Tuesday, April 17, 2012

بتاع ربنا

أيهما أصح : "الناس على دين ملوكهم" ، أم "أينما تكونوا يولى عليكم"؟

سؤال قفز إلى الواجهة ، وفكرت في الكلام فيه باستفاضة قبل أشهر مضت ، ما ذكرني به هو نية العديدين من الناس التصويت لمرشح "إسلامي" على أساس أنه "بتاع ربنا" ، وطالما أنه "بتاع ربنا" فسيحقق العدل والرخاء والتنمية مثل الخلفاء الراشدين.. فرضية أحترم حق أصحابها في الإيمان بها ، وأرفضها جملةً وتقصيلاً..

1-من هو "بتاع ربنا": إذا كنت ، أو هكذا يفترض بي أن أنتخب المرشح "بتاع ربنا" ، فمن هو الشخص الذي يستحق أن نطلق عليه هذا الاسم؟ هل هو الشخص المتمسك بـ"الهدي الظاهر" كما يسميه بعض الفقهاء؟ هل هو الشخص الذي يقول "قال الله وقال الرسول" باستمرار؟ هل هو المتنسك الزاهد الذي يذكرنا بالزهاد الذين لا تخل خطبة جمعة في أي مكان في العالم من أخبارهم؟ هل هو الذي يخالط الناس ويخالطوه؟ هل هو الشخص السمح في معاملاته وبيعه وشرائه وخلافه؟ هل هو الشخص الذي يفعل ذلك في العلن والسر أم في العلن فقط ويصبح "من برة هلا هلا ومن جوة يعلم الله"؟ (حتى وإن كان لنا الظاهر)..

2-هل كل "بتوع ربنا" يصلحون لممارسة السياسة والحكم: من المعروف أن الحاكم القادم سيصل إلى السلطة بعملية سياسية ، مهما بدت في شكل التوكيلات أقرب إلى البيعة التي كانت تقدم للخلفاء ، والسياسة بطبيعتها لعبة قذرة ولا أخلاق فيها ، كيف سينجح في تلك اللعبة شخص "بتاع ربنا"؟ لكي تفوز في الانتخابات يجب عليك أن تفوز بأكبر قدر ممكن من الأصوات الانتخابية ، ولكي تفوز بأكبر كمية من الأصوات الانتخابية يجب عليك أن تقدم رشاوى انتخابية "مثل الحد الأدنى والأقصى للأجور لضمان سكوت كتلة الموظفين ، أسلوب مباركي قديم ومبتذل" ، وتطمينات "عدم تطبيق نظام ضريبي تصاعدي من أجل إرضاء بابا المستثمر الأجنبي" ، ووعود لـ"س" و "ص" بتولية أناس منهم لمناصب حتى ولو كانوا أهل ثقة وليسوا أهل قدرة وإجادة وكفاءة.. هل من يلعب تلك الألاعيب هو شخص يمكن وصفه بأنه "بتاع ربنا"؟

أضف إلى ذلك أنصار مدرسة التدين السلبي ، المنكفئين على الذات الذين لا يفارقون خلواتهم ولا صوامعهم ، هل سينجح هؤلاء في مسائل الحكم المشروعة أخلاقياً؟ في الأمور التي تتعلق بإدارة موارد دولة؟ (1).. هل ينجح المتدين ، الطيب ، المتفاعل ، في أحيان كثيرة في مهام كتلك؟ خاصةً وأن كثيراً من الطيبين يسهل خداعهم والضحك عليهم إن لم يكن إفسادهم.. وبما أن الكثيرين يتشدقون بقول الله تعالى في سورة القصص على لسان ابنة سيدنا شعيب عليه السلام "إن خير من استأجرت القوي الأمين" ، ألا يلفت نظرهم أن القوة جاءت قبل الأمانة ، وأن القوة من الممكن أن تكون موجودة لدى إنسان "كويس" - مش حرامي ولا أفاق ولا نصاب - أكثر ما هي لدى إنسان "متدين"؟.. ولماذا لم يحكم الدولة الإسلامية أشخاص من الأكثر تديناً وعلماً بالدين ، من أمثال "عبد الله بن عمر بن الخطاب" (وقد عاش حتى زمن "الحجاج بن يوسف الثقفي" وهو من أواخر من توفوا من الصحابة) و "عبد الله بن العباس بن عبد المطلب" (والذي وصفه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأنه "ترجمان القرآن") ، وهذا الأخير اعتزل الأمر كله؟

3-هل يشترط أن تكون "إسلامياً" لكي تكون "بتاع ربنا": من المعروف لأي شخص أن "الإسلام" ظهر قبل "الإسلاميين" بقرون طويلة.. فهل كل من عاشوا قبل ظهور الإسلاميين ، من متمسلفين ومستصوفين وأزاهرة وشيعة وحزبيين وحركيين "بتوع سوسو"؟ هل الإسلام صار توكيلاً حصرياً لدى الإسلاميين دون غيرهم ، وصار معنى أن يكون شخصاً ما "إسلامياً" أنه "بتاع ربنا" ، حتى ولو قام بتوسيخ نفسه بكل أدران السياسة وقذاراتها؟ حتى ولو كان يلعب بالبيضة ، والثورة ، والحجر؟

أي إنسان ، سواء أكان "بتاع ربنا" بأي معنى كان أم لا ، هو ابن لمجتمعه ، لثقافته السائدة ونسيج قيمه ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وبعض "الأذكياء" و "غير أصحاب الهوى"(2).. ومن ثوابت الطبيعة أن الجاموسة - مثلاً - لا تلد أرنباً ، إلا إذا اعتقد الحمار شيئاً غير ذلك.. بالتالي لو كان المجتمع واعياً متديناً فسيختار شخصاً واعياً متديناً ، أما لو كانت ثقافة المصلحة هي المسيطرة فلن يختار الناس إلا من يحقق لهم مصالحهم ، وسيثورون ضده لو لم يحققها حتى ولو على سبيل العدل والعدالة..

وواهم - أيما وهم - من يعتقد أن الحاكم "سوبر مان" يمكنه إصلاح أي شعب يحكمه ، يستطيع الحاكم القوي بالعصا والجزرة أن يجعل شعباً "يمشي على العجين ما يلخبطهوش" بتطبيق القانون ، لكن هل ذلك كاف لصنع أشخاص فضلاء ، أم لتكوين أجيال كاملة مطيعة للنظام والقانون في المجتمع ، أو تعرف كيف تخرق القانون دون أن يكشفها النظام؟

المجتمع الفاضل يصنع من أسفل إلى أعلى ، من القاع إلى القمة ، من المحكوم إلى الحاكم ، وليس العكس ، عندما يكون المجتمع فاسداً فلن يقدم إلا حاكماً فاسداً ولو كان نصيب الفرد من الدخل فيه خمسين ألف دولار في الشهر ، ولو لم يكن فاسداً لأفسدوه هم وأعنتوه هم ، حتى ولو كان "بتاع ربنا".. ولمن لا يصدق ولا يقتنع أترك له سؤالاً واحداً يفكر فيه بهدوء وتجرد :ما الذي يمكن أن يفعله حاكم "بتاع ربنا" مع شعب "بتاع كله"؟
...(1)هذا إن كنا نستوعب أن الحكم بعد مرور عقد وعامين من الألفية الثالثة أن الحكم صار إدارة موارد في أساسه.. اللي فاهم غير كدة دة موضوع تاني خالص" ، وإن كنا نستوعب - أيضاً - أن وجود حاكم عادل بمقاييس الخلفاء الراشدين مستحيل ، وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، وأن كثيراً من مقتضيات عصر الخلافة لم تعد من وسع البشر الآن ، وأن المتاح هو أن الحاكم الجيد يطبق نظاماً عادلاً تحت رقابة شعبية ومؤسسية..
(2) ومع رفضي الشديد للكثير من تصرفات وخطاب "6 أبريل" ، إلا أن الأمانة تقتضي القول بأن اللينك المذكور لمقال موجود في منتدى تابع لـ"حزب التحرير" المتطرف.. وهو حزب محظور في العديد من الدول العربية ولا علاقة له بالمرة بثورة الخامس والعشرين من يناير ..

No comments: