مكتسبة ، شهواتي أوامر يجب أن تطاع ، أحلامي واقع يجب أن يتحقق ولو طارت فيها الرقاب ، هكذا علموها للناس ، ويتباكون على جريمة تحدث هنا وهناك ، ومن برامج التوك شو إياها على حال المجتمع ، قائلين لنا "ياللا ثوروا ع الحرامية اللي هناك".. حرامي يحرض الناس على الثورة على حرامي.. مسخرة..

"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم".. قيلت لبني إسرائيل في القرآن الكريم ، ولا مانع من أن تقال لمن يلعب بالدين ، في سدة الحكم ، وفي خارجها، خصوووصاً خارجها.. وسمعني سلام :"قولوا للي أكل الحرام يخاف"..
(1)وسيختلف الأمر طبعاً لو أن الكاتب فكر في الآية السادسة والستين من سورة النساء ربما وصل إلى خلاصة أخرى!

(2)تحديث 24/1: للإمام "محمد عبده" فتوى عن الإضرابات أدانها وطلب في نفس الوقت من أولي الأمر العمل بكل السبل على إصلاح أحوال المضربين ، لكنه لم يفعل ما فعله الشيخ "يوسف القرضاوي" الذي بدا موقفه أقرب للتبرير ، ولإضفاء مسميات كبيرة على تصرف لم يقصد صاحبه من ورائه كل "الكلام الكبير" الذي قاله الشيخ الكبير ، لكن ما يثير الغضب هو موقف كتاب الحزبوطني الحقيقيين ، وليس من أسماهم "محمد أمين" الكاتب بـ"المصري اليوم" بـ"شيوخ أمن الدولة" ..ولنا عنه بإذن الله كلام في القريب العاجل جداً بإذن الله ..

(3)...وفي أحيان أخرى نجد هؤلاء يلومون هؤلاء الشباب مطالبين إياهم باعتناق ثقافة العمل الحر.. مش بأقول لكم زراير في زراير؟

Thursday, January 13, 2011

في الآتي بعد : حافة الهاوية

أول الكلام اعتذار حار لمحبي "الدين والديناميت".. ولمن انتظروا مني أن أكتب شيئاً هنا منذ فترة طويلة.. حتى وإن كنت نشطاً بعض الشيء في أماكن أخرى ، أعترف بأن التوقف جاء طويلاً ، ولأسباب ليست كلها تقنية خالصة ، هناك أسباب شخصية وأسباب تتعلق بحالة "صدة النفس" التي يفرضها المناخ العام علينا جميعاً.. كنت أحضر للكتابة عن عشرات المواضيع ، بدءاً من الانتخابات التي كنت أعتزم الكتابة عنها قبلها بأيام ، مروراً بتدوينات متفرقة عن الفن والدين ، ونهايةً حتى بتدوينة أحضر لها عن ما بعد الحادث الإرهابي الأخير ، ولكن ضيق الوقت ، وضيق النِفس حالا دون إتمام كثير من تلك التدوينات في وقتها..

لكن هذا الضيق تحول لدي إلى غضب عارم أمس ، وبسبب موضوع لم ينتبه إليه إلا زملاء قلائل ، بينهم صديقي العزيز "ابن عبد العزيز" الذي كتب عن الموضوع قبيل أيام من انتهاء شهر رمضان المبارك ، وقبل أربعة أشهر وبعض الشهر من مجزرة الشرقية ، وبين السلوك النيابي ، الذي أعف عن وصفه بعبارات لا يعاقب عليها القانون ، والذي يلخصه ذلك الخبر "من الآخر" كما يقول التعبير المصري الدارج الحديث..مكتفياً بوصفه المخفف جداً بأنه "لا أخلاقي"..

المنطق يقول أن هؤلاء- إن كانوا قد جاءوا إلى البرلمان بانتخابات حرة- هم ممثلون عن الجميع ، القاتل والمقتول ، لكن الذي صوت له المقتول عاد ليدافع عن القاتل ، بحجج حمقاء يسهل على أي طفل في الرابعة من العمر تفنيدها وشرشحتها ، بدءاً من حجة سوء الطرق الذين تناسوا أن تطويرها سيأخذ وقتاً طويلاً وسيزيد التحميل على الطرق السيئة ، ونقص تدريب السائقين الذين إن قررت الحكومة تدريبهم غداً فسيعتصمون ويضربون ، إلى تساهل الحكومة في منح بعض السائقين رخصاً وكأنهم نسوا أن سائقين من شركاتهم دهسوا عدداً لا يستهان به من الأبرياء على الطرقات.. وتصل الوقاحة إلى ذروتها إلى المبدأ الذي يمكن استخراجه من كلام "السيد" -تعمدت عدم استعمال تعبير أدق- "منصور قدح" بأن أي شخص لا تعطيه الدولة "حقه" - أو الامتيازات التي يعتبرها حقه- من حقه أن يكون إرهابياً .. منطق ابتزاز يسري على عصابات ولا مكان له في دولة ، يعلم الله عز وجل جيداً لماذا نريدها قوية ، حتى لا نغرق في بحور من البلطجة والطائفية وطبعاً الدم..

هل تعرفون ما هي خطورة ذلك الموقف ، وغيره إن تكرر؟

خطورته أن هناك أفكاراً داخل شرائح سلفية ومستصوفة تعتبر الدولة - تقريباً - حراماً ، والقوانين "حكما بما لم ينزل به الله سلطاناً" وأنه "لا سبيل لعز المسلمين إلا بعودة دولة الخلافة" -اللي ما قالوش حترجع إزاي- وبالبيعة - التي هي بديل عن الانتخاب ، مضافاً إليها أفكار "الجهاد" وجماعات التطرف في الثمانينات التي كانت ناراً تحت الرماد..

سلوك هذه الشرذمة من النواب سيعيد تلك الأفكار إلى الواجهة ، تلك الأفكار التي كانت حدودها مقتصرة على دائرة معتنقيها الضيقة ، رغم ضراوة ما قاموا به من عنف ضد الدولة وضد الناس ، ستجد متسعاً لها بين عامة الناس بهذه الطريقة ، الذين سيحنون ليس فقط إلى الديكتاتورية ، بل سيدافعون عن تلك الأفكار المتطرفة طالما أنهم لم يجدوا أمانهم مع الاعتدال.. بل وإن قرر معتنقو تلك الأفكار دخول لعبة السياسة من بابها فسيساعدونهم على دخول الانتخابات .. فالناس المهددون بالقتل بلواري جنرالات الطرق هم الآخرون أحرار في أن يدافعون عن حياتهم ، مثلما النواب أحرار في الدفاع عن مصالحهم التي تهدد حياة الآخرين وأمنهم..

هؤلاء ، ومعهم الإعلام الذي يساندهم ، ومعهم الناشطون الذين يساندون ، أو "يطرمخون" ليس لديهم أي حد أدنى من الوعي بخطورة أن تنتقل فكرة متطرفة واحدة يعتنقها أشخاص يقلون عن عدد رواد قهوة بلدي في الظهيرة ويرفضها عامة الناس إلى عامة الناس أنفسهم.. مجتمعنا نفسه ، كما سأوضح في تدوينة قادمة -بس المهم بإذن الله ما أنساش-ليس بهذا التطرف المتوحش الذي يصوره البعض عليه ، لكنه سيصبح كذلك إن لم يؤمن النظام السياسي المعتدل ، وإن لم تؤمن الدولة ، لأفراده حقوقهم ، وتحميهم من الفساد وسوء استعمال السلطة والقوة ..

هؤلاء النوام قدموا للتطرف أحلى هدية مع بداية هذا العام .. وربنا يستر على مصر..

Wednesday, November 24, 2010

أقنعة الاعتدال : السيارة ستقفز إلى الخلف

0-لم تكن المشكلة أبداً في وجود وضع "سيء" أو "وحش".. فـ"الوحاشة" هي الوجه الآخر لعملة "الحلاوة".. والسلوك "المشين" هو الوجه الآخر للسلوك "الممتاز" أو "البطولي".. ولكن تبقى المشكلة في طريقة تعاملنا مع كل ما سبق.. بعبارة أخرى .. هناك أمور نسبية تختلف باختلافنا ، وهناك ثوابت هي كذلك بالنسبة للمبادئ التي نعتنقها ونؤمن بها ،عليه ، ومن المثير للغضب والاستغراب أن تتعامل مع شيء مطلق بالنسبة لثوابتك على أنه نسبي ، وأن تتعامل مع شيء نسبي بصفته مسألة مطلقة..

1-فاجأنا رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بفتوى ستعيد هذا البلد قروناً إلى الخلف ، يعتبر فيها طبقاً لعدة صحف ولعدة مواقع على إننرنت الذهاب للانتخاب عملاً "في سبيل الله" ..

خطورة الفتوى السابقة في أمرين .. الأول هو أنها نسفت - تماماً - كل الجهود التي بذلها أزهريون ، وبذلها من يقولون أنهم "معتدلون" في الدفاع عن المؤسسة الأزهرية في مواجهة الاتجاه السائد بأنها مؤسسة "موالية للسلطة" .. فالمؤسسة التي يقول المدافعون عنها من أولئك وهؤلاء ، من حسني النية ومحترفي الصيد في كل سائل عكر ، أنها مؤسسة مستقلة تحمي الاستنارة والاعتدال تورطت هي الأخرى في الكذب على الناس ، كما فعل المستصوفون الذين قالوا نحن لا نمارس السياسة وهم يمارسونها ، وأكبر الخاسرين طبعاً هو المؤسسة الأزهرية نفسها ، حيث ستقابل كل الجهود الحقيقية التي يبذلها البعض داخل الأزهر لتقديم ثقافة دينية معتدلة وسطية بحاجز نفسي أكبر لدى الناس التي كان لديها شكوك في تبعية المؤسسة سياسياً للسلطة قبل الفتوى..هدف سجلته قيادات المذاهب المتمسلفة والمستصوفة بنيران صديقة..

والثاني هي أنها جاءت تطوراً رهيباً إلى الوراء .. ففي السابق كانت الفتاوى المستعملة في الدعاية تستند إلى أن الانتخابات "شهادة" ومن يكتمها فإنه "آثم قلبه" ..أما الآن فقد ارتقى الذهاب لتصويت في الانتخابات إلى مقام "الجهاد في سبيل الله".. وإثم تاركه أكبر!..

2-دعوني أفكر بصوت عال في الفتوى في إطار فكرة "المطلق" و"النسبي"..

في الفتاوى السابقة التي تعتبر الانتخابات ، رئاسية أو برلمانية أو غيرها ، "شهادة".. أليست الشهادة عملاً نسبياً؟ في واقعة ما -لنفرض أنها مشادة مثلاً- كان هناك بعض الناس حاضرين ، وشهدوها ، وشهدوا على أطرافها ، بعض الناس ، وليس الكل ، فهل يحق للشرطة أن تطلب أناساً لم يشهدوا الواقعة ، ولم يعرفوا أطرافها ، بأن تستجوبهم؟ وهل يصبح لزاماً على أشخاص لم يحضروا الواقعة وليست لديهم أدنى معلومة عن أطرافها بأن يدلوا بأقوال في قسم الشرطة؟ لو كان ذلك كذلك فنحن نتحدث عن نقوط في فرح شعبي..وليته كان كذلك..

"الشهادة" في الانتخابات لا تختلف كثيراً .. بما أننا اتفقنا أنه لكي تشهد على شيء يجب أن تعرف عنه شيئاً.. الفرق أنك مطالب بأن تعرف الشيء الكثير ، أقله علشان شهادتك تبقى شهادة حق ، عن مرشحيك وبدائلهم واختياراتهم لأن الأمر جلل وخطير يحتاج لأن تعرف عنه أكثر.. كما أنك في الانتخابات حر في أن تشهد أو لا تشهد .. فالانتخاب عملية اختيار بين بدائل ، مرشحين .. لنفرض جدلاً أنك لا تعرف أي من المرشحين ، ولا تهتم بهم ، ولا تثق بأي منهم ، وهذا ما يحدث في 99% من الحالات على الأقل ..فهل سيلومك من أحد على أنك لم تذهب للتصويت؟ ولا هو نظام "شاهد ما شافش حاجة"؟

3-لا إزاي؟ الفتوى الجديدة جعلت الشهادة - الاختيارية - أشبه بالجهاد ، الذي يعد تاركه "متولياً عن الزحف" وهي كبيرة ضخمة في الإسلام بل هي من السبع الموبقات بنص الحديث.. وأعتقد أنه من المهم جداً أن نسأل : من الذي يحدد إن كان هذا العمل في سبيل الله أم لا .. باعتبار أهمية الجهاد في الإسلام؟

4-وبالمرة .. سؤال شرير آخر .. هل إذا قرر شخص ما أن يصوت بناء على قرار رئيسه ، أو شيخه ، أو حزبه ، أو أي شخص آخر ، لشخص هو يعلم تماماً أنه لا يصلح ، فهل هذا الشخص الذي سيترك بيته من أجل شهادة زور - طبقاً لفتاوى سابقة- مجاهداً في سبيل الله؟ يا مثبت العقل والدين!

5-على كل .. الفتوى غريبة ، والتعليق الذي قرأته على موقع جريدة "الأسبوع" الإلكتروني الذي اقتبستها منه أغرب ، لكن موقف من يقولون أنهم الوكلاء الحضريون للاعتدال ، المدافعون عن "الاستنارة" و "الوطن" و"الهوية المصرية" الذين لم يستنكروا تلك الفتوى المضادة لكل ما ثقبوا فيه آذاننا وأدمغتنا بشنيور غليظ السلاح أغرب وأغرب..

هم ببساطة مع تديين السياسة والمشاركة السياسية ما دامت تصب في بحر مزاجهم الفكري ومصالحهم فقط.. المسألة لا مسألة مبدأ ولا يحزنون ، ولم يتركوا شيئاً لمن أفتى بالفتوى أنفسهم.. وبفضل أولئك وهؤلاء .. فإن السيارة لن تقفز فقط إلى الخلف..

Tuesday, November 9, 2010

حاشية على كلام فارغ -جزء ثالث وأخير

14-لنتفق أنه كما تتنازع الأحزاب السياسية على كعكة السلطة ، وتتفنن في التنافس بكل الوسائل للفوز بأصوات الناخبين -هذا لو كنا بعد الشر في نظام ديمقراطي تعددي شفاف - بتقديم ما يمكن وصفه بـ"حلول عملية" لمشاكلهم الملحة ، تتنافس المذاهب على زعامة الدين واحتكار تمثيله دون غيرها بنفس الطريقة.. وفي مجتمع هذه هي نظرته للزواج ، المقصورة على الجنس وحفظ النوع ، فقط ، رغم محاولة الأديان كلها والإسلام بشكل خاص وصريح للرقي بها إلى ما هو أسمى وأعلى .. كان من الطبيعي أن تقفز مسائل الزواج والطلاق ، ومشاكل كارتفاع معدلات الطلاق والتأخير في سن الزواج المسمى هنا في بلادنا بـ"العنوسة" إلى ترتيب متقدم في قائمة أولويات تلك التيارات.. حتى على حساب مسائل خطيرة ومرعبة منها "الفقر" مثلاً..

15-يقول هؤلاء أن ارتفاع معدلات الطلاق و"العنوسة" سببه الرئيسي "الابتعاد عن منهج الله" .. صحيح .. ولكن لم يوضح لنا هؤلاء كيف .. هل في المظهر أم في المخبر.. في الاختيار .. في التربية .. في.. في .. ، فمنهج الله أوسع من مجرد مظهر أو تصور للدين ، الذي هو عقيدة وعبادات ومعاملات ، كما نعرف جميعاً.. ومشكلتنا أن من يقولون من خلال خطبهم وشرائطهم ومطبوعاتهم وفضائياتهم لا يعلموننا المنهج كله كما ينبغي .من المهم فعلاً أن نعرف موطن الخطأ أقله كي نتفادى كل تلك السلبيات ونسير أمور حياتنا بشكل إيجابي وسليم، هل وضح هؤلاء ، طالما افترضنا أنهم وضحوا سلبيات ، التصور الإيجابي لعلاقة زوجية ، بشكل قابل للفهم في زمننا الحالي ، فما جاء في الكتاب والسنة أسس عامة ومبادئ يحققها الإنسان في إطار مفردات ومتغيرات زمنه ، والاختلافات الضخمة بين المجتمعات في عهد السلف الصالح وبينها اليوم لا تخفى على أحد ، إلا على البعض الذي يشق على الناس فيحملهم ما لا يطيقون فيعنتهم..

15-ولأن الشيء بالشيء يذكر ، هل "العنوسة" مشكلة "دينية" رغم أن الزواج نصفه قدري كما أن نصفه اختيار.. بما أنه من أساسيات الإيمان هو الإيمان بالقضاء والقدر..وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها؟.. وبما أن كاتب هذه السطور من عامة الناس ويهمه أن يعرف ويفهم فإنني أسأل - سؤال استفهام وليس سؤال استنكار- هل في كتاب الله وسنة نبيه المصطفى (ص) ما يفيد بأن تأخر سن الزواج في ذاته مشكلة أو عقاب إلهي ينزله الله عز وجل فيمن يعصاه؟

17-وبما أننا نتحدث عن مسألة مبدأ ومعرفة صواب من خطأ .. هل درَّسَ لنا الإعلام الديني ، ولنكن صرحاء ، فقه الزواج سواء في الخطب والدروس "التي هي أساس قوي لتبصرة عامة الناس مثلي ومثلكم بأمور الدين" ، أو في الفضائيات التي بدأ البعض يتصورها بديلاً للمسجد ، فقه الزواج ، كاملاً غير منقوص، أقله لكي نعلم ، لأن من يعلم ليس كمن لا يعلم ، الذي يكون نهباَ لمن يقول أنه يعلم..

18-لاحظت ، وقد تحتمل ملاحظتي الخطأ ، أن كل التركيز فيما يوجه من خطاب ديني في مسألة الزواج ..الجانب الأول هو المسألة الاقتصادية ، والتي تعامل بتسطيح لافت للنظر.. أمر -عن نفسي- قبل ذهابي للعمل على لافتة ملصقة على محل في مدينتي عليها عنوان لذيذ آخر الشارع "هيا بنا نزوج الشباب".. والأمر لا يعدو مجرد حملة تبرعات من أهل الخير لتسهيل متطلبات الزواج بالنسبة للأسر الصغيرة "تحصيناً لأبنائها من الحرام".. ماشي .. حلو قوي..ألم يكن من الأفضل بالمرة أن تساعدوا هؤلاء بوظائف تساعدهم على إعالة بنات الناس ، بما أنه من القوامة بنص القرآن الكريم النفقة ، بدلاً من أن يجدوا أنفسهم مثقلين فجأة بأعباء مادية ضخمة تلقي بهم في قارعة الطريق في وجه الفقر اللعين -الذي استعاذ منه الرسول (ص) نفسه في دعاء شهير جداً نردده كثيراً- وفي هذه الحالة نكون قد أنقذنا "الشباب" من حرام لنوقع بهم في يد حرام آخر!

ويستمر التسطيح في الحديث عما يخص المهور أيضاً.. كما لو كانت المسألة اقتصادية صرفة ، بينما لم يمعن أولئك النظر في حقيقة أن هناك حالات انفصال تحدث ،وبالجملة ، بين عائلات متكافئة جداً في المستوى المادي ، بل وفي أوساط غنية اقتصادياً ، ولا تئن من الفقر الضنك الذي يعيش ما يقرب من نصف سكان البلد - طبقاً لإحصائيات- تحت خطه..

أما الجانب الثاني وهو جانب العلاقة الجنسية ، والتي يتكلم فيها كل من يمثل أي تيار في مصر ، مذهبي ديني ، عالماني ، يساري ، ماركسي ، ليبرالي ، حزبوطني ، تيارات دينية سياسية ..الخ.. وفقاً لتفاسيره.. ونسمع فيها ما يقتل من الضحك من شدة الغيظ .. فالمتمذهبون يتحدثون عادةً عن "العفة" وعن ما يحدثه "المجتمع الفاسد" من صور "إلهاب الغرائز" في الوقت الذي يصعب فيه اقتصادياً على الشاب أن "يعف نظره" ، وتحتل مفردات "غض البصر" و"الاحتشام" وغيرها أولويات في خطابهم.. وفي المقابل يرى المتطرفون على الجانب الآخر ، مثل السيد "حامد" أن مجتمعنا يعيش حالة من "الكبت" وأن الدين نفسه ، لا فهمنا له ، هو السبب الرئيسي لنصه على ترتيبات يرون هم أنها تعرقل "إشباع الغريزة الجنسية" في الوقت التي نراها كعامة ناس ترتيبات تضمن العلنية والعدالة والاستقرار و"السكن" - راجعوا الآية - وهي من أسس قيام مجتمع سليم وصحيح وسوي..

19-الدين نفسه يطرح الزواج بشكل سام، لا مسطح ولا حيواني ، لا اقتصادي نفعي مادي بحت ولا غرائزي ، مسألة قائمة على اختيار حقيقي ، ووعي وإحساس بالمسئولية ، وتقوى الله في الغير بعيداً عن الأنانية التي شابت سلوكنا كله في فترة ما بعد الحراك لتصل إلى التدين نفسه .. العيب ليس في الدين ، بل فينا إن علقنا العيب عليه .. كان الأمر ليختلف تماماً إذا ما تغير المجتمع نفسه ،عاداته وتقاليده ، بشكل يعلم الشباب أنفسهم حسن الاختيار ، وفهم الغير ، والإحساس بالمسئولية ، حينئذ لن نسمع عن احتقار ودونية ينظر بها مجتمع ما إلى امرأة طلقت (خرج بيوت) أو لم تنجب (أرض بور) أو ترمل عنها زوجها (بومة) أو تأخر بها السن قبل أن تتزوج (عانس).. أو إلى رجل لأسباب مشابهة..

20-العيب في التطبيق وليس في النظرية .. وتعييب النظرية نفسها حجة البليد .. حقيقة نعرفها .. لكن كما قال "نجيب محفوظ" : لكن آفة حارتنا النسيان..

Monday, November 8, 2010

في الشعب المتدين

نحن شعب متدين و100 فل وعشرين..لمن يغضب من استخدام كلمة "عشرتاشر"..

نحن شعب متدين من قديم الأزل ، وننتفشخر على خلق الله بأننا شعب متدين ، بل من أكثر الشعوب تديناً ، منذ أيام كهنة آمون وإلى ساعة كتابة هذه السطور ، معتقد مردنا عليه وتربينا عليه ،وكرست له مقالات وفصول في كتب -كما في "شخصية مصر" لـ"جمال حمدان" - وربما كتب كاملة تتغزل في جمال التدين المصري ، وتمصمص الشفاة على حال المصريين اليوم ومقارنتهم بأيام زمان على طريقة "الله يرحمك يا طهطاوي" في "مدرسة المشاغبين"..

اسأل أي قريب لك أكبر في السن بمسافة كبيرة وسيخبرك ، وستقتنع عندما تنزل الشارع بأننا شعب متدين جداً جداً جداً جداً.. المظاهر الدينية موجودة ، سواء الإسلامية منها أو المسيحية ، صوت القرآن الكريم منتشر في كل مكان ، والعبارات الدينية موجودة بنسبة في الحوار اليومي ، بالنسبة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء..ملايين يتجمعون في المناسبات الدينية وما في حكمها ، في صلوات الجمع والتراويح والأعياد والموالد والمواسم ، وما يعادلها أيضاً لدى المسيحيين..طقوس ذات طبيعة دينية كإيقاد الشموع في الكنائس وزيارة أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين ..يتفاخر الناس بالحصول على ألقاب مثل "الحاج" أو "المقدس" .. وبسلوكيات من عينة "ما بيفوتش فرض" .."السبحة في إيده" ..الخ..

لكنك عندما تقترب تجد تنافراً عجيباً بين المظهر والمخبر ، وتصطدم بتصرفات لا تعكس أبداً ما تراه عيناك المجردتان ، ادخل أي مصلحة حكومية لتجد آيات الذكر الحكيم مسموعة في الوقت الذي يتحدث فيه الكل داخل المكان ، رغم أن الأصل عندما يقرأ القرآن هو السمع والإنصات كما جاء فيه ، احتك بالعديد من أصحاب المظاهر الدينية وستفاجأ بسلوكيات مختلفة وغريبة.. من غش إلى كذب إلى نميمة إلا لامبالاة ..

قد يرى البعض فيما أقول تجنياً ، وقد يراه أعراض تمرد زائد واستسخاف لكل شيء حتى ولو بدا "عادياً" ، وقد يرى البعض في حكايا القدماء وليد "رَوَقان".. فلم تكن تلك النزعات المثالية الموجودة لدى الشباب صغير السن- في الجيل الحالي -نسبياً موجودة ، والتي تصنع لديهم حالات من التمرد كلما يصطدمون بواقع يتنافر مع ما يؤمنون به من مثاليات من مصدرها -في مجتمعنا وغيره- الدين..ويبدو أنه كلما تقدمنا في الزمن كانت الأجيال الجديدة أكثر تمرداً وإحباطاً..

هل يوجد شعب أكثر تديناً من غيره؟ ما هو دليلي في أن شعباً ما أكثر تديناً من غيره؟ هل التدين خاصية ملتصقة بشعب؟ هل ما لدينا هو تسامح أم علاقة نفاق نعتقد بها أننا نرضي بها الله عز وجل ثم نمضي إلى حال سبيلنا لنرضي أنفسنا على حساب الله عز وجل والذي اطمأننا طبقاً لما فعلناه إلى أننا أرضيناه طبقاً لمفهومنا؟

هذه أسئلة أوجهها لكم مسلمين ومسيحيين على السواء .. والكرة في ملعبكم..

Sunday, October 31, 2010

في المسألة السياسية

0-تحملوني قليلاً هذه الأيام بما أننا في موسم انتخابات ، بما أن الكلام في السياسة سيكثر وبشدة ليهيمن على كل شيء ، كما هيمن كأس العالم على اهتمامات العالم كله خلال شهر يونيو الماضي!

1-"لماذا ترفض أن يترشح رجل دين لأي انتخابات كانت؟ أليس مواطناً؟ ولماذا ترفض أن تقدم أي مجموعة دينية أو دينية مذهبية أو دينية مذهبية سياسية أو ..أو..أو.. مرشحين للانتخابات؟ أليسوا مواطنين؟ أليسوا موجودين على الأرض؟ أليسوا أمراً واقعاً؟ أليست لهم أفكار وقناعات؟"..

أسئلة منطقية ومشروعة ، ولمن قرأ ، أو لم يقرأ التدوينة السابقة كل الحق في أن يسألها ، وأن يتفق معي أو يرفض بعضاً أو كلاً مما قلت ، لكن دعوني أدردش معكم في السياسة التي هي شأن الجميع ، بما أنني لم أقدم نفسي من البداية كمتخصص في العلوم الدينية ولا في غيرها.. كمجرد مواطن عادي جداً جداً جداً..ونمشي "واحدة واحدة"..

2-يقول الجميع أنهم ملتزمون ومطيعون لولي الأمر .. إذا كان كدة .. مااااشي.. لنفرض أن ولي الأمر قرر ذات مرة لسبب أو لآخر عمل ترتيب ما يجعلك تختاره من بين آخرين ، أو أن تختار شخصاً "لطيفاً" من منطقتك ينضم لآخرين ، يجتمعون في مكان ما لمناقشة مشاريع أو قوانين ستطبق على الجميع ، وسيلتزم بها ، بما أنه قد قرر وفقاً لاتفاق اسمه "الدستور" أنه ملتزم بما سيتفق عليه هؤلاء الظرفاء اللطفاء الجالسون في المكان الـ"ما" .. فهل سيطيعونه في ذلك؟ أم سيرون أن النظام "عالماني" و "وحش" و..و..و..، أم سيرى البعض في ذلك أمراً لا ضرر فيه طالما أنه يحقق مصلحة عامة دون مخالفة الدين؟ أم سيمسك البعض الآخر العصا من منتصفها مقرراً أن ذلك شر لا بد منه، وأن عليه حماية نفسه ، ومجتمعه ، ومن هم على نفس شاكلته ، من أي قانون أو تدبير يجمع عليه هؤلاء السادة اللطفاء في المجلس النيابي الظريف المسلي؟

من المؤكد أن من المنتمين لأي تيار سياسي ديني أو مذهبي من سيذهب للاختيار الأول أو الثاني أو الثالث.. الامتناع ، أو المشاركة ، أو المشاركة على مضض ، والأخير هو ما أحس به بالنسبة للسلفيين بمختلف انتماءاتهم والصوفيين بالتحديد..

3-لنترك الاختيار الأول ، ونذهب للاختيارين الآخرين ، أذكر فقط بأن المجتمع لا ينتمي كله لمذهب واحد أو لدين واحد أو لانتماء سياسي واحد ، وأنه ، لكي تفوز بمقعد في المجلس النيابي فإنك ستحتاج إلى خدمات من مجتمعك المحيط ، الذي لا يوجد فيه من يشجع نفس ناديك أو مذهبك أو طريقتك .. وبالتالي هل ستتقدم إليه عن اقتناع ، ومشاركة ، أم من باب "إن كان لك عند البوبي" ، خصوصاً أننا مجتمع يكره بعضه بعضاً بامتياز ، لأسباب دينية ومذهبية وسياسية ورياضية أيضاً؟ قد يرى البعض ذلك قناعات وقد يراها تنازلات ، خاصةً عندما تخاطب "المخالف" وليس "المحايد".. بما أن أي مجتمع فيه مجموعات ينقسم إلى "أعضاء" و"مخالفين" و "محايدين"..لا أعرف كيف ترون تلك المسألة ، لكني عن نفسي أشعر كمواطن عادي مسلم سني "محايد" كأغلب مسلمي مصر أن العديدين ممن يتصدى للسياسة وسنينها من هؤلاء يعصرون على أنفسهم كيلو ليمون كامل قبل التوجه لأي "آخر"..

4-وسواء ستتقدم ، أو ستتعطف ، أو ستتكرم ، أو ستتنازل ، فأنت بحاجة لشيء تقدمه ، أو تقدمه مجموعتك أو تيارك للمجتمع كله ، وليس فقط مجرد تطمينات وشعارات و"تثبيتات" .. لنفرض أن السلفيين أو الصوفيين أو أي تيار ديني سياسي رشح نواباً عن نفسه لمجلس الشعب.. ماذا سيقدمون للمحايد والمخالف؟

لنعترف ، أننا في مصر نعاني من إفلاس البدائل .. فلا الأحزاب السياسية لديها برامج سياسية واجتماعية واقتصادية ، وضعوا تحت كلمة "اقتصادية" ما استطعتم من خطوط ، عملية وقابلة للتنفيذ ، ولا المال السياسي لديه تلك البرامج ، لعوامل منها الفقر الفكري والجمود والإفلاس ، وأن كل التيارات الدينية السياسي منها والمذهبي هي جزء مما يحدث ولا تشذ عنه ..

فالتياران السلفي والصوفي ، والسلفي بالذات ، قصرا كل حساباتهما على الجانب الديني ، والجانب التعبدي تحديداً ، دون الالتفات إلى الجانب السلوكي وشئون المعاملات والأمور التخصصية التقنية والفنية ، والابتعاد والاستخفاف التام بالجانب الدنيوي للدين جمود لا يقره الدين ، ولو كان ذلك كذلك لما سأل الرسول الكريم (ص) الله عز وجل صلاح الدنيا التي فيها المعاش كما سأله صلاح الآخرة التي فيها المعاد..

وللأسف ، حتى البعض ممن خرجوا منهم للخدمة العامة خرج تحت لواء فانلته أو انتمائه كما سبق التوضيح..فأصبح جزءاً من الجمود المعاب على من لم يتحرك من مكانه..متعاملاً مع من حوله بطريقة "حسنة وأنا سيدك"..

وعليه لا يستطيع من يتعامل بفوقية مع من حوله ، ويمشي بانتمائه في الشارع كما لو كان كارنيه جهة أمنية ، ولا طبعاً من تقوقع في مكانه ، أن يقدم مما يؤمن به بديلاً يقنع به من لا يؤمن بما يؤمن به..

ما المانع في أن ينحي كل هؤلاء المنتمين انتماءاتهم جانباً في مسألة العمل العام؟ أن يلتزم قناعة سياسية أو اقتصادية لا يشترط أن يلزمه بها شيخ أو عالم أو فقيه؟ أن يكون عضواً في حزب سياسي يلتزم ببرامجه في العمل العام بينما يبقى فهمه التعبدي للدين مسألة دينية هي انتماء وليس صفة؟ ربما كان ذلك أنفع وأجدى للجميع ، بلا ضرر .. ولا ضرار..

Saturday, October 30, 2010

قنوات ومناقصات ومزايدات

0-لن تنفع الحلفانات ، ولا الأيمانات ، التي يسوقها البعض في الإعلام المسمى بـ"القومي" (فلا الصحف القومية "قومية" ولا الصحف المستقلة "مستقلة" بالمناسبة) لتأكيد أن إغلاق القنوات السلفية دون غيرها جاء للصالح العام ، الأمر لا علاقة له بـ"صالح عام" ولا "سعيد صالح" .. ولو كان الأمر كذلك لطبقت القواعد على الجميع ، بلا استثناء ، ولو كان المقصود اجتثاث فوضى الفتوى لتم التعامل حتى مع المتخصصين الأزهريين و"المفكرين الإسلاميين" الحلوين على دم الإعلام "القومي" ولهم أخطاؤهم وخطاياهم التي تسببوا فيها في إرباك الناس أكثر ماهم..

كل ما هنالك أن ما كان بالأمس لم يعد اليوم ، إنها السياسة بمتغيراتها وتقلباتها..

1-يرى فريق من المحللين السياسيين أن الحزبوطني منح التيار السلفي الحساني حرية حركة كبيرة خلال السنوات الماضية ، وسكت على ما اكتشفه إعلامه (="الحزبوطني") بعدها بسنوات وأسماه بالـ"مخالفات" والمش عارف إيه -وهي بالمناسبة موجودة (مثل شريط الشات والإعلانات أثناء الدروس والأدوية المشكوك في صلاحيتها) باعتراف صناعها فميجيش حد يزايد-، ناهيك عن "المظاهر السلفية" التي اكتشف الحزبوطني وجودها "فجأة" -أربع سنين بس يعتبر "فجأة" بالنسبة له- لأنه كان يراهن عليه بقوة لمواجهة جماعات الإسلام السياسي ، الإخوان وغيرها ، خاصةً أن التيار السلفي الحساني ، عكس المدرسة السكندرية مثلاً ، ترى أنه من السياسة ترك السياسة ، والتركيز فقط على العبادات والعقيدة (أكثر من المعاملات..الثلث الذي يتجاهله كل تيار متمذهب تقريباً) ، وأن علاقة هذا التيار "غير جيدة بالمرة" بجماعات الإسلام السياسي ..

2-ما حدث ، هو أن الحزبوطني "تراجع" عن رهانه ، واكتشف أن التيار السلفي الحساني لا يعول عليه في مواجهة التيارات الدينية ، فأطلق عليه تشنيعة "تهلك من الضحك" مفادها أن لهؤلاء علاقة بالإخوان - تشنيعة استُقْبِلَت بفاصل طويل من الضحك والسخرية حتى من بعض من يعارضون الاثنين ويكرهونهما - وقرر "نقل العطاء" على التيار المستصوف ، الذي يمتلك عدة ميزات لا يمتلكها السلفيون عموماً..

3-خد عندك يا سيدي.. هناك أمور مشتركة بين التيارين السلفي الحساني والمستصوف.. منها فكرة "الولاء لولي الأمر" و "البيعة لولي الأمر" على طول الخط ، وأنهما يعتبران النظام السياسي الديمقراطي التعددي الانتخابي "الذي والذين" ، إلا أن المستصوفين الطرقيين يتميزن بأنهم "أكثر إيجابية" .. صحيح أنهم يقولون في كل مكان أنهم لا علاقة لهم بالسياسة ، ولا بالنظام السياسي "الوحش" لكنهم على العكس يرشحون أنفسهم في الانتخابات التي يفرضها النظام "العالماني الوحش" "خدمة للمسلمين" كما نسب إليهم في تصريح لجريدة مالسياسية ، كما حدث وأن تنازل أحد كبارهم عن ترشيح نفسه ، وضد مَن؟ رئيس مجلس الشعب "أحمد فتحي سرور" والذي قال أن "إسقاطه يحتاج إلى معجزة"..

4-الشيء الثاني هو أن المستصوفين أكثر تنظيماً ، هم مجموعات لها رئيس أو قائد ، وتستطيع أن تتخذ قراراً جماعياً ، وأن تحتشد ، على العكس من غيرهم ، فمهما كان تعصب البعض للشيوخ الحسانيين قوياً ، وهو كذلك ، فلن يكون بنفس قوة التعصب والولاء لشيخ الطريقة في الحالة الصوفية أو للمرجعية الدينية في الحالة الشيعية مثلاً.. وبالتالي فإن أي قرار يأتي من القمة بالتصويت لفلان ، أو علان ، أو بعدم التصويت من أصله ، فستنفذه القاعدة بلا تردد ولا نقاش..

5-عن نفسي ، لا أتفق مع أي من المذكورين أعلاه في أي شيء ، كل منهم لا يملك إلا جزءاً من الحقيقة وليس الحقيقة كلها كما يتصور ، وأرفض أن يترشح رجل دين لأي مجلس نيابي ، أو أن يظهر تيار "ديني" ليقدم نفسه على أنه تيار سياسي ، وأن يستخدم تيار مذهبي السياسة لزعامة الدين، أو أن يستخدم تيار مذهبي لضرب تيار ديني ، لا يمكن إطفاء حريق صغير ببراميل بنزين ، وأرفض أكثر أن يكون التصويت "مُدَيَّناً" لمجرد أن شيخاً من التيار السلفي أو الصوفي أو الأزهر أو غيره يدعو الناس للتصويت باسم الدين فيصوت الجميع لهذا أو ذاك (وهي لعبة سمجة يلعبها الحزبوطني نفسه وسبق تناولها هنا قبل سنوات)..ومخطئ جداً من يعتقد أن محاربة التشدد والتطرف تكون باتباع كل الممارسات السابقة أو بعضها.. بالعكس .. ستكون له عواقب لو تعلمون مدمرة.. والله تعالى أعلى وأعلم..

Thursday, October 21, 2010

في الآتي بعد : في سَمّ البدن

0-يعتقد البعض أن الكلام عن أن الخلل عند المسلمين والمسيحيين معاً هو من قبيل إمساك العصا من المنتصف ، وهذا غير صحيح .. لدينا في مصر دوناً عن بقاع العالم مثل بسيط يقول "القفة أم ودنين يشيلوها اتنين".. وبالتالي لا يستقيم منطقياً أن يحمل القفة ذات الأذنين شخص واحد رغم أن لديه يدين اثنتين!

1-وعلى ذلك ، واسمحوا لي ، وبدون تزويق للكلام ، أن أبدي ضيقي كمواطن مصري مسلم من تحميل المواطنين المصريين المسلمين مسئولية كل ما يحدث من توتر طائفي بين الفينة والأخرى.. وهو ضيق "بشري" له علاقة بطبيعة البشر التي تعترف بالصبر ما دام له حد .. لا تتوقع من شخص أو مجموعة من الأشخاص تتلقى -ع الصبح- كل يوم اتهامات بكذا وكذا ، وربما يدخل فيها أشياء من عينة خروج الأرجنتين من المونديال الجنوب أفريقي ، ويكون سعيداً ومنتشياً ، ولا يكفي ذلك ، بل يأتي بعض السادة الناشطين ليكملوا مسلسل "سَمّ البدن" ليتفوهوا بأشياء سخيفة لدرجة الإضحاك من عينة "الأغلبية تتحمل مسئولية تعايش الأقلية" ، "انتم ليه مزدوجين المعايير في المسألة القبطية؟ ولا الأمور بتختلف لما بيتعلق الأمر بالأقليات المسلمة في الخارج"؟

نموذج نمطي حقيقي للكلام الفارغ..

2-فمن العبط المركز مقارنة الوضع هنا بالأوضاع في الغرب ، فمسلمو الغرب كما سبق وأن كتبت هنا في معظمهم جاءوا من دول أخرى وأنسجة ثقافية وعرقية ولغوية أخرى ، فالمسلم في ألمانيا غالباً تركي ، وفي فرنسا مغاربي ، وفي إيطاليا واليونان في معظم الأحيان مصري ، أما المسيحيون المصريون فهم جزء أساسي من هذا الوطن مثلنا تماماً.. كلنا أصحاب دار ، فلا هم أقلية ولا نحن ضيوف..

3-بل إني أعتقد ، وقد يكون في اعتقادي بعضه أو كله خطأ ، أن جزءاً كبيراً من مشكلة شركائنا في الوطن هو من يعتبرهم باستمرار أقلية ، ومن يزرع فيهم باستمرار عقلية الأقلية ، فينفرهم من المجموع ، ومن المشاركة في المجتمع ، ويعزلهم في قمقم ، ويطرح عليهم فكرة الهوية الدينية كبديل للهوية الوطنية أو كمناقض لها ، ويشترط في المشاركة في المجتمع أن تكون تحت غطاء ديني ، ويضاعف من دور المؤسسة الدينية كبديل يحل تدريجياً محل الدولة ، بل ويجعلهم باستمرار في موضع المستَهدَف..والخائف.. والمُضْطَهَد..

4-استفاد هؤلاء "المعتبرون"-وفيهم ناشطون ومثقفون- من عزل المسيحيين عن الحياة العامة في مصر ، أيما استفادة ، استفادوا مكانة ، وقوة ، وسلطة ، فالخائف أو المُتَربَص به -أياً كان دينه - يسهل تشكيله وتطويعه وتحريكه واللعب به ، والأمثلة كثيرة..

وفي سبيل ذلك عمد هؤلاء لترويج مقولة أن التطرف مقترن بما سموه ويعمدون إلى تسميته بـ"الأغلبية" ، وفي هذا ضحك عالٍ آخر حاجة على الذقون والشنبات ، التطرف والاعتدال والتزمت والانحلال كلها أمور موجودة في أي دين وفي أي فلسفة ما دامت موجهة لبشر يفهمها بطريقته في إطار ما يحيط به من ظروف ومتغيرات .. لدينا شيوخ متطرفون ومفكرون متطرفون وفي المقابل هناك رجال دين مسيحيين متطرفين ومفكرون متطرفون أيضاً ، ربما ما يميز حالة المسلمين في مصر ، حتى مع تزايد النفوذ السلفي والصوفي بكافة أطيافهما ، إلا أنه لم يتم "تديين المجتمع" بالكامل رغم تصاعد تيارات التديين ، ولا توجد مؤسسة دينية ذات علاقة شديدة الالتصاق بحياة الناس تخرج (=العلاقة) من نطاق الدين لتتعداه إلى الدنيا ، حتى الأزهر لم يكن كذلك في أوج قوته ، على العكس من حالات إسلامية أخرى كما في إيران والدول التي بها مجموعات شيعية مؤثرة -مثل البحرين- حيث يوجد ما يسمى بـ"مؤسسة دينية" لها مرجعية "خاصة" و"مختلفة" عن تلك لدى الإسلام السني عموماً ، وعلى العكس أيضاً مما بدأ يروج له مسيحياً عن طريق رجال دين استفادوا هم الآخرون من حالة الناشطين إياهم ، الذين نجحوا وتربحوا من تحويل شرائح من المسيحيين داخل مصر -بعيداً عن العاصمة المدللة- من شركاء في مجتمع إلى مجتمع منغلق على نفسه يتمركز حول المؤسسة الدينية ، بعد أن نجحت تلك الفئة في استغلال بعض الممارسات أحسن استغلال لتشكيك تلك الشرائح في الدولة كرباط جامع لأبناء بلد واحد ، ولا أعني هنا بـ"الدولة" "النظام" ، بل مؤسسات الدولة والقانون ، الذي يجب أن يحكم كل المصريين مسلميهم ومسيحييهم..وبالطبع في أي مجتمع مُدَيَّن "أكثر من اللازم" أيّاً كان دينه تصبح لرجل الدين قوة هائلة في الشارع ، وقدرة على التحريك ، بما أنه صار الملجأ والملاذ ، وهو ما يحدث في "الحالة المسيحية" ولا يستبعد أن يحدث يوماً ما هنا في "الحالة الإسلامية" هنا بعد أن حدث ويحدث في أماكن أخرى..

والنتيجة المعتادة : علّي وأنا أعلّي ، سيب وأنا أسيب ، متشدد هنا ، ومتشدد هناك ، صحيفة هنا ، وناشطون هناك .. حادث هنا ، وحادث هناك ، أي خلاف يتم تديينه ، وأي شارع يتم تديينه ، وأي قرية يتم تديينها .. أمر لا يتغير ما دامت مسبباته على حالها..

5-عندما أقول إذن أن المشكلة لدى المسلمين والمسيحيين معاً لا أمسك العصا من المنتصف ، هذه هي الحقيقة لكل ذي عينين ، كلنا نعاني من مشاكل مشتركة تتعلق بفهمنا لفكرة العيش المشترك ، الذي تقع مسئوليته على الكل وليس على طرف واحد ، ولدينا مثل شهير في مصر يقول "القفة أم ودنين يشيلوها اتنين" .. ولا يحملها واحد علماً بأن لديه يدان اثنتان..

لدينا معاً مشكلة في أمور من بينها فهمنا للدولة ، ومؤسساتها ، والقانون ، الهوية الوطنية والهوية الدينية ، علاقة الدين بالدولة وبالحياة ، المؤسسات الدينية على الطرفين ، ودورها في حياة أتباع كل دين ، وهل يجب أن يتناسق مع دور الدولة أم يطغى عليها أم يحل محلها ، ورجال الدين ، هنا وهناك ، ووقوفهم سواسية أمام القانون كأي فرد عادي مع كل ما يحظى به في دينه من تقدير وإجلال..

6-كثر الكلام عن "تجديد الخطاب الديني الإسلامي" ، ومع تحفظي على المصطلح فإن تصوراتنا -أكرر : معاً-للدين تحتاج للتغيير بما يتناسب مع العصر ولا يخالف ثوابت الدين ، لكني أحسب أن ذلك مطلوب أيضاً لدى المسيحيين ، وهناك مسيحيون مستنيرون ينادون به كما أنه يوجد مسلمون مستنيرون ينادون بتجديد فهم الإسلام ، التجديد ليس مسئولية طرف واحد دون غيره ..والمسألة ليست عزومة مراكبية ينتظر فيها كل طرف من الآخر أن يتحرك هو أولاً.. إلا إذا أردنا أن نقضيها شيخاً بجوار قسيس في حفل يخطب فيه الرئيس وبعدها احتقان طائفي هنا ومصيبة هناك ، وعزومة مراكبية و"سيب وأنا أسيب"، خاصةً أننا جميعاً - مسلمون ومسيحيون- لا نستطيع تحمل تبعات "الآتي بعد"..
*تحديث 25/10: تعديل في الفقرة (4) و (6)..

Wednesday, September 15, 2010

حاشية على كلام فارغ - جزء ثاني

10-بعيداً عن نفاق الناشطات والناشطين سالفي الذكر ، ظهرت الحاجة للحنين إلى الجذور الريفية في ظل ما تعرضت له الحياة الاجتماعية في مصر كلها من تغيرات في أعقاب الثورة ثم النكسة ثم الانفتاح ثم الهجرة إلى دول النفط ونهاية بحرب الخليج الثانية 1991..تغيرات انعكست كثيراً على شكل الأسرة في مصر أفرزت ظواهر منها التفكك الأسري ، ارتفاع حالات الانفصال ، ظهور ظاهرة المرأة المعيلة سواء أكانت زوجة غاب عنها زوجها بفعل السفر أو الانفصال أو الفتاة التي تعيل أشقائها ، لما رأته شرائح كبيرة في مصر من استقرار نسبي في الحياة الريفية مقارنة بحياة مجتمعات المدن .. تلك الحاجة لم تظهر فقط لدى أجيال الآباء بل انتقلت إلى جيل الشباب المصري نفسه..و بالأخص من سكان المدن الكبرى في الأقاليم وسكان القاهرة ، جيل على حصول كثير من أفراده على قسط كبير من التعليم بدأ يعيش أزمة اجتماعية كبيرة بين قيم الريف الذي جاء آباؤهم منه ، والمدينة التي عاشوا وتربوا وتعلموا فيها.. تخبط عاشه آباؤهم من قبل ووصفه علماء الاجتماع بـ"التحضر الزائف".. فكرة العيش في مكان بثقافة مكان آخر..

انعكس هذا التغير على سلوك الآباء والأبناء ، الآباء الذين يزوِّجون ، والأبناء الذين يتزوجون.. وبالتالي في الضغط على الفتيات والشباب على حد سواء للزواج في أصغر سن ممكن ، كما كان يحدث على عهد الآباء والأجداد ، والتعامل مع غير المتزوجة ، وغير المتزوج على أنه كائن غير مكتمل الصلاحية*.. لينتقل هذا المنطق الغريب حتى إلى المثقفين من المجتمع .. وهنا تكمن الخطورة..

جملة اعتراضية: لم أقصد بالتأكيد الهجوم على الريف الذي ننحدر منه بطريقة أو بأخرى .. فقط أقول أن الوضع الذي كان سائداً في الريف في ذلك الوقت عكس واقعاً اقتصادياً واجتماعياً كان سائداً حتى منتصف القرن الماضي .. وتغير بالكامل .. وبالتالي من الخطأ فرضه على أهل الريف أو المدينة الآن تحت أي مسمى..

11-ما جعل من التأخر في سن الزواج "عنوسة" وبالتالي "أزمة" وبالتالي "مصيبة" صنفان من الناس..الأول مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يلعقون أعتاب عدد كبير من المسئولين الفشلة والفاسدين في الثمانينيات والتسعينيات قبل أن يحطوا كالجراد على فضائيات النفط من عينة "إيه آر طين" ليقدموا تقارير وبرامج ينشرون فيها الغسيل "النظيف" للمجتمع المصري من أجل سليوة لذيذة لأبناء الطبقة المخملية في دول الخليج.. وبقوا على حالهم تلك حتى بعد أن تحول هؤلاء إلى المعارضة التي وجدوا معها سبوبة حلوة ولقمة طرية..

والصنف الثاني هم مجموعة من موظفي مراكز البحوث الحكومية ، تعليم عالي وثقافة "مش عالية" ، وتمسك بنظرة شديدة التخلف للمجتمع ككل وللمرأة بشكل خاص .. يطلقون نتائج "أبحاث" - الله أعلم اتعملت إزاي .. وأعلم باللي في ضميري- على وسائل الإعلام فيضخمها السادة الصحفيون ، فيتحول كل من تأخر في سن الزواج ، شاب أو فتاة ، إلى كائن معاق ومريض وأجرب ..

12-من النقاط الإحدى عشر سالفة الذكر يتضح أن الدين بريء من تلك المشكلة.. ومنظور الإسلام للزواج لا يحتاج إلى أبحاث مطولة أو إلى فذلكة.. لكن ما أدخل الدين للمسألة مجموعتان أخرتان من الناس.. الأولى هم صنف "مسلي ولذيذ" من المفكرين والصحفيين يعتبرون أن الدين هو سبب كل المشاكل في الحياة.. قد يغلف بعضهم عباراته تحت لائحة "تجديد الخطاب الديني" وربما "المطالبة بثورة جنسية" كما قال السيد "حامد" نفسه.. والمجموعة الثانية هم بالتأكيد الذين عادوا للظهور بعد غزو العراق في العالم الإسلامي كله.. رجال المذاهب..

13-لن تحتاج لمتابعة كثبة - من "عن كثب"- للفضائيات الدينية ، أو لمطبوعات السلفيين من أمثال مجلة "التوحيد" ، أو مثيلاتها لدى الصوفيين "الإسلام وطن" أو مجلتهم الرسمية "التصوف الإسلامي" ، أو حتى لبعض إعلام جماعات الإسلام السياسي -وإن لم يكن لإعلامهم تأثير في المجال الاجتماعي بالمرة- لتكتشف أن تسعين بالمائة على الأقل من اهتمامات الخطاب الإعلامي لهم ينحصر أولاً في "العنوسة" وتأخير سن الزواج ، وفي ارتفاع حالات الطلاق.. والذي يتفق هؤلاء ، على اختلافاتهم الحادة فيما بينهم ، على أنه جاء بسبب غياب المجتمع عن "منهج الله".. كلام جميل في ظاهره.. لكن ما يقولونه ، بمزيد من التحليل ، والرد عليه ، هو محور الجزء الثالث الذي قد يكون الأخير ..

بالمناسبة.. سأنشر هذه التدوينة ، والجزء الثالث تحت باب "رمضان 1431" لتحضيري إياهما أثناء الشهر ، ثم استكمالي لكتابتهما بعد رمضان.. كان لدي الكثير لكتابته أثناء رمضان ، ولكن قدر الله وما شاء فعل..

Thursday, August 26, 2010

حاشية على كلام فارغ- جزء أول

في رأسي عدة مواضيع كنت أود الكتابة عنها على مدى شهر رمضان الحالي .. لكن ما كتبه "حامد عبد الصمد" في "الساقع" ، والمستوى السيء الذي ظهر به مسلسل "عايزة أتجوز" مع كل احترامي لكاتبته.. وملاحظاتي الشخصية في المجتمع المحيط بكافة دوائره عجلت بكتابة هذه التدوينة ، وربما التي تليها بما أن الموضوع كبير حبتين..

1-أستغرب أولاً من العديد من الكتاب الذين لا يلاحظون مجتمعهم المحيط ، الذي يدعون أنهم يكتبون منه وإليه ، عندما قرأت "حامد عبد الصمد" شعرت أن مقاله سيتغير بالكامل لو أمعن الملاحظة في مجتمعاتنا تحديداً ، دون كتابة سلسلة الكوبي والبيست التي تم هرسها في عشرين ألف مقال سابق..

2-وما يعرفه كل الناس ، عدا "حامد" وآخرين ، أن الجنس يشغل جزءاً أكبر من اللازم من تفكير شرائح كبيرة منه بمن فيهم "شعب الله المختار" من المثقفين ذوي الاتجاهات الليبرالية ، راجع في كثير منه لطبيعة التحولات التي عاشها المجتمع المصري من مجتمع زراعي إلى صناعي إلى خدمي بامتياز.. فكروا في نسبة الجنس في اللغة المستخدمة في الحديث بين كل تلك الشرائح ، من المزاح إلى السباب ، ومن الجد إلى النكات ، وفي المناقشات العامة.. وبشكل لا أراه صحياً بالمرة..

3-يستغرب - في افتراضي- السيد "حامد" مما يسميه "الكبت" النابع من "ثقافة القبيلة" و "تقديس النص" .. والواقع الذي لا يريد أن يفهمه أنه ثمة وسيلة واحدة فقط لتفريغ "الطاقة الجنسية الزائدة" هي التي يرضاها الدين ، والقانون ، والمجتمع ، بطريقة تحقق أكبر كم متاح من العدالة لجميع أطراف العلاقة.. بعيداً عن الوسائل الثورية التي يطالب بالبحث عنها والتي ظهرت في فترات سابقة في ظروف مختلفة عما نحن عليه والتي تمثل إخلالاً وظلماً بحقوق كل الأطراف ، وخاصةً المرأة التي يدعي هو وآخرين أنهم متحدثون رسميون باسمها..

والأكثر إضحاكاً أن "حامد" - وآخرين-يرون أن هذا الكبت هو السبب المباشر في سلسلة طويلة من الانحرافات الجنسية ، دون أن يكلف الرجل نفسه بالسؤال عن وجود كبت في المجتمع الأمريكي الذي يحتل ترتيباً متقدماً جداً في قائمة الدول الأكثر "تحرشاً"!

4-ولا أعتقد أن لـ"حامد" ولا لغيره الجرأة عن الحديث بأن المجتمعات تمارس ضغوطاً كبيرة على الشرائح الموجودة في سن الزواج للزواج ، ضغوط كبيرة على الرجل والمرأة معاً ، وليس على المرأة فقط كما يعتقد بعض المقيمين في الغرف المكيفة.. لأن المجتمع - بتركيبته وما أصابه من تحولات - يجعل من الزواج- وهو الوسيلة الوحيدة المتاحة في مجتمعاتنا ومجتمعات أخرى لممارسة الجنس- شهادة صلاحية للرجل أو المرأة ، كما لو كنا نتحدث عن برطمانات صلصة وليس عن آدميين..

5-ولذلك قصة.. سأحاول في حدود جهدي ومعرفتي المتواضعين تفسيرهما.. ولك مطلق الحرية في أن تتفق أو تختلف مع ذلك التصور من عدمه..

6-لنرجع مائة عام فقط إلى الخلف ، وقت أن كان أغلب المجتمع المصري زراعياً صرفاً ، وكان من المنطقي أن تكون الأسر كبيرة في عددها إلى ما قد يصل عدده من الأبناء إلى فريق كرة قدم .. وعليه كان الأصل في الأشياء أن تتزوج الفتاة ، طبقاً لأعراف المجتمع الزراعي القبلي ، في سن صغيرة ، لأنه كلما صغر سن الفتاة كلما زادت فرصتها في إنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء ، وخاصةً الذكور ،لكوننهم الأجدى اقتصادياً للأسرة ، حيث يعمل هؤلاء مع الأب كأجراء في "عزبة الباشا" أو كفلاحين عاديين في ملكياتهم المحدودة -هذا إن كان الإقطاعيون قد تركوا شيئاً للفلاحين يملكونه في ذلك الوقت..وبالتالي كان معيار "جودة" الفتاة في تلك الفترة هو صغر سنها ، قدرتها على الإنجاب ، وقدرتها على إنجاب الذكور!

7-التغيير الحقيقي بدأ مع بدايات القرن الماضي ، ولا أعتقد أنه جاء -فقط- بسبب "قاسم أمين" و حركة "تحرير المرأة" بقدر ما جاء بسبب تغيرين اقتصاديين هامين..الأول هو بداية دخول التصنيع إلى مصر ، كقطاع "كثيف" العمالة ، وكان التصنيع وقتئذ مقترناً بالزراعة ، وبالقطن تحديداً ، سواء في المحالج الصغيرة ، أو في المصانع الكبرى كمصنع المحلة الذي أنشأه "طلعت حرب" ، واستوعب التصنيع مع الوقت عمالة من الرجال والنساء على السواء ، أما التغير الثاني فهو بداية نشوء وتطور النظام البيروقراطي في مصر ، وظهور الوزارات -التي كان اسمها "نظارات" بادئ الأمر- والتي استقطبت - مع الوقت - عمالة من الرجال والنساء على السواء أيضاً ، وفي كلتا الحالتين لم يكن الأمر يتطلب قسطاً كبيراً من التعليم ، إذ كان من السهل على الناس وقتئذ الحصول على وظيفة "ميري" مثلاً بـ"البكالوريا" بل وبالابتدائية..

8-في ضوء ذلك ، وفي ضوء ما نادت به حركة "تحرير المرأة" ثم الناشطات النسويات في فترتي ما قبل وما بعد الثورة -والتي لم ألغ دورها ولكني قلت أنه ليس المؤثر الوحيد- بدأ المجتمع يتقبل أن يرتفع سن الزواج للفتاة سواء الحد الأدنى المذكور في القانون أو الحد الأدنى المقبول مجتمعياً ، وبدأ يتقبل أيضاً فكرة أن يكون التعليم والعمل وسيلة لتحقيق الفتاة ذاتها ، وأن تستمر في التعليم والعمل حتى بعد الزواج والإنجاب ، خاصةً وأن الاقتصاد أتاح فرص عمل جيدة جداً للشبان والفتيات في سن الزواج سواء في القطاع الحكومي -بوجاهته وسمعته عند المصريين- أو في المصانع التي كانت مؤممة في معظمها بعد قوانين "يوليو الاشتراكية" ، بل واستمر ذلك القبول إلى فترات في الحقبة المباركية..مع ازدياد أهمية العمل بالنسبة للفتاة بعد التغيرات التي شهدتها أسر مصرية كثيرة ، والتي أسفرت أيضاً عن حاجة العديد *من السيدات للعمل لإعالة أسر بأكملها..

9-الغريب أنه من الناشطات ومن المفكرات والكاتبات اللواتي نظَّرنَ لـ"تمكين المرأة" من يصرخ ويبكي على ارتفاع سن الزواج بالنسبة للفتيات ، كما لو كنَّ يدنَّ أفكارهن التي قبلتها عقول كثيرة في المجتمع عن اقتناع وليس عن طريق "الزن ع الودان" وأيدها أمر واقع فرض نفسه على البلد بأكمله..

ما علاقة ما سبق بما قاله السيد "حامد" ونظريته العجيبة عن الكبت؟ وما علاقة ما سبق كله بالدين والتدين؟ أسئلة أحاول الإجابة عنها في الجزء القادم أو الأجزاء القادمة.. إن قدر الله لي كتابة..
*..حتى داخل الريف المصري نفسه ، الذي صارت فيه المرأة عضواً فاعلاً اقتصادياً في الأسرة بعد أن كانت عضواً خاملاً (نتيجة عدم مشاركتها في الزراعة بنفس الشكل المباشر الذي يشارك به الذكور) ، وكان ذلك يستغل وقتئذ بالمناسبة في "لهف" نصيب السيدات والفتيات من الميراث بالمخالفة للشريعة..

Monday, August 2, 2010

اليوم السابع : أفلام عربي (..) الأجنبي!

0-ليس من عاداتي في "الدين والديناميت" أن أكتب عن شيء حدث أمس أو أول منه.. إذ أنني أرى أنه من الأفضل عادةً أن أنتظر لفترة بعد أن تهدأ العاصفة لنقول ما يعتمل بصدورنا.. لكن لكل قاعدة شواذ .. خاصةً إذا ما تعلق الأمر بشغل حلبسة من العيار الجامبو..فيلم هو الأكثر هبوطاً هذا الموسم ، لا أتحدث بالطبع عن فيلم سينمائي معروض تجارياً في الوقت الحالي ، بل عن فيلم -بما أن مسمى "فيلم" يطلق في مصر على هكذا أمور- من بطولة وتأليف وإخراج السيد "خالد صلاح" رئيس تحرير جريدة "اليوم السابع".. بالاشتراك مع كاتب الفضائح "أنيس الدغيدي"..

1-"خالد صلاح" العضو السابق في جماعة متطرفة - باعترافه في حوار للصحفي "أشرف شحاتة" صاحب مدونة "الوسط الصحفي العربي"-والذي "قلب على ليبرالي" فيم بعد يبقى في رأيي ، ورأي كثر ، واحد من أضعف أبناء جيله من رؤساء التحرير الحاليين ، حتى مقارنة بصديقيه "مجدي الجلاد" و "إبراهيم عيسى"، والدليل على ذلك تواضع مستوى ومبيعات "اليوم السابع" الورقية برغم ضخامة التمويل، على العكس من الموقع الذي حقق سمعة طيبة على المستوى الإخباري ، ربما لبعد "خالد" عنه ، لكن الأخير قرر أن يعلن "نحن هنا" على طريقته بإعلان جريدته قبل أيام عن نشر رواية لـ"الدغيدي" على حلقات اعتبرها الموقع "دفاعاً عن الرسول الكريم (ص)".. وإن حملت عنواناً صادماً : "محاكمة النبي محمد"..

العنوان- المثير للغضب خلقة-مضافاً إليه حملة من الهجوم شنها الشيخان "أبو إسحق الحويني" و "محمد حسان" أثارا حالة عارمة من الاستياء في أوساط المجتمع المصري دفعت -فجأة- بالجريدة لتقديم اعتذار عن عدم نشر الرواية لحين تعديل العنوان وعرض العمل بكامله على مجمع البحوث الإسلامية .. وإن هي إلا ساعات حتى تعرض الموقع - بجلالة قدره - لـ"هجوم" من جانب قراصنة إلكترونيين ، قبل أن تنصب المناحة على حرية الرأي في نفس اليوم على قناة "أو تي في" التي كان يعمل بها "خالد صلاح" ، وقبل أن يظهر السيد "الدغيدي" صوتاً على برنامج "مانشيت" الذي يقدمه الصحفي بـ"الأهرام" "جابر القرموطي" صارخاً ومتشنجاً ومعلنا الحرب على حملة التحريض التي قامت ضده وضد ...الخ..

2-فيلم يصعب على الشخص العادي مقاومة الضحك عليه ، من شدة هبوط السيناريو والتنفيذ .. ومن الواضح أن رئيس التحرير يعتبرنا لا نزال نعيش زمن الفيلم الهندي الكلاسيكي ، حيث يتعلق "أميتاب باتشان" بـ"ثعبان" على كوبري كما حدث في فيلم "جانجا جامونا ساراسواتي" الهندي الشهير ، وبالتالي لا نعير التفاتاً كبيراً لفكرة أن يتعلق "بيني آدم" بـ"ثعبان" كحبل ليصل إلى الكوبري ، وبالتالي لـ"حوار" الرواية ..

كان أمام "خالد" أن يناقش الأمر مع "الدغيدي" على رواقة ، ويعترض على الاسم ، ويتمسك بعدم نشر الرواية إلا بعد تعديل الاسم ، تجنباً لأي مشكلة قد تحدث ، و/أو ينصحه بعرض الرواية على مجمع البحوث الإسلامية ، قبل أن تنشرها الجريدة ، وحينئذ ، أي إذا أقر المجمع الرواية قبل نشرها على الموقع ، سيكون موقف الأخير قوياً .. ونفس تلك الخيارات كانت تقريباً أمام "الدغيدي" .. لكن أياً من الرجلين لم يختر أياً منها.. والغريب أن "خالد صلاح" رئيس تحرير ، أي في أعلى الهرم التحريري في الجريدة ، ومن الطبيعي على أي صحفي أن يعرف "المناخ السائد" وطبيعة تقبل وفهم الجمهور لما سينشر ، بما أن الجمهور هو مشتري الجريدة ومتابع الموقع .. فما بالكم برئيس التحرير .. الذي يثبت بالدليل العملي أنه "مالهوش فيها"..

2-يدعي "خالد" ويدعي معه موقعه أنه "ليبرالي" .. ماشي.. لماذا تراجع فجأة الموقع عن مبادئه وقرر عرض مصنفه على مجمع البحوث الإسلامية ، بعد نشر تنويه الرواية وحدوث الزوبعة؟ لماذا لم يفعل مثلما فعل "حلمي سالم" الذي رفض عرض عمله على أي مؤسسة دينية؟

3-أليس من المضحك أن نسمع ممن قالوا أن الدين لن يهدمه رسم مسيء للرسول (ص) ولا فيلم يهينه يقدم في بلاد الغرب ، أن نسمع منهم أن رواية يمكنها الدفاع عن الرسول الكريم (ص) في مواجهة الهجمات الغربية الشرسة عليه-خصوصاً إذا كانت تلك الرواية مقدمة للمجتمع العربي ومنشورة بالعربية؟ هل هدمت "عزازيل" المسيحية؟ هل انتقصت "وليمة لأعشاب البحر" من الإسلام؟ أليست الرواية "عملاً خيالياً" كما يفترض عادةً ، كما قال "جابر عصفور" ذات مرة على "الأوربيت"؟ تذكروا أن الجريدة تبنت موقف "عصفور"!..

4-يلمح نظرية المؤامرة بطبيعة الحال إلى احتمالية ألا يكون الهجوم بعيداً عن "اليوم السابع".. أي أنهم دبروا الهجوم على الموقع الهش جداً -رغم ضخامته واعتماده على قواعد بيانات محكمة الصياغة وسيرفر قادر على تحمل ضغوط- من أجل استدرار تعاطف الرأي العام مع الجريدة .. هذا إن كان كلام أنصار النظرية صحيحاً .. أما إذا صح العكس فهو أمر يضيف إلى أخطاء الجريدة ورئيس تحريرها الفاضل خطأ جسيماً : الأستاذ مش عارف يدير ولا يحمي موقع.. وربما يتفق معي أي طفل على أبسط دراية بأصول لعبة الآي تي..

5-ومن شاهد حلقة "مانشيت" بتاريخ الأول من أغسطس 2010 فسيحصل على جرعة عالية من الضحك النابع من القلب ، حيث كان الضيفان "سعيد الشحات" مدير الموقع ، وكاتب آخر فيه لا يحضرني اسمه .. والكلام دار عن "الهوس الديني" و"تنظيم القاعدة" و"لن نسكت" واستعمالات مضحكة لمصطلح technician .. حيث بدا أن "الشخص الآخر" لا يعرف الفرق بين technician "التقني" و technique "تقنية".. أي كلام فاضي معقول..وهيس ثم هيس ثم هيس حتلاقي اللي يصدقك..مع الاعتذار لـ"جوزيف جوبلز"..

6-وسيلقي ما حدث كله الضوء على عدة حقائق في تصوري .. أولها أن أي تطرف يغذي التطرف الموجود في الاتجاه الآخر ، كما ألمحت في التدوينة السابقة ، وثانيها أن البعض من أدعياء الاعتدال والليبرالية والحرية والمهلبية يخفي ذقنه ، أي أنه يدافع عن حرية أي شخص في إبداء أي رأي يتوافق مع مصلحته الفكرية فقط ، وبالتالي "يفصل" تعريفاته للحرية والاعتدال على مقاسه..أخلاقيات الحراك السياسي بعيد عنك..

وثالثها أنه لم يعد من المجدي دفن الرءوس في الرمال.. كما أن هناك من يغلو في الرسول الكريم (ص) غير الحق ، هناك من يغلو ضده غير الحق ، وينزع عنه كل قداسة ، وينتقده ويهاجمه ، وأنه من الوارد أن نجد تلك الانتقادات تتم من "البعض" تحت اسم تجديد الخطاب الديني والدفاع عن الإسلام ، أو تحت أي مسمى آخر تفادياً لغضب جنوني من المتشددين وغير المتشددين على السواء.. وساعتها سنرى كيف سيتعامل الموقع الليبرالي الوسطي المعتدل مع التطرفين ، المتشدد مع ، والمتشدد ضد .. هل سيقف موقف "الوسط" المعادي لكل أشكال التطرف ، أم سيتحالف مع أحدهما ضد الآخر حسب المصلحة؟

لا أستبعد الأخيرة.. دمتم بخير..
هام جداً:لا علاقة على الإطلاق بين "أنيس الدغيدي" والمخرجة "إيناس الدغيدي" إلا تشابه الأسماء فقط.. "أنيس" كما سبق الذكر كاتب صحفي له كتب تحسب على كتب الفضائح ..وكان تحوله للأدب "الديني" غريباً مثلما كان تحول "نبيل خالد" أيضاً..

Friday, July 23, 2010

أقنعة "الاعتدال" : سؤال غبي مشروع

بما أن هذه المدونة حالياً في مرحلة التفكير بصوت عال ، والسؤال في كل الاتجاهات حتى ولو كانت الأسئلة غريبة لدرجة الجنون..اسمحوا لي أن أسأل سؤالاً غبياً ومشروعاً : هل أعطى من كفَّروا "نصر حامد أبو زيد" الفرصة كاملة لآخرين على الاتجاه الآخر لتقديسه ورفض أي نقد موضوعي حقيقي يوجه لأفكاره؟.. الإجابة عندي "نعم"..

سيستشهد بعض "الآخرين" بما حدث بين "إسماعيل أدهم" و "محمد فريد وجدي".. ماشي .. فعلاً وقت أن كان هناك "إسماعيل أدهم" .. كان هناك "محمد فريد وجدي"..ولكن..

"إسماعيل أدهم" فعل ، و"محمد فريد وجدي" رد فعله ، وكانت آراء "إسماعيل أدهم" عدائية بما يكفي (فكرة الترويج الفكري للإلحاد في مجتمع متدين)، وكان من الطبيعي أن تُرفَض وتُهاجَم ، لكن "محمد فريد وجدي" اختار أن يكون رد فعله إيجابياً فكتب راداً عليه ..وبحرية تامة ..دون أن يقلل أحد منه (="وجدي") أو يسفهه..

ولا أعتقد حسب علمي المتواضع أن كان أي من الرجلين محسوباً على السلطة ، لا الملحد ولا غير الملحد ، ولم يدعم هذا حزب وذاك آخر ، فنحن نتكلم عن أواخر الثلاثينات وقت أن كانت الحكومات تتغير باستمرار ، وتحالفاتها مع السراي والإنجليز تتغير باستمرار ، ونذر حرب عالمية تلوح بالأفق تم توريطنا فيها لاحقاً..

أما الآن فتغير كل شيء..

منذ ما بعد الثورة بقليل وحتى الآن تبقى لعبة التحالفات والتحالفات المضادة بين النظام والتيارات الفكرية اليسارية والتيار الديني قائمة ، والتي تنص على أن يتحالف الأول مع أحد الأخيرين ضد الآخر.. ومن المؤكد أن كل تيار يتحالف مع النظام ليستفيد منه لا في سياق خصومة فكرية مع التيار الآخر..

وكما يقال عن تحالف التيارات الدينية مع "السادات" وقت حكمه يمكن قوله الآن على تحالف من يسمون أنفسهم "ليبراليين" مع نظام غير ليبرالي بالمرة ولا يتمنى الشعارات الليبرالية المعتادة مثل "مدنية الدولة" و"المواطنة"و ...الخ..

وعليه .. وعندما قامت التيارات الدينية بتكفير "نصر حامد أبو زيد" وجدها "الآخرون" فرصة ذهبية لقلب المؤشر على النهاية العكسية ، وعلى اعتبار أن "نصر حامد أبو زيد" هو علم من أعلام التنوير ولا تجوز مناقشته ولا يجوز الرد عليه لا بكتاب ولا بمقال .. ولو ظهر الآن "محمد فريد وجدي" لجعلوا منه ، ومن خلال الإعلام الرسمي ، أضحوكة دون احترام حقه في الرد .. كما لو كانت المسألة احترام حق شخص في أن يتكلم ، واحتقار حق شخص في أن يرد بفكره..

طوال مهرجان الرثاء وسرادق العزاء ظللنا نسمع طوال الوقت عن كونه "مفكراً عربياً إسلامياً كبيراً" وبس .. دون أدنى تطرق لنقط الخلاف والجدل الحقيقية في مؤلفاته وإنتاجه ، على العكس مما قد يقال مثلاً عن "طه حسين" الذي يذكر بكتابه "في الشعر الجاهلي" والذي قتل بحثاً ونقداً على يد كثيرين بينهم "محمد فريد وجدي" نفسه، كأنك تسمع في الميديا عن الفنان الكبير "فلان الفلاني" نجم السينما والمسرح والتليفزيون دون أن تسمع في تلك التغطيات الإعلامية عن اسم فيلم واحد شارك فيه ولو ككومبارس صامت!

كل ما نفهمه من ذلك الخطاب أنه "مفكر إسلامي" يتكلم "بلسان الإسلام السمح المعتدل" .. وأي شخص يختلف معه "عارف نفسه كويس"..هل هذا منطق؟

كل منا يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول الكريم (ص) ، كل أفكارنا وتصوراتنا عرضة للنقاش سواء خرجت من رأس "مفكر إسلامي كبير" أو "مفقر غير إسلامي صغير" .. من رأس "نصر حامد أبو زيد" أو "زكي جمعة".. لكن "المعتدلين" فعلوا نفس ما فعله "المتطرفون" .. إذا كان الأخيرون لصقوا عبارة "الإسلام" بجماعاتهم لإعطائها حصانة دينية ، فإن الآخرين لصقوا عبارة "الإسلام" بمفكريهم لإعطائهم حصانة دينية فكرية..

وبالمناسبة.. ماذا لو كان "نصر حامد أبو زيد" اعتصامياً مثل مفكرين ليبراليين ويساريين آخرين قرروا اتخاذ مواقف "مخالفة" لـ"النظام"..هل كان سيحتفى به كما كان الحال الآن ، أم سيعامل معاملة "العيال الوحشين" التي يعامل بها مثقفون مرموقون وكتاب وأدباء كبار كل خطئهم أنهم اختلفوا فكرياً وسياسياً مع النظام الحاكم في وقتهم الحالي؟

مرة أخرى .. كل تيار -ديني أو غير ديني .. معتدل أو متطرف .. يمين أو يسار- يتحالف مع أي نظام حاكم يفعل ذلك بموجب صفقة يستفيد منها كما يستفيد الطرف الآخر ، يحصل مقابل ولائه على حصانة سياسية وفكرية وإعلامية.. وتكون النهاية أن يفسد التيار ، وتفسد الحياة الثقافية والفكرية بكاملها .. ولنا في تحالف "المعتزلة" -المصنفين كأحد رموز "الاعتدال والاستنارة"- مع الخلافة العباسية في بعض المراحل درس موجع وعظة بالغة..خالص تقديري..

Sunday, July 4, 2010

سينما "إسلامية"؟

رجاء حار: أطلب من أصحاب الحساسية المفرطة تجاه الفن عدم التعليق على هذه التدوينة..

قبل الكلام:.. لنتفق أن البعض -متشددين وعالمانيين وأتاتورك ومتمذهبين على السواء - يريدون حصر الدين في مجرد شعائر والسلام ، بل وبعضهم يتمادى في غيه لمدى غير مقبول تحت أي ظرف بمناداته بفصل الدين عن الأخلاق برغم أن أي دين به جانب أخلاقي ويهدف إلى الارتفاع بسلوكيات المنتمين إليه .. وكلا الفرضيتين اللتين يتم الترويج لهما على نطاق واسع (=فرضية فصل الدين عن الحياة ، وفرضية فصل الدين عن الأخلاق) لا محل لهما من الإعراب ، ولا على أرض الواقع.. من الصعب بل ومن المستحيل ألا توجد أي أي علاقة بين الدين -أي دين- والحياة بكافة أنشطتها .. ومن الصعب بل ومن المستحيل أن تجد في أي مجتمع مهما بلغت درجة تحرره وتسامحه وليبراليته و..و... أن تجد الدين بمعزل عن كل مظاهر النشاط البشري .. من سياسة لاقتصاد لفن لرياضة لجريمة إلى آخر القائمة.. فعلى الجميع أن يعترف بأمر واقع مهم .. ألا وهو أن الدين -أي دين- هو مكون من مكونات تفكير وسلوكيات البشر عبر هذا العالم .. وهناك انعكاس للطريقة التي يفهم بها الشخص الدين على تصرفاته ، وسلوكياته ، واختياراته ، وطرق تفكيره ، وعلاقته بالآخرين ، وهي كلها أمور تحدد شكل كل أنشطة الحياة التي يمارسها في مجتمعه ودولته .. والكلام ينطبق على أي دين أو معتقد بما في ذلك الإسلام الذي فرض حدوداً بين ما هو ديني وما هو دنيوي وفق مبادئ وقواعد عامة تتيح حرية الاجتهاد في أمور الدنيا لأهل الاختصاص فيها بشكل تقني ومرن دون تدخل ديني ، إلا إذا تضارب هذا الاجتهاد مع نص صريح أو مقصد أعلى من مقاصد الشريعة ..وبالتالي توقعوا من كاتب هذه السطور أن يمر - من وقت إلى آخر- على مشاهد من علاقة الدين بكل أنشطة المجتمع ، سياسةً واقتصاداً ورياضةً وفناً ، في محيطنا المحلي والإقليمي أو في العالم..وكما اتفقنا من قبل : في محاولة للفهم .. لا أكثر..قبل أن نخسر أكثر.. عذراً للمقدمة الطوييييييييييييلة جداً..

في أحيان كثيرة قد يكون التنقل من مرحلة عدم مناقشة موضوعٍ "ما" ومرحلة "لا .. وألف لا ..لن أقبل" إلى مرحلة يمكن فيها "فتح سكة كلام" عن الموضوع وفي صميمه بشكل أقل ضجيجاً وعصبية ، أمراً إيجابياً في ذاته .. أمر تستخلصه من تدوينة قديمة نسبياً لزميلنا "محمد إلهامي" نشرها قبل سنوات ثلاث عن الطريقة التي كان السلفيون يرون بها الفضائيات.. والطريقة التي أصبحوا يرونها بها الآن..

ونفس ما ينطبق على الفضائيات ينطبق بدوره على الفنون عامةً ، وعن السينما خاصةً.. موضوع هذه التدوينة تحديداً..

لفت نظري في عدد "الوعي الإسلامي" الكويتية ملف عن الإسلام والسينما ، تضمن عدة مقالات وعدة فتاوى قديمة ومعاصرة من أكثر من مدرسة فقهية ويحمل بعضها توقيعات لعدد من كبار فقهاء الإسلام في القرن الماضي وقبل الماضي من بينهم شيخ الأزهر الراحل "عبد الحليم محمود" والشيخ "رشيد رضا" - صاحب تفسير "المنار" - فضلاً عن فتاوى أخرى سعودية..

لكن ما لفت نظري بشدة في الملف - الذي فشلت في العثور عليه على النت مكتفياً بالعدد الورقي لدي- هو المقالات التي توحي بما يشبه ما كتب عنه "إلهامي" قبل ثلاث سنوات.. شجاعة تحسب لهم ككتاب ، ولإدارة المجلة طبعاً ، بفتح الملف في هذا التوقيت ، حتى وإن أختلف وقد تختلف معي تقريباً مع بعض أو كل ما كتبوه..

1-إجمالاً.. لم يخرج الملف القصير نسبياً عن "التوقعات المرئية" لأسئلة يطرحها محافظون عادةً عن السينما ، بدءاً -بالتأكيد- من الحل والحرمة ، مروراً بعديد الأحكام الفقهية المتعلقة بالفن السابع - لا ننسى أن الملف نشر في مجلة "دينية"- خاصةً فيما يتعلق بالمشاهد إياها ، دور المرأة في المشهد السينمائي طبقاً لوجهة نظر (يعتبرونها) إسلامية ، والموقف الديني من ظهور الأنبياء على الشاشة ، وهي قضية لا تزال مثار جدل حتى خارج العالم الإسلامي..

2-لكن كتاب الملف في كتاباتهم مالوا - في معظمهم- إلى الواقعية ، هم لا يريدون خسارة السينما وخسارة تأثيرها القوي ، والذي أراه -عن نفسي على الأقل- واضحاً أولاً مع صحوة السينما التجارية في منتصف التسعينيات وتأثرها فيما عرف بالحراك السياسي (مصر) ، أو ظهور أفلام سينمائية خليجية لأول مرة بشكل تجاري وهو ما لم يحدث من قبل ، ويريد هؤلاء تطبيق نسختهم المحافظة من الفن السابع ، بمواصفاتهم الخاصة المختلفة بطبيعة الحال عن مواصفات الليبراليين مثلاً..

3-فيمَ يخص المخوف الأشهر لدى المحافظين أو المتدينين أو ..أو.. وهو "العري" في الأفلام السينمائية ، أحد أكثر العوامل التي تنفر شرائح أكثر محافظة ليس من السينما فقط ولكن من الفن عموماً .. نجد الناقد السينمائي المغربي -الذي أخطأت المجلة بتوصيفها إياه بـ"كاتب سوري"- "سعيد آيت حو" لا يفاجئك بتفسير فقهي لما تصفه المجلات الفنية المشار إليها في الفقرة السابقة بـ"المشاهد الساخنة" .. لكنه يعتبر المسألة "خياراً فنياً وفكرياً" لصاحب الفيلم ، وهو كلام أراه منطقياً إلى حد كبير جداً.. وفي تاريخ السينما في مصر ما يؤيده في سينما مخرجين كبار من أمثال "عز الدين ذو الفقار" و"حسن الإمام" وكلاهما في أفلام كثيرة أخرجاها كانا يكتفيان باستخدام إشارات ورموز فقط بدلاً من تقديم المشهد كما هو بكل عنف وفجاجة كما يحدث في "سينما الحراك السياسي".. ويرى أن الأسلوب "غير المباشر" والرمزي والإيحائي أفضل بكثير من "شغل الخبط لزق" باعتباره حيلاً فنية تثبت قدرة وقوة المخرج وكاتب السيناريو..أي أن المسألة تبقى في الأخير وجهات نظر..

4-يرى أحد كتاب الملف مع ذلك أن تقديم "سينما إسلامية" بمقاييس "إسلامية" -وفي ظل الظروف الحالية- شبه مستحيل..لكنه يريد إبقاء الباب موارباً ، ربما يتوصل فقهاء وصناع سينما إلى حل وسط -كما حاول الإيرانيون الذين يروجون لسينماهم على أنها النموذج الإسلامي من الفن السابع- يرضي الشريحة "المحافظة" "الأقل تزمتاً" من المجتمع التي لا تعتبر مشاهدة السينما "حراماً" .. بعكس من أسماهم كاتب آخر بـ"الملتزمين" والذين لا يرون في السينما إلا الشر المطلق والعري ومشاهد الإغراء .. كما تراها أحياناً بعض الصحف والمجلات الفنية!

5-وعليه تبقى قدرة هؤلاء على تخطي كل الحواجز التي تمنع الشريحة "المحافظة""الأقل تزمتاً" محل شك ، بدليل تجارب الفضائيات نفسها والتي عكست تخبطاً فيم يخص المرأة ، فهناك فضائيات دينية تمنع ظهورها نهائياً على الشاشة تحت أي مسمى (هم أحرار فيما يروه صواباً) وفي المقابل يسمحون بظهور صوتها كمتصلة في البرامج.. فما بالك بفيلم سينمائي أو حتى سهرة تليفزيونية.. والأغرب ..كيف سيتعامل هؤلاء مع كل النماذج الطيبة والسيئة التي يعج بها المجتمع والتي لا يخل منها فيلم سينمائي (رغم اقتناعي الشخصي بأن ليس كل ما هو واقعي يقبل التقديم على الشاشة)؟ وكيف سيبتعد هؤلاء عن الوعظ المباشر الكفيل بتنفير الناس من السينما بدلاً من جذبهم إليها..

إلا أن يفاجئنا هؤلاء بشيء لا نتوقعه..وكما يقول الشاعر : ستخبرك الأيام ما كنت جاهلاً..ويأتيك بالأنباء ما لم تزود..
* سأحاول في تحديثات لاحقة نقل فقرات وأسماء من الملف الذي يبقى كوجهة نظر أتفق أو أختلف معها.. والتدوينة إهداء خاص لأستاذي "أسامة القفاش"..

Thursday, July 1, 2010

زغزغة دينية

بالتأكيد سيثير هذا الخبر جدلاً كبيراً كما أثاره وقت نشره قبل ساعات من كتابة هذه السطور.. فقط سأقف عند هذه الفقرة تحديداً:

وأشار إلى التعديلات الأخيرة التي أفسحت المجال للنساء لدخول البرلمان، بعد تخصيص 60 مقعدًا لهن "كوتة" اعتبارًا من البرلمان القادم ولفصلين تشريعيين, وقال إن مجلس الشعب حريص جدا على المشاركة السياسية للمرأة أسوة بالصحابيات ونساء آل البيت!

1-فكرة إضفاء أساس ديني على كوتة المرأة أمر مثير للضحك ، بل لعله أكثر إضحاكاً من أفلام كاملة هدفها المعلن الإضحاك مثل "عسل اسود" و"لا تراجع ولا استسلام".. وهذا يعطيني- على الأقل - انطباعاً بأنني أمام عقلية تديِّن كل شيء ، وتسعى على إضفاء تبريرات دينية على كل شيء تفعله.. إذا كان هو قد برر "الكوتة" بالاقتداء بنساء آل البيت والصحابة رضوان الله عليهن ، فماذا سيبرر به إلغاء الكوتة أو التراجع عنها إن قرر؟ تذكروا أن السياسة في بلدنا بالذات مثل كرة القدم.. لا منطق لها ..وتستطيع أن تتوقع فيها أي شيء..

2-هناك تحليلات "شريرة" تتحدث عن أن إعطاء "كوتة" بشكل عام ، سواء للمرأة أو لأي شريحة كانت ، قد تكون باباً خلفياً لتديين الحياة السياسية في مصر ، بفرض أن "الحزبوطني" تحالف ذات صباح مع السلفيين الحسانيين مثلاً ، أو مع الطرق الصوفية مثلاً لضرب الإخوان المسلمين ، ستتضمن الصفقة بالتأكيد "فتح الباب" أمام مرشحين ومرشحات يمثلون انتماءاتهم المذهبية لا أنفسهم كمستقلين ولا كأعضاء حزب ينتظمون تحت لوائه ويلتزمون بسياساته ، وبهذه الطريقة سنتحول إلى عراق آخر أو لبنان آخر..

3-على من يزايد الرجل؟ وفي أي مكان؟ تاريخياً تعد مصر من أوائل الدول التي أعطت حق التصويت والترشيح للمرأة في المجالس النيابية المختلفة ، وحتى في ظل وجود تيارات تعارض علناً مشاركة المرأة في الحياة العامة بالمرة (وليس في السياسة فحسب) ، سواء التيار السلفي بشكليه التقليدي والحساني ، أو ربما داخل تيارات دينية مذهبية أخرى (هذه المشكلة لا توجد بنفس الدرجة لدى جماعات الإسلام السياسي.. صدق أو لا تصدق) ، تبقى المعارضة العامة لدخول المرأة معترك الحياة السياسية ضعيفة ، فأغلب الدول التي ترتبط بها التيارات المذهبية فكرياً بدأت تتيح المشاركة السياسية للمرأة ، سواء في دول الخليج العربي النفطية الغنية ، أو في إيران ، مما يفقد أي معارض أو معترض أي حجة منطقية.. خاصة مع تزايد نفوذ حزب "احنا نعمل زي ما السعودية وإيران بتعمل"*..

4-أنا ضد الكوتة ، وأي كوتة ، نحن نتحدث عن دولة ارتضت الشكل المدني أساساً لها منذ فترة طويلة ، والشكل المدني يتضمن مشاركة المواطنين في الحياة السياسية تصويتاً وترشيحاً بغض النظر عن الاعتبارات الدينية ، في وجود أحزاب سياسية (يفترض أنها) محترمة ، بعيداً عن الأحزاب الدينية ، أو عن نقل الانتماء الديني والمذهبي للبرلمان أو الترشح على أساسه أو تمثيله على حساب بقية أبناء دائرته التي من الممكن -جداً- أن يكون منهم من على غير دينه وليس فقط على غير مذهبه..وهي نقطة ربما أفرد لها تدوينة مستقلة بإذن الله..إذن المسئولية تقع على عاتق الأحزاب ، الأكثر تنظيماً، الأوضح خطاً ، والأقدر على جمع أعضائها تحت مظلة "أكثر أماناً" .. والمشكلة أن تلك الأحزاب بشكلها الحالي هي التي تتعامل مع المرأة ككائن بشري من الدرجة الثانية ، بل إن من أعضائها ومن صحفييها من يطالبون بعلو الصوت بتعيين المرأة قاضية وهم يرفضون أن ترأسهم في أحزابهم وصحفهم امرأة!

ولا أعتقد أن فكرة أن الكوتة ستكون مؤقتة أو انتقالية يمكن أن تنطلي على "بوحة" طالما أن المصالح السياسية التي صنعتها قائمة وطالما أن المناخ على ما هو عليه إن لم يكن يتحرك إلى الأسوأ..إذن فلا نخدع أنفسنا أكثر بتديين مشكلة عزلة المرأة عن الحياة السياسية وبتديين حلها..

وعليه فإنه من الحلبسة الصرفة أن يستغل أي شخص أو حزب أو ما يقوم في محله الدين لحث الناس على المشاركة في الحياة السياسية ، في وقت لا يستغل فيه أي مخلوق الدين لجعل الناس يلتزمون بما جاء فيه من مكارم الأخلاق ، من يستغل الدين اليوم لحثي على التصويت سيستغله غداً لحثي على الامتناع عنه..

وعن نفسي كمسلم أذهب لشيخ أو لعالم لأستفتيه في أمر يخص ديني ، فرائضه وسننه وسلوكياته وأحكامه وتشريعاته ، لكنني لن أذهب إليه ليفتيني بالمشاركة في الانتخابات من عدمها ، لأنه يعلم بالتأكيد أنها شأن سياسي متغير لا تحتاج فيه إلا أن تستفتِ قلبك وإن أفتوك كما علمنا رسولنا الكريم.. خالص مودتي..
*طبعاً الحزب دة بيتمسك بالمبدأ المذكور في أي حاجة إلا فيما يتعلق بقانون التأمين الصحي اللي بتتحول فيه السعودية وإيران إلى الدانمارك والنرويج.. حاجة تقرف..

Tuesday, June 22, 2010

في خطورة "الآتي بعد"..

هذا التقرير ، المكتوب بهذه الطريقة ، في صحيفة تدعي أنها ليبرالية ، هو خير دليل على خطورة ما أسميته قبل عدة تدوينات بـ"الآتي بعد"..

أهلاً بأي باحث وبأي عالم وبأي مجتهد يحاول تحريك المياه الراكدة ويساهم في تحريرنا من التخلف الدنيوي الذي نعيشه ونتنفسه ونشربه أياً كان انتماؤه، لكن لماذا عمد كتاب التقرير إبراز الانتماء الديني أو المذهبي للباحث؟ هل كانت الجريدة الغراء غير المحترمة التي تغش قراءها لتهتم بالموضوع ، وتصدره عنواناً على رئيسيتها ، ثم "فشحاطاً" لا تعرف إن كان تقريراً أم خبراً أم "كلام بامفليتات" دعائي كريه ، لو كان الباحث منتمياً لأي تيار مذهبي آخر؟ ..والأهم: "أنا مالي" بانتماء الباحث؟ ألم يكن ممكناً ، ومتاحاً للجريدة أن تكتفي بقول "باحث يكتشف طريقة لزراعة السمك في الصحراء" مثلاً؟ -بما أن الاهتمام بالعلوم في "الفجر" مقطع بعضيه يا خيّ.. خيّ!

أولاً.. كل شخص حر في أن يعتقد ما يريد ، وأن يؤمن بما يريد ، وأن يعبر عن معتقده الديني ورموزه الدينية كما يريد ، نحن لسنا إيران ولا تركيا أتاتورك..لكن عند العمل العام "يفترض" أن يذوب هذا الانتماء في المجموعة ، وما يحدث حالياً هو أننا نرى ذلك الانتماء وقد تحول في العمل العام إلى "يافطة" كبيرة يضعها في عين "التخين" -اللي هو احنا يعني- خصوصاً لو كنا مختلفين مع انتمائه وأفكاره..إشي سلفي وإشي صوفي وإشي كذا وإشي كذا.. وباقي الحوار يسهل تخيله..

وطبعاً لا تسألوني في ظل هذه الممارسة المتطرفة عن الطريقة التي يعيش بها كل هؤلاء معاً ، أو عن قدرة الصوفي -مثلاً-على العمل مع السلفي مع المسيحي مع البهائي مع الشيعي مع حتى البوذي في مجتمع يعيش به كل هؤلاء معاً..

أ إلى هذه الدرجة أصبحنا مجتمع صوبات زجاجية إلى هذه الدرجة؟ يقف فيه أعضاؤه بهذا الشكل تحت شمسيات انتماءات دينية و/أو مذهبية، إسلامية أو مسيحية، كل في مكان ما خاص بهم رغم أن الكل يقف في نفس الشارع؟

نحن إذن بهذه الطريقة على أول طريق وعر يعلم الله وحده نهايته..والبركة في المتعصبين هنا وهناك وفي إعلام هذه عينة منه تعتبر المواطنة أكسسواراً تضعه وتخلعه وقت اللزوم..دمتم بخير..

Tuesday, June 15, 2010

الآتي بعد : "الزواج الثاني" -عصف ذهني

لأول مرة منذ انطلاق "الدين والديناميت" أقدم على شيء جديد في هذه التدوينة.. عملية brain storming .. عصف ذهني.. ولكن بطريقة قد يراها البعض جيدة وقد يراها غبية..

بمعنى أصح : في السطور القادمة سأضع جميع وجهات النظر المطروحة في كل اتجاه في صورة عبارات قصيرة مقتضبة تقال في كل نقاش يثور عن تلك العينة من المواضيع.. دون أن أذكر رأيي الشخصي الذي لم أكونه بعد.. المسألة لا تبدو كمجرد خلاف بين مؤسسة دينية وحكم قضائي قدر ما تعكس أشياء كثيرة في مجتمعنا ككل..تذكروا أنه في "العصف الذهني" تطرح عادة كل الافتراضات ، بما فيها تلك التي يعادل احتمالها احتمال خروج سمكة قرش "صاحية" من "الحنفية" دون أن يحدث للأخيرة أو للحوض أي أذى!

"الحكم بالتأكيد هو جائر ويتنافى مع نص ديني ثابت ويستحق كل ما أثير عنه من ضجة..

"لكن لماذا جاء الحكم هكذا؟

"لأن شخصاً ما رفع قضية أمام المحكمة..مطالباً ربما بمساواة حالته بحالة أخرى .. أو لسبب آخر .. الله أعلم..

"ما هي جدوى رفع دعوى لاستصدار حكم يتعارض مع نص ديني أياً كان النص وأياً كان الدين؟.. مهما قيل في السبب..

"ولماذا يعترض رجال الدين على حكم قضائي؟ أليسوا ضمن نظام الدولة؟ ألا يتطلب أن تكون عضواً في نظام ومجتمع أن تحترم قواعده ونظمه..ومن بينها القانون الذي تسري أحكامه على الجميع؟

"كنت لأؤيد رأيك حرفياً لو اعترض هؤلاء في شأن دنيوي ، لكنهم اعترضوا على تضارب حكم قضائي مع نص ديني..

"نحن في دولة مدنية أساسها سيادة القانون.. لا نصوص الدين..

"أساسها سيادة القانون فيما يتعلق بعلاقات الناس مع الناس ومع النظام ، وليس في ما هو منصوص عليه في أديانها..

"ولو تضاربا؟

"ولماذا يتضارب القانون مع الدين؟ ولماذا نضع الاثنين طوال الوقت على حافة نقيض؟ الدولة المدنية تتطلب فصل الدين عن العملية السياسية ، وليس فصل الدين عن العملية الحياتية..

"عاش الدين لصيقاً بكل شيء في الحياة سواء في فترات الدولة الدينية ، أو في الفترات التي كان فيها رجال الدين قريبين من السلطة ، سواء في العالم العربي أو في أوروبا..تجربة وفشلت؟ نعيدها ليه؟

"القانون ينظم علاقات معينة بين الناس وبعضهم البعض ، لكنه لا ينظم علاقات الناس بالله.. أي قانون ذلك الذي يتم تشريعه في مجلس نيابي لتقنين الصلاة والصيام أو الحج أو حتى شعائر الديانات الأخرى؟ ما لله لله وما للدولة للدولة..

"شريطة أن نعرف أولاً ما لله وما للدولة..

"بسيطة.. ما لله هو ما فرض في الأديان السماوية على اختلافها ، فيما يخص العبادات وفيما يخص أمور معينة .. منها الزواج سواء في الإسلام أو المسيحية..أما ما لا نص فيه فيخضع للاجتهاد وحرية العقل.. في إطار ضوابط يلعب الدين فيها دوراً..بما أن الضوابط العامة في الدين هي أساس قيام أي دولة ، ومن بينها العدل وحماية حقوق الإنسان أياً كان انتماؤه ودينه ومعتقده وعرقه..

"حتى الزواج؟

"طالما منصوص عليه.. آه..

"الزواج في العديد من المجتمعات شأن مدني.. وهي مجتمعات تؤمن بنفس الأديان التي نؤمن بها.. دول فيهم مسلمين كمان؟

"لكننا لسنا هم..

"نحن مجتمع متخلف نقوم بتديين كل شيء..

"نحن مجتمع مختلف .. ولكل مجتمع ظروفه ..

"مختلفون عن "لبنان" مثلاً؟ عن دول أخرى في نفس منطقتنا العربية تتبع الزواج المدني لا الديني؟

"نحن مختلفون جداً عن "لبنان" المتعدد عرقياً ودينياً لدرجة الطائفية البغيضة ..وعن كل تلك الدول التي لا يلعب الدين دوراً كبيراً في مجتمعاتها كما يحدث لدينا.. ومختلفون عن مجتمعات عاشت تحت ظل السيطرة المطلقة لرجال الدين على كل شيء في الحياة كما حدث في أوروبا في القرون الوسطى..

"أليست حماستك تلك هي من النوع الذي يبديه المسيحيون في مواقف كما حدث لـ"نصر حامد أبو زيد" ، وما يبديه المسلمون في قضايا أخرى على الجانب الآخر؟

"كلام فارغ.. الموضوع خطير ويجب أن يستشعر الجميع خطورته ، مسلمين ومسيحيين على السواء ، ومن الممكن أن يتكرر لدينا كما حدث مع المسيحيين ، ولدينا بكل أسف متطرفين يتعاملون مع النصوص بكراهية واستقصاد وغرض واضح ، وربما منهم من يسأل باستنكار عن أشياء في صلب العبادات -التي هي أمر ديني صرف- محسومة منذ أربعة عشر قرناً ، ومن الممكن أن يستخدم الميديا و/أو القضاء لعمل شيء مشابه أو أكبر..

ما سبق كله هو آراء تتداول في كل نقاش يثور عن ذلك الموضوع ، آراء مختلفة فيما بينها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، وهي فرصة لمعرفة كيفية تفكير الناس على أرض الواقع في مسائل كهذا ، وللوقوف على هواجسهم ومخاوفهم على اختلاف خلفياتهم الثقافية وأديانهم وكيفية تقييمهم للأمور..والوضع كله يطرح أسئلة لا تقل أهمية ، أولها ما هو تعريفنا -نحن- للدولة المدنية؟ لماذا يصر البعض على تطبيق فكرة الدولة المدنية بحذافيرها كاملة ، وهم الذين يعيبون على غيرهم الإصرار على تطبيق النموذج "الديني" بحذافيره؟ لماذا لا يختلف تطبيق الدولة المدنية باختلاف المجتمعات كما يختلف ويتباين فهمها للدين نفسه؟ هل توجد نقطة وسطى تكفل "تمدين" الدولة بما لا يتضارب مع ما هو ثوابت دينية بشكل عام ، في الإسلام أو المسيحية في حالتنا في مصر؟ وكيف نرى على اختلاف مشاربنا الحد الفاصل بين الدين والدنيا؟و..و..و...

انتم شايفين إيه؟

Saturday, May 1, 2010

علاقات عامة

ع الماشي .. حكاية حلوة وظريفة ..مليئة بالمواعظ والعبر .. مهداة إلى كثير من الناس .. في مقدمتهم صحفي ابتلينا به مؤخراً مقدماً لفقرة عن الصحافة يقوم فيها بالدعاية المجانية لمجلته القومية التي نسي معظم الناس اسمها..وعدد من الأتاتوركيين المصريين، وممن يتبنون مفاهيم شديدة السطحية للتسامح وثقافة العلاقات العامة.. ستسليهم تلك القصة بطريقة شنيعة..

في بلد كألمانيا توجد حساسيات تجاه الأجانب عموماً ، والأتراك خصوصاً (مثلما تلك بالنسبة للجزائريين في فرنسا) باعتبارهم يشكلون جل الأجانب فيها، وبالتأكيد تجاه المسلمين الذين يأتي معظمهم من جذور تركية.. قرر الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني وهو واحد من أشهر الأحزاب الأوروبية اختيار سيدة ألمانية مسلمة من أصول تركية لتكون وزيرة دولة في حكومة ولاية "ساكسونيا" للشئون الاجتماعية..خطوة ستفرح الكثيرين في العالم الإسلامي ولا ريب..

السيدة "إيجول أوزكان" -أتمنى أكون كتبت الاسم صح- (39 سنة)..أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب تصريح لها أدلت به قبل أيام عن ضرورة منع الصلبان والرموز الدينية المسيحية في المدارس تماماً مثلها مثل الرموز الدينية الأخرى لأي دين آخر بما فيه الرموز الدينية الإسلامية..لاقت تلك التصريحات بحسب "دير شبيجل" هجوماً شديد العنف داخل الحزب وخارجه من صحف ألمانية متفرقة ..بمن فيهم "دير شبيجل" نفسها.. لم يخل تعليق تلك الأخيرة من "أسباب دينية" .. لكنها اعتبرت تعيين المهاجرة ذات الأصول التركية أشبه بحملة "علاقات عامة" يقوم بها الحزب لتحسين صورته بين المسلمين والمهاجرين عموماً لا أكثر..

طبعاً حاولت "أوزكان" "لم" الموضوع والاعتذار ومحاولة التوضيح .. لكن تيار الغضب داخل الأحزاب الألمانية كان أقوى..على الرغم من تطمينات "كريستيان وولف" رئيس الحكومة الفيدرالية لولاية "ساكسونيا السفلى" التي تعمل بها "أوزكان".. أما اتحاد مسلمي ألمانيا فأيد الإبقاء على الصلبان شريطة الإبقاء أيضاً على الحجاب الذي منع في مدارس ألمانيا أيضاً..ويرى رئيس الاتحاد "أيوب اكسل كولر" أنه "نحن نعيش في دولة ذات طابع مسيحي عميق وثقافة مسيحية عميقة ولذا يتعين أن يكون الدين واضحا في الأماكن العامة" وأنه "إذا حظرنا الدين من الأماكن العامة فإن هذا يعني أننا نطرح دستورنا العلماني للتساؤل"..

وسيرى البعض أن الموضوع كله علاقات عامة في علاقات عامة.. فالحزب أراد أن يختار وزيرة مسلمة من أصول ألمانية في حكومة محلية تبديداً لمخاوف الألمان المسلمين والمهاجرين من تصاعد التيار العنصري ضدهما.. وتصرف "أوزكان" ثم التراجع عنه كمحاولة منها لتطمين الحزب ، والمحافظين على أن وجود ألمانية مسلمة من أصول تركية لن يحدث مشكلة كبيرة للناخبين الليبراليين أولاً ، ثم المحافظين ثانياً..وبالتالي لو أراد الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني قبول مهاجرين - بحسب "دير شبيجل"- فعليه أن يتحمل الجدل الذي سيثيرونه..و"اللي يخاف من الدح.. ما يكونش كح"!

ولكن يبدو -في رأيي المتواضع جداً- تصرف "أوزكان" في رأيي محاولة لمعالجة خطأ بخطأ.. الخطأ الأخير كان فرض رمز ديني في مدارس بافاريا "بالعافية" بما يتناقض مع الدستور الألماني ، قوبل بمحاولة "تنميط" بحذف كل أشكال الهويات الدينية.. في مجتمع لا يخل من تأثير للدين فيه سواء بالنسبة للألمان المسيحيين أو المسلمين (4.3 مليون أغلبهم من أصول تركية وعربية) أو اليهود ..

ما تبنته "أوزكان" هو نفس ما تبناه "أتاتورك".. والذي كان من أحلامه انضمام تركيا للقارة الأوروبية .. وهو ما يحاول من خلفوه حتى لحظة كتابة السطور تحقيقه.. لكن لا هو ولا غيره يدركون صعوبة قبول الأوروبيين لهم .. ليس لكونهم مسلمين ولكن بسبب النظرية الأتاتوركية التي ترى أن الانتماء الديني مضاد للانتماء الوطني.. وهو ما يصطدم بواقع أوروبا التي تحكمها دساتير عالمانية ولكنها تتيح الحريات الدينية بمن فيها حرية إظهار الرموز الدينية ..ولا تخلُ تلك المجتمعات - كما أوضحت "دير شبيجل" - من ناخبين محافظين .. والناخب هو من يقرر عادة من يحكم.. ومن لا يحكم..

لدينا من يفكر مثلما فكر البافاريون أبطال المشكلة التي ثارت قبل ربع قرن ..ويثيرون مشاكل .. لكن حلها ليس بتحضير روح "أتاتورك"..لا يعالج التطرف بتطرف.. حتى وإن اعتقد في ذلك من يقولون أنهم معتدلين.. دمتم بخير..
*إهداء خاص لصديقي "ابن عبد العزيز"...