Thursday, July 1, 2010

زغزغة دينية

بالتأكيد سيثير هذا الخبر جدلاً كبيراً كما أثاره وقت نشره قبل ساعات من كتابة هذه السطور.. فقط سأقف عند هذه الفقرة تحديداً:

وأشار إلى التعديلات الأخيرة التي أفسحت المجال للنساء لدخول البرلمان، بعد تخصيص 60 مقعدًا لهن "كوتة" اعتبارًا من البرلمان القادم ولفصلين تشريعيين, وقال إن مجلس الشعب حريص جدا على المشاركة السياسية للمرأة أسوة بالصحابيات ونساء آل البيت!

1-فكرة إضفاء أساس ديني على كوتة المرأة أمر مثير للضحك ، بل لعله أكثر إضحاكاً من أفلام كاملة هدفها المعلن الإضحاك مثل "عسل اسود" و"لا تراجع ولا استسلام".. وهذا يعطيني- على الأقل - انطباعاً بأنني أمام عقلية تديِّن كل شيء ، وتسعى على إضفاء تبريرات دينية على كل شيء تفعله.. إذا كان هو قد برر "الكوتة" بالاقتداء بنساء آل البيت والصحابة رضوان الله عليهن ، فماذا سيبرر به إلغاء الكوتة أو التراجع عنها إن قرر؟ تذكروا أن السياسة في بلدنا بالذات مثل كرة القدم.. لا منطق لها ..وتستطيع أن تتوقع فيها أي شيء..

2-هناك تحليلات "شريرة" تتحدث عن أن إعطاء "كوتة" بشكل عام ، سواء للمرأة أو لأي شريحة كانت ، قد تكون باباً خلفياً لتديين الحياة السياسية في مصر ، بفرض أن "الحزبوطني" تحالف ذات صباح مع السلفيين الحسانيين مثلاً ، أو مع الطرق الصوفية مثلاً لضرب الإخوان المسلمين ، ستتضمن الصفقة بالتأكيد "فتح الباب" أمام مرشحين ومرشحات يمثلون انتماءاتهم المذهبية لا أنفسهم كمستقلين ولا كأعضاء حزب ينتظمون تحت لوائه ويلتزمون بسياساته ، وبهذه الطريقة سنتحول إلى عراق آخر أو لبنان آخر..

3-على من يزايد الرجل؟ وفي أي مكان؟ تاريخياً تعد مصر من أوائل الدول التي أعطت حق التصويت والترشيح للمرأة في المجالس النيابية المختلفة ، وحتى في ظل وجود تيارات تعارض علناً مشاركة المرأة في الحياة العامة بالمرة (وليس في السياسة فحسب) ، سواء التيار السلفي بشكليه التقليدي والحساني ، أو ربما داخل تيارات دينية مذهبية أخرى (هذه المشكلة لا توجد بنفس الدرجة لدى جماعات الإسلام السياسي.. صدق أو لا تصدق) ، تبقى المعارضة العامة لدخول المرأة معترك الحياة السياسية ضعيفة ، فأغلب الدول التي ترتبط بها التيارات المذهبية فكرياً بدأت تتيح المشاركة السياسية للمرأة ، سواء في دول الخليج العربي النفطية الغنية ، أو في إيران ، مما يفقد أي معارض أو معترض أي حجة منطقية.. خاصة مع تزايد نفوذ حزب "احنا نعمل زي ما السعودية وإيران بتعمل"*..

4-أنا ضد الكوتة ، وأي كوتة ، نحن نتحدث عن دولة ارتضت الشكل المدني أساساً لها منذ فترة طويلة ، والشكل المدني يتضمن مشاركة المواطنين في الحياة السياسية تصويتاً وترشيحاً بغض النظر عن الاعتبارات الدينية ، في وجود أحزاب سياسية (يفترض أنها) محترمة ، بعيداً عن الأحزاب الدينية ، أو عن نقل الانتماء الديني والمذهبي للبرلمان أو الترشح على أساسه أو تمثيله على حساب بقية أبناء دائرته التي من الممكن -جداً- أن يكون منهم من على غير دينه وليس فقط على غير مذهبه..وهي نقطة ربما أفرد لها تدوينة مستقلة بإذن الله..إذن المسئولية تقع على عاتق الأحزاب ، الأكثر تنظيماً، الأوضح خطاً ، والأقدر على جمع أعضائها تحت مظلة "أكثر أماناً" .. والمشكلة أن تلك الأحزاب بشكلها الحالي هي التي تتعامل مع المرأة ككائن بشري من الدرجة الثانية ، بل إن من أعضائها ومن صحفييها من يطالبون بعلو الصوت بتعيين المرأة قاضية وهم يرفضون أن ترأسهم في أحزابهم وصحفهم امرأة!

ولا أعتقد أن فكرة أن الكوتة ستكون مؤقتة أو انتقالية يمكن أن تنطلي على "بوحة" طالما أن المصالح السياسية التي صنعتها قائمة وطالما أن المناخ على ما هو عليه إن لم يكن يتحرك إلى الأسوأ..إذن فلا نخدع أنفسنا أكثر بتديين مشكلة عزلة المرأة عن الحياة السياسية وبتديين حلها..

وعليه فإنه من الحلبسة الصرفة أن يستغل أي شخص أو حزب أو ما يقوم في محله الدين لحث الناس على المشاركة في الحياة السياسية ، في وقت لا يستغل فيه أي مخلوق الدين لجعل الناس يلتزمون بما جاء فيه من مكارم الأخلاق ، من يستغل الدين اليوم لحثي على التصويت سيستغله غداً لحثي على الامتناع عنه..

وعن نفسي كمسلم أذهب لشيخ أو لعالم لأستفتيه في أمر يخص ديني ، فرائضه وسننه وسلوكياته وأحكامه وتشريعاته ، لكنني لن أذهب إليه ليفتيني بالمشاركة في الانتخابات من عدمها ، لأنه يعلم بالتأكيد أنها شأن سياسي متغير لا تحتاج فيه إلا أن تستفتِ قلبك وإن أفتوك كما علمنا رسولنا الكريم.. خالص مودتي..
*طبعاً الحزب دة بيتمسك بالمبدأ المذكور في أي حاجة إلا فيما يتعلق بقانون التأمين الصحي اللي بتتحول فيه السعودية وإيران إلى الدانمارك والنرويج.. حاجة تقرف..

No comments: