Sunday, October 31, 2010

في المسألة السياسية

0-تحملوني قليلاً هذه الأيام بما أننا في موسم انتخابات ، بما أن الكلام في السياسة سيكثر وبشدة ليهيمن على كل شيء ، كما هيمن كأس العالم على اهتمامات العالم كله خلال شهر يونيو الماضي!

1-"لماذا ترفض أن يترشح رجل دين لأي انتخابات كانت؟ أليس مواطناً؟ ولماذا ترفض أن تقدم أي مجموعة دينية أو دينية مذهبية أو دينية مذهبية سياسية أو ..أو..أو.. مرشحين للانتخابات؟ أليسوا مواطنين؟ أليسوا موجودين على الأرض؟ أليسوا أمراً واقعاً؟ أليست لهم أفكار وقناعات؟"..

أسئلة منطقية ومشروعة ، ولمن قرأ ، أو لم يقرأ التدوينة السابقة كل الحق في أن يسألها ، وأن يتفق معي أو يرفض بعضاً أو كلاً مما قلت ، لكن دعوني أدردش معكم في السياسة التي هي شأن الجميع ، بما أنني لم أقدم نفسي من البداية كمتخصص في العلوم الدينية ولا في غيرها.. كمجرد مواطن عادي جداً جداً جداً..ونمشي "واحدة واحدة"..

2-يقول الجميع أنهم ملتزمون ومطيعون لولي الأمر .. إذا كان كدة .. مااااشي.. لنفرض أن ولي الأمر قرر ذات مرة لسبب أو لآخر عمل ترتيب ما يجعلك تختاره من بين آخرين ، أو أن تختار شخصاً "لطيفاً" من منطقتك ينضم لآخرين ، يجتمعون في مكان ما لمناقشة مشاريع أو قوانين ستطبق على الجميع ، وسيلتزم بها ، بما أنه قد قرر وفقاً لاتفاق اسمه "الدستور" أنه ملتزم بما سيتفق عليه هؤلاء الظرفاء اللطفاء الجالسون في المكان الـ"ما" .. فهل سيطيعونه في ذلك؟ أم سيرون أن النظام "عالماني" و "وحش" و..و..و..، أم سيرى البعض في ذلك أمراً لا ضرر فيه طالما أنه يحقق مصلحة عامة دون مخالفة الدين؟ أم سيمسك البعض الآخر العصا من منتصفها مقرراً أن ذلك شر لا بد منه، وأن عليه حماية نفسه ، ومجتمعه ، ومن هم على نفس شاكلته ، من أي قانون أو تدبير يجمع عليه هؤلاء السادة اللطفاء في المجلس النيابي الظريف المسلي؟

من المؤكد أن من المنتمين لأي تيار سياسي ديني أو مذهبي من سيذهب للاختيار الأول أو الثاني أو الثالث.. الامتناع ، أو المشاركة ، أو المشاركة على مضض ، والأخير هو ما أحس به بالنسبة للسلفيين بمختلف انتماءاتهم والصوفيين بالتحديد..

3-لنترك الاختيار الأول ، ونذهب للاختيارين الآخرين ، أذكر فقط بأن المجتمع لا ينتمي كله لمذهب واحد أو لدين واحد أو لانتماء سياسي واحد ، وأنه ، لكي تفوز بمقعد في المجلس النيابي فإنك ستحتاج إلى خدمات من مجتمعك المحيط ، الذي لا يوجد فيه من يشجع نفس ناديك أو مذهبك أو طريقتك .. وبالتالي هل ستتقدم إليه عن اقتناع ، ومشاركة ، أم من باب "إن كان لك عند البوبي" ، خصوصاً أننا مجتمع يكره بعضه بعضاً بامتياز ، لأسباب دينية ومذهبية وسياسية ورياضية أيضاً؟ قد يرى البعض ذلك قناعات وقد يراها تنازلات ، خاصةً عندما تخاطب "المخالف" وليس "المحايد".. بما أن أي مجتمع فيه مجموعات ينقسم إلى "أعضاء" و"مخالفين" و "محايدين"..لا أعرف كيف ترون تلك المسألة ، لكني عن نفسي أشعر كمواطن عادي مسلم سني "محايد" كأغلب مسلمي مصر أن العديدين ممن يتصدى للسياسة وسنينها من هؤلاء يعصرون على أنفسهم كيلو ليمون كامل قبل التوجه لأي "آخر"..

4-وسواء ستتقدم ، أو ستتعطف ، أو ستتكرم ، أو ستتنازل ، فأنت بحاجة لشيء تقدمه ، أو تقدمه مجموعتك أو تيارك للمجتمع كله ، وليس فقط مجرد تطمينات وشعارات و"تثبيتات" .. لنفرض أن السلفيين أو الصوفيين أو أي تيار ديني سياسي رشح نواباً عن نفسه لمجلس الشعب.. ماذا سيقدمون للمحايد والمخالف؟

لنعترف ، أننا في مصر نعاني من إفلاس البدائل .. فلا الأحزاب السياسية لديها برامج سياسية واجتماعية واقتصادية ، وضعوا تحت كلمة "اقتصادية" ما استطعتم من خطوط ، عملية وقابلة للتنفيذ ، ولا المال السياسي لديه تلك البرامج ، لعوامل منها الفقر الفكري والجمود والإفلاس ، وأن كل التيارات الدينية السياسي منها والمذهبي هي جزء مما يحدث ولا تشذ عنه ..

فالتياران السلفي والصوفي ، والسلفي بالذات ، قصرا كل حساباتهما على الجانب الديني ، والجانب التعبدي تحديداً ، دون الالتفات إلى الجانب السلوكي وشئون المعاملات والأمور التخصصية التقنية والفنية ، والابتعاد والاستخفاف التام بالجانب الدنيوي للدين جمود لا يقره الدين ، ولو كان ذلك كذلك لما سأل الرسول الكريم (ص) الله عز وجل صلاح الدنيا التي فيها المعاش كما سأله صلاح الآخرة التي فيها المعاد..

وللأسف ، حتى البعض ممن خرجوا منهم للخدمة العامة خرج تحت لواء فانلته أو انتمائه كما سبق التوضيح..فأصبح جزءاً من الجمود المعاب على من لم يتحرك من مكانه..متعاملاً مع من حوله بطريقة "حسنة وأنا سيدك"..

وعليه لا يستطيع من يتعامل بفوقية مع من حوله ، ويمشي بانتمائه في الشارع كما لو كان كارنيه جهة أمنية ، ولا طبعاً من تقوقع في مكانه ، أن يقدم مما يؤمن به بديلاً يقنع به من لا يؤمن بما يؤمن به..

ما المانع في أن ينحي كل هؤلاء المنتمين انتماءاتهم جانباً في مسألة العمل العام؟ أن يلتزم قناعة سياسية أو اقتصادية لا يشترط أن يلزمه بها شيخ أو عالم أو فقيه؟ أن يكون عضواً في حزب سياسي يلتزم ببرامجه في العمل العام بينما يبقى فهمه التعبدي للدين مسألة دينية هي انتماء وليس صفة؟ ربما كان ذلك أنفع وأجدى للجميع ، بلا ضرر .. ولا ضرار..

No comments: