Thursday, May 3, 2012

رافضو المادة الثانية : لماذا نبقي عليها؟

يفترض أننا حين نتكلم عن دولة مدنية ، أن تكون المرجعية فيها هي الشيء المشترك الوحيد الذي يجمع أبنائه أجمعين ، ألا وهي المواطنة ، انتماؤهم لهذا البلد أياً كان تباينهم في المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وفي الدين الذي يعتنقوه.. وبالتالي لا يستقيم ، ونحن نتحدث عن المواطنة ، أن نغلب فئة على فئة ، أو دين على دين .. سبب كافٍ لجعل المادة الثانية من الدستور بأي صيغة كانت بلا محل من الإعراب..

قد يقابل هذا الكلام باستياء شديد للغاية ، سيقول البعض أن المادة الثانية تحدد هوية الدولة ، وأن الدولة إسلامية بما أن أغلبية أهلها مسلمين ، الدولة بهذا المعنى إسلامية فعلاً والمسلمون أغلبية ، هل نحتاج لمادة في الدستور تذكرنا بحقيقة كهذه؟.. مصر لمن لم يعِ بعد مصرية ، خليط ما بين هويات وثقافات متعددة صنعت النسيج المصري ، أكبر من أن نختزل هويتها في مرحلة بعينها أو دين بعينه..

سيقول البعض أن المسلمين أغلبية في مصر -وهذا صحيح – ومن الطبيعي أن يحترم حق الأغلبية في أن تفرض شريعتها كأساس للتشريع ، لكن هل سيكون المسلمون في أي بلد سعداء وهم أقلية وتفرض عليهم قوانين مستقاة من دين أصحاب الأغلبية؟ لماذا لا نضع أنفسنا محل الغير وفي مكانهم علماً بأنه في بلدان أخرى يعد المسلمون أقلية مقارنةً بأصحاب ديانات أخرى ، سواء في أوروبا أو أفريقيا أو غيرها؟

وسيقول البعض بأن القائلين بمدنية الدولة يرفضون أن يحكم الإسلام ، ويمكن الرد عليه بحقيقة واحدة ، باستثناء بعض الثوابت ، لا يوجد لدينا إسلام واحد في العالم الإسلامي ، أي إسلام إذن يريد هؤلاء أن يحكم مصر : الإسلام السلفي أم الإسلام الصوفي أم الإسلام الحركي أم الإسلام الجهادي أم الإسلام الأزهري أم الإسلام الشيعي أم الإسلام الطالباني أم.. أم.. أم...؟ - هذا طبعاً ناهيك عن تمسك كل أصحاب فهمهم بأنه الفهم الوحيد الحصري للدين..

حتى لو حكمنا الإسلام الأزهري المعتدل الوسطي ، وقصدناه في المادة الثانية من الدستور ، ألم يقل عثمان بن عفان رضي الله عنه : إن الله لينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن؟الدين كما نراه ينظم العلاقة بين العبد وربه ، والعبد والعبد ، في إطار أخلاقي ، مبني على الوازع الداخلي ممثلاً في الخوف من الله عز وجل ، والطمع في مغفرته ورحمته ، لكن الجانب الأخلاقي وحده لا يكفي في تنظيم السلوك بين المواطن والمواطن حتى ولو كانا مؤمنين بنفس الدين ، بمعنى أصح : بطريقة أو بأخرى سنحتاج إلى القانون ، وسنحتاج إلى قانون مبني على الشيء المشترك الوحيد بين أبناء الوطن الواحد وهو المواطنة ، وعلى أساس قانون مدني عالماني يمكن تفادي مشاكل وتضادات يمكن أن تحدث نتيجة مسائل خلافية بين الأديان داخل أي دولة.. أكثر بكثير من الاستناد إلى الشريعة ، أي شريعة لأي دين ، في أن تكون أساساً لسن القوانين.. خصوصاً في مجتمعات تقوم بتديين كل شيء ، وتدخل تحت مظلة الدين أشياءً ليست من الدين.. بل هي من مستجدات الدنيا التي لم يرد فيها نص أصلاً..

وحتى ولو كان الدستور موضوعاً على أساس الشريعة الإسلامية دون غيرها ، كما يطالب بذلك سلفيون ، هل يمنع ذلك فساد التطبيق بما أن من يطبقه بشر؟ الداعية السلفي "عبد المنعم الشحات" يجيب بـ"لا"..

سيتكلم البعض عن الحدود وعن كونها جزءاً من الدين ، وأنها يجب أن تكون جزءاً من القانون ، كيف سيتم تطبيق الحدود الآن؟ وعلى من؟ هل لدينا في الدولة جهاز إثباتي قضائي قوي يمكن للقاضي بمجمله أن يعرف أن سيناً من الناس سرق قبل أن تقطع يده ، هذا لو كنا سنطبق الحدود بحذافيرها؟

سيتحدث البعض عن “مقاصد الشريعة الإسلامية” في صيغة مقترحة للمادة ، مقاصد الشريعة الإسلامية هي العدل والحرية والكفاية والأمن على النفس والمال والعرض لأي شخص يعيش في ديار الإسلام ، أو في غيرها ، هذه مقاصد تتماشى مع قواعد الأخلاق ، ولا يمكن لأي قانون عادل أن يتجاهلها ، فلماذا إذن وضعها تحت لافتة دينية؟

وسيصر البعض على أن المادة الثانية صمام أمان للوحدة الوطنية ، رغم أن هذا الكلام ثبت خطؤه بالدليل العملي وبالتجارب التي أثبتت أن التعصب يزيد في كل يوم عن اليوم السابق عليه ، ولم تمنع "الكشح" ولا "القديسين" ولا غيرها، ويبدو أن ذلك البعض لا يزال يعيش في ذكريات الماضي حين كان المسلمون فاتحين لديار غير إسلامية ، وكان أهل تلك الديار "أهل ذمة" ، وكانت الجزية تفرض عليهم ، وكانت كل الدول الإسلامية مجمعة في خلافة يحكمها الخليفة في "بغداد" أو "دمشق" أو أياً كان ، أما الآن فأنجب مسلمو هذه الدول أبناء وصارت لهم عائلات ، وأنجب أصحاب الديانات الأخرى أبناءً وصارت لهم عائلات ، ولم يعرف هؤلاء وأولئك بلداً لهم إلا هذا البلد.. وبينهم عيش مشترك ، ألا يصبح هذا العيش المشترك مهدداً إذا ما تم فرض شريعة على الكل؟

وسيذكرنا البعض بوثيقة الأزهر ، وتمسك الأخير بالمادة الثانية بأي صياغة كانت ، والوثيقة نراها سياسية أكثر منها أي شيء آخر ، فبعض المحسوبين على التيار الليبرالي يرى في أن يضع الأزهر اسمه على وثيقة وضعها مثقفون مقدمة لأن يكون الأزهر الذي لا يزال يحظى باحترام لدى كثيرين من المصريين صدادة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي والإسلام السلفي ، وما دامت التيارات المتطرفة تلعب سياسة باسم الدين فما المانع أن يلعب الأزهر هو الآخر دوراً سياسياً ما دام محتفظاً بمرجعيته المستنيرة ، وهو أمر يصطدم وثوابت الليبرالية التي تبعد المؤسسات الدينية عن السياسة شكلاً وموضوعاً..

إسلامية الدولة لا تحتاج إلى نص دستوري ، والتعايش المشترك بين الأديان لا يكفله حكم دين بعينه ، ومعنى الدولة الحالي يختلف كثيراً عن دولة الخلافة التي يسعى البعض لتحقيقها على حساب بني وطنه وبني دينه أحياناً..

No comments: