من ألذ ما في قصة "شوطة" "المفكرين الإسلاميين"(1) هي أن هؤلاء نسخة مهذبة ولطيفة ممن ينتقدون ، كما يقول المثل الذي لا أتذكر عباراته بدقة "يعيب عليك ويجيب اللي فيه فيك".. ويؤكد هؤلاء بتصريحاتهم وأفعالهم أنهم واجهة سيئة للغاية للدين الحنيف الذين دخلوا على خط تعيين أنفسهم من جانب واحد ممثلين له ومتحدثين باسمه .. سواء من يزور منهم مؤهله العلمي ثم يتحدث عن مكافحة الفساد ، أو من يركبه داء الغرور ليتحدث إلينا على طريقة "سعد الدالي" ، على الأقل هذا الأخير فعل شيئاً يمكننا النقاش حوله!
يقول "أحدهم" أنه أكثر علماً من الأئمة الأربعة لامتلاكه لوسائل علمية وبحثية أحدث لم تكن متوافرة في عصرهم.. وهذا الكلام مضحك إلى أقصى حد ممكن.. صحيح لا يشترط أن يكون العالم الأكثر قدماً أفضل ممن بعده بدليل أن الأئمة الأربعة أنفسهم ظهروا بعد فترة طويلة نسبياً من بداية الإسلام ، ولكن أيضاً وبحكم المنطق السليم لا يشترط أن يكون الأحدث أفضل .. لهذه الأسباب ..
1-من الممكن أن تتوافر وسائل معرفية أفضل في الزمان الحالي ، ولكن يا فرحتي بوجودها في ظل عقل كسول يدخل على إنترنت ويقرأ هنا وهناك ليقدم معزوفة من الكوبي والبيست يسميها سيادته اجتهاداً ، دون الإلمام بالمهارات العقلية والتحليلية اللازمة ، ودون محاولة الدخول على الخط مع أكثر من تخصص خاصةً في الفتاوى الشائكة التي يترتب فيها الرأي الديني على معلومة دنيوية ، وللرجل سوابق في الانفراد بالرأي دون الالتفات لأهل التخصص..
2-وما دمنا نتحدث عن العصر الحالي فعلينا أن نتعامل معه بشيء من الاحترام ، ولكي نحترمه يجب أن نحترم مفرداته ، وأهمها التخصص ، علوم اللغة مثلاً كانت علماً واحداً فقسمت مع الوقت إلى نحو وصرف وبلاغة وظهر في كل فرع متخصصون ، وهذا يختلف تماماً عن العصور السابقة التي كان يمكن لعالم دنيوي بالتخصص مثل "ابن سينا" أو "أبو بكر الرازي" أن يكتب في عشرات التخصصات الأخرى ومن بينها اللغة والفقه..
لكن ليه؟ العديد ممن يقولون أنهم أفضل ممن سبقوهم يريد القيام بكل الأدوار "انت بس سيبلي الكاميرا وأنا أعوم في المشهد(2)".. المحدث والفقيه والمفكر والواعظ ، حتى أن الرجل يكتب حالياً عموداً في صحيفة مالسياسية شهيرة كما لو كان من وعاظ وزارة الأوقاف الذين دأب هو على نقدهم.. مذهللللل!
وهذه الممارسة ليست بالمناسبة حكراً على سيادته ، بل إننا نرى وبوضوح في أكثر من اتجاه مذهبي نفس التصرفات!
3-كما أنه من مفردات العصر التي لا يحترمها الرجل ولا يحترمها غيره العمل الجماعي ، لا يوجد إنجاز تم في القرن العشرين على سبيل المثال قام به شخص واحد ، بدءاً من الـ DNA على يد "واتسون" و "كريك".. مروراً بجوائز نوبل في العلوم والتي كان سوادها الأعظم مناصفة ومثالثة ، ووراء كل عالم مشارك هناك جيش جرار من الباحثين في تخصصات عدة ، وحتى في الأدب والفكر والعلوم الإنسانية نتحدث الآن عن مدارس واتجاهات لا تمر بشخص واحد حتى مع الطبيعة الفردية للأدب ..
في الوقت الذي نحتاج فيه لاجتهاد جماعي ، ولتفاسير جماعية للقرآن الكريم والحديث الشريف ، يغرد الرجل خارج السرب تماماً ، أنا حارس المرمى والمدافعون والمهاجمون والمدرب والجمهور ، أنا "سعد الدالي".. أنا صاحب دعوة الإحياء .. أنا .. أنا .. (مع الاعتذار لـ"عبد الباسط حمودة").. وهذا في رأيي ليس مستغرباً لأن الرجل مثلنا جميعاً ابن لثقافة تحتقر العمل الجماعي ، حتى أن الرمز الوحيد للعمل الجماعي في التراث العربي كله هو "عصابة الأربعين حرامي"!
4-أخيراً ، من مفردات هذا الزمن فكرة التراكم المعرفي ، لا يستطيع عالم فيزيائي محترم أن يتهم من سبقوه بالجهل والتخريف لأنه يعلم أن نتاجه الفكري والعلمي مبني على أعمالهم واجتهاداتهم ، وهو أيضاً ما يلقيه الرجل وراء ظهره مثل كل ما سبق..
من السخيف أن أضع علامة يساوي كبيرة بين عصر ما ومنجزاته دون محاولة فهم واحترام مفرداته .. ومن يفعل ذلك لا يمكنه أن يفكر لهذا العصر ، ومن الأسخف أن أقدم نفسي على أني مفكر "إسلامي" بكل القيم التي حملها الإسلام وأضرب عرض الحائط قيمة التواضع مصوراً نفسي على أني المفكر السوبرمان وأن من يخالفونني من فصيلة الدوبرمان.. دمتم بألف خير..
(1)ولن يطلق المدون هذا المصطلح عديم المعنى على أي مخلوق .. هذه وجهة نظري وأنا حر فيها مثلما مخالفوها أحرار فيما يرون وأحترم ذلك..
(2)عبارة في إحدى حلقات "مسلسلات كوم" على لسان شخصية أحد أدعياء الفن..
(1)ولن يطلق المدون هذا المصطلح عديم المعنى على أي مخلوق .. هذه وجهة نظري وأنا حر فيها مثلما مخالفوها أحرار فيما يرون وأحترم ذلك..
(2)عبارة في إحدى حلقات "مسلسلات كوم" على لسان شخصية أحد أدعياء الفن..
No comments:
Post a Comment