Sunday, January 15, 2012

حالياً : لا يوجد مرشح إسلامي يصلح لرئاسة مصر.. أكذب؟

قبل أن تندفع ، وقبل أن تهاجم ، وقبل أن تشتم ، فكر معي جيداً واعرض كلامي على العقل ، إن أعجبك كان بها ، وإن لم يعجبك أيضاً كان بها ، لا أفرض رأياً على أحد ، وما أكتبه هو قناعتي الخاصة جداً والشخصية جداً جداً جداً..

1-لنعترف ، وهذا هو الشيء الوحيد الذي أطلب منك ، ومني ، أن نتعايش معه هو أن جميع المرشحين المطروحين للرئاسة حالياً ، بمن فيهم "البرادعي" المنسحب "تكتيكياً" عليهم في الشارع علامات استفهام كبيرة جداً ، ولا يحظى هؤلاء ، بنسب متفاوتة ، بدعم شعبي كبير ، كل حسب انتماؤه السياسي ، وخطابه ، وتياره ، بالتأكيد لكل مريديه ، الذين يشتطون في أحيان كثيرة في تقدير مزاياه (وعيوب منافسيه طبعاً) والذين يرون فيه كل الصور المثالية الملتصقة بصورة الحاكم العادل والمخلص المنتظر (سواء كانت تلك الصور مبنية على أساس ديني أم أساس قومي أم أساس تاريخي) ، وكوجه مقابل يوجد أيضاً من لا يرون في هؤلاء أياً من تلك المميزات والخصائص ، وتوجد شريحة -كبيرة- تشعر باللامبالاة تجاه هؤلاء أجمعين، وبرامجهم ، وفي رأيي المتواضع هذه ليست مسئولية تلك الشريحة من الشارع المصري ، قدر ما هي مسئولية هؤلاء المرشحين ، لا أستثني أحداً ، الذين يتعاملون مع الشارع بطريقة تخلط ما بين "الثورنة" - عاملين فيها ثورجية - والتناكة!

2-تذكرت "رستم" في مسرحية "الزعيم" عندما يرد على "زينهم" الكومبارس الذي سأله بكل براءة وسذاجة أن يعطيه عشرة جنيهات كشرط لتوليه رئاسة البلد ، قائلاً له "انت مش حتطلب حاجة من حد.. النااااااس هية اللي حتطلب منك".. هذا بالفعل ما سيحدث مع الرئيس القادم أياً كان انتماؤه وخطه السياسي والاقتصادي ، ولكي يكون هذا الشخص جديراً بأن تطلب الناس منه ما تريد وبقلب من حديد ، يجب عليه أن يكون قوي الشخصية ومستقلاً في تفكيره عن كافة الضغوط ، ليحقق شكلاً من أشكال العدالة يكون مقبولاً لدى السواد الأعظم من الشارع (مع التسليم- أيضاً- بأنه لن يحكم البلد بمفرده ، إلا إذا كان لقلاضيش المرشح رأي آخر حين وضع الدستور)..

والمرشحان الإسلاميان المطروحان حالياً بالتحديد، "أبو الفتوح" و "صلاح أبو إسماعيل" (وخلي "العوا على جنب لإن فرصه نظرياً شبه منعدمة وقد ينسحب) لديهما أشهر عيب متواجد لدى المنتمين للتيارات الدينية ، خاصةً المنظمة منها ، عدم استقلالية التفكير .. فأبناء التيارات وحركات الإسلام السياسي المنظمة ، و/أو أبناء التيارات المذهبية المنظمة (كالصوفية الطرقية في مصر) و/أو حتى أبناء بعض المدارس السلفية المصرية في شكلها الحالي يجمعهم قاسم مشترك ، وهو الالتزام والتبعية لقائد معين داخل تلك الحركات والطرق والجماعات ، قد يكون هو مرشد الجماعة أو شيخ الطريقة أو حتى عالم نافذ أو مرجعية داخل تلك المدرسة السلفية ، ذلك الالتزام وتلك التبعية لا تقتصر فقط على شخص القائد بل على أفكاره وخطه وثقافة المكان الذي ينتمي إليه ، بكل ما قد تحتويه تلك الثقافة من تضارب مع آراء وأفكار ومعتقدات شرائح كبيرة من الشعب ، الأمر الذي إن رسخ لديهم شيء فيرسخ بشكل قاطع بأن هذا الشخص الواقف على قمة السلطة هو موظف عند قائده لا عند الشعب (1)(2)..

نعم خرج "حازم" و "أبو الفتوح" من "الإخوان" ، لكن لا يزالان متأثرين بفكرة السمع والطاعة التي سادت (وتسود) الجماعة (3)، واحتفظا بجزء كبير من هذا الميراث الفكري القائم على أحادية وجهة النظر وعدم الاستماع للآخر أو التحاور معه حتى وإن حاولوا إبداء العكس ، لا أعرف طبيعة خلاف "أبو إسماعيل" مع الإخوان (4)، لكن خلاف "أبو الفتوح" كان سياسياً نفعياً بامتياز ، لا على أفكار ولا على مبادئ ولا على أي شيء في تلك السكة، لأنه رأى في نفسه المرشح الأمثل لتمثيل الجماعة فكرياً وسياسياً ، في الوقت الذي ترى فيه الجماعة أنه لا يجب أن يمثلها مرشح رئاسي في الوقت الراهن ، وهنا بدأ الخلاف ، وترك الجماعة أو فصل هو منها أياً كان ، لكن شعاره الجديد هو "ومن النهاردة مفيش مرشد .. أنا المرشد .. أنا المرشد .. أنا المرشد".. هكذا يعتبره بعض شباب الإخوان "مرشد الشباب" خلافاً لقيادات الجماعة الأكبر سناً.. (5)..

3-فكرة الاحتفاظ بالإرث مشكلة ، والإرث نفسه هو الآخر مشكلة ، تخيل أن مرشحاً ما ينتمي لتيار سياسي ديني أو مذهبي يرى أن الديمقراطية رجس من عمل الشيطان (6) ويترشح في نظام سياسي ديمقراطي ، أو محمل بأفكار تؤمن بضرورة عودة دولة الخلافة ، مع الاختلاف الرهيب في الظروف ما بين وقتئذ واليوم ، ثم يتحدث عن دولة عصرية ، بل يعتبر بعض أنصار مدنية الدولة أن ما يطرحه بعض المرشحين الإسلاميين عن مدنية الدولة وخلافه نوع من أنواع "التقية" السياسية لازمة لأجل صنع الصورة البراقة وتهدئة المخاوف..

4-صحيح أن التيارات الدينية بكل أشكالها كانت على "مسافات متفاوتة" من النظام المباركي ، منها ما عاداه كالإخوان (لكن تجربة الإخوان الكبيرة مع الحصار ومواجهة النظم السياسية المتعاقبة جعلتهم أقوى) ، ومنها ما تحالف معه (كالصوفيين) ومنها ما حاول استخدامه لضرب الإخوان (بعض فصائل السلفيين) (7)لكن تبقى هناك علامات استفهام ليس فقط عن موقف هؤلاء من الثورة بل ومن المباركية أيضاً .. لم يكن لأي تيار كان دور حقيقي في مواجهة الفساد الذي استشرى سواء كان صناعه من كانوا وراء "المخليوع" وابنه ، بل أيضاً خصومهم من تيار المال السياسي ، طبعاً الحجج جاهزة بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي عموماً سواء ما يتعلق منها بالضربات الأمنية أو بالحسابات السياسية ، لكن ذلك لم يمنع من اتخاذ موقف أي موقف في مواجهة الفساد بكل أشكاله (8)، ونفس الشيء بالنسبة للتيار السلفي ، الذي تغيرت وجهة نظره مثل الصوفيين تماماً تجاه السياسة ، أما الصوفيين ، والمؤسسة الأزهرية ففعلوا ما هو أسوأ بارتمائهم في أحضان تيار المال السياسي خشية من السلفيين والإخوان ، دون اكتراث لحجم فساد المال السياسي الذي كان دافعاً قوياً للثورة (في الوقت الذي يزعم أنه أقوى داعم لها) .. أمر يضيف إلى العقبات التي ستقف وبقوة في وجه أي مرشح "إسلامي" للرئاسة ، أياً كان انتماؤه ، بل وستضعه في مواقف حرجة خصوصاً أن الثورة لم تقض على فساد المال السياسي بعد ، وستكون فرصة هذا الأخير أكبر في العربدة والفساد مما ذي قبل ، فساد قد يثير احتقاناً اجتماعياً يقتضي مواقف جادة منها لم يرها من الإسلاميين ولا من غيرهم ..

5-أضف لذلك كله ما سبق تناوله عند الحديث عن الإسلاميين عموماً وتجربتهم السياسية ، وافتقادهم الكامل إلى الآن لحلول واضحة وعملية لمشاكل المجتمع بشكل عام ، على الرغم من أن من هؤلاء أكاديميين وأساتذة جامعات ، لكن من الواضح أن علاقة خطاب جماعات الإسلام السياسي عموماً ، والتيارات المذهبية ما بين سلفيها وصوفيها إلى الآن لم تضع الدنيا بما يكفي في حساباتها ، نعم لعب التواجد في الشارع دوراً لصالح التيارات الدينية خلال الانتخابات ، لكن الأمر سيختلف بالنسبة لرئيس الجمهورية الذي تنتظره مهام أصعب هو وفريق عمله ..والتخوف من هذه النقطة يزداد في وقت لا توجد فيه داخل تلك التيارات جميعاً أي محاولة للمراجعة وتصحيح المسار حتى على المستوى العملي في مرحلة رأت أنه عليها فيه الدخول لاستحقاق آخر يختلف عما كان عليه الحال إبان النظام المباركي ، بل عن نفسي أرى أن المرشحين "المنقلبين" الذين يقولون أنهم مستقلون ومنفصلون عن أفكار تلك التيارات ليسوا ميالين إلى أي مراجعة أو تحديث حتى وإن قالت ألسنتهم العكس استجداءاً للآهات والتهليلات من قبل هذا أو ذاك..

عدم استقلالية الفكر ، عدم وجود نية للثورة على الذات والأفكار ، عدم وجود نظرة واضحة للأمس (ما قبل الثورة) ولا للغد (ما بعد الثورة) كلها عوامل تجعل من الصعب ، ومن الصعب جداً قبول أي رئيس ذي خلفية إسلامية أو له علاقة حتى بالمؤسسة الدينية ، بعد فترة من الوصول للمنصب تظهر الحقيقة مع بداية ضعف واضمحلال تأثير الدعاية والهالة المحيطة بـ"أبو إسماعيل" و"أبو الفتوح" وغيرهم.. علاج المشاكل يأتي من الداخل ، ومن العمق ، وليس بالكلام المعسول و"المتزوق" وتسول تعاطف من كانوا في "ميدان التحرير" أو خارجه.. عذراً للإطالة..
حواشي:(1)والأمر فقط لا يقتصر على رئاسة الدولة فقط لأنه حتى بدأ يترسخ إحساس لدى بعض الناس أن شيخ الأزهر الحالي وبعض السابقين كانوا أقرب للموظفين لدى مشيخة الطرق منهم لدى الأزهر!
(2) البعض في تونس يرى أن "حماد لجبالي" - أتمنى أكون كتبت الاسم صح- هو مجرد مندوب لـ"راشد الغنوشي" في الحكومة التونسية المؤقتة ، والتي قد تكون دائمة في حين أفرزت الانتخابات التونسية القادمة نفس النتائج..
(3)الأحزاب السياسية المدنية في مصر أصبحت أحزاب سمع وطاعة ، التجمع مثلاً!
(4)...والذي تعمق مع إحساسه بأنه يقود فصيلاً كبيراً يراه الأحق بتمثيل الإسلاميين سياسياً ، وبالتالي فإن شعوره هو نفس شعور أي كيان يكبر بتحفز الكيان الكبير الموجود أصلاً ضده
(5)..وحوَّل قرار فصل "أبو الفتوح" من الجماعة الرجل إلى رمز سياسي للاعتدال والحرية والثورة والمش عارف إيه ، تغيير 180 درجة إذ فجأة .. بل وبدأت حملة تحسين صورة وتلميع له في وسائل إعلام المال السياسي بشكل أراه الأغبى والأكثر حماقة في تاريخ هذه النوعية من العمليات..
(6)قرأت قبل قليل منشوراً معلقاً على جدار خارجي لمدرسة بنفس المعنى..
(7)بل والمؤسسة الأزهرية أيضاً لم يكن لها أي موقف في هذا الاتجاه ، أؤجل طرح تلك النقطة تحديداً لتدوينة قادمة قد تكون بإذن الله التدوينة القادمة..
(8)ولم يحدث ذلك لا على مستوى القمة ولا على مستوى القاع ، حتى "أبو الفتوح" وباقي المنشقين سياسياً على الجماعة لأنهم رأوا أن مكتب الإرشاد - م الآخر- يعرقل طموحهم السياسي ولا يسمح لهم بالنمو والوصول لمناصب أعلى لا داخل الجماعة ولا خارجها.. وفي رأيي هذا النوع من الخلافات لا يمثل مشكلة في ذاته ، لكنه مصيبة عندما يحاول أصحابه إلباسه أثواباً أخلاقية أكبر بكثير ، بل إن تصريح "أبو الفتوح" الأخير عن "الالتزام الأخلاقي والالتزام السياسي" جاء مضحكاً وضاراً جداً بصاحبه..

No comments: