Tuesday, November 9, 2010

حاشية على كلام فارغ -جزء ثالث وأخير

14-لنتفق أنه كما تتنازع الأحزاب السياسية على كعكة السلطة ، وتتفنن في التنافس بكل الوسائل للفوز بأصوات الناخبين -هذا لو كنا بعد الشر في نظام ديمقراطي تعددي شفاف - بتقديم ما يمكن وصفه بـ"حلول عملية" لمشاكلهم الملحة ، تتنافس المذاهب على زعامة الدين واحتكار تمثيله دون غيرها بنفس الطريقة.. وفي مجتمع هذه هي نظرته للزواج ، المقصورة على الجنس وحفظ النوع ، فقط ، رغم محاولة الأديان كلها والإسلام بشكل خاص وصريح للرقي بها إلى ما هو أسمى وأعلى .. كان من الطبيعي أن تقفز مسائل الزواج والطلاق ، ومشاكل كارتفاع معدلات الطلاق والتأخير في سن الزواج المسمى هنا في بلادنا بـ"العنوسة" إلى ترتيب متقدم في قائمة أولويات تلك التيارات.. حتى على حساب مسائل خطيرة ومرعبة منها "الفقر" مثلاً..

15-يقول هؤلاء أن ارتفاع معدلات الطلاق و"العنوسة" سببه الرئيسي "الابتعاد عن منهج الله" .. صحيح .. ولكن لم يوضح لنا هؤلاء كيف .. هل في المظهر أم في المخبر.. في الاختيار .. في التربية .. في.. في .. ، فمنهج الله أوسع من مجرد مظهر أو تصور للدين ، الذي هو عقيدة وعبادات ومعاملات ، كما نعرف جميعاً.. ومشكلتنا أن من يقولون من خلال خطبهم وشرائطهم ومطبوعاتهم وفضائياتهم لا يعلموننا المنهج كله كما ينبغي .من المهم فعلاً أن نعرف موطن الخطأ أقله كي نتفادى كل تلك السلبيات ونسير أمور حياتنا بشكل إيجابي وسليم، هل وضح هؤلاء ، طالما افترضنا أنهم وضحوا سلبيات ، التصور الإيجابي لعلاقة زوجية ، بشكل قابل للفهم في زمننا الحالي ، فما جاء في الكتاب والسنة أسس عامة ومبادئ يحققها الإنسان في إطار مفردات ومتغيرات زمنه ، والاختلافات الضخمة بين المجتمعات في عهد السلف الصالح وبينها اليوم لا تخفى على أحد ، إلا على البعض الذي يشق على الناس فيحملهم ما لا يطيقون فيعنتهم..

15-ولأن الشيء بالشيء يذكر ، هل "العنوسة" مشكلة "دينية" رغم أن الزواج نصفه قدري كما أن نصفه اختيار.. بما أنه من أساسيات الإيمان هو الإيمان بالقضاء والقدر..وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها؟.. وبما أن كاتب هذه السطور من عامة الناس ويهمه أن يعرف ويفهم فإنني أسأل - سؤال استفهام وليس سؤال استنكار- هل في كتاب الله وسنة نبيه المصطفى (ص) ما يفيد بأن تأخر سن الزواج في ذاته مشكلة أو عقاب إلهي ينزله الله عز وجل فيمن يعصاه؟

17-وبما أننا نتحدث عن مسألة مبدأ ومعرفة صواب من خطأ .. هل درَّسَ لنا الإعلام الديني ، ولنكن صرحاء ، فقه الزواج سواء في الخطب والدروس "التي هي أساس قوي لتبصرة عامة الناس مثلي ومثلكم بأمور الدين" ، أو في الفضائيات التي بدأ البعض يتصورها بديلاً للمسجد ، فقه الزواج ، كاملاً غير منقوص، أقله لكي نعلم ، لأن من يعلم ليس كمن لا يعلم ، الذي يكون نهباَ لمن يقول أنه يعلم..

18-لاحظت ، وقد تحتمل ملاحظتي الخطأ ، أن كل التركيز فيما يوجه من خطاب ديني في مسألة الزواج ..الجانب الأول هو المسألة الاقتصادية ، والتي تعامل بتسطيح لافت للنظر.. أمر -عن نفسي- قبل ذهابي للعمل على لافتة ملصقة على محل في مدينتي عليها عنوان لذيذ آخر الشارع "هيا بنا نزوج الشباب".. والأمر لا يعدو مجرد حملة تبرعات من أهل الخير لتسهيل متطلبات الزواج بالنسبة للأسر الصغيرة "تحصيناً لأبنائها من الحرام".. ماشي .. حلو قوي..ألم يكن من الأفضل بالمرة أن تساعدوا هؤلاء بوظائف تساعدهم على إعالة بنات الناس ، بما أنه من القوامة بنص القرآن الكريم النفقة ، بدلاً من أن يجدوا أنفسهم مثقلين فجأة بأعباء مادية ضخمة تلقي بهم في قارعة الطريق في وجه الفقر اللعين -الذي استعاذ منه الرسول (ص) نفسه في دعاء شهير جداً نردده كثيراً- وفي هذه الحالة نكون قد أنقذنا "الشباب" من حرام لنوقع بهم في يد حرام آخر!

ويستمر التسطيح في الحديث عما يخص المهور أيضاً.. كما لو كانت المسألة اقتصادية صرفة ، بينما لم يمعن أولئك النظر في حقيقة أن هناك حالات انفصال تحدث ،وبالجملة ، بين عائلات متكافئة جداً في المستوى المادي ، بل وفي أوساط غنية اقتصادياً ، ولا تئن من الفقر الضنك الذي يعيش ما يقرب من نصف سكان البلد - طبقاً لإحصائيات- تحت خطه..

أما الجانب الثاني وهو جانب العلاقة الجنسية ، والتي يتكلم فيها كل من يمثل أي تيار في مصر ، مذهبي ديني ، عالماني ، يساري ، ماركسي ، ليبرالي ، حزبوطني ، تيارات دينية سياسية ..الخ.. وفقاً لتفاسيره.. ونسمع فيها ما يقتل من الضحك من شدة الغيظ .. فالمتمذهبون يتحدثون عادةً عن "العفة" وعن ما يحدثه "المجتمع الفاسد" من صور "إلهاب الغرائز" في الوقت الذي يصعب فيه اقتصادياً على الشاب أن "يعف نظره" ، وتحتل مفردات "غض البصر" و"الاحتشام" وغيرها أولويات في خطابهم.. وفي المقابل يرى المتطرفون على الجانب الآخر ، مثل السيد "حامد" أن مجتمعنا يعيش حالة من "الكبت" وأن الدين نفسه ، لا فهمنا له ، هو السبب الرئيسي لنصه على ترتيبات يرون هم أنها تعرقل "إشباع الغريزة الجنسية" في الوقت التي نراها كعامة ناس ترتيبات تضمن العلنية والعدالة والاستقرار و"السكن" - راجعوا الآية - وهي من أسس قيام مجتمع سليم وصحيح وسوي..

19-الدين نفسه يطرح الزواج بشكل سام، لا مسطح ولا حيواني ، لا اقتصادي نفعي مادي بحت ولا غرائزي ، مسألة قائمة على اختيار حقيقي ، ووعي وإحساس بالمسئولية ، وتقوى الله في الغير بعيداً عن الأنانية التي شابت سلوكنا كله في فترة ما بعد الحراك لتصل إلى التدين نفسه .. العيب ليس في الدين ، بل فينا إن علقنا العيب عليه .. كان الأمر ليختلف تماماً إذا ما تغير المجتمع نفسه ،عاداته وتقاليده ، بشكل يعلم الشباب أنفسهم حسن الاختيار ، وفهم الغير ، والإحساس بالمسئولية ، حينئذ لن نسمع عن احتقار ودونية ينظر بها مجتمع ما إلى امرأة طلقت (خرج بيوت) أو لم تنجب (أرض بور) أو ترمل عنها زوجها (بومة) أو تأخر بها السن قبل أن تتزوج (عانس).. أو إلى رجل لأسباب مشابهة..

20-العيب في التطبيق وليس في النظرية .. وتعييب النظرية نفسها حجة البليد .. حقيقة نعرفها .. لكن كما قال "نجيب محفوظ" : لكن آفة حارتنا النسيان..

No comments: