Monday, October 31, 2011

التنظير لتسييس دور العبادة ..على طريقة فيلم "العار"

لو حلال .. أدينا بنشربه.. لو حرام .. أدينا بنحرقه- جملة في فيلم "العار"

كنت فكرت بجدية في تجنب الكتابة عن السياسة على مدى الشهر القادم ، بما أن السياسة - في رأيي - لعبة مقرفة والكلام عنها مقرف أكثر وأكثر ، وكنت بصدد إعداد ملف كامل يتضمن علاقة الفنون بالدين مرة أخرى ، ومنه ملف فرعي صغير عن "سينما الدين والمتدينين" كنت سأتناول فيه من قريب فيلمي "العار" و "بحب السيما".. إلا أن..

إلا أني قبل ساعات شاهدت جزءاً من فيلم "العار" الذي لا أمل مشاهدته بما يحويه من جدل فكري وأخلاقي لم يوقفه الزمن الطويل الذي مر منذ عرض لأول مرة ، ذلك الجزء الذي لم يعدم فيه أبناء "الحاج" حيلة في تبرير تحولهم الأخلاقي باسم الدين ، من رفض تجارة المخدرات "الحرام" إلى استحلالها لأنفسهم.. خاصةً مشهد "شكري" (=لعبه "حسين فهمي") وهو يشرح لـ"عادل" (=لعبه "محمود عبد العزيز") كيف أن أموال "تجارة المخدرات" حرام بالنسبة لشقيقهم الأكبر تاجر الصنف "كمال" (=لعبه "نور الشريف").. حلال زلال له ولشقيقه الآخر بما أنهما لا يعرفان أن شقيقهما الثالث تاجر مخدرات!

لمن يرى أن ذلك كلام أفلام ، تحكمه المبالغات "المقبولة" في عالم الفن ، أعرض عليه مثالاً واحداً قرأته قبل ساعات قليلة جداً ، هذا المقال الذي قرأته قبل قليل .. والذي لا يقدم فقط تبريراً لاستخدام دور العبادة في الأغراض السياسية ، بل تكاد تسمع عبارات "حسين فهمي" في الفيلم سالف البيان وأنت تقرأه ..

عبارات الحلال والحرام الجميلة ذات المردود الديني والأخلاقي تتذكرها ، نفس الآيات القرآنية التي سمعناها في هذا الجزء من الفيلم لتبرير تجارة المخدرات تتذكرها عندما تقرأ افتتاحية المقال :

لطالما نادت أصوات -من مختلف التيارات السياسية- بمنع استخدام دور العبادة في الدعاية السياسية، والسبب منطقي؛ فالمسجد ملك لكل المسلمين، والكنيسة ملك لكل المسيحيين، على تنوع واختلاف الاتجاهات السياسية لهؤلاء وهؤلاء، فلا يحق لفئة منهم أن تستفيد من "قوة الكلمة" التي تقال من فوق المنبر، أو من على منصة الوعظ لصالح حزبها أو فصيلها السياسي، على حساب منافسيها.

كلام زي العسل .. كلام جميل .. وكلام معقول .. ماقدرش أقول حاجة عنه .. إلى أن تقرأ:

ولكن ثمة تفرقة لا بد منها بين "ممارسة دار العبادة للدعاية السياسية" و"ممارسة دار العبادة للسياسة بشكل عام"، فإن كان النشاط الأول مرفوضا للسبب سالف الذكر، فإن النشاط الآخر -في رأيي- لا ضرر منه.

وهنا .. يتوقف الكاتب لوضع ملعقة عسل صغييييييييرة أخرى..

فهناك فارق يجب أن ننتبه إليه بين "ممارسة الدعاية" و"ممارسة النشاط السياسي"؛ فالأمر الأول يعني أن هذا المسجد أو تلك الكنيسة قد انحازا لجانب فئة بالذات من أهل المجتمع، عندئذ فقد انتفت صفة "الملكية العامة" من أهل الدين لدار عبادتهم، وأصبحت دار العبادة تابعة للفئة/ الشخص محلّ الدعاية، فضلاً عن أن إضفاء غطاء ديني على تيار أو شخص سياسي يعطي أفعاله ومواقفه نوعًا من "الحصانة" ويلغي حكمة "الاختيار" الشعبي، مما يعني بالتالي انتقاص حرية صاحب الصوت في استخدام وتوظيف صوته وفق قناعاته الشخصية.

ليبرر به كيلو السم الذي سيضعه :

أما ممارسة النشاط السياسي فهي مسألة تعني أن تقوم دار العبادة بدور سياسي عام محايد لا ينحاز لتيار أو شخص بعينه، بل يتعامل مع أهل المسجد أو رعية الكنيسة بشكل عام، يراعي الإجماع الوطني على هذه القضية أو تلك، كأن يقوم المسجد مثلاً بتوعية حضور الخطبة بضرورة إلغاء المحاكمات الاستثنائية للمدنيين، أو أن تنادي الكنيسة في رعيّتها بضرورة التمسك بمطلب إلغاء الطوارئ... إلخ.

ثقافة النقاق والتزييف هي في الأساس ثقافة مزايدة ، حاول منافقو العقيدة خداع الرسول (ص) كما بين القرآن الكريم بالإلحاح على إظهار أنفسهم بأنهم "مؤمنين" يشهدون بأن الرسول (ص) رسول من عند الله ، ليرد الخالق سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات بأنه لا جديد فيما يقولونه الذي ليس إلا محاولة للتغطية على غشهم ونفاقهم..

نفس الأمر مع الفارق ينطبق مع قضايا إلغاء المحاكمات الاستثنائية أو إلغاء الطوارئ أو تلك القضايا التي هي قضايا أغلبية وطنية إن لم تكن قضايا إجماع وطني بالفعل ، نحن نعرف أن المحاكمات العسكرية للمدنيين (في أي عصر) مرفوضة ، وأن قانون الطوارئ مرفوض (برضه في أي عصر) فلماذا المزايدة وحشر دور العبادة فيها ، وهناك وسائل إعلام صارت أقوى تأثيراً وألحن حجة بعد انحسار الدور الديني والأخلاقي لمؤسستي الجامع والكنيسة ، أم أن الكاتب لم يدرك ذلك الانحسار الذي يراه الكفيف بوضوح في عز الظهر؟


لم يكتفي الكاتب الفاضل باعتبار انحسار الدور الديني والأخلاقي ، (الذي تدهور إلى حد التحريض الطائفي في بعض الحالات ، بكل أسف) أمراً من أمور الخيال العلمي (هكذا يظهر في المقال) ولكنه يصر بالتبرير قياساً على أمثلة استثنائية في ظروف استثنائية ، أما مثال الثورة فعليه ألف علامة استفهام وتعجب ، بما أن المؤسستين الدينيتين الكبيرتين (الأزهر والكنيسة) تبنتا موقفا غامضاً من ثورة 25 يناير.. ودور العبادة تتبع المؤسستين بطريقة أو بأخرى إلا إذا تحدثنا عن المساجد الأهلية غير الأوقافية مثلاً ، ومعظمها يتبع تيارات مذهبية كان لها نفس الموقف الغامض من الثورة ، وبعضها يتبع بعض جماعات الإسلام السياسي وأشهرها "الإخوان".. الذين كان لهم موقف ضد النظام الذي ضيق عليهم ووضع قياداتهم في السجون وحاكم بعضهم عسكرياً أكثر مما هو ضد "المباركية" الذي يفترض أن الثورة قامت لإسقاطها ..

بل أبى إلا أن يرصع المقال بفقرة لا تقل في قوة إضحاكها عن بعض إفيهات أفلام "محمد سعد" :

ربما يخشى البعض المناداة أو القبول بممارسة دار العبادة هذا الدور؛ خشية أن تتجاوزه لتقع في خطأ الدعاية السياسية، ولكن متى كان الخوف مبررًا لعدم التجربة؟ ثم إن خوفًا كهذا ينطلق من فكرة غير مقبولة ومهينة للشعب المصري تتهمه دومًا بانعدام الكفاءة العقلية وانعدام الوعي وتلقائية الوقوع في الخطأ، واعتبار أن سوء تفاعل المصريين مع الحرية السياسية هو الأصل أما إجادتهم ذلك فهو الاستثناء، وهذا افتراض ظالم ومرفوض وشديد الغرور والتعالي..ما المشكلة في أن يجرب المصريون استعادة جزء من قوتهم الشعبية ما دام أفادهم وأضاف لتاريخهم؟ وعلام الخشية من الخطأ إذا كان الإنسان لا يتعلم -عادة- إلا بالتجربة والخطأ ثم التجربة والإصابة؟(1)

آه انت كنبة ووحش ونهيتك ما انتهيت ..الخ .. بس انت حلو وزي الفل وعاقل وتقدر تميز يا حبيبي .. ليه ما تعملهاش؟

هل يعلم ما يعلمه كثير من عامة الناس ، وليس الساسة ولا المثقفين فقط ، أن حالة الاستقطاب السياسي امتدت للمنابر ، وبعد أن كان لدينا خطباء "حزبوطني" و خطباء "إخوان" و خطباء "سلفيين" و خطباء "طرق" أصبح هناك لحركات وائتلافات وأحزاب خطباء محسوبين عليهم ، وهناك خطباء بعضهم مرشح لمجلس الشعب؟ وبالنسبة لكل من تلك التيارات هناك قضايا يراها (="التيار") قضايا "إجماع وطني" - بما أن كل التيارات في مصر تمارس الإقصاء ضد كل مختلف عنها ، قول إني غلطان- وبالتالي لا تتورع عن استخدام كل الوسائل ، باسم الدين ، وباسم الوطن ، للدعاية لها ، وبالنسبة لأتباع تلك التيارات ، هذه القضايا قضايا إجماع وطني ، وإن لم يتكلم فيها ذلك الشخص الظريف المحترم الواقف على المنبر فستطلق عليه سلسلة من الأوصاف تتدرج من حيث الأدب من "شيخ السلطة" ، إلى "دة شيخ الجماعة الفلانية" ، إلى "دة بيجامل الائتلاف الفلاني" ، إلى "دة بيـ *** للائتلاف العلاني" ، إلى الألفاظ البسيطة والمركبة إياها ، إلى توجيه دفة الهجوم بالأوصاف المنتشرة للأب والأم..

في ظل التعصب والتخوين بل والتكفير يصعب الكلام عن احترام حرية الآخرين ، في أي مجتمع كان ، مهما بلغت درجة ثقافته ، ومهما بلغت درجة وعيه .. بل كلما زاد التعصب كلما انعدم الفرق بين الاستخدام السياسي "الحلو" للمنابر ودور العبادة وبين الاستخدام السياسي "الوحش" ..

الأمر لا يحتمل الآن محاولة وخطأ ، من يحوم حول المحارم يوشك أن يقع فيها ، والمثل المصري يقول : "أول الرقص حنجلة".. والتجارة التي بررت في الفيلم بإنها تجارة "أعشاب" ارتكب باسمها أكثر من جريمة..

ختاماً.. من حق كاتب المقال ، ومن حقك بالطبع ، رفض كل ما قلته جملةً وتفصيلاً واعتباره كلاماً فارغاً ، ومن حقي أن أرفض ما قاله كاتب المقال ، وأرفض أسلوبه ومنطقه جملةً وتفصيلاً واعتباره أيضاً كلاماً فارغاً.. وقد ذكرت هنا أسانيداً وحيثيات قابلة تماماً للنقاش.. ومع اقتناعي بأن الخلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية ، إلا أن الأسلوب الذي يتم تمرير بعض الآراء به ، والمنطق الذي تُجَزأ به المبادئ تجزيئاً ، يذكرني بأنه حتى مع "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" تبقى لكل قاعدة شواذاً.. عذراً للإطالة وحدة اللغة..
(1)باعتقادي أن بعض ممن قرأوا المقال سيقولون أن التيار الذي ينتمي إليه كاتبه سيقولون ، ولديهم بعض الحق ، أن التيار الذي ينتمي إليه الكاتب هو من اتهم المصريين بسوء التفاعل مع الحرية ووضع معظمهم في خانة "حزب الكنبة" ، ولا أستطيع أن أقول "كل الحق" لأني لا أعرف على وجه الدقة انتماء كاتب المقال ، وهو حقه وهو حر فيه ولا أبخسه عليه

1 comment:

ensana said...

شكراً للقلم الجاف كاتب هذه السطور وشكراً لطرحك الموضوع ولطريقة طرحه ...