قبل الكلام: لنتفق من البداية على أن ما يعاني منه التيار الديني فكرياً يعاني منه آخرون في هذا المجتمع يدعون دائماً أنهم أكثر اعتدالاً واستنارة.. وأن ما تسمعه من بعض المتشددين دينياً ستسمعه بالتأكيد من آخرين ولو بشكل مختلف أكثر "تزويقاً".. لكن هذه المدونة تبقى "محاولة للفهم لا أكثر" ، والبحث عن تفسير لأشياء كثيرة تحدث حولنا سواء من التيار الديني أو من غيره..
ولنتفق أيضاً أنه لكل طرف في المعادلة السياسية في مصر على الأقل "مُحتَكَراتُه" ، التيارات الدينية تحتكر الحديث باسم الدين ، اليسار والناصريون يحتكرون الحديث باسم الفقراء ، حركات كـ "6 أبريل" وغيرها تحتكر الحديث باسم الثورة ، وكان قبل هؤلاء الحزبوطني يحتكر الحديث باسم الوطن بالوطن بمن فيه.. وعن نفسي أجد صعوبة في فهم تلك الاحتكارات ، بما أن عقلي المحدود ، مقارنةً طبعاً بالمتشنجين من أنصار كل فريق أو مرشح رئاسي فشل كان أو استمر ، يجد "صعوبات" في تصديق أن يحتكر شخص ما شيئاً "لا" يملكه!
أستغرب - ولعل المشكلة فيّ - أن يحتكر اليسار مثلاً الحديث عن العدالة الاجتماعية ، والتي تعد ، أو هكذا يفترض ، أحد أهم مطالب الثورة ، أياً كانت معاني ذلك المصطلح وهي كثيرة ، حتى لو سلمنا أن اليسار لطالما اعتمد على مخاطبة الطبقات العاملة "البروليتاريا" والمهمشة والتي تحصل على نصيب من الدخل لا يتناسب مع مشاركتها في صناعته ، وأن اليسار يبدو "أكثر اهتماماً" بتلك الطبقات من قوى المال - سياسياً كان أو لم يكن - أو الطبقات المنتفعة بشكل مباشر من قوى المال أو حتى الطبقات الوسطى ، فإنه كما أنه ليس من حق الأغنياء احتكار الثروة ، ليس من حق اليسار أو غيره احتكار صناع الثروة ، وأن خطاباً يدغدغ العواطف قد لا يكون كافياً لتحقيق مصالح الطبقات الفقيرة والضعيفة والمهمشة ، مثله في ذلك مثل الخطاب النخبوي العلوائي أو الرأسمالي المتعالي..
بمعنى أوضح ، حين نتحدث عن "عدالة اجتماعية" لا نتحدث عن إجابة صحيحة ، بل عن حل أمثل على الكل أن يقدم تصوراته له وأن يهتم به ، خصوصاً من يهمهم أن يصلوا إلى السلطة ويطبقوا "تصوراتهم" علينا..
الغائب الحاضر في مسألة العدالة الاجتماعية هم الإسلاميون .. صدق أو لا تصدق..
الإسلاميون لا ينتمون لمجموعة اجتماعية أو طبقية بعينها ، حتى ونحن نتحدث عن "الإسلاميين الجدد" ، بحيث يمكن تصنيفهم كطبقة عاملة أو طبقة مثقفة أو طبقة رأسمالية مالكة للثروة أو ... أو... أو... ولأنهم يتحدثون بالدين وباسم الدين ، الشيء المشترك بيننا جميعاً ، بمثله ومثالياته ، التي تستوعب كل المجتمع ، بمن فيهم غير المسلمين ، فمن الطبيعي أن يكون هناك مجال حتى لتداول المصطلح وتقديم "حلول ممكنة" له..
لكن ما يفاجئك أمران : الأول أن تلك الفكرة لا تشغل أي أولوية ، أو لا تشغل أولوية كبيرة لدى هؤلاء ، كل الكلام موجه عن الحكم وتطبيق الشريعة وتطبيق الحدود فقط ، أما تقديم حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية فلا يشغلهم كثيراً ، والثاني أن كل الكلام نصوص ، وليس تفسيراً لنصوص ، أو محاولةً لتطبيق ما يمكن تطبيقه منها.. رغم أن "ابن تيمية" رحمه الله اشترط في تطبيق الحدود أمران أحدهما "إمكانية تطبيقها عملياً" والثاني "حساب المكاسب والخسائر الناتجة عن تطبيقها بحذافيرها"..
لكل مجتمع ظروفه ، مستواه التعليمي والثقافي ، حالته الاقتصادية ، وبالتال يختلف فهم كل مجتمع للدين ، وتفسيرهم لنصوصه ، وبالتالي ما يريد أن يعرفه المجتمع ليس ما ينبغي أن يكون ، أي ما في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، قدر ما في كيفية تحقيقه على أرض الواقع في ظل الظروف الحالية التي نعيشها جميعاً..
مرة أخرى .. لماذا لا يهتم الإسلاميون كثيراً بالعدالة الاجتماعية؟ ولماذا يكتفون فقط بتسميع الآيات الكريمة والأحاديث النبوية دون تقديم حلول عملية قابلة للتحقيق؟ ولماذا يسعون لحكم مجتمع لا يهتمون به بشكل جاد؟
هل لديكم إجابة؟