Thursday, January 13, 2011

في الآتي بعد : حافة الهاوية

أول الكلام اعتذار حار لمحبي "الدين والديناميت".. ولمن انتظروا مني أن أكتب شيئاً هنا منذ فترة طويلة.. حتى وإن كنت نشطاً بعض الشيء في أماكن أخرى ، أعترف بأن التوقف جاء طويلاً ، ولأسباب ليست كلها تقنية خالصة ، هناك أسباب شخصية وأسباب تتعلق بحالة "صدة النفس" التي يفرضها المناخ العام علينا جميعاً.. كنت أحضر للكتابة عن عشرات المواضيع ، بدءاً من الانتخابات التي كنت أعتزم الكتابة عنها قبلها بأيام ، مروراً بتدوينات متفرقة عن الفن والدين ، ونهايةً حتى بتدوينة أحضر لها عن ما بعد الحادث الإرهابي الأخير ، ولكن ضيق الوقت ، وضيق النِفس حالا دون إتمام كثير من تلك التدوينات في وقتها..

لكن هذا الضيق تحول لدي إلى غضب عارم أمس ، وبسبب موضوع لم ينتبه إليه إلا زملاء قلائل ، بينهم صديقي العزيز "ابن عبد العزيز" الذي كتب عن الموضوع قبيل أيام من انتهاء شهر رمضان المبارك ، وقبل أربعة أشهر وبعض الشهر من مجزرة الشرقية ، وبين السلوك النيابي ، الذي أعف عن وصفه بعبارات لا يعاقب عليها القانون ، والذي يلخصه ذلك الخبر "من الآخر" كما يقول التعبير المصري الدارج الحديث..مكتفياً بوصفه المخفف جداً بأنه "لا أخلاقي"..

المنطق يقول أن هؤلاء- إن كانوا قد جاءوا إلى البرلمان بانتخابات حرة- هم ممثلون عن الجميع ، القاتل والمقتول ، لكن الذي صوت له المقتول عاد ليدافع عن القاتل ، بحجج حمقاء يسهل على أي طفل في الرابعة من العمر تفنيدها وشرشحتها ، بدءاً من حجة سوء الطرق الذين تناسوا أن تطويرها سيأخذ وقتاً طويلاً وسيزيد التحميل على الطرق السيئة ، ونقص تدريب السائقين الذين إن قررت الحكومة تدريبهم غداً فسيعتصمون ويضربون ، إلى تساهل الحكومة في منح بعض السائقين رخصاً وكأنهم نسوا أن سائقين من شركاتهم دهسوا عدداً لا يستهان به من الأبرياء على الطرقات.. وتصل الوقاحة إلى ذروتها إلى المبدأ الذي يمكن استخراجه من كلام "السيد" -تعمدت عدم استعمال تعبير أدق- "منصور قدح" بأن أي شخص لا تعطيه الدولة "حقه" - أو الامتيازات التي يعتبرها حقه- من حقه أن يكون إرهابياً .. منطق ابتزاز يسري على عصابات ولا مكان له في دولة ، يعلم الله عز وجل جيداً لماذا نريدها قوية ، حتى لا نغرق في بحور من البلطجة والطائفية وطبعاً الدم..

هل تعرفون ما هي خطورة ذلك الموقف ، وغيره إن تكرر؟

خطورته أن هناك أفكاراً داخل شرائح سلفية ومستصوفة تعتبر الدولة - تقريباً - حراماً ، والقوانين "حكما بما لم ينزل به الله سلطاناً" وأنه "لا سبيل لعز المسلمين إلا بعودة دولة الخلافة" -اللي ما قالوش حترجع إزاي- وبالبيعة - التي هي بديل عن الانتخاب ، مضافاً إليها أفكار "الجهاد" وجماعات التطرف في الثمانينات التي كانت ناراً تحت الرماد..

سلوك هذه الشرذمة من النواب سيعيد تلك الأفكار إلى الواجهة ، تلك الأفكار التي كانت حدودها مقتصرة على دائرة معتنقيها الضيقة ، رغم ضراوة ما قاموا به من عنف ضد الدولة وضد الناس ، ستجد متسعاً لها بين عامة الناس بهذه الطريقة ، الذين سيحنون ليس فقط إلى الديكتاتورية ، بل سيدافعون عن تلك الأفكار المتطرفة طالما أنهم لم يجدوا أمانهم مع الاعتدال.. بل وإن قرر معتنقو تلك الأفكار دخول لعبة السياسة من بابها فسيساعدونهم على دخول الانتخابات .. فالناس المهددون بالقتل بلواري جنرالات الطرق هم الآخرون أحرار في أن يدافعون عن حياتهم ، مثلما النواب أحرار في الدفاع عن مصالحهم التي تهدد حياة الآخرين وأمنهم..

هؤلاء ، ومعهم الإعلام الذي يساندهم ، ومعهم الناشطون الذين يساندون ، أو "يطرمخون" ليس لديهم أي حد أدنى من الوعي بخطورة أن تنتقل فكرة متطرفة واحدة يعتنقها أشخاص يقلون عن عدد رواد قهوة بلدي في الظهيرة ويرفضها عامة الناس إلى عامة الناس أنفسهم.. مجتمعنا نفسه ، كما سأوضح في تدوينة قادمة -بس المهم بإذن الله ما أنساش-ليس بهذا التطرف المتوحش الذي يصوره البعض عليه ، لكنه سيصبح كذلك إن لم يؤمن النظام السياسي المعتدل ، وإن لم تؤمن الدولة ، لأفراده حقوقهم ، وتحميهم من الفساد وسوء استعمال السلطة والقوة ..

هؤلاء النوام قدموا للتطرف أحلى هدية مع بداية هذا العام .. وربنا يستر على مصر..

No comments: