لا يعني غيابي الطويل والقسري عن عالم التدوين أنني قد نسيت "الآتي بعد".. فقط سأؤجل فتح هذا الملف للتدوينة القادمة مباشرةً بإذن الله .. لأن حدثاً واحداً فرض نفسه .. وكان من الصعب أن يمر على كاتب هذه السطور بلا تعليق..
بدايةً البقاء والدوام لله .. وخالص التعازي في وفاة شيخ الأزهر "محمد سيد طنطاوي" الذي توفي أمس الأربعاء.. والذي أكن له كل التقدير والاحترام رغم "شوارع" الخلاف بيني كشخص عادي وبينه كعالم وكرئيس لجهاز بأهمية "الأزهر" .. والذي اتضح أنه ليس خلافي فقط معه بل خلاف كثيرين .. ولهم مبررهم في ذلك .. عكس ما يهيس به بعض مرتزقي قصائد الرثاء في الميديا.. الذين يتعمدون الخلط بين النقد المغموس بالهوى وبين نظيره المحايد والعقلاني .. بين التشكيك وبين الاختلاف على آراء ومواقف ووجهات نظر لا أعتقد أن منصبه الرفيع يبيح له أو للمذكورين الحجر على حق الآخرين في الاختلاف معها..وعليها..
وما يهمني هنا هو التشديد على أن مهمة من سيخلف الشيخ "طنطاوي" ستكون صعبة .. ليس فقط للظروف التي تمر بها المنطقة العربية ،وعودة الهوس المذهبي من جديد ، ولكن لطبيعة وأهمية دور الأزهر التي يجب أن يعيها من يرأس هذا الصرح الكبير..
يخطئ من يعتقد أن "الأزهر" أو غيره هو المرجعية المسلمين السنة في العالم أجمع .. هو يعد من أكبر وأهم الجامعات الإسلامية في العالم لكنه ليس الوحيد ، ولكن ربما كان ذا طبيعة خاصة لما قدمه من خدمات جليلة في مجال نشر الدين واللغة العربية لا يجحده أحد ..ومن يعتقد أن شيخ الأزهر - أياً كان شخصه وأياً كان مقدار علمه- هو "أكبر عمامة سنية" كما قال "عمرو أديب" مثلاً بالأمس.. طبيعة المذهب السني هو أنه لا تكون هناك عمائم .. طبيعة المذهب السني هي الاستقلال .. ألا يكون الدين حكراً على مذهب بعينه أو تصور بعينه .. وبالتالي فإن دور من سيقود المؤسسة الأزهرية في الفترة القادمة سيكون أولاً في تقديم علماء مجتهدين مستنيرين فاهمين ، وفي تحقيق الاستقلال المذهبي والسياسي للمؤسسة الأزهرية كي تستطيع تقديم علماء مجتهدين مستنيرين وآراء فقهية معتدلة بحق وحقيق بعيداً عن تصورات المستصوفين والمتمسلفين ومن يسمون أنفسهم مفكرين إسلاميين..
ولو استطاع أي من التيارين اللذين يخترقان الأزهر فعلاً السيطرة عليه فإن ذلك يعني أولاً فرض أسلوبه وتصوراته على المؤسسة الأزهرية وطلابها ودعاتها ، واستغلال ذلك في مواجهة "منافسيه" على "الزعامة الدينية" وربما للحجر على أي رأي آخر مخالف له ولقناعاته..
بدون الاستقلال المذهبي يستحيل تحقق الاستقلال السياسي ، ويستحيل ألا نرى الأزهر بتاريخه وحضوره ينحاز لأي نظام أو لأي قوة معارضة له ، خاصةً وأن التيارين المذهبيين إياهما يعرضان من حين لآخر خدماتهما على النظام والتيارات المعارضة له .. والتمذهب الجديد يحب السياسة كما يحب الزبيب المهلبية..
عندما نرى قيادة للأزهر تحقق استقلاله ، وتقوده بسلام بعيداً عن حسابات السياسة وصراع المتمسلفين والطرقيين .. ستعود للأزهر قوته ومهابته .. وسيلعب دوراً أكبر في خدمة هذا الدين ..وتفادي الآتي بعد..دمتم بخير..
No comments:
Post a Comment