Thursday, March 29, 2012

السؤال الثالث : حد عايز دولة مدنية؟

بدون غضب ، وبدون انفعال ، وبدون تسرع..

لنعترف أن أغلب أغلب أغلب أغلب من صوت للإسلاميين ، مع كل ما قلته عنهم (ولا زلت عند قناعاتي) وما لم أقله ، صوت عن اقتناع وتعاطف للإخوان والسلفيين .. ولهؤلاء كما نعرف لهم تصورهم للتمكين ، ولا يرضون بغير الحكم والسيطرة على الدولة بديلاً..

ولنعترف أن أغلب أغلب أغلب أغلب ممثلي المجموعات الدينية والمذهبية الأخرى من صوفيين وغيرهم قرروا الوقوف ضد الإسلاميين "السياسيين" والسلفيين ودعمهم للمال السياسي ممثلاً فيما يسمى بـ"الكتلة المصرية" ، ليس حباً في الليبرالية ، ولا التنوع الفكري ، ولا هذا الهجص ، وإنما إيماناً أيضاً بنفس نظرية التمكين ، بشكل مختلف بعض الشيء عن التصور السلفي له ، بمعنى الاكتفاء بالسيطرة على الأزهر والمؤسسات الدينية الأخرى وتوحيد الناس تحت القيادة السياسية- الدينية لشيوخ الطرق ، وطمعاً في شكل دولة يشاركون فيها كمنتمين للخط المذهبي ، خذوا بعين الاعتبار كمية أفكار "الخلافة" الموجودة في الموروث الفكري للصوفية الطرقية في مصر ، مضافاً إليها أوهام عن كون الشخصية المصرية - من وجهة نظرهم وما يُشَبَّه لهم - صوفية طرقية ، هراءات يسهل على أي شخص يمشي في أي شارع في مصر تفنيدها عندما يجد أغلبية كبيرة من الناس ، حتى لو كانت أغلبية حسابية Arithmetic Majority، مثل كاتب هذه السطور ، مسلمون سنة مستقلون.. وضع تحت كلمة مستقل ما شئت من خطوط يراها الكفيف في عز الظهر....

ولنعترف أن المؤسستين الدينيتين في مصر ، أزهر أو كنيسة ، قررا الدخول في اللعبة السياسية ، لا حباً في الليبرالية والديمقراطية والاعتدال وكل هذه السخافات ، ولكن من أجل المزيد من النفوذ ، الأزهر مثلاً بدأ يفكر مثل داخلية "زكي بدر" التي اعتبرت مكافحة الإرهاب في الثمانينيات مسوغاً لنيل مزيد من الامتيازات والعطايا ، الأمر الذي أدى لاحقاً لفساد كبير في الجهاز الشرطي عرفه الناس عن قرب في موقعة الشعب-الألفي بعدها بسنوات ، كل ما طرأ على المعادلة هو عملية تعويض ، الأزهر بدلاً من الداخلية ، ومكافحة التطرف بدلاً من مكافحة الإرهاب ، والامتيازات هي أن يكون للأزهر "بصمة" على ما هو أبعد حتى من التشريع ..

حتى أغلب أغلب أغلب الناشطين الليبراليين المسيحيين لم يتحدوا ضد الإسلاميين السياسييين حباً في ليبرالية الدولة أو في مواجهة مخاوف على مستقبل المسيحيين في مصر على خلفية صعود الإسلام السياسي ، بل من أجل مزيد من التديين ، والمزيد من السلطات السياسية لرجال الدين على المجتمع المسيحي في مصر..

لكل هذه الفئات جمهور ، وجمهور كبير ، مضافاً إليهم نسبة يمكن اعتبارها مؤثرة من غير المسيسين والممذهبين نشأوا على معتقدات معينة عن "دولة الخلافة" و "الدولة الدينية" و "لا إسلام بلا أزهر" أو ما يقابلها على الجانب المسيحي ، ومن شديدي التأثر برجال الدين (الذين أصبح لبعضهم مصالح) ، وإعلام رجال الأعمال (1) ، وبعض المستنشطين الذين لهم مصالح فكرية ما مع سيادة تيارات دينية على حساب أخرى لزوم المصلحة الفكرية (وغير الفكرية) ، احسبوها بالورقة والقلم ستجدوا أن ما يقرب من 90% من تعداد الشعب يريد أن يمتد التأثير الديني لأبعد مما هو ديني صرف واجتماعي وسلوكي إلى السياسة والاقتصاد..

قد يكون لذلك ما يبرره ، البعض يرى في تبعيته لأي مجموعة ، ولو كانت مذهبية أو دينية ، قوة وحمايةً له ، وفي زعيمها وقائدها فتوةً وحامياً للحمى ومخلصاً ، يرى أفضل من الجميع ، ديناً واقتصاداً واجتماعاً وسياسة ، والخير كل الخير في اتباعه والشر كل الشر في عدم اجتناب نواهيه ، ثقافة موجودة في المجتمع مثلها مثل ثقافة الصوبة الزجاجية ، وكلتاهما رسختها أفكار الزعامة الدينية ، وليس من العقل تجاهلهما أو الاعتقاد بأنه يمكن التخلص منهما في يوم وليلة ، بما أن هدف الثورة ، أو يفترض أنه كذلك ، هو بناء دولة وليس مزرعة خيار، أضف لذلك حقيقة كون نسبة كبيرة منا من "المحافظين" ، والمحافظ في مرتبة وسطى بين المتشدد والمنحل ، وحتى المتحرر في المجتمع بداخله محافظ ، جزء من سلوك المحافظ في مصر وغيرها تمسكه بقيم دينية واجتماعية ، ويؤمن أبناء الشريحة المحافظة الكبيرة في طول البلاد وعرضها (ومنهم كاتب هذه السطور) بأن في الدين حلولاً لمشاكل كثيرة في هذا المجتمع ، لكن يبقى الخلاف حتى داخل هذه الشريحة المحافظة عن ماهية تلك الحلول ، هل هي -كلها- موجودة صراحةً في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، أم في تفاسير وأفهام قديمة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (كما يرى المحافظون الميالون للسلفية) ، أم في تفاسير جديدة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (كما يرى بعض الإسلاميين)، أم في ترك القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لمساحة من الاجتهاد لا يمس بثوابت الدين (كما يرى بعض الليبراليين وليس كلهم)، أم الإجابة هي (أ ، ب ، ج) معاً (كما أرى ومعي كُثُر)..

توزعت تلك الشريحة المحافظة الكبيرة التي تشكل أغلب قوام المجتمع المصري ، مسلمه ومسيحيه على السواء، بفعل ما تقرأه في الكتب أو تشاهده في الميديا أو تسمعه من رجال الدين ، بدرجات متفاوتة ، وعليه توزعت أفكارها على أطراف المسطرة ما بين تحفظ واعتدال وتشدد وانحلال ، نعم تبقى في أغلبها متحيزة للطروح التي ذكرتها في الفقرات الأربع الأولى ، لكن منها نسبة تؤمن بأن الدين لا يجب أن يتم استبعاده بالكامل من الحياة ، وتؤمن أيضاً بأنه (=الدين) ترك مساحات لما هو دنيوي فيما لم ينزل به نص ، وللتعايش مع الآخر أياً كان دينه ، وللمشاركة في البناء الدنيوي للمجتمع بصفة المواطنة ، وبالحرية في اختيار ما يؤمن به المواطن سياسياً والتصويت له ودعمه دون انتظار لأمر من أحد افعل ولا تفعل ، تحترم رجل الدين شيخاً كان أو قسيساً لكنها لا تلزم نفسها به عندما يخرج الأمر إلى حيز السياسة.. تلك النسبة سالفة الذكر قد تكون كبيرة كعدد لكنها قد تكون أيضاً قليلة التأثير مقارنةً بالأغلبية..

أحترم بالتأكيد قرارات الأغلبية ، لكن المشكلة في القرارات نفسها ، فهي تشبه المتنافسين على الكرة داخل ملعب كرة القدم ، مع الفرق أنه في حالتنا هذه اللاعبون كثر والفرق كثيرة ، لن تنفع معها الكرة المزدوجة التي رسمها "بهجت عثمان" يوماً لكي يرتاح الفريقان من التنافس ، بل ينفع معها الاتفاق على كلمة سواء ، وقبلها عرض المطالب بشكل واضح ، ودون ممارسة لسياسة إخفاء الكروت التي صار الكثير يمارسونها ، خصوصاً ممن يحاول إقناعنا بأنه يريد دولة مدنية..

والله أعلى وأعلم..
(1) التجار دائماً دالة في السوق ، من رجال الأعمال من هم محافظون ومنهم أيضاً ، مثلهم مثل الفئات المذكورة في الفقرات الخمس الأولى من التدوينة ، منافقو ليبرالية بداخلهم أفكار الشريحة المتشددة ، بل والمتشددة جداً ، من القسم المحافظ داخل المجتمع ..ربما أتناول تلك الفكرة باستفاضة أكثر في وقت لاحق بإذن الله..

No comments: