Friday, April 30, 2010

الآتي بعد: في التعايش

برغم المتطرفين من الجانبين ، خصوصاً شلة "سلفني دقنك شكراً" ، وبرغم الصوب الزجاجية التي تنتصب كل يوم .. لا نزال كما قلت في وقت سابق أفضل بكثير من دول أخرى تنخر الطائفية في أساساتها ولا يفتأ أهلها يدعون من حين لآخر أنهم دولة بحق وحقيق كالتي نسمع عنها هنا وهناك.. حتى مع التسليم بأن الأمور تتطور باتجاه الأسوأ كما سبق الإيضاح..

مما لم تقض عليه الصوب تماماً حتى الآن فكرة التعايش .. وقانونه القديم قدم التاريخ .. الذي يؤمن به أناس يأخذون الأمور ببساطة ، ولا تعجبهم الصوب المكيفة الهواء التي يتخذها أتباع كل دين أو مذهب لأنفسهم تقيهم شر المخالف والمختلف..

1-من أهم بنود القانون المذكور فكرة "لكم دينكم ولي دين" ..الكل حر فيما يعتقد وفيما يؤمن به.. وبالتالي من المرفوض أن يقوم أي أتباع دين بدعوة أتباع الدين الآخر لاتباع الدين..هناك قاعدة فقهية شهيرة جداً نتعمد عدم الانتباه لها تقول "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة".. حسابات مكسب وخسارة لكنها حسابات "طيبة" لأنها تستهدف صالحاً عاماً.. والعقل يقول أن الصالح العام للجميع هو العيش في مجتمع "مستقر".. وتصرف كهذا يدمر استقرار المجتمع بشكل عام..

2-وبالتالي .. ففكرة "التنميط" والتعامل بـ"عنف" مع ما يعد رموزاً دينية هنا وهناك مرفوضة .. ولا يمكن لأي أتباع دين أن يفرضوا شيئاً من دينهم على أتباع الدين الآخر ، ومن التزيد المرفوض في نفس الوقت أن ألغي شخصيتي الدينية مجاملة لأيٍ كان.. وضع كهذا لن يقبله أي شخص مسلماً كان أم مسيحياً أم بوذياً.. لهذا استغربت انتقاد الدكتور "عبد المعطي بيومي" لفتوى لـ"القرضاوي" تتحدث عن عدم جواز احتفال المسلمين بعيد الميلاد .. فلا المسلم ملزم بالفعل بالاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام- مع إيمانه به وبكل الأنبياء والرسل- ولا المسيحي ملزم في بلاد الإسلام بصوم رمضان الذي لم يفرض عليه.. وهو ما أوضحته ضمناً في تعليق على تعليق على تدوينة "السادة المفطرون" في رمضان الماضي..

لكن ذلك لا يمنع من المجاملة ، والتهنئة ، والابتسامة.. يقول الرسول (ص) ما معناه "وخالق الناس بخلق حسن"..

3-وعليه..الانتماء الديني لا يلغي الانتماء الوطني ، والانتماء الوطني لا يلغي نظيره الديني.. أمر بسيط يعرفه أناس بسطاء لم يتلقوا حظاً كبيراً من التعليم ، وليسوا من "الموصقَّافين" محترفي اللسان الحنجوري الذين أصبحوا أكثر تطرفاً مما يتخيل أجمحنا خيالاً..

على كل.. تبدو الأمور كالأواني المستطرقة.."المليان يكب ع الفاضي".. إما أن يقتنع أهل الصوب بقانون التعايش الأقدم من صوب هذه الأيام.. أو أن يمل أهل الصوب من هوائها المكيف وأبراجها العاجية..والله أعلم..

Wednesday, April 21, 2010

الآتي بعد : سلمني دقنك شكراً

تنظم الدولة عادةً العلاقات بين الناس بعضهم البعض ، أياً كانت دياناتهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية .. لكن عندما تخرج الدولة من الباب يدخل "آخرون" من الشباك..

وضعت الدولة قدماً بعيداً عن أجزاء في المدن ، فرأينا معالم "الصوبة الزجاجية" التي تناولناها سابقاً.. في كل مرة تبتعد فيها الدولة يزداد النفوذ "الديني" داخل تلك المجتمعات أو المدن أو الأحياء ، وتظهر بدائل خدمية لما تقدمه الدولة من خدمات تكاد تكون شبه قاصرة على أبناء الديانة أو المذهب.. إذا كان ذلك ما يحدث في المدن والأحياء القريبة من العاصمة المدللة .. فما بالكم بالصعيد غير السعيد..

لسنوات طويلة جداً عاش الصعيد بعيداً عن اهتمام أي سلطة حاكمة في مصر ، بل إنه يلاحظ حتى في التاريخ المعاصر أن اهتمام الحكومات المركزية على مدى القرن الماضي كله - على سبيل المثال- بدمج الصعيد ذي الطبيعة الديموجرافية والسكانية والاجتماعية الخاصة جداً في ثقافة الدولة وإحلال تلك الأخيرة محل الثقافة القبلية التي تحتكم إلى السلطة العرفية ، ونهج التشدد الديني - إسلامياً ومسيحياً على السواء- الذي تأثر بعدم احتكاك الصعيد بما يكفي بثقافة الدولة ..ولا تسألني طبعاً عن تنمية الصعيد بمشروعات جادة وحقيقية تخفض من معدلات البطالة والفقر المدقع الذي تعيشه معظم إن لم تكن كل محافظاته..

في ظل مناخ كهذا يظهر "حبابينا الحلوين" في الصورة..

يستغل أولئك بعض الأحداث الطائفية لتقديم أنفسهم للفقراء هناك كمجتمع مدني وكناشطين وكمخلصين .. بخطاب إعلامي مدروس بإحكام يؤكد على ضخامة حجم الاضطهاد الذي يعاني منه الأقباط في مصر بشكل عام وفي الصعيد غير الصعيد بوصفهم "أقلية دينية" - وهو وصف يرفضه كثير من المسيحيين والمسلمين على السواء- مضطهدة.. مستشهدين بواقعة هنا أو هناك.. وكل ما يطلبه هؤلاء من البسطاء هناك أن يسلموهم ذقونهم.. على طريقة "سبانخ" في فيلم "الأفوكاتو"..بما أن تلك الجمعيات والمنظمات هي الأقرب للميديا ورجال الأعمال -الذين لا يحبون الاستثمار في الصعيد عادةً- والتي تستطيع إشعال مصر كلها ناراً عند أول حادث أو اشتباك طائفي ، وإن لم يحدث مثل هذا الاشتباك ينفخون في نار آخر.. ولعها ولعها..

ويقدم هؤلاء تجارة شيك بالدين تختلف عن تلك النماذج التي عرضنا لها على مدى السنوات الأربع ، إذ أن العديد من لاعبي الحلبسة المذهبيين كانوا يرفعون الشعارات الدينية بشكل صريح وزاعق.. كما في الحالات السلفية والمستصوفة .. أما هؤلاء الأكثر ثقافةً فيعمدون إلى دسها بين التفاصيل .. مثلاً جمعية من إياهم طالبت بعيد ما حدث في نجع حمادي بعدم الاعتداد بالمجالس العرفية -لحد كدة معقول قوي وفول ستوب- في القضايا الطائفية دون غيرها..كما أذيع في تغطية للخبر على OTV في ذلك الوقت..تيجي إزاي؟

أي.. بعد قصائد التسامح والمساواة والأخوة في الوطن نسمع عن مطالبات بتطبيق مجتزأ للقانون في حالات بعينها على أشخاص بعينهم.. كما لو كان الأذى الذي تسببه المجالس العرفية يفرق بين مسلم ومسيحي ، وكما لو كان الأصل في الأشياء تطبيق القانون في حالات أما الأخرى فـ"يتحرق أصحابها بجاز".. وطبعاً لم نسمع لهؤلاء حساً في المطالبة بوقف الاحتكام للجلسات العرفية في قضايا غير طائفية.. من الصعب على هذه النوعية من البشر أياً كان ما تعتنقه من دين أن تطالب لغيرها بحق ، لكن من السهل أن تدعي أنها تحب الجميع وتتحدث باسمهم..

يتحدثون عن قانون دور العبادة الموحد ، ماشي.. وهو مطلب غير قاصر على تلك الشلة أو أخواتها فقط بل له صدى خارجها.. لكن هل هذا المطلب وحده دون غيره هو الذي سيحل مشاكل التوتر الطائفي ، الذي تعد تلك الشلل نفسها من أهم أسبابه ، بطريقة معالجتها للأحداث وتطئيفها حسب المزاج والمصلحة؟ حلبسة لا تختلف كثيراً عن الحلبسة التي كتبنا عنها هنا ولا زلنا قبل أربع سنوات.. والحلبسة عادة لا دين لها..

ليه اللف والدوران؟ لسبب بسيط.. لأن خطاب هذه الشلل موجه في المقام الأول إلى من هم خارج الصوبة ، مسلمين ومسيحيين ، ليبراليين ومحافظين على السواء.. وكعادتك عندما توجه خطاباً لما هو "آخر" لا يخلُ الأمر من بعض "التزويق" والتجمل .. لكن لديك مشكلة كبيرة : ما دمت توجه خطابك "لنا"..فكيف تتوقع من الآخرين أن يصدقوك إذا كنت تقنعنا بأنك تريد شيئاً بينما تريد على أرض الواقع شيئاً آخر؟ -كما يقول المثل المصري "أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب"..

هؤلاء وغيرهم في كل معسكر وعلى كل جناح هم المستفيدون الأول من غياب القانون في أجزاء من مصر ، وغياب التنمية عن أخرى .. وما يجعلني أتفاءل بغد أفضل هو كثير ممن أعرفهم .. مسلمين ومسيحيين ينحازون لمبادئهم .. وللتعايش والشراكة في الوطن بلا حنجوري ولا "شغل حلبسة" .. ويرفضون شلل "سلمني دقنك شكراً" - كانت تلك على دينهم أم لا - ولا ينخدعون بمعسول كلامها وعديد وعودها..فتلك الشلل لا تختلف عن أكثر المتطرفين تطرفاً..

Sunday, March 21, 2010

وبدأ إفساد شيخ الأزهر

قبل العودة مرة أخرى إلى "الآتي بعد".. اسمحوا لي بالتوقف عند موضوع ما ، اسحوا لي بدوركم لي قبل أن أدخل إلى صلبه بملاحظة سريعة عن منصب "شيخ الأزهر" وليس شخص "شيخ الأزهر"..

لفترة طويلة عاش الإسلام بدون وجود جامعة علمية "واضحة" مستقلة تعنى بتدريس العلوم الدينية ، باستثناء المسجد النبوي الذي كان يؤدي ذلك الدور ، قبل ظهور الدور السياسي لـ"العراق" في التاريخ الإسلامي ، وظهور مدارس هنا وهناك .. وقبل ظهور مؤسسات قامت بدور الجامعة كـ"جامع الزيتونة" التي تصنف كأكبر جامعة إسلامية ، ومن بعدها طبعاً الجامع الأزهر.. استفاد الإسلام والعالم الإسلامي بطبيعة الحال من وجود مؤسسات بهذه الضخامة والأهمية ، لكنه لم يخسر -وفي آراء : لم يخسر كثيراً- بغيابها..

قام الأزهر بدور لا ينكره أحد في خدمة الدين الإسلامي واللغة والثقافة العربيتين على مدى ما يزيد على عشرة قرون من الزمان ، ويمكنه -بشروط- أن يلعب دوراً أكبر وأهم هو ومؤسسات أخرى في حماية الاعتدال والوسطية ، وكمؤسسة كبيرة من الطبيعي أن يكون لها قائد وموجه يصوغ سياساتها وطريقة العمل بداخلها وعلاقتها بكل ما يحيطها.. وهو في حالتنا هذه "شيخ الأزهر".. وهو أياً من كان عالم جليل له كل التقدير والاحترام.. لكن..

لكن أن نفاجأ بحملة غريبة للتضخيم من أهمية منصب شيخ الأزهر ، بدأتها الميديا الحكومية على مدى الفترة منذ رحيل شيخ الأزهر قبل أسبوع وحتى ساعة كتابة هذه السطور..كما لو كان الإسلام سيضيع في غيبة الأزهر ، أو في غيبة شيخ الأزهر لأي سبب كان ، ثم حملة للتهليل الهستيري بتعيين شيخ جديد للأزهر كما لو كان الأمر يتعلق بتعيين مدير فني للمنتخب الوطني قبل حقبة "حسن شحاتة" ..فهذه مصيبة بلا مبالغة..

هذا التضخيم والتهليل للكرسي هو أول خطوة يقوم بها أصحاب المصالح هنا وهناك لـ"توجيه" صاحب الكرسي في اتجاه معين ، وبالتالي لإفساده.. تماماً كما يستقبل المدير العام الجديد في أي مصلحة حكومية بقصيدة مدح نفاقية من عينة ما يقدم "ظنانة بيه" - ومن على شاكلته - في قصة "أحمد رجب" "الوزير جاي".. لعبة قديمة جديدة احترفها المنتفعون في كل زمان ومكان في محاولة لاستقطاب كل من يتولى أي منصب..

بل إن تلك الممارسة القميئة تصل إلى قمة فجاجتها عندما نقرأ تصريحاً - إن صح - لأحد شيوخ الطرق الصوفية مستقبلاً الوافد الجديد على مشيخة الأزهر يقول بالحرف الواحد : ووصف بأنه يعد "البابا" لجميع المسلمين وإمام المسلمين أهل السُنة في العالم، الذين يزيد عددهم عن مليار مسلم!

كأننا كلما نتقدم خطوة للأمام نعود ثلاث كيلومترات للخلف..

كأنه هناك من يصر إصراراً لحاجة أو لمصلحة على تجريد الإسلام السني مما قدم من حرية اجتهاد منضبطة ومن عدم التقيد الأعمى بزعامة دينية لا وجود لها في الدين الإسلامي نفسه كتاباً أو سنة .. على من يصور للناس أنهم "تبع شيخ الأزهر" وشيخ الأزهر "تبعنا" وعليه "كل الناس تبعنا".. ألا يتناقض ذلك مع كل ما قالوه وقاله غيرهم عن دور الأزهر وأهميته..

وعندما يكون أي من يتصدى لعمل عام ، أو لمنصب كهذا له احترامه -لا قداسته- منحازاً ، أو يحاول البعض جعله كذلك لفئة ما ، فإنه يكون قد بدأ أول "سكة اللي يروح ما يرجعش".. فهو لا يفترض به أن يعمل لفئة دون الأخرى ، بل يعمل للجميع دون تمييز ، أما أن يحمي مصلحة فئة على حساب الأخرى ، كما تطلب منه تلك الفئة ، أو هذا الحزب ، أو الجماعة ، أو الشلة ، أو الطريقة .. فقل على المنصب ومن يتولاه السلام ورحمة الله وبركاته.. وسترجع السيارة كثيراً إلى الخلف..

Thursday, March 18, 2010

الآتي بعد : صوب زجاجية

نعم.. هناك حساسيات .. منذ زمن بعيد.. وليست وليدة اللحظة..لا يشكك في وجودها منظر لمئذنتي مسجد بجانب برج كنيسة تجاورا من قبيل الصدفة ، ولا مشهد مفتعل لشيخ بجوار قسيس في مؤتمر أو في ندوة أو في مسلسل ، ولا مقالات مدعيي الليبرالية في "روزا" وأخواتها ومزايداتهم وتزيدهم أحياناً.. ولا أي شرح لتاريخ التعايش بين المسلمين والمسيحيين على أرض المحروسة .. ولا أي تذكير بتاريخ التعايش عموماً وبالنماذج الدالة عليه في السيرة النبوية أو في التراث المسيحي أو.. أو..أخدع نفسي وأخدعكم إن لم أقل غير ذلك..

وأخدع نفسي- بالمثل- إن لم أقل أن الحساسيات ستظل قائمة في أي مجتمع به أديان ومذاهب متعددة ، أياً كانت ليبراليته ، وأياً كان تسامحه ، وأياً كان المش عارف إيه .. لسبب بسيط .. وهو أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق عبيده "اسطمبة واحدة".. خلقهم متباينين في كل شيء ، في الشكل ، واللون ، وطريقة التفكير ، وفي الاعتقاد ، بل وفي الإيمان به من عدمه .. والأهم أنه خلق لهم كوكباً واحداً يتعايشون عليه فيما بينهم.. وأن يصرف الجميع أموره على هذا الأساس.. لأنه لا توجد أي قدرة لأي مخلوق على أن يطبع الآخرين بطباعه ولو كانوا من لحمه ودمه..فما بالكم بمن ليسوا كذلك..

وما يعزز ما أقول ببساطة هو أنه وبعيداً عن الإكليشيه الرخم عن بحر التسامح الذي نبلبط فيه منذ سنوات طويلة فإن حالنا أفضل من حال كثيرين في هذا العالم ، فنحن على الأقل نعيش في صوب زجاجية تغلفنا بعيداً عن أعين الناس الوحشين الذين ليسوا مثلنا..رغم أننا عندما نخرج من تلك الصوب إلى الشارع إذ نفاجأ بأنفسنا نحتك ليل نهار بأولئك الوحشين!

هذه الصوبة قد تكون عمارة يسكن كل شققها أصحاب نفس الدين أو المذهب دون غيرهم ، أو عدة عمارات ، أو تجمع عمراني محدود تنطبق عليه نفس الشروط ، يكون ممحوراً حول دار العبادة أحياناً كمركز له ، سواء أكان كنيسةً -بالنسبة للمسيحيين- أو مسجداً يتبع فرقة مذهبية معينة كمساجد السلفيين مثلاً.. وحوله تتوافر مكونات "شبه مجتمع" خاص بتلك المجموعة تشكل "بديلاً خدمياً" لما يقدمه المجتمع المحيط و/أو الدولة.. إشي عيادة على صيدلية على سوبر ماركت على ..على .. على ... .

وكأي "تطور طبيعي" لأي شيء بما فيه الحاجة الساقعة لم يقنع أصحاب الفكر "الصوبي" -مسلمين كانوا أم مسيحيين- بهذا البراح الضيق لصوبتهم العزيزة ، فرأينا أمثلة على أن الصوبة من الممكن أن تكون قرية بكاملها ، كما حدث في "أبو حنس".. صوبة يدافع عنها أصحابها بكل الطرق ، ويستغل "البعض" ذلك ويستثمر فيه سياسياً ليكرس للفكر الصوبي تحت ستار حماية الاستنارة والوحدة الوطنية.. حماية الوحدة الوطنية بحبس المسلمين والأقباط كل في صوبته الزجاجية الخاصة به ، وربما بحبس مجموعات من كل مذهب هنا وهناك في صوب مماثلة.. وسلم لي قوي على التعايش!

ولا يشترط أن تكون الصوبة داخل إطار جغرافي محدد .. بل قد تكون الصوبة داخل الإنسان الواحد الذي يتوهم أنه في المجتمع المحيط خطر داهم عليه وعلى هويته .. فيبدأ في صنع صوبته بالبحث عن نمط معيشي وقيمي خاص به يفصله عمن حوله.. من بدأوا بالبحث عن المظهر الخليجي في بلد يختلف مناخه عن خط الخليج كله ، وعن لكنة يدفسها وسط العامية المصرية التي لم تعد تلائمه من وجهة نظره .. وعلى الجانب الآخر يتسابق من يتسابق على الهجرة إلى أمريكا وكندا ، بل ويعد نفسه وأبنائه لهذا الهدف ويسميهم بأسماء أجنبية بعيدة كل البعد عن الأسماء المسيحية المصرية كي تسهل اندماجهم في مجتمعات المهجر.. وفي الحالتين -هذه أو تلك- لا فرق.. العيش في مجتمع آخر داخل المجتمع أو التعامل مع مجتمعك كدار فناء تستعد فيها لدار البقاء!

لن تفلت بأي حالٍ كان من تأثير الصوبة الزجاجية حتى ولو لم تكن تعيش في واحدة.. فالذي يعيش داخل الصوبة يرى أولاً أنه الأفضل وأنه على حق وأن الآخرين أوغاد ، وأنه يجب عليه أن يحمي نفسه ، وأهله ، وحياته ، من أي تأثير محتمل للأوغاد.. وبالتالي تخيل ما سيحدث لو اضطر "الحلوين" للتعامل مع "الوحشين" تحت سقف عمارة واحدة أو في مكتب واحد في العمل أو في قاعة محاضرات في الجامعة .. مسلمون ومسيحيون ، وأحياناً مسلمون ومسلمون ، ومسيحيون ومسيحيون نراهم يستقبلون بعضهم البعض بابتسامة صفراء مضيضة تعكس اضطرار هذا الشخص للتعامل قسراً مع الشخص الآخر .. مع غمغمة في السر قد لا تجاوز الشفتين بعد انصراف الشخص الآخر تلعن السنين السوداء للجيرة الهباب التي جمعته بالشخص المنصرف ، أو المصلحة الهباب التي جعلته يضطر لمزاملته في العمل أو شراء أي شيء أو خدمة تأتي من وجه ذلك الشخص!

أصحاب الصوب المعقمة وسكانها يحبون أنفسهم لدرجة الأنانية ، لدرجة لا يتسع معها هذا العالم لغيرهم .. وعلى ذلك من الغباء الاعتقاد بأن أي احتكاك بين سكان الصوب وسكان الصوب الأخرى أو غير المعتادين على سكنى الصوب بشكل عام ، من الممكن أن يصل إلى مدى أعلى من التوتر .. ومن العصبية .. ومن التطئيف .. ومن العنف.. وسط تناسٍ تام بأن التعايش الحقيقي يمكنه أن يجنب الجميع ويلات صراعات ومشاكل طائفية يعلم الله وحده نهايتها..

ومن الطبيعي أن من لا يدرك أن التعايش "شيء كويس" لا يملك الاستعداد الكافي لهضم قانونه رغم بساطته .. صحيح أن ردود فعله تجاه "الآخر" قد لا تتسم بالعنف لأسباب لها علاقة بطبيعة المجتمع المصري نفسه ، لكن الرئات التي أدمنت هواء الصوب يصعب عليها تقبل الهواء العادي..

وللحديث بإذن الله تعالى بقية..

Thursday, March 11, 2010

أيضاً.. قبل الآتي بعد..

لا يعني غيابي الطويل والقسري عن عالم التدوين أنني قد نسيت "الآتي بعد".. فقط سأؤجل فتح هذا الملف للتدوينة القادمة مباشرةً بإذن الله .. لأن حدثاً واحداً فرض نفسه .. وكان من الصعب أن يمر على كاتب هذه السطور بلا تعليق..

بدايةً البقاء والدوام لله .. وخالص التعازي في وفاة شيخ الأزهر "محمد سيد طنطاوي" الذي توفي أمس الأربعاء.. والذي أكن له كل التقدير والاحترام رغم "شوارع" الخلاف بيني كشخص عادي وبينه كعالم وكرئيس لجهاز بأهمية "الأزهر" .. والذي اتضح أنه ليس خلافي فقط معه بل خلاف كثيرين .. ولهم مبررهم في ذلك .. عكس ما يهيس به بعض مرتزقي قصائد الرثاء في الميديا.. الذين يتعمدون الخلط بين النقد المغموس بالهوى وبين نظيره المحايد والعقلاني .. بين التشكيك وبين الاختلاف على آراء ومواقف ووجهات نظر لا أعتقد أن منصبه الرفيع يبيح له أو للمذكورين الحجر على حق الآخرين في الاختلاف معها..وعليها..

وما يهمني هنا هو التشديد على أن مهمة من سيخلف الشيخ "طنطاوي" ستكون صعبة .. ليس فقط للظروف التي تمر بها المنطقة العربية ،وعودة الهوس المذهبي من جديد ، ولكن لطبيعة وأهمية دور الأزهر التي يجب أن يعيها من يرأس هذا الصرح الكبير..

يخطئ من يعتقد أن "الأزهر" أو غيره هو المرجعية المسلمين السنة في العالم أجمع .. هو يعد من أكبر وأهم الجامعات الإسلامية في العالم لكنه ليس الوحيد ، ولكن ربما كان ذا طبيعة خاصة لما قدمه من خدمات جليلة في مجال نشر الدين واللغة العربية لا يجحده أحد ..ومن يعتقد أن شيخ الأزهر - أياً كان شخصه وأياً كان مقدار علمه- هو "أكبر عمامة سنية" كما قال "عمرو أديب" مثلاً بالأمس.. طبيعة المذهب السني هو أنه لا تكون هناك عمائم .. طبيعة المذهب السني هي الاستقلال .. ألا يكون الدين حكراً على مذهب بعينه أو تصور بعينه .. وبالتالي فإن دور من سيقود المؤسسة الأزهرية في الفترة القادمة سيكون أولاً في تقديم علماء مجتهدين مستنيرين فاهمين ، وفي تحقيق الاستقلال المذهبي والسياسي للمؤسسة الأزهرية كي تستطيع تقديم علماء مجتهدين مستنيرين وآراء فقهية معتدلة بحق وحقيق بعيداً عن تصورات المستصوفين والمتمسلفين ومن يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين..

ولو استطاع أي من التيارين اللذين يخترقان الأزهر فعلاً السيطرة عليه فإن ذلك يعني أولاً فرض أسلوبه وتصوراته على المؤسسة الأزهرية وطلابها ودعاتها ، واستغلال ذلك في مواجهة "منافسيه" على "الزعامة الدينية" وربما للحجر على أي رأي آخر مخالف له ولقناعاته..

بدون الاستقلال المذهبي يستحيل تحقق الاستقلال السياسي ، ويستحيل ألا نرى الأزهر بتاريخه وحضوره ينحاز لأي نظام أو لأي قوة معارضة له ، خاصةً وأن التيارين المذهبيين إياهما يعرضان من حين لآخر خدماتهما على النظام والتيارات المعارضة له .. والتمذهب الجديد يحب السياسة كما يحب الزبيب المهلبية..

عندما نرى قيادة للأزهر تحقق استقلاله ، وتقوده بسلام بعيداً عن حسابات السياسة وصراع المتمسلفين والطرقيين .. ستعود للأزهر قوته ومهابته .. وسيلعب دوراً أكبر في خدمة هذا الدين ..وتفادي الآتي بعد..دمتم بخير..

Friday, January 22, 2010

سؤال.. قبل الآتي بعد

قد يكون من الضروري ، ومن الضروري جداً في هذه الحالة بالذات ، أن أدخل لمناقشة مواضيع وأحداث شديدة الخطورة ، كتلك التي حدثت أوائل هذا الشهر ، من خلال أسئلة قد تبدو شديدة التفاهة ، ولا يلقِ لها أي شخص بالاً خلال الأحوال العادية .. فما بالكم بعد أن تضرب الطوبة المعطوبة وتحدث الكارثة..

السؤال هو : لماذا لم نر أي متحدث في الدين ، سواء من الذين يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين ، أو من شيوخ القنوات أصحاب الصوت المسموع لدى شرائح كبيرة من الناس ومن غيرهم ، أو من خطباء المساجد الأوقافيين ، أو حتى من كبار العلماء أو شيخ الأزهر أو المفتي ، يطلب من الناس برجاء رقيق ألا يسعلوا في وجه بعضهم البعض خاصةً في ظل أنفلونزا الخنازير؟

قبل أن تمسك أي شيء موجود أمام كيبوردك لتضربني به.. اسمعني للآخر..

إذا كان "س" من الناس لا يبالي بإصابة "ص" الراكب معه في الأتوبيس بالأنفلونزا إياها إذا ما "كح" أو عطس في وجهه ، فهل يبالي به عندما يلقي بقمامته أمام باب شقته؟ عندما لا يرد السلام عليه إذا حياه؟ عندما لا يحترم مشاعره في فرح أو حزن؟ عندما يدعسه أو يضربه في الطابور .. أي طابور؟

عندما - ربما- يقتله كذبابة أو صرصور لأتفه سبب؟

إذا كان هذا الـ"س" على هذه الشاكلة مع "ص" الذي على نفس دينه ، فما بالكم به مع "ع" الذي يعتنق رأياً مختلفاً..

أو مذهباً مختلفاً,,

أو ديناً مختلفاً؟

أكن كل الاحترام لمن يتكلم قبل أن تحدث الكارثة ، وقبل أن تحدث كارثة كتلك التي حدثت في "نجع حمادي" والكارثة التي كانت قبلها وقيل أنها كانت السبب فيها ، والبلاوي التي نقرأ عنها ليل نهار.. لهذا كان إمام المسجد القريب من بيتي بعيد النظر لأبعد مدى عندما ألمح ضمناً قبل أشهر إلى أن الخطاب الديني في بلادنا أصبح أنانياً شخصانياً.. لا أكثر.. يركز على جمع الحسنات فقط عن طريق العبادات وعن طريق الذكر فقط -وهذا شيء محمود في ذاته ولا يعترض عليه أحد.. ولكن ما يستحق الاعتراض هو أنه يتجاهل وفي المقابل نصوصاً صريحةً في الكتاب والسنة تعطي أفضليات لمن يميط الأذى عن الطريق ، ويحسن معاملة جاره ولو كان على غير دينه ، ولا يغش ولا يكذب ولا يرتشي ولا يسرق -أياً كان مَن ترتكب في حقه تلك الجرائم - وأن يساعد الغير ما استطاع سبيلاً إلى ذلك -أيضاً أياً كانوا..وأن يكون نافعاً لوسطه المحيط ..

في ظل خطاب كهذا صرنا أكثر أنانية ، والـ"نا" تعود هنا على الكل مسلمين ومسيحيين ، ولا أزعم أن تلك الأنانية لها من يروج لها على الطرف المسيحي كما يحدث لدينا، وفي ظل "الحراك السياسي" صارت المصلحة هي معيار الحكم على حسن وسوء وجمال وقبح وأخلاقية ولا أخلاقية كل شيء ، وكان من الطبيعي أن تتورم "الأنا" وتتهيج على مستوى الأفراد والمجموعات ، "أنا" الفرد و "أنا" الجماعة والمذهب والطريقة والشلة والمجموعة مسلمةً كانت أم مسيحية..

وفي ظل الأنانية المستفحلة يصعب على الأنانيين ألا يكرهوا بعضهم البعض.. أن يبيت كل منهم في كنتونة مستقلة خاصة به ، و"يقفل عليه" .. قد تأخذ شكل شارع أو حارة ، أو قرية , وربما مدينة أو محافظة أو دولة..

في ظل أنانية كهذا توقعوا أي شيء ، سرقة ، بلطجة ، اغتصاب ، وزي ما تقول قول.. ما حدث كان متوقعاً .. لكننا كنا نستعبط .. كما سأوضح في تدوينات قادمة إن شاء الله ..

أترككم مع هذا السؤال .. فكروا فيه وفيما كتبت بهدوء ، ربما أكون قد هولت ، أو هونت .. دمتم بألف خير..
*الملف مهدى لزميليّ "ابن عبد العزيز" و "رامز شرقاوي"..وهذه فقط الحلقة "صفر" أو حلقة المقدمة..

Monday, November 30, 2009

ما لكش دعوة بيا

أولاً: كل عام أنتم بخير ، ثانياً: آسف على التأخير بما أن كل تدويناتي هنا وهناك أكتبها على ثلاث وأربع دفعات أحياناً ، ثالثاً : آسف على الآتي بعد لأن هذه النوعية من التدوينات قد لا تناسب الأعياد وبهجتها!

كان من المفروض أن أكتب هذه السطور بعيد المهازل التي حدثت في الجزائر من قبل عدد كبير من الهووليجانز والبلطجية في الجزائر ضد مواطنين مصريين مستأمنين في ديارهم .. ولكن الظروف التي عطلتني طيلة شهر ويزيد عن الدخول على النت بالنتظام أجلت الكتابة في هذا الشأن حتى الأمس - الأحد - حيث سمعت ما ضاعف من استفزازي وغضبي..

في البدء .. لم يعلق أحد على تلك التصرفات الهمجية المرفوضة ضد المصريين العاملين في الجزائر ، بل إنه في يومها وعلى أحد القنوات الدينية تفرغ أحد مغنيي القرآن للحديث عن كرة القدم ، ومساوئها ، وعن "المخالفات الشرعية في عالم كرة القدم" ، دون التطرق إلى تلك التصرفات التي تحدث في شهر حرام هو ذي القعدة لمسلمين في بلد مسلم ، بل إنه - لا فوض فوه - قد قال أنه يوجه حديثه لـ"العقلاء" -دون غيرهم - طالباً ألا تسمح مباراة كرة قدم بتوتير العلاقات بين شعبين مسلمين!

المذهل أن هذا التيار عموماً يعتمد على توجيه "النصيحة" للجميع ، عقلاء ومجانين ، وملأت مطوياته الشوارع المصرية في عشر ذي الحجة ، وهذا التيار له صوت مسموع في مصر وفي خارجها ، وكان من باب أولى أن يوجه النصيحة لكل الجزائريين المسلمين الموحدين المؤمنين بالله الذين آذوا مسلمين مصريين موحدين مؤمنين بالله في بلد مسلم موحد مؤمن بالله ، ويذكرهم بخطبة الوداع التي خطبها الرسول الكريم في يوم الوقوف بعرفة في حجة الوداع ، ويذكرهم بأن غير المسلم المستأمن في بلد المسلمين له حرمة فما بالكم بالمسلم نفسه ، وبأن الاعتداء على المسلمين في كل الشهور حرام فما بالكم لو حدث في شهر حرام!

لا حس .. ولا خبر..

حتى ظهر شيخ آخر على نفس القناة يتحدث مرة أخرى عن التهدئة ..وأن العشرين ثلاثين ألفاً الذين فعلوا ما فعلوا هنا وهناك لا يمثلون عموم الجزائريين!

لم يطلب أحد من القناة ، ولا من شيوخها ، ولا من أحد أن يسمعونا أسطوانة "التار التار التار التار التار التار.. أرحم م العار أرحم م العار أرحم م العار" .. ولا أن يأخذوا من كل رجل قبيلة ، لكن أن يمارسوا دورهم تجاه تجاوز مرفوض شرعاً قبل أن يكون مرفوضاً قانوناً.. أن ينصحوا لله ولرسوله وللمؤمنين .. العاقل يعرف أما غيره فلا يعرف .. من باب أولى أن يكون النصح لمن لا يعرف قبل من يعرف..

ختاماً.. أعرف ما ينتظرني من أدب رفيع ، لكن أطلب من كل من سيعلق ويهاجم أن يجيبني إجابة مقنعة ومنطقية عن سبب هذا السكوت عن الحق ، والتقاعس عن دور هم مؤهلون له كان من الممكن أن ينقذ حرمات وأناس أبرياء.. وأطلب منهم - بما أنهم لا ينصحون المجانين - أن يتعاملوا معي كشخص مجنون ، وإذا كان المتحدث مجنوناً ، فالمستمع عاقل.. دمتم في أمان الله..

Friday, November 13, 2009

من غناء القرآن .. إلى التهريج بالقرآن

تذكرت تعبير أمير الشعراء "أحمد شوقي" عندما قال في قصيدة شهيرة له : إن الرواية لا تتم فصولاً..

لم نكن نفيق من مهزلة غناء القرآن في تراويح رمضان الماضي حتى ظهر لنا ما هو أسوأ.. أطلب فقط صبركم وتحملكم لنهاية التدوينة لتفهموا ، وتشاركونني الغضب..

قبل أيام قرأت تدوينة لزميلي العزيز "محمد إلهامي" -وهو شخص مهذب ويحظى لدى كاتب السطور باحترام كبير- نقل فيها عن صديق له - قد يكون حسن النية والله أعلم- يقول فيها معلقاً على مباراة مصر والجزائر "اللهم أنزل على استاد القاهرة صاعقة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك. فقال له أحد من سمع مازحا: “إن فيهم أبو تريكة”، فرد جادا لا مازحا : “ثم يبعثون على نواياهم”!

حتى مع حسن النية الذي افترضه "إلهامي" وأفترضه أنا أيضاً.. ما قاله ذلك الصديق مثير للغضب إلى أقصى مدى ممكن ، ويعطي صورة لمن قرأه بمن فيه العبد لله أننا لم يكفينا غناء القرآن في الصلاة نهاراً جهاراً ، بل صرنا نعامل الذكر الحكيم كالأغاني ، نقلدها و"نألس عليها"..

بالمناسبة ، ليست هذه المرة الوحيدة التي أرى فيها شيئاً هكذا، فجريدة "الشروق" -الجزائرية وليست المصرية- نشرت نقلاً عن قارئ لها تحريفاً للآية الثالثة والأربعين من سورة يوسف :"وإذ قال شحاتة لسمير زاهر إنى رأيت أحد عشر لاعباً (يقصد المنتخب الجزائرى) ورواندا وزامبيا رأيتنا معهم خاسرين قال: يا شحاتة لا تقصص رؤياك على اللاعبين فيطيح له المروال وقل للصحافة إن هذا من كيد الجزائريين"..وقال شحاتة: "إنى أرى سبع نقاط خضر وأربع مصريات وتسع نقاط باقيات ياأيتها الصحافة أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون".قالوا "أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، وقال سمير زاهر وادكر بعد أمة أنا آتيكم بتأويله فأرسلون.. سعدان أيها المدرب الكبير أفتنا فى سبع نقاط خضر وأربع مصريات وتسع نقاط باقيات، قال: تلعبون ثلاث مقابلات تتعادلون فى الأولى وتخسرون فى الثانية وفى الثالثة تتبهدلون"!.. أتفهم السخرية من "أم كلثوم" و"عبد الحليم" و"زويل".. لكن ما دخل مباراة لكرة القدم أياً كانت أهميتها بالقرآن؟ وما علاقة القرآن المنزل من عند الرحمن بمصر أو سوريا أو الإمارات حتى؟ مش عارف..

وإبان كارثة العبارة ظهر من علق لدى زميلنا "وائل عباس" كاتباً صياغته لدعاء الركوب قائلاً ما أتذكر منه "قبح الله من كسر لنا هذا وما كنا له منتخبين".. وتدوينة لمدون زميل لا يحضرني اسمه حالياً للغضب علق عليها زميلنا العزيز "أحمد شقير" بما تستحق وكان فحواها أيضاً استخدام تهكمي للقرآن الكريم..

هذا الاستخدام الممجوج للقرآن الكريم في السخرية يعيد للذهن فكرة الـ parody..

يعرف "التأليس" على الأغاني في عرف الموسيقى وفنون أخرى بالـparody..وهو ببساطة شديدة تحريف كلمات الأغنية (في الموسيقى) أو محتوى الفيلم (في السينما) بطريقة ساخرة تهكمية مضحكة ، ومما يحضرني من أمثلة أغنية ظهرت قبيل غزو العراق بعنوان inspect وهي تسخر من إلحاح "جورج دابليو بوش" على التفتيش على المنشآت النووية العراقية كما لو كانت أهم من شئون بلاده الداخلية ، وهي تقليد ساخر لأغنية respect التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي.. والـ parody يشبه ما كان يعرف في الأدب العربي بـ"المعارضات" حيث كان الشاعر يكتب قصيدة كاملة على نفس وزن وقافية قصيدة أخرى ، ثم تطور ليصبح ساخراً وتهكمياً ، ومارسه عدد من الشعراء المعاصرين وكتاب الأغاني في بداية حياتهم ..وانتشرت parodies لأغان مصرية وعربية شهيرة منها ما هو مهذب وما هو "قليل الأدب".. وكلها مضحكة لأقصى مدى.. وغرضها تهكمي في الأساس بغض النظر عن حب صاحب الـparody للأغنية الأصلية أم لا ..

تعريض أغنية للسخرية هو أمر يخضع لقبول الشخص للسخرية من عدمه ، ومن قبوله للأغنية وللغناء عموماً من عدمه ، أما أن تعريض القرآن الكريم للسخرية فهذا أمر غير مقبول مهما كان حسن نية صاحبه..

مع احترامي لوجهة نظر زميلي وصديقي "محمد إلهامي" .. هناك فرق رهيب بين ما قام به شعراء وأدباء "تأثراً بالقرآن" وبين ما يحدث حالياً..

هناك من "تأثر" بالقرآن فنقل من تعبيراته في سياق غير ساخر ، وحتى عندما فكر في السخرية لم يضع الآية موضعاً للسخرية ، ولم يحرف فيها حرفاً، واقتبس منها مع وعي ودراية كاملة بمعنى الأصل القرآني ، وهو تصرف ينطبق عليه ما قاله "إلهامي" بقوله "لا غبار عليه" ، بل إني أراه طبيعياً في ظل عدم وجود نص صريح يحرمه ، وفي ظل حقيقة أنه لولا القرآن ولولا الرسالة المحمدية لماتت اللغة العربية ، ولما انتشرت ، ولما أصبحت من لغات منظمة الأمم المتحدة ، ولما أصبح لها شعر ونثر وقصة ورواية وأدب..

وفي المقابل هناك من "حرَّف" الآية بالكامل وغيَّر في سياق ساخر تهكمي لا محل له من الإعراب ولا من المنطق ولا من أي شيء.. والأمثلة الثلاثة وغيرها تغني عن مزيد بيان..

لفاعلي تلك التصرفات من حسني النية أوصي نفسي وإياهم -إذ لا خير فيمن يوصي غيره بشيء وينسى نفسه- بتوخي الحذر ، ولا كلام عندي لمن يفعل ذلك عن سوء نية .. لا نريد أن نتحول إلى دانمارك أخرى ولا هولندا أخرى ، فلسنا هم..ولا نريد أن نكون هم فيما يتعلق بديننا ولا أديان الغير.. دمتم بخير..

Tuesday, November 3, 2009

ودة من إيه؟

1-من المسلي واللذيذ أن تجد مؤسسة صحفية "ليبرالية" لا تلق وزناً كبيراً للدين - بحكم توجهها الليبرالي المزعوم - تخرج علينا بعد فشل "فاروق حسني" في الفوز بمنصب أمين عام اليونسكو بـ"مناحة" مفادها أننا تعرضنا للظلم والاضطهاد على أساس ديني ، وأن "فاروق حسني" قد تعرض لمؤامرة حقيرة فقط لمنع شخص "عربي ومسلم" من تولي المنصب..

وعلى ذلك ، يمكن استخدام نفس النظرية في خسارة أي فريق كرة قدم في بطولة تقام في أوروبا ، أو خروج فيلم سينمائي من "فينيسيا" أو "برلين" أو "كارلوفيفاري" بخفي حنين .. وأهو تغيير عن الشماعات التقليدية من عينة الشمس ، والزلزال ، وأسود ملك الحبشة هيلاسيلاسي..

2-لماذا هذا الشخص ، أو غيره ، بهذا المنطق ، يعتبر مرشحاً لمليار مسلم لمنصب ما؟ وهل أي مرشح من بلد عربي إسلامي هو مرشح عن المليار؟ وماذا لو ترشح أكثر من شخص من أكثر من بلد؟ وما هو سبب ذعر العالم الغربي كله من تولي شخص من بلد عربي إسلامي -بهذا المنطق أيضاً- لمنصب ما؟ ، بما أنه لم تسجل حالات ذعر مشابهة ممن تولوا مناصب سياسية ورياضية فنية دولية وكانوا عرباً ومسلمين ، ومن بينهم أشخاص في قلب الأمم المتحدة نفسها..وبمعنى آخر : ما هو الاختلاف الذي سيصنعه تولي "فاروق حسني" أو حتى "فاروق جعفر" للمنصب عن غيره؟

وبعدين.. لماذا نرفض أن يعمل من يتولى ذلك المنصب أو غيره لحساب من صوتوا له ثم نطلب من مرشحنا - لنفس المنصب- أن يعمل لحسابنا؟ وهل قدم هذا المرشح ، أو غيره "أمارة" تفيد أنه يتبنى أولوياتنا خاصةً في ظل النهب المنظم للتراث الإنساني في فلسطين والعراق؟ ولماذا نعيب على الغير التربيط و "شغل الانتخابات" بينما نفعل نفس نحن الشيء؟ وهل فشل السيد المرشح الفاضل لأن الغير ربَّط بشكل أفضل أم لأننا فاشلون في التربيط؟

3-ولماذا لم "يتنحرر" المذكورون في الفقرة الأولى عندما كان هناك عنف تمييزي بحق وحقيق ضد مواطنة عربية مسلمة مصرية كل خطيئتها أنها لجأت إلى القانون في بلد (يفترض أنه) يحترم القانون لحماية نفسها من التمييز، بينما اعتبروا عدم التصويت للمرشح الذي أعلنوه - من جانب واحد فقط- مرشحاً عن مليار بني آدم قمة الاضطهاد الديني والعنصرية ، ألم يصوت هؤلاء لـ"البرادعي" يوماً ما ، وهو من نفس البلد وعلى نفس الدين؟ ..

4-أما عن سبب تفضيل المشار إليهم في الفقرة الأولى لأن يلعبوها "دين" رغم أن هذا الأخير ليس على قائمة أولوياتهم ، فهذا يرجع إلى ما يسمى بثقافة الندابة.. والندابة باختصار هي امرأة ترتزق بالندب والعويل بعد كل حالة وفاة ، وكلما "شافت شغلها بذمة" وعَبَّقت المكان شحتفة وعويلاً كلما كان ذلك أفضل ، سواء أكانت تعرف الميت أم لا ، أو كانت من محاسيبه أم ممن لا يطيقونه حياً ولا ميتاً..

نحن عاطفيون إلى أبعد مدى ممكن ، وينسحب ذلك على تعبيرنا عن الفرح والحزن والإحباط والاستياء ، وتصل العاطفية إلى ذروتها عندما يحدث بالفعل ما يثير الغضب عن جدارة واستحقاق ، كما حدث من الإساءات العنصرية للدين الحنيف من قبل مجموعة من العنصريين المتطرفين الذين ترتفع أسهمهم كل يوم في العالم الأوروبي ، نحن إذن في حالة أشبه بحالة من مات لهم عزيز ، وفي تلك الحالة يتساوى أحباب الميت وأعداؤه .. والمشار إليهم في الفقرة الأولى لعبوها بتلك الطريقة ، وبغباء منقطع النظير..

بالتأكيد ليس لدى هؤلاء جملة مفيدة يجيبون بها عن سؤال واحد من تلك الأسئلة التي ذكرتها في هذه السطور .. لكن بالتأكيد لديكم أجوبة ، وأنا في انتظارها ، دمتم بألف خير..

Friday, October 30, 2009

ثلاث هوامش على "أزمة النقاب"

0-لن أدلي طبعاً بأي حكم في مسألة النقاب إن كان فضل أم فرض.. فلست أهلاً لذلك بطبيعة الحال.. لكن ما لفت نظري كواحد من عامة المسلمين شيئان أطلب التعليق عليهما بهدوء شديد وبلا عصبية زائدة..

1-لا أفهم كيف أصبحنا نختلف مع بعضنا .. وكيف أصبح الخلاف في الرأي لا يبقي للاحترام قضية رغم الكلام ليل نهار عن أدب الخلاف والاختلاف..

هناك داخل المدرسة السلفية الحسانية رأيان يعتبر أحدهما النقاب فرضاً والآخر فضلاً ولكل رأي هناك منحازون ، بل وخارج المدرسة نفسها أيضاً ، ومنذ قرون .. لكن كل فريق أصبح لا يعتد بالرأي الآخر في مسألة هي محل خلاف .. كل رأي لا يرى إلا نفسه ، وبقدرة قادر تحولت المسألة التي اختلف عليها علماء أجلاء إلى خط أحمر لا هوادة ولا احترام لمن يختلف معه أو يخالفه.. هكذا تعامل عدد ممن قالوا بفرضية النقاب مع المختلفين معهم ، وتعامل معهم الآخرون بنفس الطريقة ولكن بشكل أقل "قليلاً"..

2-لماذا لم أر الذين قالوا بفرضية النقاب يحذرون من سوء استغلال الظاهرة بما يسيء للمنقبات بشكل عام؟.. هل يقبل هؤلاء أن يتنكر رجل في زي منقبة لأي سبب من الأسباب ، أو أن يستغل في جريمة ، أو...أو...أو...؟

3-نأتي إلى الطرف الآخر.. إلى الذين هللوا لشيخ الأزهر وصنعوا منه بطلاً قومياً رغم تصرفه "الغريب" و "غير المفهوم" والخاطئ بكل المقاييس..

تسطيح غريب الشكل ومضحك ومن المؤسف جداً أن يأتي من بعض المثقفين.. ومنطق ينم عن القبح الذي نعيشه بسبب مبدأ "مصلحتي" الذي تناولته في التدوينة السابقة .. فلأن تصرفه - الذي كان من الممكن أن يكون أفضل ألف مرة - يوافق الهوى فهو بطل ليبرالي وصاحب مواقف ومش عارف إيه ، ولتذهب أمور أكثر أهمية بمراحل إلى حيث تذهب..

هل أصبح الأزهر في عهد هذا العالم الجليل أكثر استقلالاً من الناحية السياسية والفقهية والمذهبية.. بمعنى أنه لا حكومة ولا معارضة ، لا سلفي ولا صوفي ، لا مع أولئك ولا مع هؤلاء؟ لا.. هل أصبح الناس يثقون بعلماء الأزهر أكثر من ثقتهم بـ"الآخرين" سواء داخل مصر أو خارجها؟ لا .. (والمشكلة ليست فينا هذه المرة) .. هل نجح في أن يقف فكرياً في وجه أدعياء "الفكر الإسلامي" والحؤول دون تحويلهم إلى أصحاب قداسات في ظل الدفاع المسعور عنهم كما لو كانوا يقدمون لنا حقائق لا اجتهادات؟ لا..فلماذا التهليل إذن؟

صوت عال في مواجهة صوت عال ، وثقافة مصلحة مقيتة ، هذا هو حالنا حالياً .. في هذه المسألة ، وفيما هو أهم ألف مرة.. هذا رأيي والله أعلم.. فكروا فيها .. وبهدوء شديد بالله عليكم..

Thursday, October 1, 2009

في الصالح والمصالح والمصلحة : دين الحكومة أم دين المعارضة

1-هل الإسلام هو دين الحكومة أم دين المعارضة؟.. سؤال من الممكن أن تخرج به في ظل "العركة" السخيفة التي قد تطالعها على المواقع وفي المنتديات والصحف بين فريقين ، فريق "السمع والطاعة" وفريق "ثورة ثورة حتى النصر".. حيث يتهم الفريق الثاني نظيره الأول بأنه يرفع لواء السمع والطاعة لأي حاكم "مسلم" ، بينما يتهم الأولون الفريق الآخر برفع راية العصيان والثورة على أي حاكم ، ولكل من الفريقين أسانيده التي يحلو له استخدامها في التنظير لما يرى..وبعضها تفاسير لآيات قرآنية وأحاديث نبوية ومواقف من التاريخ..

وكلاهما يلعب بالدين وبنا أيضاً..

2-فالفريق الأول كما سبق البيان يرفع راية السمع والطاعة العمياني لأي حاكم مهما كانت درجة "استبداده" شرط أن يوافق ذلك الحاكم مصالحهم ، والفريق الثاني يرفع راية العصيان على أي حاكم يرونه "مستبداً".. و "غير عادل"..

ماشي..

3-ما هو المعيار الذي أحكم منه على أي شخص أنه عادل أو غير عادل؟ .. بعبارة أخرى : ما هي "العدالة" وما هو "الاستبداد" كي أستطيع أن أحكم بشكل صحيح؟

سيلجأ الفريق الثاني إلى التاريخ ، أمر لطالما اتهم به الفريق الأول ، حيث كان المجتمع بل والعالم كله مختلفاً ، كانت الدولة الإسلامية في عهد "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه دولة مركزية واحدة بسيطة في تكوينها وتركيبها ، ولم تكن لتعرف جماعات الضغط والمصالح التي هي أكثر من الهم على القلب في عالم اليوم.. ولهذا كان تحقيق العدالة أبسط بكثير ، وكان من السهل على الناس تفهم ذلك خاصةً وأن العالم الإسلامي وقتئذ لم يكن بعيداً بشكل زمني عن فترة الرسالة.. وكان عدد من رموز تلك المرحلة على قيد الحياة وهم أكابر الصحابة رضوان الله عليهم..

4-الآن ، في عالم اليوم ، وفي مصر بعد ظهور ما يسمى بـ"الحراك السياسي" .. أصبح الموضوع أكثر تعقيداً وأقل أخلاقية..

لديك اليوم عشرات جماعات الضغط ، خد عندك يا سيدي ، نقابات مهنية ، جمعيات وكارتلات رجال أعمال ، موظفون وبيروقراط ، مجرمون وحرامية ، ولكل هؤلاء "مصالح" .. مثل تلك التي يملكها كل فريق كرة قدم - مثلاً - ينزل إلى أرض الملعب ، وعليه فإن أي حكم يحتسب قراراً في صالح الفريق -ولو بالخطأ- فهو حكم عادل وستين عادل ، وأن نفس الحكم إذا ما احتسب خطأً ضد الفريق نفسه -ولو كان صحيحاً - فهو حكم ظالم وابن ستين في سبعين..

لم يعد لدينا عدالة واحدة ، بل عدالات ، عدالة الموظفين ،وعدالة رجال الأعمال ، وعدالة الساسة ، وعدالة النقابيين ، وعدالة العمال ، وعدالة تجار المخدرات ، وعدالة الحكومة وعدالة المعارضة .. عدالات بعدد المصالح بما أن العدالة طبقاً لمعايير زماننا هي المصلحة .. مهما كانت ضيقة ، أو محدودة ، أو غير مشروعة..

وبالتالي فإن أي سوبر مان ، أو سوبر منظمة يصعب أن تحقق عدالات هؤلاء جميعاً في نفس الوقت ، ومعظمها للعلم "قد" يتنافر مع "العدل" ، الذي هو خط ثابت يسعى الإنسان في موضع السلطة - كما يفترض- لتحقيقه ما استطاع ، وليس "متغيراً" كالمصالح ، العدل واحد من أهم مقاصد التشريع ، شرعي يعني ، أما المصالح فقد تكون "غير مشروعة"..

السيء في الأمر ، عطفاً على حقيقة أن تلك الجماعات متفاوتة في القوة والنفوذ ، أن تفرض جماعة قوية مفهومها للعدالة على الجميع ، وعلى أساسه توجه الآخرين ، بالمفكرين ، وبالإعلام ، وبغير ذلك ، وإيه ، باسم الدين، لتبني هذا المفهوم حتى ولو انحرف عن العدل.. وهو ما يفعله تيار المال السياسي حالياً وبشكل زاعق.. وبذلك أصبح لدينا تياران ، الأول يستند للدين لتسويق وتبرير سياساته ومفهومه للعدالة والعدل ، والثاني يستند للدين أيضاً لتسويق وتبرير سياساته ومفهومه للعدالة والعدل..

الإسلام إذن ليس دين الحكومة ولا دين المعارضة ، ليس دين النظام ولا دين المال السياسي ، الإسلام دين له قيم ينبغي علينا جميعاً أن نسير نفسنا حسبها لا أن نسيرها حسبنا.. والعدل هو مصلحة للجميع ، وهو الصالح الذي قد توافقه -وقد لا توافقه - المصالح.. والله أعلم..
* إهداء خاص لصديقي العزيز "ابن عبد العزيز" على خلفية تعليق لي لديه .. كنت قد وعدته بتناول الموضوع بالتفصيل وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك ما استطعت..

Wednesday, September 30, 2009

في الصالح والمصالح والمصلحة : السمع والطاعة

تداعيات أزمة أنفلونزا الخنازير أكبر بكثير مما توقعناها ، وتركت العديد من المفاجآت والصدمات في تصوري الشخصي فيما يخص أشياء كثيرة ، منها بالتأكيد إكليشيه "السمع والطاعة".. والذي اتضح أنه نكتة سمجة روجها بعض المحسوبين على جماعات الإسلام السياسي والناشطين وأدعياء الفكر الإسلامي..

تحدث الأخيرون كثيراً عن "علماء السلطة" و "شيوخ السلطة" و "الموالاة العمياء للسلفية الحسانية والتيار الصوفي لأولي الأمر" ، وعن أن التدين الحالي كرس "الطاعة العمياء" و "الخنوع" للسلطة وأن .. وأن... .

وبسبب الثقة العمياء التي نوليها نحن لأولئك وهؤلاء ، تعاطفاً معهم ومع أفكارهم أو لتلاقي في وجهات النظر أو المصالح الفكرية فنحن نتشرب تلك الإكليشيهات غيباً كما نتعلم جدول الضرب ، مع أننا لو تأملنا ما يحدث لخرجنا بنتيجة مختلفة ، وصادمة أيضاً..

0-لنعترف أننا نفتقد إلى الكثير من أساسيات النضج السياسي ، فتجارب "الدولة" في العالم العربي إلى حد ما حديثة العهد ، ومتشبعة لدرجة "النشعان" بعيوب السنوات الأولى من تطبيق أي "اختراع" جديد ، خاصةً وإن كان ثقيل الظل ويضرب العديد من موروثاتنا عن "الحكم" في مقتل ، وأن هذه التجارب تعطلت بفعل عوامل كالطائفية (لبنان) ، أو القبلية (الكويت) أو البيروقراطية (مصر) ، ومن أهم مشاكلنا في هذا الصدد هو أن جميعنا تقريباً -المثقفون منا وعامة الناس ومنهم كاتب السطور-لا نزال نعاني من الخلط بين "الدولة" و "النظام" و "الحكومة" و "الحزب الحاكم" و"ولي الأمر" .. خلط موجود في صفوف الفرق الدينية والمذهبية وممارسي السياسة والمثقفين وغير المثقفين ، عن حسن نية أو عن غير ذلك..

1-بالتالي ، فإن أولئك وهؤلاء اختزلوا "النظام" و "الدولة" في شكل الشخص الذي هو على رأس النظام ، كجزء من الانتهازية السياسية التي تضرب مجتمعاتنا طولاً وعرضاً ، ولذا عندما يؤيد هؤلاء حاكماً ما فإنهم يستعملون مصطلح "البيعة" لا "الانتخاب" ، رغم أن النظام يسمح لمواطنيه بالعملية الانتخابية - حقيقية ولا صورية دة مش الموضوع - كما تفعل عادة بعض الجماعات المحسوبة على التيار السلفي ،وكما فعل المستصوفون .. قبل "صراعهم" الأخير مع النظام على وقع أزمة "شيخ المشايخ" ما بين "أبي العزائم" و "القصبي".. والكل يستشهد بآيات وأحاديث تدعم الطاعة لـ"ولي الأمر" ، دون وعي فكرة تغير مفهوم "ولي الأمر" منذ عهد الرسالة إلى الزمن الحالي ..

2-وفي الحقيقة لا فرق بين سلوك "المبايعة" بهذه الطريقة وبين ما تفعله جماعات مصالح أخرى داخل الدولة ، فالأخيرون "يبايعون" في وجود المصلحة ، وفي غيابها سيقلبون على الوجه الآخر ، وكذلك الأمور بالنسبة للفرق المذهبية الأخرى ، من النقيض إلى النقيض اللي هناك.. وسيفعل هؤلاء كما تفعل بعض جماعات الإسلام السياسي التي ترى أنه لا طاعة لولي أمر "غير عادل" مستندة إلى تفاسير وأفهام لآيات وأحاديث .. أيضاً..

3-أخذ الموضوع على مدار التاريخ شكل الصفقات ، عرض وطلب ، نفع واستنفع .. مالت النظم على مدار التاريخ لكسب وجد المجموعات المذهبية ، لما لها من نفوذ على الشارع وعلى العامة الذين يشكلون جل المجتمعات ، وتستطيع امتصاص سخط الناس على السياسات ، كما حدث في فترة المماليك (وما أدراك ما هم حتى مذبحة القلعة) ، ثم العثمانيين الذين تحالفوا مع الصوفية ، وفي نظم تحالفت مع السلفية المتشددة ولا تزال ، وحتى في الحقبة الليبرالية المصرية (=من ثورة 1919 إلى ما قبل 1952)كان يحدث مثل ذلك ، في المقابل ، لعبت التيارات المعارضة على خطاب "ثوري" يستغل سخط الناس على النظم وسياساتها بما فشلت به على مدار قرون في تحقيق "توازن" اجتماعي واقتصادي ، فلعبت على أفهام وتفاسير "ثورية" للدين ، وعلى فكرة "الحاكم العادل" في مواجهة "الحاكم المستبد" ، وهو ما وجدته تلك التيارات ، خصوصاً التي لها علاقة بالمال و"قلبها قوي" في مواجهة النظم ، في جماعات الإسلام السياسي ، لكن تضارب المصالح بين تلك التيارات وجماعات الإسلام السياسي جعلها تراهن على "الإسلام الليبرالي" الذي وفر "مفكروه "بالنسبة لها خلطة عبقرية ، خلطة تستطيع استقطاب المثقفين بشعاراتها البراقة ، وتستطيع استقطاب البسطاء بالكلام عن العدل والعدالة وتستثمر في سخطهم على نظم لم توفر لهم ما توفره نظم أخرى لمجتمعاتهم ، وعندما تصل التيارات المعارضة إلى سدة الحكم ،فقد تلقي تلك التيارات بشعارات "الإسلام الليبرالي" من الشباك ، أو أن تستمر الصفقة ، ويتحول الخطاب إلى أحلى خطاب سمع وطاعة..

4-إذن التدين ، بل والدين ، بريء تماماً من مسألة تكريس سلطة أو تقويضها ، وما لم يعيه الكثيرون من المثقفين أن المسألة صارت on-off حسب المصلحة التي تتمتع بها كل فرقة ، توسع في منح الصلاحيات للمستصوفين سيعطوك عيونهم ، امنح حرية الحركة الإعلامية للتيار الحساني سيعطوك قلوبهم ، اقلب على الوجه الآخر .. الباقي معروف..

ما بين استغلال الدين لتبرير تأييد السلطة ، واستغلال الدين للانقلاب على السلطة ، يبقى سؤال هو موضوع الجزء الثاني من هذه التدوينة ، هل الإسلام دين الحكومة أم دين المعارضة؟

Sunday, September 20, 2009

رمضان شو

"صايم ولا زي كل سنة؟"

قبل بداية رمضان نجد من يسألنا هذا السؤال .. وللأسف فإن "أحدهم" على فضائية دينية اقترح أن نجيب عن السؤال بعبارة "زي كل سنة" .. والحكمة من ذلك كما يرى أن الشخص صائم في كل عام!

يا حلاوة..

تعلمنا أن حسن الإجابة يبدأ من حسن قراءة السؤال ، ولكي نجيب عن سؤال "تخييري" كهذا يجب أن نعرف أولاً البديلين اللذين نختار منهما ، الصيام الحقيقي بانعكاساته على السلوك والهادف إلى رفع مستوى التقوى ، وما يحدث كل عام..

1-يقولون في بلادنا "عرفت فلان؟ آه .. عاشرته؟ لأ .. يبقى ما عرفتهوش".. وهذا ما يدفعني للقول بأن المرء ينخدع بسهولة عندما يرى المساجد ملأى عن بكرة أبيها في الأيام السبعة ، أو العشرة ، أو الخمس عشرة الأُوَل من الشهر الفضيل ، ثم يصاب بالصدمة عند أول احتكاك مع البشر في المصلحة الحكومية أو في الشارع أو حتى في قلب المسجد..

وكنا نشتكي من أنه لا اختلاف في سلوكيات نسبة كبيرة من الناس في رمضان عنها في غيره ، الآن أصبح السلوك العام في رمضان أسوأ من بقية الشهور الأخرى ، فمن العادي –جداً- أن يذهب شخص إلى بيت الله خصيصاً للسرقة ، أو أن يرتكب "بعضهم" مذبحة بشعة مثل تلك التي نشرت عنها "الدستور" ، أو المذبحة الأخرى التي قام بها أربعة بلطجية وقت الإفطار فتلوا فيها صاحب مقهى أمام أولاده كما نشرت "الدستور" أيضاً ، أو شيئاً مشابهاً لما حدث من سطو بشع في مدينتي الهادئة البعيدة عن صخب العاصمة المدللة (حين أجبرت عصابة مسلحة رجلاً وزوجته على الإلقاء بنفسيهما من الشرفة لكي يستطيع اللصوص الأفاضل سرقة شقتهما) .. ويصر بعض الناس على اتباع كافة الطرق الملتوية لـ"تخليص المصالح" ، وطبعاً تشنف آذانك يومياً بأحدث أنواع السباب البسيط ، والمركب ، بالأب ، والأم ، والعائلة ، والدين .. في رمضان..

في الماضي كان الصيام هو الشماعة التقليدية لأي سخافة ، أما الآن فلا توجد شماعات ، فالرخامة هي الحل ، وإن تسأل فسيسألك الشخص نفسه عن دخل أهلك بالموضوع..

والكل كما نعلم ، يذهب ليلاً إلى المسجد..

2-ونحن كرنفاليون إلى أقصى حد ممكن ، ونعشق الهيصة والزيطة حتى في شئون العبادات ، ونصل إلى درجة من "الصداغة" في تبريرها ، نحن الذين اخترعنا الموالد ، وحالة "الباللو" المصاحب لها، وابتكرنا طقوساً فريدة في رمضان منها تزاحم السادة المتسولين على أبواب المساجد ، وداخل المساجد (ما أن تسلم مع الإمام حتى يبدأون في الصراخ في صحن المسجد) ، ثم تحولت صلاة التراويح ، والتهجد بعد انتشارها في المساجد ، إلى ما يشبه الحفل ، خاصةً في ليلة السابع والعشرين ، فالإمام مطرب بامتياز ، قادر على غناء أي آية في كتاب الله بما فيها آيات الوعيد ، والناس تذهب له من كل حدب وصوب ،وتتزاحم ، وفي الليلة السابعة والعشرين تحديداً ندخل أجواء النزهة الخلوية ، كل شخص مع أصدقائه وأبنائه وأطفاله وجيرانه ، "وتبقى فضيحة" في حال عدم تمكنك من الذهاب إلى المسجد الفلاني للصلاة خلف الشيخ العلاني، ولا مانع من قليل من الطعام والعصائر والشاي ، ثم نجد نفسنا أمام "محدتة" كبيرة ، وعلى المصلي المسكين المتضرر الذاهب لأداء العبادة بحق وحقيق أن يخبط رأسه في أقرب حائط ، والوضع المسلي واللذيذ يصل إلى منحىً مأساوي في المساجد التي توزع سحوراً في الليلة المفترجة ، حيث يبدأ هجوم الفرنجة على السحور بشكل أكتفي بوصفه بالـ"مهين"..

وفضلاً عن الهيصة والزيطة تتحول العبادة مع الوقت إلى شكل من أشكال الوجاهة والتفاخر بطريقة مثيرة للغضب ، نجد مثلاً من يسأل زميله أو صديقه أو شقيقه "انت ختمت القرآن كام مرة؟".. أنا عن نفسي أستغرب ممن يختم القرآن خمس وست مرات في رمضان ، فالقرآن بحر زاخر بأحكامه ولغته ومن الصعب على أي إنسان أن يحيط به بتدبر وإمعان خلال فترة قصيرة كتلك في ظل تفرغ كامل ، فما بالكم في ظل إيقاع حياتي طاحن كالذي نعيشه هذه الأيام.. والأغرب هو تبرير ذلك كما قال "أحدهم"- غير اللي فوق- مستحسناً لـ"كرّ" القرآن الكريم واصفاً تلك الختمات بأنها ختمات "تجارية"!.. لا تعليق..

3-وطبعاً تحول رمضان "الجديد" إلى مظهر من مظاهر الشو المذهبي ما بين مؤتمرات ومنتديات لأتباع كل شلة حسانية كانت أم مستصوفة كما لو كنت تتعامل مع أحزاب سياسية لا متدينين.. ومن أطرف تلك التقاليع أنك تجد سيارة مثلاً تمر في الشوارع في اليوم الأخير من رمضان "تدعونا" فيه "جمعية خيرية" لأداء الصلاة -بيوت الله مفتوحة ولا تحتاج لتقديم دعوة لأي مسلم لأن يؤدي الصلاة فيها..هذا للعلم- في الخلاء "اتباعاً لسنة الرسول الكريم" -بطريقة تؤكد أن الذين يصلون في أماكن مغلقة مبتدعون..ماشي- وطبعاً خلف إمام معين من مكان أو جمعية معينة .. بداية لمسلسل "مساجدنا" و "مساجدهم" الذي يسبق أي فتنة مذهبية كما حدث كثيراً في التاريخ الإسلامي من قبل ، خاصةً وأن لدينا عقليات في التيارين السلفي الحساني والمستصوف الطرقي وظروف إقليمية وسياسية كافية لسكب البنزين على عود الكبريت.. ربنا يستر..

4-ولكي تكتمل المهزلة نجد المال السياسي وصحفه يتهافتون على تقديم التفاسير "المسيسة" للدين ، بما يخدم أغراضهم ومصالحهم الشخصية ، كما حدث في جريدة مالسياسية يومية شهيرة واسعة الانتشار -لنا كلام عن ذلك بالتفصيل في وقت لاحق بإذن الله- لكي تبقى عجلة المتاجرة بالدين والسعي وراء الزعامة الدينية الموهومة مستمراً.. والعبي يا ألعاب..

5-وطبعاً فإن الشهر الكريم تحول على أيدينا إلى شهر للتسول بكافة أشكاله ،سواء تسول الشارع أو التسول في التليفزيون ، بل لعل التسول المتلفز أخطر بمراحل لأنه يخلط بشكل معيب بين صدقة السر وصدقة العلن يعامل فيه صدقة العلن بمعيار صدقة السر.. أي باختصار يتم جمع التبرعات لبناء مستشفى أو مشروع في العلن مع إبقاء ميزانيات المستشفى أو المشروع سرية وبلا رقابة.. إذا لم يكن ذلك "حلبسة" ، فماذا تكون الحلبسة إذن؟..

هذا هو رمضان "زي كل سنة" .. صنعة أيدينا أفراداً ومجموعات وشلل ، مسلسل كبير لا يختلف عن مسلسل الإعلانات الذي تفصله بضع دقائق من الدراما في التليفزيون ، إذا أردنا أن نعيده (=رمضان) سيرته الأولى دون هذه السلسلة من الممارسات السمجة المقحمة عليه .. فستكون البداية من عندك ، وعندي ، وعندها ، وعندهم .. فما يفسده الأفراد يتولون إصلاحه .. و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"-الرعد :11..

كل عام أنتم بخير .. كل عام أنتم أفضل..

Thursday, September 17, 2009

الإفطار على بودرة النفاق الصحفي!

كان من المقرر كتابة هذه التدوينة في المدونة الشقيقة "فرجة" .. لكن بما أن الموضوع مستفز للغاية قررت كتابته هنا في "الدين والديناميت"..

لن أتكلم الآن باستفاضة عما فعلناه ونفعله برمضان ، فالموضوع ذو شجون ومثير للغضب من أوله لآخره ، وربما كان من حسن حظي أن أعود للتدوين هنا في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل ، بما أن خواتيم الأشياء تؤهل المرء للحكم عليها بدقة وموضوعية .. لكني فقط سآخذ جانباً واحداً فقط هو مستفز بما يكفي..

فكرة "الذقون" التي تظهر بمفردها .. زر الدين عندما يتم الضغط عليه .. وأي زر إما أن يكون On أو Off.. وعندما يقرر أحدهم "أننة" الزر -أي جعله On- تفاجأ بأن ضاغطه يشمر عن ساعده ويتقمص دور الواعظ الديني ليخطب في الناس ويعظهم في الحلال والحرام ..

ما كتب في "مجلة" "شاشتي"- وأضع "مجلة" بين علامتي تنصيص لحين البحث عن لفظ لا يعاقب عليه القانون يصفها بدقة- على سبيل المثال لا الحصر ، هو مجرد مثال صارخ ، على تلك الممارسة ، فالمجلة المحترمة جداً بها ناس يبحثون بمنكاش عن مواطن "قلة الأدب" في المسلسلات ، كي يتحمس ليرى من لم يكن قد رأى من قبل (وإلا إزاي الصحافة حتقوم بدورها التنويري؟) ، وبالمرة ليتحمس الكاتب نفسه للوقوف على أقرب كرسي وإسماعنا عبارات "محيي إسماعيل" التاريخية في فيلم "خلي بالك من زوزو".. جمعاااااء!

أعتقد أن المقال نفسه لا يقل سوءاً عن المشاهد التي كتبت فيه ، فمعظم تلك المسلسلات يعرض في مواعيد "ميتة" للمشاهدة يتصادف عرض مسلسلات أكثر جماهيرية فيها ، وما كتب - كما سلف - سيلفت النظر إليها وإلى تلك المشاهد أكثر في وقت يفترض فيه أن ينصرف فيه الناس عن تلك المشاهد ، وكان يفترض - بما أننا نتكلم عن حسن النية - بالمجلة "الغراء" أن تلفت أنظار رقابة التليفزيون مبكراً جداً لـ"حرمة" الشهر الكريم -رغم أنه من المعروف أن رب رمضان هو رب غيره- وللحرص على عدم عرض ما يصطدم مع ما في رمضان من روحانيات.. وحتى وإن حدث و"صهينت" الرقابة ، أليست هناك طرق أخرى للتنبيه ولفت النظر بدلاً من طريقة "التعليق والوصف التفصيلي" لمباراة كرة قلة الأدب؟

وما دامت الشجاعة موجودة - برات البيت عامل لي عنتر- فلماذا لم يتكلم هؤلاء المغاوير عن ما هو أسوأ ألف مرة ، عن ما نشر في "الدستور" من استغلال مقزز للمرضى والأطفال في الدعاية للمستشفيات والمشاريع "الخيرية" .. هذا الاستغلال الذي يتبعه ما يمكن توصيفه بـ"الأذى" الذي نهى عنه المولى في الذكر الحكيم* ، مثير للغضب بطريقة تنسف أقوى صيام في الشهر الكريم.. هذا الاستغلال "أوبن بوفيه" في الميديا التي هي إحدى مجالات تخصص "المجلة".. ويراه أي شخص بوضوح شمس أغسطس الحارقة في كبد السماء..

قلة الأدب في مجال ما حرام ، وفي الآخر حلال .. هذا هو منطق كتبة الأعمدة ، الواعظين الجدد ، والذين يضيفون بممارساتهم التي تقرض الصيام كما تقرض "العتة" البطاطين إلى ما تفعله صحفهم نفسها بنشر مقالات أدعياء الفكر الإسلامي أصحاب التفاسير المسيسة والمريضة.. لتصبح الصحف نفسها أسوأ من التليفزيون ألف ألف مرة هذا العام..

وما دام رمضان هو الشهر الوحيد الذي نتدين فيه ، ونتذكر فيه الحرام والحلال ، يبقى التذكير بأن الحلال بين والحرام بين ، وأن لافتة الحرام لا يندرج تحتها "قلة الأدب" بالمفهوم الدارج فحسب ، بل تدخل تحت لوائها أيضاً أمور أخرى كالغش والنصب والاحتيال والرشوة والاستغلال وأشياء كثيرة أخرى.. لكن من لا يعي تلك الأمور في رمضان ، الشهر الذي نتدين فيه فقط ، سيعيها متى بالضبط؟
* أليس من الغريب أننا لم نسمع عن أي شيخ أو داعية انتقد مثل تلك الممارسة ، خاصةً أن منهم من لديه صوت مسموع لدى الناس ويمكنه أن يحقق تأثيراً إيجابياً بدلاً من المشاركة في تلك المهازل ولو بحسن النية؟ أستغفر الله العظيم لي ولكم..

Thursday, September 10, 2009

المفكر الإسلامي سعد الدالي!

من ألذ ما في قصة "شوطة" "المفكرين الإسلاميين"(1) هي أن هؤلاء نسخة مهذبة ولطيفة ممن ينتقدون ، كما يقول المثل الذي لا أتذكر عباراته بدقة "يعيب عليك ويجيب اللي فيه فيك".. ويؤكد هؤلاء بتصريحاتهم وأفعالهم أنهم واجهة سيئة للغاية للدين الحنيف الذين دخلوا على خط تعيين أنفسهم من جانب واحد ممثلين له ومتحدثين باسمه .. سواء من يزور منهم مؤهله العلمي ثم يتحدث عن مكافحة الفساد ، أو من يركبه داء الغرور ليتحدث إلينا على طريقة "سعد الدالي" ، على الأقل هذا الأخير فعل شيئاً يمكننا النقاش حوله!

يقول "أحدهم" أنه أكثر علماً من الأئمة الأربعة لامتلاكه لوسائل علمية وبحثية أحدث لم تكن متوافرة في عصرهم.. وهذا الكلام مضحك إلى أقصى حد ممكن.. صحيح لا يشترط أن يكون العالم الأكثر قدماً أفضل ممن بعده بدليل أن الأئمة الأربعة أنفسهم ظهروا بعد فترة طويلة نسبياً من بداية الإسلام ، ولكن أيضاً وبحكم المنطق السليم لا يشترط أن يكون الأحدث أفضل .. لهذه الأسباب ..

1-من الممكن أن تتوافر وسائل معرفية أفضل في الزمان الحالي ، ولكن يا فرحتي بوجودها في ظل عقل كسول يدخل على إنترنت ويقرأ هنا وهناك ليقدم معزوفة من الكوبي والبيست يسميها سيادته اجتهاداً ، دون الإلمام بالمهارات العقلية والتحليلية اللازمة ، ودون محاولة الدخول على الخط مع أكثر من تخصص خاصةً في الفتاوى الشائكة التي يترتب فيها الرأي الديني على معلومة دنيوية ، وللرجل سوابق في الانفراد بالرأي دون الالتفات لأهل التخصص..

2-وما دمنا نتحدث عن العصر الحالي فعلينا أن نتعامل معه بشيء من الاحترام ، ولكي نحترمه يجب أن نحترم مفرداته ، وأهمها التخصص ، علوم اللغة مثلاً كانت علماً واحداً فقسمت مع الوقت إلى نحو وصرف وبلاغة وظهر في كل فرع متخصصون ، وهذا يختلف تماماً عن العصور السابقة التي كان يمكن لعالم دنيوي بالتخصص مثل "ابن سينا" أو "أبو بكر الرازي" أن يكتب في عشرات التخصصات الأخرى ومن بينها اللغة والفقه..

لكن ليه؟ العديد ممن يقولون أنهم أفضل ممن سبقوهم يريد القيام بكل الأدوار "انت بس سيبلي الكاميرا وأنا أعوم في المشهد(2)".. المحدث والفقيه والمفكر والواعظ ، حتى أن الرجل يكتب حالياً عموداً في صحيفة مالسياسية شهيرة كما لو كان من وعاظ وزارة الأوقاف الذين دأب هو على نقدهم.. مذهللللل!

وهذه الممارسة ليست بالمناسبة حكراً على سيادته ، بل إننا نرى وبوضوح في أكثر من اتجاه مذهبي نفس التصرفات!

3-كما أنه من مفردات العصر التي لا يحترمها الرجل ولا يحترمها غيره العمل الجماعي ، لا يوجد إنجاز تم في القرن العشرين على سبيل المثال قام به شخص واحد ، بدءاً من الـ DNA على يد "واتسون" و "كريك".. مروراً بجوائز نوبل في العلوم والتي كان سوادها الأعظم مناصفة ومثالثة ، ووراء كل عالم مشارك هناك جيش جرار من الباحثين في تخصصات عدة ، وحتى في الأدب والفكر والعلوم الإنسانية نتحدث الآن عن مدارس واتجاهات لا تمر بشخص واحد حتى مع الطبيعة الفردية للأدب ..

في الوقت الذي نحتاج فيه لاجتهاد جماعي ، ولتفاسير جماعية للقرآن الكريم والحديث الشريف ، يغرد الرجل خارج السرب تماماً ، أنا حارس المرمى والمدافعون والمهاجمون والمدرب والجمهور ، أنا "سعد الدالي".. أنا صاحب دعوة الإحياء .. أنا .. أنا .. (مع الاعتذار لـ"عبد الباسط حمودة").. وهذا في رأيي ليس مستغرباً لأن الرجل مثلنا جميعاً ابن لثقافة تحتقر العمل الجماعي ، حتى أن الرمز الوحيد للعمل الجماعي في التراث العربي كله هو "عصابة الأربعين حرامي"!

4-أخيراً ، من مفردات هذا الزمن فكرة التراكم المعرفي ، لا يستطيع عالم فيزيائي محترم أن يتهم من سبقوه بالجهل والتخريف لأنه يعلم أن نتاجه الفكري والعلمي مبني على أعمالهم واجتهاداتهم ، وهو أيضاً ما يلقيه الرجل وراء ظهره مثل كل ما سبق..

من السخيف أن أضع علامة يساوي كبيرة بين عصر ما ومنجزاته دون محاولة فهم واحترام مفرداته .. ومن يفعل ذلك لا يمكنه أن يفكر لهذا العصر ، ومن الأسخف أن أقدم نفسي على أني مفكر "إسلامي" بكل القيم التي حملها الإسلام وأضرب عرض الحائط قيمة التواضع مصوراً نفسي على أني المفكر السوبرمان وأن من يخالفونني من فصيلة الدوبرمان.. دمتم بألف خير..
(1)ولن يطلق المدون هذا المصطلح عديم المعنى على أي مخلوق .. هذه وجهة نظري وأنا حر فيها مثلما مخالفوها أحرار فيما يرون وأحترم ذلك..

(2)عبارة في إحدى حلقات "مسلسلات كوم" على لسان شخصية أحد أدعياء الفن..

Tuesday, September 1, 2009

السادة المفطرون

قلتها في مكان آخر : تخيلوا أي مسخرة وسترونها تحدث حولكم في اليوم التالي..

في الأسبوع الأول من الشهر الكريم فوجئت بلافتة في طريقي للعمل تتحدث عن عقوبة المجاهرين بالإفطار في رمضان ، بصراحة استغربت اللافتة عن نفسي ، قلت في عقل بالي أنه مجرد نقل من بامفليت سعودي بحكم علاقة السلفيين التقليديين (وليسوا الحسانيين) بالمدرسة السلفية السعودية خاصةً وأنهم قد نقلوا في أوقات سابقة تنويهات دعائية صممت للمجتمع السعودي عن مكافحة التدخين* ، وضاعف من استغرابي حقيقة أننا في مصر لا نعرف ظاهرة المجاهرة بالإفطار في رمضان ، ليس فقط بسبب ارتفاع درجة الالتزام التعبدي في الشهر الكريم صلاةً وقرآناً وصياماً بطبيعة الحال ، ولا لطبيعة مجتمعنا نفسه الميالة إلى المحافظة ، أو لعلاقة المصريين عموماً بالعبادات ، ولكن أيضاً بسبب قوة تأثير تيارات مذهبية تولي اهتماماً كبيراً بالعبادات فرائضها ونوافلها (وإن كان هذا الاهتمام قد جاء كثيراً على حساب المعاملات رغم خطورتها التي نعرفها من الكتاب والسنة)..

ولكن هذا الاستغراب تحول إلى ذهول عندما نشرت الشروق قبل أيام خبراً عن حملة قامت بها محافظة أسوان لضبط "المجاهرين بالإفطار"..وأن الحملة ضبطت مائة وخمسة وخمسين في عين العدو من هؤلاء .. أي أن الرقم ليس صغيراً!

أعرف ما أتوقع سماعه عن أن هؤلاء أحرار في أن يفطروا وأنه لا يجب أن تتم ملاحقة هؤلاء فقط لمجرد أنهم يفطرون في نهار رمضان .....الخ.. لكن معلهش.. لدي بعض الأسئلة التي قد تغضب هؤلاء..

في التسلسل المنطقي عادةً ما نتحدث عن دافع الفعل قبل التحدث عن حرية الفاعل في فعل الفعل.. وما أعرفه أن من يجاهر بشيء يجاهر به عن اقتناع وعن موقف ..

لماذا إذن اتخذ هؤلاء الأشخاص هذا الموقف-إن لم تكن المسألة لها علاقة بالإدمان كما قيل؟ لماذا قرر هؤلاء ذلك في الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء في مجتمعنا الذي يعرف أن ارتكاب الخطأ في السر يبقى خطأ ، أما ارتكابه نهاراً جهاراً فهو خطأ وبجاحة و"بجاسة عين"؟ .. حتى وإن رأى المفطر نهاراً جهاراً في رمضان أنه حر فيما يفعل ، لماذا يفعل ذلك أمامنا، إذا كان أصحاب الديانات الأخرى التي لا يصومون معنا رمضان لا يفطرون "في وشنا" بهذه الطريقة؟ ما هي الرسالة التي يريد السادة المفطرون توصيلها لنا؟

هل المسألة لها علاقة بفكر قد يعتنقه هؤلا على شاكلة قصة "كريم عامر"؟ وإن كانت كذلك.. أليس من الغريب جداً أن نتحدث عن تلك الأفكار في وسط هادئ بطبعه كأسوان، وبعيد عن الصخب الفكري والثقافي والإعلامي وحتى المذهبي التي تعيشه العاصمة؟ هل انتقل هذا السلوك لنا من مجتمعات أخرى تعيش نفس القصة؟ وهل -بما أننا هنا نفكر بصوت عال ونطرح كل الأسئلة المتاحة- لذلك علاقة بالخطاب الديني السائد رغم ما يوليه من اهتمام شديد بالعبادات؟

لغز جديد يضاف إلى قائمة ألغاز رمضانات كل عام.. أنتظر إجاباتكم..دمتم بألف خير وأعتذر عن التأخير..
* مع تسليمي بخطورة التدخين -وأنا غير مدخن بالمناسبة - لا يشغل التدخين في اهتمامات المدرسة السلفية المصرية ، ولا في المجتمع المصري نفسه ، نفس الاهتمام الذي يشغله في بلاد أخرى ، كما أنه حتى في الدعاية لكل مقام مقال ولكل وسط لغة وطريقة توصيل إذا ما أردت توصيل فكرة أو دعاية أو حتى دعابة ..

Wednesday, August 5, 2009

تبرعوا لإخوانكم البلطجية

كيف عجزت الأمة المصرية في ريفها وصعيدها بقضها وقضيضها طوال أربعة أشهر أن تجمع ثمانمائة ألف دولار فقط لاغير‏,‏ لتفتدي أبناءها المختطفين في الصومال‏.‏ وإذا كان للخارجية المصرية موقفها المفهوم من عدم الرضوخ للإرهاب‏,‏ فماهو عذر المجتمع المدني المصري في التقاعس عن نجدة مواطنيه ؟


أين الدعاة الذين يملأون الفضائيات ببرامجهم وحواراتهم‏,‏ ولماذا لم يدعوا الأمة للتبرع من أجل فك أسر إخوانهم‏,‏ أو ليس هذا من أبواب الجهاد والزكاة؟‏.‏ وأين رجال الأعمال ولماذا لم يبادروا ببذل هذ المال اليسير للإفراج عن ثلاثة وثلاثين مواطنا مصريا‏,‏ والذي إن اضطلع به واحد فقط منهم دون مساعدة من أحد فما كان ليضلعه؟‏..‏ وأين لاعبو الكرة والفنانون ولماذا لم يستغلوا شعبيتهم في الدعوة لهذا العمل الوطني الجليل وجمع المال لبني وطنهم ؟


ليست شيمة المصري أبدا أن يترك إخوانه نهبا لعصابة من اللصوص القراصنة‏,‏ وليست ثمانمائة ألف دولار أمريكي بالمبلغ الذي يعجز المجتمع المدني المصري عنه أليس كذلك‏.‏؟


السطور السابقة هي رسالة في بريد الأهرام بعدد 5/8/2009.. "كلام جميل ، وكلام معقول ، مأقدرش أقول حاجة عنه" سوى إنه كلام شعبوي وفارغ..


أريد أن أعيدكم تسعة عشر عاماً إلى الخلف ، عندما كان كل من له صلة بالدين إبان غزو العراق لدولة الكويت يقول لنا في كل مناسبة أنه إذا جاء إليك البلطجي يطلب مالاً فلا تعطيه إياه تحت أي مسمى وظرف .. وإن قتلك فإنك شهيد .. ما الذي جعل القصة تتغير الآن؟.. وأين الآية الكريمة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله .."-الآية (المائدة : 33) والتي كنا نسمعها ونسمع غيرها مراراً وتكراراً عندما كان الإرهاب الأسود يضربنا في عقر دارنا؟ ولماذا لم نسمع من المذكورين أعلاه ومن سيادة كاتب المقال في بريد الأهرام شيئاً عن موقف الدين من قطع الطريق والبلطجة خاصةً وأنها تأتي من أناس محسوبين علينا مسلمين؟


هل يثق كاتب المقال وغيره في "شجعنة" و"نخوة" القراصنة المغاوير الذين يتمتعون بكلمة شرف كتلك التي نجدها - في الأفلام فقط- عند السادة تجار الصنف وتجار السلاح؟ أي أنهم إذا ما دفعنا لهم الفدية فإنهم سيعطوننا الرهائن وعليهم بوسة؟


وهل -والرجل يحدثنا عن الدين وبالدين - سيصل بنا الأمر لتمرير "الحلوان" على كل بلطجي وقاطع طريق سواء في بلادنا أو خارجها؟ أو إلى صرف حصة من زكواتنا تبرعاً للسادة البلطجية؟ وربما يسمع أحد شيوخ الفضائيات دعوة الدكتور الموقر ليطالبنا بنصرة إخواننا البلطجية في "صومالي لاند" و"بونت لاند" على أساس أنهم يرابطون على ثغور بلاد الإسلام وأن ملاليمنا ستكفي البهوات شر الفاقة وتعيدهم إلى الصراط السوي؟


كواحد من ملايين عاشوا الفترتين ، أصبحت لا أعرف ما هو المطلوب بالضبط ، فتح أم تسليك؟ طبطبة أم ترزيع؟ بل ولا أعرف إن كان هؤلاء القراصنة بلطجية أم مجاهدون في سبيل الله؟


لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ، لكني أشعر أن هناك تياراً عاماً ، خاصةً في الإعلام المسيس أو في إعلام المال السياسي ، لتلبيس القيم علينا، وجعلنا نتعاطف مع ممارسات لا تتضارب فقط وصحيح الدين بل وصحيح الفطرة السليمة.. قد توافقونني على ذلك وقد لا توافقون..


إلا أن الشيء الوحيد الذي أتفق فيه مع كاتب المقال على كل الاختلافات سالفة البيان ، هو أن المجتمع المدني المصري تعامل بحالة من اللامبالاة مع القصة برمتها ، ولو حدث ذلك في أي مجتمع آخر لقامت الدنيا ولم تقعد ، لكن لدينا ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، منظمات "حروق إنسان" وناشطون واعتصاميون يصرخون في الشوارع ويمنون علينا بنضالهم بينما هذه هي مشاعرهم الحقيقية تجاه أبناء بلدهم ودينهم الذين اختطفوا على يد عصابات.. ورب ضارة نافعة إذ عرفنا هؤلاء على حقيقتهم..

Friday, July 3, 2009

التطئيف والتطفيف : على خطى "جي-تي-إيه"!

أي مبادرة جادة مثل "مصارحة ومصالحة" ستجد نفسها أمام حائط سد ما دام تطئيف كل شيء منتشراً.. والحقيقة أن التطئيف يشبه من بعيد أنفلونزا الخنازير ، ما إن تظهر الحالة الأولى حتى تستمر العدوى ، وستظل تستمر ما دامت مناعة وطن بأكمله ضعيفة..

فكرت كثيراً قبل الكتابة عن قصة قرية "دير أبو حنس" .. ليس فقط بسبب ما قد يثيره الموضوع من توتر ، بل لأن كاتب هذه السطور يريد توصيل صورة مختلفة ووجهة نظر مغايرة لما سار إليه كثيرون من الناشطين والصحفيين.. مجرد وجه آخر للحقيقة .. الوجه الثقيل الظل بالتحديد..

قرأت القصة من أكثر من مصدر منها "الوفد"،و"اليوم السابع" ، وهالني في الموضوع شيئان .. الأول هو اللجوء المستمر والمزمن لـ"الحل الديني" .. وقد حذرت منه في وقت سابق وفي التدوينة قبل الماضية بالتحديد ، وما زلت عند تحذيري مما ذكرت في التدوينة المذكورة ومن تكراره بغض النظر عن ديانة من يقومون بذلك ، والثاني وهو الأكثر خطورة ما قرأته في مقالات منها مقال "محمد أبو الغار" في "المصري اليوم".. والذي لا يعكس فقط المنطق الغريب الذي حرك ما حدث هناك ، قدر ما يعكس تفكير النخبة التي صنعها المال السياسي في صراعها مع النظام بالإسهام في تدمير البلد بأكمله.. وهم الذين صدعونا طويلاً بأن مصر ليست حزباً ولا نظاماً فقط!

يقول الرجل لا فوض فوه بعبارات "شديدة الذكاء" :

هذه القرية الصغيرة بها دير قديم وتاريخى وسكانها بضعة آلاف من الأقباط، فجأة قرر مسؤول صغير أنه لا يصح أن تكون القرية معظم سكانها أقباط فقرر أن يضم إليها قرى مجاورة لتصبح الأغلبية مسلمة، ثم تم تغيير اسم القرية إلى وادى النعناع وهو الأمر الذى ينم عن غباء شديد وضعف فى الروح الوطنية التى تمزج المسلمين والأقباط..

بسيطة .. هناك من أشعل الأمور هناك فيأتي الكاتب في وجود الصحيفة التي تنشر مقاله لتوافقه مع خطها الفكري -المستقيم طحن- ليسكب جركناً من "أنظف" أنواع البنزين..

ويتواكب هذا الهراء مع ما قاله متطرفون بأن الغرض هو "محو الهوية القبطية للقرية"..

أهلاً!

في بلد عرف التعايش بين الأديان منذ قديم الأزل أصبحنا نتكلم الآن عن منطقتي ومنطقتك .. مناطق للمسلمين ومناطق للأقباط .. وقريباً سيستمر الفرز إلى منطقة للمستصوفين ومنطقة للحسانيين ومنطقة للشيعة .. والشيء مثله بالنسبة للمسيحيين .. كما لو كنا في الجزء الثاني من اللعبة الشهيرة "جي-تي-إيه" حيث تقسم المدينة إلى ثلاث مناطق نفوذ للعصابات المكسيكية واليابانية والأمريكية ، ويا ويله ويا سواد ليله من ينتقل من هذا المكان إلى الآخر.. وجوني زوو ما يعرفش أبوه!*

ثم نتكلم بعد ذلك عن التعايش والمصارحة والمصالحة والوحدة الوطنية!

أي وحدة وطنية تلك التي تغلق فيها كل مجموعة تعتنق ديناً أو مذهباً على نفسها بهذا الشكل؟ كيف تتعايش مع جارك وأنت تغلق كل الأبواب و"تسكر"-مع الاعتذار للشوام- كل الشبابيك والمنافذ؟ أليس الوطن الذي يلوك الجميع به لسانه هو مجموعنا جميعاً؟ وأي تسامح يتحدث عنه الكاتب الفاضل ويعظنا فيه الذي يتحدث بهذا التشنج عن توزيع السكان في قرى أو حتى مدينة؟

هذه الانعزالية موجودة ، وقاومها مثقفون مصريون مسلمون ومسيحيون على السواء ، لكنها تصطدم بواقع يكتسي ببصمات الجميع .. تذكروا أن أحداث الاحتقان الطائفي عموماً تحدث في الأماكن الأكثر فقراً ، فما بالكم بالصعيد غير السعيد ، الذي هو عن عين الحكومة والمنقذ الكرتوني "المال السياسي" ووسائل الإعلام ورجال الأعمال جد بعيد ، وحيث يتواجد الفقر وانخفاض مستوى التعليم في أي مكان يسهل على أي تطرف أياً كان اتجاهه وأياً كان دينه أن "يلعب".. يقمقم الناس في أماكنهم ، ثم يولد لديهم الرعب من كل من حولهم ويشعرهم بالاضطهاد ، ثم يصور لهم نفسه وكأنه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذهم بحيثيته الدينية ونفوذه وقدرته على استخدام الصوت العالي ، رافعاً الشعار المقزز الذي رفعته سينما ما بعد الحراك "ومن النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة" (للحصول على المعنى الأدق ضع كلمة "دولة" بدلاً من "حكومة") ،و-بالمرة- ليضمن وجود غاضبين تحت سيطرته ويعتنقون فكره ، تمهيداً لتحريكهم من أجل الوصول إلى هدفه المنشود.. هكذا كان السيناريو إبان انتشار التطرف الديني في منتصف الثمانينات وحقبة الجماعات ، وها هو ذا يتكرر مع أشخاص آخرين في مكان آخر.. ولا أحد طبعاً يتعظ .. وفي مقدمتهم المحسوبون على المثقفين كمالة عدد..

صحة القرار أو خطئه كان يمكن مناقشتها والتدخل فيها بعيداً عن لعبة الدين وسطوة المال .. لكن يبدو أنه وكما يحدث في كل مرة .. يصل الجميع متأخرين.. ويعلم الله وحده باقي الأشياء التي تأخرنا على الوصول إليها..

ذو صلة: تحقيق أجراه صحفي "البديل" "أحمد الفخراني" .. وبه الكثير من النقاط التي تستحق الرد ، وأخرى تستحق التأمل .. دون أن ننسى التأثير "البديلي" في الصياغة!
*يعرفه جيداً جداً من لعب هذه اللعبة!

Saturday, June 20, 2009

عركة أولاد خامنئي!

شاهدت اليوم صورة لما يمكن أن يكون عليه الوضع إذا ما قفز المذهب إلى السلطة ، وإن كان يصعب تشبيه الصورة الإيرانية - بيني وبينكم - بأي صورة أخرى!
0-إيران هي إحدى ثلاث دول دينية بمعنى الكلمة في عالم اليوم ، لا يمارس فيها رجال الدين السياسة فحسب ، بل يحركون كل خيوط وعرائس اللعبة تقريباً .. هذه حقيقة يتفق فيها معي أكثر مؤيدي ومعارضي النظام الطهراني على السواء.. والفرق الوحيد بين المؤسسة الدينية المسيطرة على السلطة في إيران ، والمؤسسة العسكرية المسيطرة على السلطة في تركيا (النقيض المنطقي لإيران) ، هي أن تلك الأخيرة تترك لرئيس الحكومة بعض حرية الحركة في المسائل الداخلية والاقتصادية في حدود معينة لا يتخطاها ، وإن تخطاها فالباقي معروف ، أما الأمور أبسط بكثير في إيران التي لا يُترك فيها أي شيء عادةً لرئيس الحكومة ولا لرئيس الدولة ، أياً ما بدا لنا من كاريزما "نجاد" أو "إصلاحية" "خاتمي" و "موسوي"..

1-قبل أيام دارت انتخابات رئاسية عنيفة في إيران بين "أحمدي نجاد" المدعوم فعلياً من قبل المؤسسة الدينية المسيطرة على السلطة في إيران ، وبين "مير حسين موسوي" السياسي المخضرم والمدعوم من "آية الله الخميني" شخصياً والذي تولى رئاسة الوزراء حتى تم "إلغاء المنصب" في عام 1989.. ووسط أحداث مثيرة للجدل تقدم "نجاد" على "موسوي" الذي احتج على النتائج ونزل أتباعه إلى الشارع ووقعت مصادمات دامية وصفتها صحف في المنطقة بأنها ثورة على الثورة ، وهذا كلام فارغ..

2-فالكل هم أبناء ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" التي قادها "الخميني" قبل ثلاثة عقود ، أبناء نفس المدرسة التي يُعَدّ"علي خامنئي" المتحدث الرسمي باسمها ، والذي خطب -الجمعة- وسط حشد غفير بينهم "نجاد" نفسه .. وبالتالي يصعب الحديث عن أي تغيير أو ثورة على الثورة في إيران ، ولو أن شخصاً ما ترشح للرئاسة مطالباً بتغيير المفاهيم عن علاقة الدولة بالدين فسيحدث له ما حدث لـ"سرحان عبد البصير" في الأتوبيس في "شاهد ما شافش حاجة"!

3-ويستشعر من شاهد خطبة "خامنئي" التي جاءت بعد تلك الأحداث بكثير بأن من نزلوا إلى الشوارع ومن قامت الدنيا ولم تقعد عليهم أقلية قليلة جداً وسط "الجماهير الغفيرة" -مع الاعتذار لـ"جلال أمين" - التي يحركها "خامنئي"- أو من في منصبه - بعبارة حماسية فيهتفون ، أو بحديث ذو شجون عن "آية الله" فيبكون ، ووسط نفوذه الديني الكبير عليهم يمكنه أن يقنعهم بأي شيء ، بأي أي شيء مهماً كان غريب الشكل..

4-نحُّوا جانباً فكرة تحيزه الشديد لـ"أحمدي نجاد" ، أغرب فقرات الخطاب كانت عن رفض "خامنئي" لفكرة الاستماع لصوت الشارع أو التحاور مع بعض أطيافه قائلاً "إن البعض يتوهم أن الاحتجاجات الشعبية ستكون قوة ضغط على النظام وهذا تمهيد للدكتاتورية".. وهذا الكلام جميل إذا ما قيل في أي دولة في العالم غير إيران ، التي قامت فيها أشهر ثورة شارع في النصف الثاني من القرن العشرين ، ولولاها لما وقف في هذا المكان يخطب في تلك الآلاف المؤلفة من البشر..
5-ثورة إيران إذن ثورة شارع وليست ثورة شعبية ، في الثورات الشعبية يدفع الناس بشخص ما أو مجموعة ما إلى السلطة (كما حدث في مصر سنة 1805 بشكل غير مباشر) ، ثم يصر الشعب (أو ممثلوه في حالة "محمد علي") على مراقبة أداء من أوصلوه إلى السلطة (وهو ما رفضه طبعاً "محمد علي") ، أما في ثورات الشارع التي يهلل لها البعض عندنا فالأمر يختلف ، مجموعة معينة تقود الجماهير وتحركها إلى أي اتجاه تشاء ، دون سؤال أو مسائلة أو رقابة.. حتى لو انقلبت تلك المجموعة على المبادئ التي لطالما تغنت بها ، بل وحتى لو قالت للشارع أنك كنت ضحية مقلب للكاميرا الخفية.. ولن يغضب الشارع الذي اختارهم ليس بمحض إرادته بين بدائل مختلفة ، ولكن اختارهم لسببين ، السبب الديني المذهبي الذي من الممكن أن يختار من أجله أشخاص آخرين البديل الصوفي أو السلفي في بلاد أخرى ، والسبب الثاني ببساطة هو أن ديكتاتورية الشلة ، أو أي نوع من الديكتاتورية ، تؤمن نوعاً من النظام الصارم الذي يشكل لدى شرائح مهمشة وفقيرة وبسيطة في نصيبها من التعليم نوعاً من أنواع الأمان.. ولو على طريقة البنج الموضعي (الذي جربته في مسائل الأسنان وفشل فشلاً ساحقاً)..

6-وبالتالي فإن وجود أي شكل من أشكال الانتخابات في هذه الدولة مضيعة للوقت ، كأنك تتحدث عن كرتين في الملعب في مباراة لكرة القدم القائمة على تنافس فريقين على كرة واحدة فقط .. من تدعمه المؤسسة هو الفائز ، ولا يستطيع أي مرشح من خارج الدائرة التي تحظى بـ"قبول" -وليس بالضرورة "رضا" -المؤسسة الدينية السياسية اللعب في الحديقة السياسية أو المطالبة بمنصب عن طريق الانتخابات.. كل المرشحين في الأول والأخير هم أبناء "الخوميني" ومن بعده "خامنئي" ، ومع الاعتذار لـ"حسن نصر الله" : خلي القوس مفتوح..

بعض معارضي النموذج الإيراني مذهبياً وفكرياً يتمنون في قرارة أنفسهم - كما أشعر عن نفسي - بأن يكونوا مكان "خامنئي" وبأن تهتف لهم الجموع بنفس الشراسة وأن يتفاعلون معهم لدرجة الإجهاش بالبكاء ، نعم يتمنى هؤلاء ذلك سواء أكانوا من دولا أو دوكهمة ، بل وحتى من يقولون أنهم من أنصار الدولة المدنية ، حد يلاقي دلع وما يتدلعش؟..إذا كان "الخميني" نفسه عمل على مدى أربعة عشر عاماً لتوصيل "زعامته" الدينية للإيرانيين حتى صارت تجري في العروق مجرى الدم ، فربما من كان يستهويه "النموذج" على استعداد لأن يصبر نفس صبره حتى يحقق نفس النتيجة ولو ذهبنا وذهبت بلادنا في ستين ألف داهية..
مؤيدو النموذج الإيراني في مصر -منهم يساريون وأتاتورك وناصريون..متستغربوش- حكايتهم حكاية ، وروايتهم رواية -مع الاعتذار لـ"منير" ، فهم الذين يجعجعون برفض أي نظام سياسي على أساس ديني أو مذهبي ، بينما يؤيدون نظاماً على الطريقة الإيرانية ، وليس لديهم مانع من مشاركة رجال الدين في السياسة بمن فيهم السلفيين الحسانيين أو المستصوفين ، كما صدعونا بضرورة خروج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالحرية ، وإذا هم صامتون تجاه ما يحدث للمتظاهرين المطالبين بأن يرأسهم شخص آخر لا يقل "صقورية" عن "أحمدي نجاد"..

قد تحتمل رؤيتي الخطأ قبل الصواب ، لكن ما يحدث في إيران كما أراه ليس دليل ديمقراطية ، وليس دليل حراك سياسي (يعني فشنك هناك زي ما هو فشنك هنا).. إنه مجرد "عركة" بالتعبير السكندري ، بما أن "مصارين البطن بتتعارك".. في نفس شدة عراك آخرين على القيام بدور "خامنئي" على طريقتهم الخاصة وبالمسميات التي يرضونها ، والله عز وجل أعلى وأعلم..

ذو صلة: تقرير عن خطاب خامنئي من "الجزيرة" ، وأبرز عباراته من "العربية".. ورد "موسوي" عليه.. وكيف رأى الكاتب "عمار علي حسن" الصورة نقلاً عن "العربية" عن "الاتحاد" الإماراتية..كما كتب زميلنا "أحمد شقير" في الموضوع..
* مهدى إلى العزيزين "د.أسامة القفاش" و "محمد عادل" صاحب مقال رائع كتبه قبل أشهر عن "مدافع آية الله" كتاب "حسنين هيكل" كما رآه..

Thursday, June 11, 2009

"قداسة" الاجتهاد؟

فضلت العودة بعد غياب طويل بمجرد خاطرة آمل أن أنجح في توصيل وجهة نظري فيها..

لن أتكلم هنا عن المشروع المقترح بقانون نقل الأعضاء في حد ذاته ، ولن أتكلم عمن يطالبوننا بالتبعية الفقهية الكاملة والتامة والغير مشروطة لأن الدخول في حوارات مع هؤلاء وفي هؤلاء أمر رافع للضغط ، وهو آخر ما أريده بعد فترة ارتفع فيها ضغطي على المستوى الشخصي بما يكفي .. فقط أتطرق لنقطة أثيرت في نقاش حول هذا الصنف : "لماذا لا نأخذ برأي أي عالم أو أي دولة اجتهدت في مسألة ما؟ طالما الدولة الفلانية قالت Yes وهي أكثر تشدداً منا لماذا نقول No?"..

سؤال طبيعي بما أن الاجتهاد - الحقيقي - سيء السمعة في بلادنا ، خاصةً في وجود من جعلوا الاجتهاد باجتهاداتهم سيء السمعة.. وفي غياب قامات تتخطى حد "المحدث" إلى حد "الفقيه المجتهد".. مثل الشيخ " محمد الغزالي" رحمه الله..وبالتالي يبدو ما يثار حول الاجتهاد في مجالسنا العامة وعلى صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت أشبه بنقاش عن كيفية ضخ الفحم الحجري في ماكينة تعمل بالبنزين!

الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع له ترتيبه ، يأتي في مستجد لا نص فيه ، ولكنه قد يمس جانباً فقهياً فيه نص سواء في الأحكام (ما يثار عن علاقة فوائد البنوك بالربا مثلاً ، ولن أناقشه هنا) أو مقاصد التشريع العامة سواء العدالة أو سلامة النفس والمال والعرض ..

وطالما نتحدث عن أمر مستجد تفرضه حاجة (وليس لمجرد العبث الفكري) ، أي أمر لم يكن له وجود في فترة سابقة وسيأتي وقت لن يكون له فيه وجود ، فالاجتهاد في المتغير متغير ، من مكان لمكان ومن زمان لزمان ، طبقاً لاختلاف الزمان والمكان ، ما يترتب عليه نفع أو ضر في بلد قد لا يترتب عليه نفس الشيء في بلد آخر.. لكل مجتمع ظروفه وخريطة المصلحة العامة فيه التي تختلف عن أي مجتمع آخر.. وطبقاً لطبيعة المستجد .. فالمخدرات التي اجتهد العلماء في تحريمها حرمت على أساس أن "كل مسكر حرام" .. وأن المخدرات مواد لها تأثير مسكر ، ولو لم يكن في المخدرات التي لم تظهر بشكلها المتعارف عليه وقت نزول الوحي الخاصية الخواص المسكرة المخدرة المدمرة للصحة بكل حزمة المفاسد المترتبة عليه لما حرمت.. وبالتالي - فرض جدل - سيبقى الاجتهاد بحرمة المخدرات قائماً ما دامت المخدرات على ما هي عليه..

ليس للاجتهاد قداسة ، فقد تم الدين بنص القرآن الكريم ("اليوم أتممت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة : 3)- وهي من أواخر ما أنزل من القرآن الكريم- وعليه انتهت مرحلة "التشريع" وبدأت مرحلة "الاجتهاد" في مواجهة المستجدات ، أضف إلى ذلك أن الاجتهاد مجرد رأي ، قد "يصيب" و قد "يخطئ" بنص الحديث ، أي أنه نسبي يحتمل الصحة والخطأ من شخص لشخص ومن بلد لبلد ومن زمن لآخر..

وعليه ، من الممكن أن يجتهد الشيوخ السعوديون - مثلاً - في أمر ما يرونه صائباً بفتوى معينة فيما يخص ظروف المجتمع السعودي ، فاجتهاد هؤلاء قد يحتمل -أصلاً- الصحة والخطأ ، وقد يكون له محله هناك ولكن ليس له محل هنا في مصر .. فالدين واحد (الخمر حرام في أي مكان) ولكن الدنيا مختلفة.. وعليه فقبل الأخذ بأي اجتهاد يأتي أولاً وبشكل حتمي عرضه أولاً على ظروف البلد وخريطة المصلحة العامة فيه (لا ننسَ أن درء الضرر مقدم على جلب المنفعة - مبدأ فقهي إسلامي) .. وليس "شغل الكوبي والبيست" الذي نسمعه هذه الأيام..

ألتمس وبشدة العذر لمن يرى بإلزامية الاجتهاد بشكل عام ، فنحن تربينا جميعاً على مفاهيم عن "وحدة الأمة" ما أنزل الله بها من سلطان ، تختزل وحدة المسلمين في وحدة الهلال ووحدة الفتوى فقط ، وعليه يبدو الاجتهاد الذي تحول إلى فتوى كقرار وزاري يجب تنفيذه حتماً في جميع المصالح التابعة للوزارة ، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق ، والأنكى أنه وصل في زماننا الخلط بين الديني الصرف والدنيوي الصرف والديني الدنيوي إلى أسوأ مستوياته ، وعليه فلنشرب فوضى اجتهادات وفتاوى من هنا لـ"بكرة الصمح" ، وأصبح لدينا بعض المتحدثين في الدين والدعاة وشيوخ الفضائيات وحتى من يزعمون أنهم مفكرون إسلاميون -من عينة صاحبنا "المفكر الإسلامي" إياه المتواضع على طريقة "سعد الدالي" - بدورهم يرون أن الاجتهاد مثل قرارات حكام كرة القدم ، لا نقض ولا استئناف ، وهذا أيضاً ليس صحيحاً على الإطلاق..

نعيب زماننا ، والعيب فيه ، وفينا ، وفي المجتهدين معاً..والله أعلى وأعلم..