بما أن هذه المدونة حالياً في مرحلة التفكير بصوت عال ، والسؤال في كل الاتجاهات حتى ولو كانت الأسئلة غريبة لدرجة الجنون..اسمحوا لي أن أسأل سؤالاً غبياً ومشروعاً : هل أعطى من كفَّروا "نصر حامد أبو زيد" الفرصة كاملة لآخرين على الاتجاه الآخر لتقديسه ورفض أي نقد موضوعي حقيقي يوجه لأفكاره؟.. الإجابة عندي "نعم"..
سيستشهد بعض "الآخرين" بما حدث بين "إسماعيل أدهم" و "محمد فريد وجدي".. ماشي .. فعلاً وقت أن كان هناك "إسماعيل أدهم" .. كان هناك "محمد فريد وجدي"..ولكن..
"إسماعيل أدهم" فعل ، و"محمد فريد وجدي" رد فعله ، وكانت آراء "إسماعيل أدهم" عدائية بما يكفي (فكرة الترويج الفكري للإلحاد في مجتمع متدين)، وكان من الطبيعي أن تُرفَض وتُهاجَم ، لكن "محمد فريد وجدي" اختار أن يكون رد فعله إيجابياً فكتب راداً عليه ..وبحرية تامة ..دون أن يقلل أحد منه (="وجدي") أو يسفهه..
ولا أعتقد حسب علمي المتواضع أن كان أي من الرجلين محسوباً على السلطة ، لا الملحد ولا غير الملحد ، ولم يدعم هذا حزب وذاك آخر ، فنحن نتكلم عن أواخر الثلاثينات وقت أن كانت الحكومات تتغير باستمرار ، وتحالفاتها مع السراي والإنجليز تتغير باستمرار ، ونذر حرب عالمية تلوح بالأفق تم توريطنا فيها لاحقاً..
أما الآن فتغير كل شيء..
منذ ما بعد الثورة بقليل وحتى الآن تبقى لعبة التحالفات والتحالفات المضادة بين النظام والتيارات الفكرية اليسارية والتيار الديني قائمة ، والتي تنص على أن يتحالف الأول مع أحد الأخيرين ضد الآخر.. ومن المؤكد أن كل تيار يتحالف مع النظام ليستفيد منه لا في سياق خصومة فكرية مع التيار الآخر..
وكما يقال عن تحالف التيارات الدينية مع "السادات" وقت حكمه يمكن قوله الآن على تحالف من يسمون أنفسهم "ليبراليين" مع نظام غير ليبرالي بالمرة ولا يتمنى الشعارات الليبرالية المعتادة مثل "مدنية الدولة" و"المواطنة"و ...الخ..
وعليه .. وعندما قامت التيارات الدينية بتكفير "نصر حامد أبو زيد" وجدها "الآخرون" فرصة ذهبية لقلب المؤشر على النهاية العكسية ، وعلى اعتبار أن "نصر حامد أبو زيد" هو علم من أعلام التنوير ولا تجوز مناقشته ولا يجوز الرد عليه لا بكتاب ولا بمقال .. ولو ظهر الآن "محمد فريد وجدي" لجعلوا منه ، ومن خلال الإعلام الرسمي ، أضحوكة دون احترام حقه في الرد .. كما لو كانت المسألة احترام حق شخص في أن يتكلم ، واحتقار حق شخص في أن يرد بفكره..
طوال مهرجان الرثاء وسرادق العزاء ظللنا نسمع طوال الوقت عن كونه "مفكراً عربياً إسلامياً كبيراً" وبس .. دون أدنى تطرق لنقط الخلاف والجدل الحقيقية في مؤلفاته وإنتاجه ، على العكس مما قد يقال مثلاً عن "طه حسين" الذي يذكر بكتابه "في الشعر الجاهلي" والذي قتل بحثاً ونقداً على يد كثيرين بينهم "محمد فريد وجدي" نفسه، كأنك تسمع في الميديا عن الفنان الكبير "فلان الفلاني" نجم السينما والمسرح والتليفزيون دون أن تسمع في تلك التغطيات الإعلامية عن اسم فيلم واحد شارك فيه ولو ككومبارس صامت!
كل ما نفهمه من ذلك الخطاب أنه "مفكر إسلامي" يتكلم "بلسان الإسلام السمح المعتدل" .. وأي شخص يختلف معه "عارف نفسه كويس"..هل هذا منطق؟
كل منا يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول الكريم (ص) ، كل أفكارنا وتصوراتنا عرضة للنقاش سواء خرجت من رأس "مفكر إسلامي كبير" أو "مفقر غير إسلامي صغير" .. من رأس "نصر حامد أبو زيد" أو "زكي جمعة".. لكن "المعتدلين" فعلوا نفس ما فعله "المتطرفون" .. إذا كان الأخيرون لصقوا عبارة "الإسلام" بجماعاتهم لإعطائها حصانة دينية ، فإن الآخرين لصقوا عبارة "الإسلام" بمفكريهم لإعطائهم حصانة دينية فكرية..
وبالمناسبة.. ماذا لو كان "نصر حامد أبو زيد" اعتصامياً مثل مفكرين ليبراليين ويساريين آخرين قرروا اتخاذ مواقف "مخالفة" لـ"النظام"..هل كان سيحتفى به كما كان الحال الآن ، أم سيعامل معاملة "العيال الوحشين" التي يعامل بها مثقفون مرموقون وكتاب وأدباء كبار كل خطئهم أنهم اختلفوا فكرياً وسياسياً مع النظام الحاكم في وقتهم الحالي؟
مرة أخرى .. كل تيار -ديني أو غير ديني .. معتدل أو متطرف .. يمين أو يسار- يتحالف مع أي نظام حاكم يفعل ذلك بموجب صفقة يستفيد منها كما يستفيد الطرف الآخر ، يحصل مقابل ولائه على حصانة سياسية وفكرية وإعلامية.. وتكون النهاية أن يفسد التيار ، وتفسد الحياة الثقافية والفكرية بكاملها .. ولنا في تحالف "المعتزلة" -المصنفين كأحد رموز "الاعتدال والاستنارة"- مع الخلافة العباسية في بعض المراحل درس موجع وعظة بالغة..خالص تقديري..
2 comments:
برافو يا شريف
على فكرة الدكتور عبد الصبور شاهين رد على نصر وفند كلامه في كتاب الشافعي
و اوضح اخطاء تاريخية ومنهجية كثيرة
وكل اللي اتقال ان عبد الصبور تكفيري الخ
و عبد الصبور عنده كتاب خطر اسمه ابي آدم
كفره الآخرين عليه
لكن لا حياة لمن تنادي يا عم
جميل يا شريف
الأسوأ يا أستاذي زي ما قلت إن الراجل تم ضمه للائحة التكفير دون مناقشة اللي قاله ولا اللي قاله "نصر حامد" ولا أي شيء اتقال .. وطبيعي لما عمل "عبد الصبور" كتاب "أبي آدم" ما وقفش أنصار "نصر أبو زيد" معاه والحجة جاهزة..
علشان كدة بأقول إنه إذا كان اللي بيهاجم حاجة بقوة عادة ما يعرفش عنها حاجة ، فبنفس المنطق اللي بيأيد حاجة بكل هذا التعصب هو الآخر ما عندهوش فكرة عنها.. وآخرة "الغاغة" اللي اتعملت على "نصر حامد أبو زيد" شوية مواقف وحنجوري .. من غير ما حد يعرف الراجل قال إيه واترد عليه بإيه.. ودة حيدي أي واحد دمه خفيف على قلب أي شلة حاكمة أو نافذة في أي بلد قداسة بحيث إن اللي بيرد له على مقال في جريدة كذا وكذا وابن ستين كذا..
Post a Comment