Sunday, October 30, 2011

السؤال الثالث : وما هو دور الأزهر أصلاً؟

من المستفز جداً أن تجد عبارة ما ، يتم تداولها على لسان عدد كبير جداً من الناس ، ويتم اعتمادها بينهم كحقيقة صارخة ، في حين أن نسبةً منهم ، كما يظهر لي على الأقل ، لم تكلف خاطرها بالتفكير فيها أو محاولة فهمها.. ويشمل الكلام طبعاً الميديا التي تعشق ترديد مثل تلك النوعية من العبارات "اللي بتاكل مع الناس" وذات المردود "العاطفي" عاطفياً .. وعليه .. فمن حقي ، كواحد من آحاد الناس ، أن أتساءل ، ولو على سبيل الغلاسة الفكرية ، عن معنى تلك العبارة ، ربما أفهم وأنضم إلى طابور الفاهمين المرددين ..

هذه العبارة هي "دور الأزهر" أو "استعادة الأزهر لدوره" أو..أو..أو....


طبعاً "ما يروحش مخك لبعيد" وتتصور أن "الدور" المقصود هو الدور التثقيفي "التنويري" الذي "يلعبه الأزهر" من أجل "نشر الإسلام الوسطي" و..إلى آخر ما يعتقده "الشذج" من أمثال كاتب هذه السطور.. لأنه لو كان ذلك هو الدور المقصود للعبه الأزهر منذ فترة طويلة ، لكنه لم يفعل ، ولا يوجد أسهل لدى ثقافتنا ، بكل أسف ، من إلقاء المبررات بجميع أنواعها عندما يخطئ أي شخص .. "الأزهر مش مستقل" ، "كان تابع للحكومة" ، "إيد الأزهر مغلولة" .. وربما نصل في نهاية الأمر إلى سلسلة المبررات الشهيرة من عينة الشمس والزلزال وأسود ملك الحبشة..

وكأي شخص لا يجد "في وشه" إجابة واضحة ، من حقه أن يشتبه فيما يمكن أن يكون أقرب شيء إليها ، ومن الواضح ، والله أعلم ، أن المقصود هو "الدور السياسي للأزهر".. نقطة ومن أول السطر..

لنعترف أنه على مدى سنوات طويلة جداً ، تم تلقيننا عدد من الأشياء المسلية واللذيذة والظريفة جداً ، إما على المنابر أو من خلال البرامج التليفزيونية (باعتبار أن التليفزيون يبقى أكثر وسائل الإعلام تأثيراً فينا ، فنحن شعب تليفزيوني مع مرتبة الشرف) ، منها مثلاً وجوب وحدة أهلة الشهور الهجرية في جميع أنحاء العالم رغم انتشار المسلمين في مساحات شاسعة جداً منه كرمز لـ"وحدة المسلمين" (إيه علاقة دة بدة مش عارف) ، ومنها أن للأزهر دوراً (سياسياً) عليه أن يلعبه ، مستشهدين بأمثلة من فترات زمنية كان لها ظروف هي أبعد عن الواقع الحالي بعد "نيودلهي" عن "سان فرانسيسكو" ..

المطلوب من وجهة نظر أنصار تسييس الأزهر أن يبقى مؤسسة سياسية ، مثله مثل المؤسسات الأخرى في الدولة ، إن لم يكن سلطة أخرى تضاف إلى السلطات "اللي نازلة لأي دولة" : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، لتصبح المؤسسة الرابعة أو السلطة الرابعة : الدينية.. مؤسسة هدفها "قيادة المسلمين" بالمعنى المستصوف ، قيادة دينية ودنيوية ، نفس ثقافة المرجعية العفنة التي ظهرت على فترات منها إبان ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" في "إيران" ومنها بعد غزو "العراق" في 2003 .. يفتي شيخ الأزهر فنسير كلنا كالقطيع وراءه ، يأمرنا بالتصويت فننزل جمييييييييعاً إلى صناديق الانتخابات (حتى وإن كنا غير مقتنعين بالأفاضل المرشحين ، ما هو العيب فينا ، حزب كنبة ابن (.....))، أي إلى صورة من المرجعيات الدينية التي تشترك في تمزيق الدين والوطن معاً .. وما "لبنان" عنا ببعيد..

وبالتالي مادام الأزهر ، صاحب الدور ، وما تنسوش : المرجعية ، له قيادة ، ويقود الناس ، يسهل على تلك القيادة أن تكون جزءاً من أي تحالف سياسي ، كما في الحالة اللبنانية أيضاً ، وكله في صحة الاعتدال والوسطية التي لا تنشر إلا بسياسة قيادة الخراف والماعز.. اللي همة احنا طبعاً..

أقبل الأزهر كدعاة وأئمة وكجامعة تعلم الناس وتثقفهم ، وتقدم خريجين سواء كانوا دعاةً وشيوخاً على المنابر ، أو أناساً درسوا العلم الدنيوي إلى جانب العلم الديني ، لتصل الثقافة المعتدلة المستنيرة لأكبر عدد ممكن من الناس ، لا أن تتحول إلى حزب سياسي أو قوة سياسية أو موجه لإرادة الجماهير دينياً و/أو دنيوياً.. أقبله كمؤسسة مستقلة فكرياً ومذهبياً تتبنى التدين السني المستقل الذي هو تدين أغلب أغلب أغلب المسلمين المصريين ، بعيداً عن تصريحات استعراض القوة السلفية الصوفية ، لا أقبلها مخترقة من هنا وهناك ، تلعب كرة السياسة ، أو تلعب بنا كرة السياسة..

هذا ما أراه صحيحاً..والله أعلم..

No comments: