Sunday, July 10, 2011

ع الترابيزة

وللقصة جذور يا سادة..

كان لدينا يا كرام عدد من رجال الأعمال ، أخذوا من أموال البنوك ، ولم يعيدوها ، وهرب بعضهم إلى خارج البلاد ، وتم إلقاء القبض على بعضهم الآخر ، بشكل يذكرني بعبارة شهيرة للشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودي" ما معناها أن السجن هو المكان الذي يذهب إليه المجرمون الذين فشلوا في الخروج على القانون!

واختُلِفَ في تصنيف هؤلاء ، فمنهم من يرى أنهم رجال أعمال سيئي الحظ خرجت الأمور من تحت سيطرتهم فـ"تعثروا".. ومنهم من يرى أنهم لصوص محترفون كونوا شبكات كبيرة من المرتشين والمنحرفين داخل بنوك ومؤسسات اقتصادية وجهات رقابية أسهمت في قيام هؤلاء بهبر الهبرة الكبرة مطلقين عبارة "محمد شرف" الشهيرة في مسلسل "ريا وسكينة" : يا فكيييك! والفرضية الثانية وجدت من الأدلة ما يؤيدها أكثر بكثير من الأولى..

ليظهر في مصر- وسبحان الله- توجه في سنوات "الحراك" ، التي شهدت صعوداً كبيراً لمن استفادوا وتربحوا من علاقاتهم مع بعض "آل مبارك" -سواء من بقي على ولائه للبيت "المباركي" أو من قرر دخول مجال "النضال السياسي" - ما مفاده أن "اللي فات ننساه .. ننسى كل أساه".. لنحتكم إلى لغة الترابيزة ، لغة التفاوض .. ما لا يدرك كله لا يترك كله نتفاوض .. نجدول .. نسدد .. يخرج المتعثرون من السجن ، ويعود الهاربون إلى مصر كالسوبرهيروز ، ولا "الخوميني" بعد ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" في "إيران"..

ومن الطبيعي ، والطبيعي جداً جداً أن يثير ذلك "التوجه" ، جدلاً واسعاً داخل المجتمع المصري خاصةً عندما تم طرحه في برامج "بتسمَّع في الشارع" كـ"القاهرة اليوم" ، وانقسم الناس فرقاً ، فرق تؤيد التصالح مع المتعثرين ، وفرق ترفض..

المؤيدون يعتبرون ذلك "نوعاً من العملانية"- من "عملي" - بمعنى أنه ما لا يدرك كله لا يترك كله ، والبلد بحاجة إلى كل مليم و..و... ، أما المعارضون فلا يعتبرون مبدأ التفاوض على سرقة مجرد خضوع للابتزاز يهين هيبة الدولة والوطن بأكمله فحسب ، يتيح لرجل الأعمال أن يجلس رجلاً على رجل رافعاً "اللي لابسه في رجله" في وجه الدولة ، بل يكرس لاحقاً لجعل السرقة عملاً مشروعاً ("اسرق يا حبيبي بس لو رجعت اللي سرقته مش أزعل منك تاني".. وبين المعارضين على طرفها الآخر وقفت فرق أخرى تتساءل "طب اشمعنى المتعثرين أبو مليارات وسايبين المتعثرين بملاليم يدخلوا السجون؟".. "ليه في الوقت دة؟" "..وأهم تلك الأسئلة على الإطلاق "وأنا أعرف منين إن كان الراجل دة متعثر ولا حرامي؟ ولو كان حرامي ح أفاوضه ولا لأ؟.. وإن فاوضني الحرامي يبقى متعثر ويحصل على المسامحة من قبل النظام السياسي والقضائي (والإعلامي) المصري؟".. وكلها أسئلة لا تمنح عادةً وقتاً للرد ولا للنقاش لأن "الزن على الودان أمر من السحر"..

وتروحي يا أيام ، وتعالي يا أيام ، وتقوم الثورة ، وتسقط أقنعة ، وتظهر أقنعة جديدة ، وتظهر النية لـ"تقنين التصالح" وسط "ترحاب" من بعض رجال الأعمال..الذين تحولوا-جميييييعاً وبمن فيهم اللصوص الحقيقيون- إلى "ضحايا لفساد النظام السابق" (انتهازية معهودة في فترات التغير السياسي وشفنا منها كتير قبل كدة) وفسرت تلك النية "القانونية" على أكثر من محمل ، ما بين "حسن النية" ومحامل أخرى كثيرة..

ما علاقة ذلك كله بـ"الدين والديناميت"؟

اليوم ، 10 يولية 2011 ، خرج علينا فضيلة مفتي الديار المصرية ، بفتوى "غريبة" تثير عشرات علامات الاستفهام ، وستظل تثير..وستقسم الناس ما بين مؤيدين ومعارضين ، تقسيمة قد تتعلق أيضاً بوجود مؤيدين ومعارضين لفضيلة مفتي الديار..

مؤيدو الفتوى وأغلبهم من مؤيدي المفتي سينطلقون من نفس النقطة التي بدأ منها مؤيدو مشروع التصالح قبل الثورة ، وسيعتبرون الفتوى فتحاً واجتهاداً في صالح الدين والدنيا ، باعتبار أنه يحقق مصلحة للمجتمع ككل ، نظرة في مجملها "عملي" من وجهة نظرهم.. وسيقابلهم على الناحية الأخرى عدد من المعارضين للفتوى وفيهم معارضين لنفس المفتي يرون المسألة "أخلاقية".. التفاوض كما يرونه مسألة "تنازل أخلاقي" قد يمنح فعل "السرقة" مشروعية.. حتى وإن رأى فضيلة المفتي أن الأمر :


"ليس بالسرقة التي وضع الله بإيذائها حدا {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، وليست من السرقة كذلك ما يشاع عن أن الناس سرقت أموال الشعب؛ لكن التعبير الصحيح أن نقول: إن أناسًا ما قد استولوا، أو قد اختلسوا، أو قد اغتصبوا، أو قد نهبوا، ونحو ذلك من الألفاظ المنفرة للفعل ولكن لا تأخذ في حكم الفقه الإسلامي موقف السرقة"

وهو ما يرد عليه أيضاً بفكرة أننا لو احتكمنا للتعريف القانوني للسرقة والاختلاس فقد تخرج أمور كثيرة عن دائرة التجريم..

دعوني أسأل السؤال بشكل مختلف وبلغة غير متخصصة ، هل ما قرأناه من فضيلة المفتي يشبه ما اجتهد فيه الفقهاء القدامى عن جواز دفع زكاة الفطر بالمال لمصلحة الفقير؟ أم أن هذا الموضوع لا تصالح فيه لأنه لا تصالح في حقوق العباد على العباد؟ هل أذهب مع من سرقني إلى الترابيزة؟ هل أصالح في المال ولا أصالح في الدم؟ ولا إيه بالضبط؟

تبقى نقطة: تعمدت وضع أكبر عدد ممكن من التصنيفات في هذه التدوينة بشكل مربك لاحتمالها جميع وجهات النظر ، قد تتفق مع الفتوى وقد ترفضها..

No comments: