Friday, March 13, 2009

وزادها المتعلمون جموداً

"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" ..بالطبع لا.. أو يفترض كذلك..

أجدادنا كانوا يربطون بين العلم و النور ، فالمتعلم يتمتع بعقل "متنور" لا هو بالمظلم ولا بالمستنور ، يفترض به أن يكون ذا اطلاع واسع ، وأفق أوسع .. كان أجدادنا يؤمنون بذلك ويحرصون على العلم في زمن كانت الأمية والجهل فيه متوحشان .. فما بالك الآن والجامعات والمدارس والمعاهد تخرج أرتالاً من المتعلمين..

وأصبح العديد من هؤلاء المتعلمين إما متعاطفين مع ، أو منتمين إلى شلل مذهبية هنا وهناك ، إما بالوراثة وإما بالتأثر وإما عن اقتناع ، وكان يفترض بالذين تعلموا ، وحصلوا على مؤهلات عليا ، ودخل عدد منهم ما يسمى جهلاً في بلادنا بـ"كليات القمة" وتخرج فيها أن يقودوا حركة للتجديد داخل الاتجاهات الذين انتموا إليها ، ولكن العكس هو الذي حدث..

في التيار السلفي الحساني (وما زلت مصراً على تلك التسمية لتمييز التيار عن السلفية السعودية التقليدية*) أصبحت الغالبية الكاسحة من المتعلمين العاملين في "حقل الدعوة" تميل بكل الوسائل إلى دور "المحدث" بدلاً من دور "الفقيه المجتهد" الذي عرفه الإسلام منذ ظهوره ، والذي يستغل معرفته الدنيوية في الاجتهاد الديني كما عرفنا "أبو حنيفة النعمان" ، في وقت أصبح فيه الاجتهاد الحقيقي حاجة ماسة للغاية والذي لا يتطلب فقط المعرفة بالعلوم الشرعية ولكن معه أيضاً المعرفة التقنية في أمور مثل الطب والهندسة والتجارة.. أما عن غير الدعاة فمنهم من يسير مع تيار جارف يقلل من أهمية العلم الدنيوي ، بل ويعتزل بعضهم العمل الدنيوي الذي تعلم بالسنوات من أجل التأهل لممارسته ، وأصبح هناك شبه ميل بين المتعلمين أكثر للتقيد الشديد بأي فتوى تصدر من كبار شيوخ التيار ، دون الذهاب إلى الكتب ومعاينة الآراء المختلفة واختيار ما يراه صواباً..

ولا يختلف الحال في التيار الصوفي كثيراً ، صديقي "عمرو عزت" كتب في الشروق قبل أسبوع تقريباً فيما له صلة ، ففي وجود جامعيين وحملة رتب علمية تبقى مرجعية شيخ الطريقة - مثلها مثل مرجعية شيوخ السلفية **- أمراً غير قابل للنقاش ، وبالتالي يغيب الصوت الآخر هنا كما غاب هناك ، ويسود الرضاء بالأمر الواقع ، ويزداد التشدد في مواجهة أي مختلف أو أي رغبة في "التجديد"..

يرى البعض أنه من الممكن مقارنة متعلمي اليوم بمتعلمي الأمس عن طريق مقارنة طفلين أحدهما نشيط وشقي لدرجة الأذى بشكل تستحيل معه السيطرة عليه ، والآخر هادئ تماماً خامل تماماً بشكل يثير قلق والديه عليه.. متعلمو الأمس كانت لديهم رغبة متطرفة في التغيير انبهاراً ربما بنموذج ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" ، مما سهل على منظمات وجماعات واتجاهات متطرفة السيطرة عليهم واستغلالهم كقنابل موقوتة في مواجهاتهم مع السلطة والمجتمع ، أما متعلمو اليوم فهم ذلك الطفل الخانع الوديع المتمسك تماماً الذي يرى في "البيج براذر" الأمن الذي يفتقده وفي الماضي حلماً يسعى لتحقيقه وفي كتب الأمس ما يجب أن يكون من رأي لا ينفع معه نقض ولا استئناف..

عن نفسي كشخص عادي يحتمل تحليله كثيراً من الخطأ ، أرى أن طبيعة التعليم نفسه هي السبب في خنوع المتعلمين للأمس وتشددهم في الإيمان به وفرضه على الغير.. تعليمنا اللذيذ علم طلابه منذ نعومة أظفارهم أن المرجعية لكتاب الوزارة وحده ، ولما يريده مؤلفوه وحدهم ، وأنه لا داعي أبداً للتعبير عن رأي في نص أدبي أو عبارة في قصة أو تصرف في كتاب التاريخ أو موضوع للتعبير خشية تطور الأمر إلى "السياسة" - والعياذ بالله- وطالما أن لديك البحر اقصد البحر وخل القنوات كما يقول عنوان موقع "مفكرة الإسلام" الشهير.. لماذا تبحث في كتب أخرى ومراجع أخرى عن إجابات؟ ولماذا تسأل؟ ولماذا تفكر أصلاً؟

من المدهش أن أقرأ أنه في أزمنة الأمس الغابر كانت هناك مراجعات وانتقادات للازدواجيات بين المظهر والمخبر ورفض للسلوكيات الخاطئة داخل كل تيار ، واليوم وجيوش المتعلمين تتخرج من الجامعات كل عام يحدث العكس ، ليتفوق المتعلمون لأول مرة على الغوغاء الذين كانوا ينتقدونهم!.. عذراً للإطالة وثقل ظل الطرح..
*هناك اختلافات في مسائل فقهية وفي وجهات النظر فيما يخص أموراً منها المواقف السياسية والنظرة للنظم السياسية السائدة في المجتمعين..
**...صحيح أنه يوجد في مصر كيانان تنظيميان سلفيان كبيران هما "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة" و "جمعية أنصار السنة المحمدية" إلا أن السلفية المصرية على الأرض لا يجمعها كيان تنظيمي له قوانين وعضوية وقواعد ورئيس ، بل يتقيد المؤمنون بنهجها بآراء الشيوخ والعلماء المحسوبين على التيار بنفس القوة التي يتقيد بها متبعون لتيارات أخرى لـ"قياداتها"..

4 comments:

بنت القمر said...

انا معجبة بمصطلح التيار السلفي الحساني
فالشيخ له مريدين فشر اولياء الله _في ريف مصر وشوية ويبقاله كرامات
!!!
بخصوص متعلمي الان
فهوتعليم زي قلت تعليم يقوم علي االحفظ وكربسة الدماغ
يقتل ملكة التفكير والابداع
يدفن حس البحث والتقي
والنتيجه شعب متلقي وجاهل للاسف

DeadZone said...

أتفق معك في أن أسلوب التعليم لدينا أخرج لنا عقول تقليدية تجد إبداعها في التقليد ، بل وترى في التفكير نوعا من الخروج عن الدين ..
بالرغم من أن القرآن قد انتقد مبدأ التقليد الأعمى حتى في العقيدة
قال تعالى: ((قالوا إنا وجدنا أباءنا على ملة وإنا على آثارهم مقتدون))

promise is promise said...

السلام عليكم
طبعا حضرتك وجه نظر سليمه 100%
فكما للعلوم الدين اهميه شديده حتى يستقيم العالم ويعرف الناس امور دينهم فكذلك علوم الدنيا فرض كفايه حتى تكون الاستقامه علىاكمل وجه
تقبل مرورى ولك تحياتى
والسلام ختام

Ezz Abdo said...

بارك الله فيكم - الدين محفوظه أصوله - ولكننا لم نخرج لأنفسنا ولا للعالم تفاصيلة
تفاصيل الإسلام العملية المنهجية العقلية العلمية - البحث والتجربة - النظرة الصحيحة للكون والإنسان والمخلوقات - كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر - لا قداسة لإنسان لأن كل ابن آدم خطاء - حسن الظن بالمسلمين - المنهج التعليمى فى الإسلام - منهج البحث العلمى الإسلامي - الأخوة الحقيقية - صدق الظاهر مع الباطن الدعوة الصحيحة لله لهداية المسلمين الغافلين ولهداية غير المسلمين - ينقصنا الكثير من العمل وما زلنا نتحدث كيف ننطلق ؟ حين يبدا شخص واحد السباق الصحيح سيعرف المسلمون جميعا من أين الطريق .
بارك الله فيكم