Sunday, April 29, 2012

المخدوعون

هناك فرق بين ما يحدث في العباسية ولعبة الشطرنج ، يتمثل ببساطة أن الملك في لعبة الشطرنج جزء من اللعبة ينزل وسط قطعه في قلب المعركة ، أما الملوك في لعبة العباسية فيجلسون في مكان بعيد ، يتظاهرون بأنهم لا يعرفون شيئاً عن عساكرهم وطوابيهم وجيادهم وأفيالهم التي تصاب ، وربما تموت ، في قلب الشارع..

قطع الشطرنج تعرف الفولة وما فيها قبل المعركة، قطع الشطرنج في العباسية عرفت الفولة بعد فوات الأوان .. وتم بيعهم في الوقت المناسب بأرخص ثمن ، بعد أن تم شراؤهم أولاً بحلم ومشروع إسلامي ولحظة فارقة ، وزعيم بحثوا عنه على خلفية ما حشيت به رءوسهم ورؤوسنا في قصص التراث وفي الخطب والبرامج التليفزيونية وغيرها عن الزعيم المخلص وعن المشروع الذي سيعيدنا إلى صدارة الدنيا وزعامتها ، وعن العلماء الربانيين الذين يحملون على أكتافهم عاتق المشروع، صدقوا كل ذلك لأنه وُجِّهَ إليهم بشكل عاطفي لا يعترف بالعقل ، يتم معه توصيل الفكرة دون أن يقابلها تفكير ، لتستقر كحقيقة كونية غير قابلة للنقاش..

كلهم آمنوا بالمشروع ، وحين يسألهم شخص من أمثالي من عامة الناس (اللي كل متعصبين لمرشح أو حزب أو تيار بيشتموهم شتيمة شكل) لا يجد منهم إجابة ، ليس تناكة ولا ادعاءً للعلم ولا طهرائية زائدة (كالتي يتمتع بها كثيرون جداً حتى في قلب التيار السلفي والإسلاميين الجدد) ، ولكن لأن كثيراً منهم لا يعرف الإجابة فعلاً ، ولم يكلف نفسه أن يسأل ويعرف ، لأن ما لديه حقيقة مؤكدة لا تقبل الشك ولا النقاش ، شيوخ الدعوة السلفية لا يخطئون في نظر معظم السلفيين ، وشيوخ الطرق الصوفية لا يخطئون في نظر معظم الصوفيين ، وحتى شيوخ الأزهر لا يخطئون في نظر من يؤمن بهم لدرجة التعصب ، تذكروا أن القيادة في الحالات الثلاث - عكس الحالة الإخوانية - رجال دين صرف ، ليسوا ساسة ، بل وبعضهم كان يقول لنا باستمرار أنه من السياسة ترك السياسة.. قيادة دينية أي قيادة "موصولة بالله" كما تسوق نفسها للناس .. أي لا تخطئ..

كلهم آمنوا بالزعيم دون أن يكلفوا أنفسهم بالبحث في جدية أن يقود الفكرة شخص واحد يحملها على عاتقه ويحاسب عليها أمام الله وأمام الشعب ، وأن هذا الشخص مثله مثل قادتهم مثله مثل خصومهم معرض للخطأ ، وأنه طالما هذا الشخص بشر مثل قادتهم مثل خصومهم مثلنا جميعاً يصيب ويخطئ ، كلهم يحتاجون لقائد لسبب أو لآخر رغم أنهم -كثير منهم على الأقل - في مرحلة سنية من ظواهرها بعض أعراض التمرد والنزعات الاستقلالية ، ربما كان ذلك بسبب الربط بين الأمان وبين المجموعة ، أن يكون الأمان لديك نابعاً من كونك عضواً في مجموعة قوية يقودها رجل قوي ، ولكي تكون تلك المجموعة قوية يجب أن تحقق النصر على يد قائدها القوي ، إما الكل أو اللاشيء ، فكرة التمكين كما سبق شرحها هنا .. وربما لما تربوا عليه أن القائد هو الأب والزعيم والموجه والمخلص والمنقذ وكل حاجة في بعض..

هم آمنوا بفكرة ما ، نراها خطأً ، ومشوا فيها للنهاية ، هم دافعوا كما يجب عن فكرة لا تصح ، تاني : كما أراها، لكن المفارقة غير الكوميدية أنه في الوقت الذي نزل فيه هؤلاء إلى الشارع كان قادتهم يلقون بكل ما باعوه لهؤلاء في سلة المهملات.. يمصمصون الشفاة على ما جرى للشباب المتهور ، ويتبرأون من كل ما وعدوهم به..

من أجل المصلحة والتمكين لابد من ضحايا ، وشهداء ، ومعتقلين ومفقودين ومصابين ومحطمين ومهزومين ، عساكر الشطرنج الذين يموتون في أرض المعركة ليحيا مليكهم ، الذي لا يتمنى أن يعودوا في حالة العباسية من الميدان أحياء كي لا ينتقموا منه ، من أجل المصلحة والتمكين لابد من إشعال بعض الحجارة من أجل "سفلتة" الطريق ليعبر عليه الكبار إلى الهدف المنشود ، والمصلحة والتمكين نهج سائد ليس لدى ذلك الفصيل المتمسلف وحده ، حتى لدى الليبراليين تحضر نفس الفكرة ، بشكل آخر ، وبتوزيع جديد..

بدأ بعض المخدوعين يفيقون ، متأخراً كالعادة ، هل يفيق المخدوعون الآخرين في مشاريع أخرى وزعماء آخرين ووهم تمكين آخر ، بما أن المخدوعين في ميدان العباسية ليسوا الوحيدين.. ياريت نفوق..

No comments: