Saturday, March 31, 2012

بدون زعل : في دستور الأزهر ، والكنيسة

من حق من يشك أن يشك ، ومن حق من يقلق أن "يتوغوش" : المؤسستان الدينيتان الرئيستان في المجتمع ، ومعهما التجمعات الدينية المذهبية المنظمة ، تحولت فجأة من "بالروح بالدم نفديك يا زعيم" إلى كيانات ثورية ، ومن البعد حتى عن ممارسة الدور الديني إلى "الفتح على الرابع" في مسائل السياسة.. الذين شاركوا من على منابرهم هنا أو هناك على استحياء في الثورة ، وبعد تأكدهم من قرب الانتصار ، هم الآن من يريد أن يسهم في تشكيل الواقع الجديد ، من فقد مصداقيته - وأعني الأزهر - لارتباطه في السياسة أبى إلا أن يعاود البلبطة في مستنقعها..والذين كانوا لا يؤدون عملهم الأساسي قرروا تجربة أنفسهم في عمل آخر لا يتناسب مع وظيفتهم الأصلية في المجتمع..

الأزهر - مثلاً - قدم وثيقة ، أرادها أصحابها أن تكون "استرشادية" في عمل الدستور ، ثم عاد كالعادة لينفي أنه يمارس السياسة ، على طريقة "نحن لا نفتح الرسائل" ، ليفاجئنا بعدها بأنه يقف "على مسافة واحدة" من جميع المرشحين للرئاسة ، أمر يدل على أنه كانت هناك شكوك لدى المجتمع المصري أو بعضه تجاه الأزهر في تلك المسألة ، لنفاجأ بالأزهر ينسحب من تأسيسية الدستور لا لشيء إلا "لضعف تمثيله" في اللجنة.. أي أنه لو كان ممثلاً بعدد "أكبر" من الشيوخ والعلماء لبقي فيها.. وتذكروا.. نحن لا نمارس السياسة!

أما المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية فأصدر تصريحاً لا يقل غرابة عن التصريح الأزهري ، قائلاً فيه أن "الأقباط أعضاء اللجنة يمثلون أحزابهم، ولايمثلون كنائسهم"! أي أن المسألة ليست تهميش الأقباط الذين من حقهم أن يشاركوا كأفراد ومواطنين في وضع الدستور المصري من خلال الأحزاب السياسية مثلهم مثل غيرهم من المواطنين ، بل تهميش المؤسسات الدينية المسيحية من وجهة نظر المتحدث الصحفي ، الأمر الذي يعني ، لو استخدمنا نفس المنطق ، أن المسلمين المشاركين في اللجنة يمثلون أحزابهم ولا يمثلون الأزهر!

ماشي..

1-لماذا يريد الأزهر ، والكنيسة ، والطرق (باعتبارها نموذجاً للمجموعة الدينية المذهبية المنظمة)(1) المشاركة في عمل الدستور؟ ما هو الفرق بين دستور تشارك فيه تلك الجهات ودستور لا تشارك فيه؟ هل مشاركة الأزهر هي ضمانة للمادة الثانية؟ هل مشاركة الكنائس هي ضمانة لحقوق المسيحيين في الاحتكام إلى شرائعهم في مسائل الأحوال الشخصية والمواريث؟ أليس الدستور كما يقول كل من يريد التدخل فيه لمصلحته الضيقة هو "العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن" بغير ذلك اسم المواطن ولا بلد المواطن ولا الاتجاه السياسي للمواطن ولا الانتماء الديني والمذهبي للمواطن؟

2-ما الذي يمكن لتلك الجهات أن تقدمه داخل الدستور بعيداً عن المسائل الدينية ، بما أنها إن شاركت فيه ستشارك في المسألة كلها "لوكشة واحدة" ، ما يخص الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تتخصص فيها في الأغلب الأرجح؟ لطالما كان في الحالة الأزهرية ما يمكن اعتباره "ترويجاً" لنوع من التدين ينعزل بعض الشيء الكثير عن الحياة وشئونها ، التي من المفترض أن يخدمها الدستور ، وبالتالي ليس للأزهر كمنظمة أي خبرة تذكر في إدارة ما هو خارج المعاهد ومستشفيات الجامعة ، لأنه بلا صلة تربطه أو تربط مؤسساته بالمجتمع المحيط (حتى على العكس من بعض الجامعات في مصر) ، أما بالنسبة للكنيسة فلا يختلف الحال كثيراً ، إذ أنه حتى عملها في المجال الخدمي قد لا يكفي وحده لتواجد خبرة كافية للمشاركة في عملية فنية كصياغة دستور.. وحتى خبرات المؤسسة الدينية المسيحية لا تزال قاصرة على دائرة شئون أتباعها فقط دون أن تضع نفسها ، وأن يضع كل المشاركون الآخرين من جهات وأفراد أنفسهم بالطبع ، مكان أي مواطن في مصر أياً كان دينه (2)، بما أن الدستور يحدد أساسيات علاقة الفرد بالدولة أكثر من خدمات من الممكن أن تؤديها الدولة.. تذكروا أنه من أكبر ما وجه للجنة صياغة الدستور من انتقادات كان ما يتعلق منها بوجود "كفاءات".. هل المؤسستين الدينيتين الحاليتين ، اللتان لا تقومان بعملهما الديني الأصلي في المجتمع كما يجب ، كفاءة للمشاركة في وضع دستور؟ أم أن مدنية الدولة لدى "البعض" "أوبشن" يتم تفعيله في حالات معينة وتعطيله عند اللزوم؟

3-ألا يمكن أن تنطبق نفس الانتقادات التي توجه للأحزاب الدينية على تلك المؤسسات ولو بنسبة كبيرة؟ "انتو بتوع دين ولا بتوع سياسة" ، "تعرفوا إيه عن المواطنين اللي عايشين في العشوائيات والأماكن الفقيرة" ، "انتو ما عندكمش خبرة الحياة العامة وثقافة الدولة" ....الخ..

4-ألم يفكر الأزهر تحديداً في أن ما اكتسبه من مصداقية على مر تاريخه اكتسبها من عمله التربوي داخل المجتمع وما قام به للحفاظ على الثقافة المصرية العربية من تيارات التغريب والدونية ، وأنه عندما قدم خدمات للنظم السابقة فقد شعبيته لحساب السلفيين الذين يصرخ منهم الآن؟ ألم تضر تفاهمات الكنيسة مع الساسة قبل وبعد الثورة بمصداقيتها ولو لدى شريحة شابة من المسيحيين؟

5- ما الذي سيضمن أن تكون تلك هي المشاركة السياسية الأخيرة للجهات الدينية؟ أليس من المحتمل أن يكون حوار الدستور مقدمة لسلسلة من العبث السياسي فيما بعد؟ كوت وحصص وتقسيمات وخلافه؟

دخول الأزهر والكنيسة والطرق ، وكذا دخول أي فئة بصفتها الدينية للعمل السياسي هو نوع من أنواع الانتحار السياسي ، فمصداقية كل هؤلاء وغيرهم أصبحت بهذه الطريقة على المحك ، ومواقفهم ستصير كما الحالة في لبنان نهباً لأي ريح سياسية تهب هنا أو نوة هناك ، وبالتالي سيزيد الشرخ بينهم وبين الناس مع مرور الوقت ، ثم يتحول ذلك "الفَصَلان" إلى عداء ، سيدفعون ثمنه غالياً أكثر مما سيدفعه المجتمع بأكمله..

الدين كله لله ، والوطن للجميع ، والتخصص لأهل التخصص ، ألا هل قد بلغت ، اللهم فاشهد..
* (1) ... لأن السلفيين في مصر على الأقل ليست لديهم جماعات منظمة لها قيادة وتنظيم إداري ، ولأن الحالة السلفية في مصر "مزاج سلفي" كما وصفه الباحث الراحل "حسام تمام"..
(2)...وعندما يصعد أي تيار متشدد داخل أي مؤسسة دينية رسمية ، أو حتى غير رسمية ، يختفي ذلك البُعْد تماماً..

No comments: