Friday, July 8, 2011

لمن تُلْتَمَس الأعذار؟

مائة وثمانون درجة..

مائة وثمانون درجة تغيرت بها لغة الخطاب في خطب الجمعة فيما يخص السياسة.. من كان يستمع للخطب قبل الثورة ، وحتى في نفس يوم "تنحي" "السابق" ، وهو يوم جمعة بالمناسبة ، لا يصدق ما يسمعه بأم أذنيه اليوم..

لم أسمع خطيب المسجد القريب من المكان المفضل للمتظاهرين قبل الثورة (والسبب طبقاً لمعلومات شبه مؤكدة أن الأمن منع الصلاة في المسجد أيام المظاهرات لا لشيء إلا لقرب المسجد فقط من مكان المظاهرات ، لسبب لا علاقة له بتوجهات الإمام) ، لكني فوجئت بما قاله اليوم ، كلام محرض على التأمل..

يرى وهذه وجهة نظره أن الخروج على الحاكم الظالم هو نوع من أنواع التقويم له ، وليس الخروج الذي تراه بعض الفرق والمذاهب يقترب إلى مصاف الكفر.. وأن أي حاكم (يفترض أنه) قد وضع دستوراً أعلن عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله "أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" ، صراحةً أو ضمناً ، وبالتالي فإن تقويمه لا يعد مؤثماً –بفتح الثاء- على الإطلاق ، بل إن السكوت عليه هو الخروج المؤثم-برضه بفتح الثاء- بعينه..

لماذا لم نسمع ذلك الكلام قبل الثورة؟ وإذا كان ذلك من وجهة نظر شريحة من الناس تبريراً لـ"الخروج على الحاكم" والتظاهر ضده باسم الدين؟ فماذا عما قيل للناس على المنابر كلها أيضاً باسم الدين ، من أن ما حدث هو فتنة ، وأن دور المؤمن عندما تأتي الفتنة .....الخ..

ستصدمون عندما أقول أنني ألتمس بعض العذر لمن غيروا مواقفهم بهذا الشكل..

ألتمس العذر لأي إمام ينتمي إلى نفس الطبقات الاجتماعية التي ننتمي لها ، حصل على وظيفته بصعوبة شديدة ، ويخاف أن يخسرها ، فلا قضيته استفادت ولا هو بقي على حاله ، نفس الطبقات التي عانت ميراثاً طويلاً من القهر السياسي والتخويف من أي مناقشة سياسية ، أو إبداء أي رأي في أي شيء حتى في مسلسل تليفزيوني أو موضوع تعبير خشية أن "يُفهَم الكلام" على أنه سياسة.. نفس الطبقات التي ترى ، حتى وإن رفضت ذلك عقلياً ، أن بقاءها على قيد الحياة مقترن بعدم الصدام مع السلطات ، وبالمشي "جنب الحيط" ما استطاع أفرادها إلى ذلك سبيلاً..

لكني لا ألتمسه أبداً لأي طموح طامع في منصب ، يرى أن وصوله إليه مقترن برضا السلطان أكثر من أي شيء آخر..

ألتمس العذر أحياناً لأي إمام مستقل جنَّبَ نفسه الكلام في السياسة على المنبر قبل الثورة قناعةً منه بأن تسييس المنابر لا يأتي إلا ممن يستفيد ويتربح منه ، جماعة أو طريقة أو تياراً ، موالاة أو معارضة ، وانفعل بعد الثورة كجزء من انفعال من حوله بها ، بعد أن تحولت السياسة إلى خبز جديد للشعب ، وإن كان لا يختلف كثيراً عن خبز المسامير..انفعل كأي شخص عادي تقوم الميديا الحالية – ميديا المال السياسي بعد موت الحزبوطني بالسكتة القضائية- بتلقينه وتلقيننا ما تريد هي أن توصله إلينا ، وقد يكون انفعاله نتيجة خروجه – ككثيرين- من حالة كبت سياسي ، وشعوره بالتفاؤل بما هو آت..

لكني لا ألتمسه لأي إمام منتمٍ إلى تيار ، وهذا حقه ولم أنعِه عليه، سار مع التيار ، طالما رأى التيار أن "مبارك" حاكم صالح فلا يجوز الخروج عليه ، وبعد أن ترك السلطة أو أجبر على تركها –أياً كان تفسيرك وتفسيري- وتغير موقف التيار عام معه..فالدين أكبر من مصالح عارضة لتيار أو جماعة أو طريقة..

ألتمس العذر لأي إمام قد لا تكون عنده صورة واضحة عن علاقة الدين بالسياسة ، وهي علاقة شديدة التعقيد فيها بعدد شعر الرأس آراء ومذاهب ، ما بين دولة خلافة و"لا دولة في الإسلام" مروراً بكل الآراء بين طرفي المسطرة ، ومن الطبيعي أن تلتبس حتى على المثقفين دينياً وليس على عامة الناس فقط ، ما بين "موروث" يداعب عواطف الناس عن أزمنة العزة ودولة الخلافة بكل التباين الرهيب بين ظروف زمانها وظروف هذا الزمان، وبين ما قد يعايشوه هم ويتناقض معه..بمعنى أنه من الممكن أن يتحمس شخص ما لعودة دولة الخلافة بشكلها القديم ، لكنه يكتشف مما يرى حوله أن التحول إلى دولة خلافة من ثامن المستحيلات إن لم يكن هو المستحيل التاسع..

لكني لا ألتمسه لمن (يحاول أن) يلعب على كل الحبال كما يفعل من يسمون أنفسهم بـ"المفكرين الإسلاميين"، كأحدهم الذي يصر على مدنية الدولة في الإسلام ، ثم طالب في مقال قريب له في صحيفة مالسياسية بتقديم المرشحين لـ"البيعة" لمرشح بعينه ، أو لشيخ محسوب على التيار السلفي قام الحزبوطني بتلميعه وبجعله رمزاً للتيار السلفي لتهليله لـ"السابق" ، ليقوم الإعلام المتلون بتلميعه مرة أخرى بعد أن أعلن ولاءه للثورة "المباركة" ، ويقدمه كـ"داعية إسلامي" على فضائية حكومية متخصصة!

قُصْر الكلام.. الآن لم يعد هناك نظام ، وبعد كل هذه الهوجة ستتولى الحكم أحزاب تشكل حكومات ، وستحمل وزارة الأوقاف بالتأكيد توجهات كل حزب أو حركة تصل إلى السلطة ، هل سيبقى الخطباء على توجهاتهم وآرائهم؟ أم سينتظرهم توجيه الوزارة بعصاها وجزرتها؟ هل يجب أن يبقى الخطباء خاضعين للوزارة بشكل إداري أم بشكل إداري وسياسي؟ أم يجب أن تبتعد الوزارة تماماً عن المنبر؟ وهل ستصر الحكومات المتعاقبة أياً كانت درجة "ليبراليتها" على إخضاع المنابر لسلطاتها وسلطوتها؟

وفي المقابل ، هل يضمن ابتعاد الوزارة عن المنبر أن يبتعد عنها المذهب؟ خاصةً وأن بلادنا عرفت "سياسة المذهب" ، دخول المذاهب والفرق في العملية السياسية ، وهو ما حذرت منه المدونة المتواضعة مراراً وتكراراً ضمناً وصراحة؟ هل ستمارس قيادات التيارات والفرق نفس الضغوط التي كان النظام السابق يمارسها على خطبائه؟ أم أن الوضع الحالي سيتيح للإمام ، القدوة ، والمعلم بأن يكون شهيداً بالقسط ولو على نفسه وتياره الذي ينتمي إليه فينتقل إلينا ذلك الإحساس ويتحول إلينا إلى ممارسة ومعتقد؟

أسئلة سيكون من المهم الإجابة عنها لنعرف لمن سنلتمس الأعذار فيما بعد ، ولمن لن نلتمسها..

No comments: