Saturday, April 7, 2012

مرشحوا الله ورسوله

حتى في الأحيان التي أشعر فيها بأنني تجنيت بعض الشيء على من يسمون أنفسهم بالمرشحين "الإسلاميين" للرئاسة ، وبأنني أتهمهم بالفراغ السياسي والفكري والثقافي .. تظهر أمور تؤكد بأنني كنت رحيماً بهم أكثر من اللازم..

هذه الصورة العجيبة التي شاهدتها بالأمس على أحد الصفحات التابعة لأنصار المرشح "الإسلامي" "عبد المنعم أبو الفتوح" ، والتي أحذر من يعانون من مشاكل في ضغط الدم من مشاهدتها ، أحدث صيحة من صيحات الخطاب الذي أتى به هؤلاء ، صيحة تربط بين انتخاب "أبو الفتوح" و العبارة الشهيرة "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" .. على أساس ، ولا يفهم غير ذلك ، أن عدم انتخاب السيد "أبو الفتوح" هو معصية لله عز وجل ، كما يخيل لهؤلاء بالطبع .. وليست هذه الصورة المريضة ، كمن فكر فيها بالتأكيد ، هي الصيحة الوحيدة ، ولن تكون بالتأكيد الأخيرة ، فقد سبقهم إلى ذلك شيوخ سلفيين كثر ، ومتعصبون كثر للشيخ "حازم أبو إسماعيل" يؤثمون فيه من يستمع لكلام الشوشو ويتقاعس عن التصويت لسيادته .. بل ويشكك البعض في إسلامية ، إن لم يكن في إسلام ، من لم ، ولن ، يصوت لمرشح إسلامي..أما الجديد فهو ما جاء على موقع "محيط" الإخباري .. التعليق لكم..

صحيح أنه كان لهذا القرف إرهاصات من زمن طويل ، كتب العبد لله هنا منذ حوالي خمس سنوات ونصف السنة أو أكثر قليلاً تدوينةً عن "فقه الانتخابات" من واقع فتوى لعضو مجمع البحوث الإسلامية الحالي ، و-حسب علمي- عضو أمانة السياسات بالحزبوطني المنحل "عبد الله النجار" ، بعد ثلاثة أشهر تقريباً من تصريح شهير لمفتي الديار المصرية الحالي الدكتور "علي جمعة" يرى فيه أن "الانتخابات تخالف مبدأً إسلامياً" .. تم تناوله هنا أيضاً.. (الروابط في التدوينتين لا تعمل للأسف) .. لكن الأمور لم تصل ، ولم يتوقع لها شخص في أحلك كوابيسه أن تصل ، إلى هذا المستوى ، وهذه المرة ليس من المحرضين فقط ، وهم "علماء دين" في حالة 2006 وحالة "أبو إسماعيل" 2012 ، بل وصلت إلى القاعدة نفسها ، وصار هناك من يؤمن بهذا الهراء ، والصورة مثل القطنة عند "مدام نظيفة" : ما بتكذبش..

يحاول المرء عبثاً البحث عن منطق مقنع لاستخدام الدين في تمرير مرشح معين ، أو تبرير مرشح معين ، أو تبشير أنصار المرشح بالهناء والسرور ، أو توعد معارضيه بالويل والثبور وعظائم الأمور .. فالبعض لا يزال يعيش في وهم البيعة ، الفكرة التي لم تعد موجودة لانتفاء كثير من أسبابها ، ظهرت في وقت معين لضرورات معينة في ظل ظروف معينة وفي بداية نشأة الدولة الإسلامية ، والآن صار هناك تنافس ، ولم يعد الشخص الذي تتم مبايعته هو "أمير المؤمنين" أو "خليفة المسلمين" لأن مفهوم الدولة وقتئذ مختلف تماماً عن مفهومه الآن وربما يختلف عن مفهومها بعد سنوات ، ولو كانت البيعة هي النظام المعتمد في الإسلام لاختيار الحاكم لبقيت على حالها منذ عصر الرسول (ص) إلى الآن.. ولكن النظم السياسية منذ خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى الآن تغيرت ألف مرة بتغير المجتمعات والظروف والأزمنة..

وهناك من يحاول استغلال عبارة جاءت في القرآن الكريم على لسان احدى ابنتي سيدنا شعيب عليه السلام "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين".. (القصص : 27) .. كلام جميل ومعقول ، لكن من هو القوي ومن هو الأمين؟ يفترض طالما أننا نتحدث عن اختيار بين بدائل في عملية تحكمها منافسة حرة ، أن أعرف كل كل شيء عن كل كل المرشحين ، وأن أسأل ، وأتلقى ردوداً واضحة ومهذبة ، عن ماض كل منهم ، عن الجهات التي عمل فيها ومدى أمانته في عمله فيها ، وعن كونه لا يعمل لحساب أي جهة أخرى طوال فترة عمله في الجهة التي كان أو لا يزال يعمل بها.. وعن مصادر ثروته ، وتمويل حملته.. هذا لو كنت ممن يختارون على أسس موضوعية من ضمنها الأساس المذكور في الآية الكريمة..

وطبعاً لو كان الاختيار على أساس المصلحة بأنواعها سيختلف مفهوم "القوة" و"الأمانة" ، فمرشح الحركة أو الحزب أو أياً كان "100 فل وعشرة" ، ولا يجوز التساؤل مجرد التساؤل عنه (وليس الشك فيه) ، كما أن مصلحة الفئة التي أنتمي لها ، سواء على أساس ديني أو مذهبي أو نقابي أو وظيفي ستحدد وبنسبة كبيرة تفضيلاتي لمن سيحكمني فيم بعد ، ولمن سيقدم لي ولمجموعتي أكبر قدر ممكن من الرشاوي سواء في صورة مرتبات أو حوافز أو امتيازات .. والقائمة تطول..

وفي كل الحالات لن يكون هناك إجماع على قوي أو أمين واحد ، وبالتالي لن يكون أمامك سوى أن تحكم عقلك وقلبك وتتجرد من الهوى ما استطعت لتختر من تراه القوي والأمين ، ولأننا مختلفون ، ولأن "صوابعك مش زي بعضها" فلن يتم التوصل لاتفاق بسهولة على "قوي وأمين" بعينه ، تذكروا أننا نتكلم في حالة ما كان يقال لنا في سنوات الدراسة أنه "سوق تنافسي" أو "سوق كامل التنافسية".. أي أنك يمكنك أن تعرف ، وأن تحصل على معلومات حقيقية عن كل المرشحين ، في ظل إعلام محايد وموضوعي يقف على مسافة واحدة من كل المرشحين (1).. وليس إعلاماً صاحب مصلحة أو مجموعات منتفعة يمارس كل منهما الكذب والتضليل لزوم "البروباجاندا" والدعاية..

واللذيذ أن أنصار المرشحين الإسلاميين بالذات ، وبالذات المرشَحَيْن (=بفتح الشين والحاء وتسكين الياء) الإسلاميَين (بفتح الياء الأولى وتسكين الثانية) الأوفر حظاً، و من واقع تجارب بعضها مرير على "الفيس بوك" ، يتجاهلون الرد الموضوعي على أي سؤال أو تشكك ، رغم أن هذا من حقي ، ولمن يعشق الاستدلال بواقعة قال فيها أحد الصحابة لـ"عمر بن الخطاب" - وهو من هو - "لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بهذا (= مشيراً إلى سيفه)" .. تجده وقد سكت تماماً عندما يطلب أحد سؤاله عن مرشحه أو أفكار مرشحه ، هذا الكلام ونحن لا نزال على البر.. أي أنه لم تقرر أغلبية الناس أن تختار هذا الـ"س" أو "ص" حاكماً على بلد بأكمله..

وبالمناسبة ، مع حالة "الاستوراع" السياسي والتزيد في إظهار الزهد (2) والحديث عن الوطن ومصلحة الوطن لم أجد تصريحاً واحداً لأي مرشح يتحدث فيه بالحد الأدنى من الاحترام عن المرشحين الإسلاميين الآخرين لأسباب لا أعرفها ولا أفهمها .. أي أنه يفترض أن منظومة القيم التي يسرح بها كل منهم علينا تتطلب تعاملاً أخلاقياً مختلفاً مع المنافس دون اعتباره عدواً أو وغداً أو ربما كافراً .. هذا هو مستوى أخلاق هؤلاء مع بعضهم البعض ، وهو الأمر الذي يلمح أيضاً إلى فكرة أن أنصار المرشح الفائز منهم لن يتورعوا - كما كان في فترة الخطوبة السياسية - عن البصق في وجه معارضي سيدهم إن رأوا فيه فساداً أو اعوجاجاً..هذا بعد أن يلمز السيد بيه السادة المعارضين بعبارات من الكتالوج المستعمل في مثل تلك الحالات..

إذا أراد هؤلاء المرشحون أن يتحدثوا عن ديمقراطية وعن ثورة ، فيجب أن يهمسوا في آذان أنصارهم ومروجيهم بأن يحذفوا أفكار "مرشحي الله ورسوله" من أدمغتهم كي تسير المركب ، إن كان هؤلاء يريدون لها أن تسير ، ليس فقط مجرد أن يسيطروا عليها حتى ولو جنحت تحت قيادتهم..
...(1) سبق التلميح لتلك النقطة في المدوَّنة الشقيقة "فرجة" في تدوينة "يسقط يسقط حكم الصورة"..
(2) ...وهناك قول مأثور لا أذكر قائله يقول في ما معناه أن التزيد في تجنب الرياء قمة الرياء.. أكون شاكراً جداً لو صححتموني في تلك المعلومة..

No comments: