Thursday, August 26, 2010

حاشية على كلام فارغ- جزء أول

في رأسي عدة مواضيع كنت أود الكتابة عنها على مدى شهر رمضان الحالي .. لكن ما كتبه "حامد عبد الصمد" في "الساقع" ، والمستوى السيء الذي ظهر به مسلسل "عايزة أتجوز" مع كل احترامي لكاتبته.. وملاحظاتي الشخصية في المجتمع المحيط بكافة دوائره عجلت بكتابة هذه التدوينة ، وربما التي تليها بما أن الموضوع كبير حبتين..

1-أستغرب أولاً من العديد من الكتاب الذين لا يلاحظون مجتمعهم المحيط ، الذي يدعون أنهم يكتبون منه وإليه ، عندما قرأت "حامد عبد الصمد" شعرت أن مقاله سيتغير بالكامل لو أمعن الملاحظة في مجتمعاتنا تحديداً ، دون كتابة سلسلة الكوبي والبيست التي تم هرسها في عشرين ألف مقال سابق..

2-وما يعرفه كل الناس ، عدا "حامد" وآخرين ، أن الجنس يشغل جزءاً أكبر من اللازم من تفكير شرائح كبيرة منه بمن فيهم "شعب الله المختار" من المثقفين ذوي الاتجاهات الليبرالية ، راجع في كثير منه لطبيعة التحولات التي عاشها المجتمع المصري من مجتمع زراعي إلى صناعي إلى خدمي بامتياز.. فكروا في نسبة الجنس في اللغة المستخدمة في الحديث بين كل تلك الشرائح ، من المزاح إلى السباب ، ومن الجد إلى النكات ، وفي المناقشات العامة.. وبشكل لا أراه صحياً بالمرة..

3-يستغرب - في افتراضي- السيد "حامد" مما يسميه "الكبت" النابع من "ثقافة القبيلة" و "تقديس النص" .. والواقع الذي لا يريد أن يفهمه أنه ثمة وسيلة واحدة فقط لتفريغ "الطاقة الجنسية الزائدة" هي التي يرضاها الدين ، والقانون ، والمجتمع ، بطريقة تحقق أكبر كم متاح من العدالة لجميع أطراف العلاقة.. بعيداً عن الوسائل الثورية التي يطالب بالبحث عنها والتي ظهرت في فترات سابقة في ظروف مختلفة عما نحن عليه والتي تمثل إخلالاً وظلماً بحقوق كل الأطراف ، وخاصةً المرأة التي يدعي هو وآخرين أنهم متحدثون رسميون باسمها..

والأكثر إضحاكاً أن "حامد" - وآخرين-يرون أن هذا الكبت هو السبب المباشر في سلسلة طويلة من الانحرافات الجنسية ، دون أن يكلف الرجل نفسه بالسؤال عن وجود كبت في المجتمع الأمريكي الذي يحتل ترتيباً متقدماً جداً في قائمة الدول الأكثر "تحرشاً"!

4-ولا أعتقد أن لـ"حامد" ولا لغيره الجرأة عن الحديث بأن المجتمعات تمارس ضغوطاً كبيرة على الشرائح الموجودة في سن الزواج للزواج ، ضغوط كبيرة على الرجل والمرأة معاً ، وليس على المرأة فقط كما يعتقد بعض المقيمين في الغرف المكيفة.. لأن المجتمع - بتركيبته وما أصابه من تحولات - يجعل من الزواج- وهو الوسيلة الوحيدة المتاحة في مجتمعاتنا ومجتمعات أخرى لممارسة الجنس- شهادة صلاحية للرجل أو المرأة ، كما لو كنا نتحدث عن برطمانات صلصة وليس عن آدميين..

5-ولذلك قصة.. سأحاول في حدود جهدي ومعرفتي المتواضعين تفسيرهما.. ولك مطلق الحرية في أن تتفق أو تختلف مع ذلك التصور من عدمه..

6-لنرجع مائة عام فقط إلى الخلف ، وقت أن كان أغلب المجتمع المصري زراعياً صرفاً ، وكان من المنطقي أن تكون الأسر كبيرة في عددها إلى ما قد يصل عدده من الأبناء إلى فريق كرة قدم .. وعليه كان الأصل في الأشياء أن تتزوج الفتاة ، طبقاً لأعراف المجتمع الزراعي القبلي ، في سن صغيرة ، لأنه كلما صغر سن الفتاة كلما زادت فرصتها في إنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء ، وخاصةً الذكور ،لكوننهم الأجدى اقتصادياً للأسرة ، حيث يعمل هؤلاء مع الأب كأجراء في "عزبة الباشا" أو كفلاحين عاديين في ملكياتهم المحدودة -هذا إن كان الإقطاعيون قد تركوا شيئاً للفلاحين يملكونه في ذلك الوقت..وبالتالي كان معيار "جودة" الفتاة في تلك الفترة هو صغر سنها ، قدرتها على الإنجاب ، وقدرتها على إنجاب الذكور!

7-التغيير الحقيقي بدأ مع بدايات القرن الماضي ، ولا أعتقد أنه جاء -فقط- بسبب "قاسم أمين" و حركة "تحرير المرأة" بقدر ما جاء بسبب تغيرين اقتصاديين هامين..الأول هو بداية دخول التصنيع إلى مصر ، كقطاع "كثيف" العمالة ، وكان التصنيع وقتئذ مقترناً بالزراعة ، وبالقطن تحديداً ، سواء في المحالج الصغيرة ، أو في المصانع الكبرى كمصنع المحلة الذي أنشأه "طلعت حرب" ، واستوعب التصنيع مع الوقت عمالة من الرجال والنساء على السواء ، أما التغير الثاني فهو بداية نشوء وتطور النظام البيروقراطي في مصر ، وظهور الوزارات -التي كان اسمها "نظارات" بادئ الأمر- والتي استقطبت - مع الوقت - عمالة من الرجال والنساء على السواء أيضاً ، وفي كلتا الحالتين لم يكن الأمر يتطلب قسطاً كبيراً من التعليم ، إذ كان من السهل على الناس وقتئذ الحصول على وظيفة "ميري" مثلاً بـ"البكالوريا" بل وبالابتدائية..

8-في ضوء ذلك ، وفي ضوء ما نادت به حركة "تحرير المرأة" ثم الناشطات النسويات في فترتي ما قبل وما بعد الثورة -والتي لم ألغ دورها ولكني قلت أنه ليس المؤثر الوحيد- بدأ المجتمع يتقبل أن يرتفع سن الزواج للفتاة سواء الحد الأدنى المذكور في القانون أو الحد الأدنى المقبول مجتمعياً ، وبدأ يتقبل أيضاً فكرة أن يكون التعليم والعمل وسيلة لتحقيق الفتاة ذاتها ، وأن تستمر في التعليم والعمل حتى بعد الزواج والإنجاب ، خاصةً وأن الاقتصاد أتاح فرص عمل جيدة جداً للشبان والفتيات في سن الزواج سواء في القطاع الحكومي -بوجاهته وسمعته عند المصريين- أو في المصانع التي كانت مؤممة في معظمها بعد قوانين "يوليو الاشتراكية" ، بل واستمر ذلك القبول إلى فترات في الحقبة المباركية..مع ازدياد أهمية العمل بالنسبة للفتاة بعد التغيرات التي شهدتها أسر مصرية كثيرة ، والتي أسفرت أيضاً عن حاجة العديد *من السيدات للعمل لإعالة أسر بأكملها..

9-الغريب أنه من الناشطات ومن المفكرات والكاتبات اللواتي نظَّرنَ لـ"تمكين المرأة" من يصرخ ويبكي على ارتفاع سن الزواج بالنسبة للفتيات ، كما لو كنَّ يدنَّ أفكارهن التي قبلتها عقول كثيرة في المجتمع عن اقتناع وليس عن طريق "الزن ع الودان" وأيدها أمر واقع فرض نفسه على البلد بأكمله..

ما علاقة ما سبق بما قاله السيد "حامد" ونظريته العجيبة عن الكبت؟ وما علاقة ما سبق كله بالدين والتدين؟ أسئلة أحاول الإجابة عنها في الجزء القادم أو الأجزاء القادمة.. إن قدر الله لي كتابة..
*..حتى داخل الريف المصري نفسه ، الذي صارت فيه المرأة عضواً فاعلاً اقتصادياً في الأسرة بعد أن كانت عضواً خاملاً (نتيجة عدم مشاركتها في الزراعة بنفس الشكل المباشر الذي يشارك به الذكور) ، وكان ذلك يستغل وقتئذ بالمناسبة في "لهف" نصيب السيدات والفتيات من الميراث بالمخالفة للشريعة..

No comments: