Thursday, October 27, 2011

السؤال الثالث : ماذا نعرف فعلاً عن الأقباط؟

هم شركاؤنا في نفس الوطن ، الذين لا نعرف عنهم أي شيء!

بنفس المنطق الذي كتب عنه كاتب هذه السطور قبل فترة من الزمن ، منطق الصوبة الزجاجية إياه ، بدا وكأن هناك صوبة منصوبة حول المجتمع المسيحي في مصر ، صوبة ليست منصوبة من تلقاء نفسها ، وإنما هناك من اشترك في نصبها بالفعل المباشر أو بالاستفادة ، صوبة تحجب عنا مجتمعاً كاملاً يعتنق أفراده ديناً مختلفاً عما نعتنق نحن.. مجتمع فيه الصالح والطالح والاعتدال والتطرف والليبرالية والتزمت .. مكون من بشر من لحم ودم ، وحتى مع الوضع الخاص للمؤسسة الدينية المسيحية ليس هؤلاء كائنات دينية تمشي على الأرض..

بدأ الأمر - فيما أعي من هذه الدنيا على الأقل - في عهد النظام السابق ، واستمر بعد الثورة ، في البداية حول إعلام النظام السابق المجتمع المسيحي إلى تابو ، لا يجوز نقاشه ولا الاقتراب منه ، معتبراً أن كل الشأن المسيحي في مصر هو شأن ديني ، وكفى بذلك تابوهاً ، فنحن ، وهذا ليس خطأ بالمناسبة ، لا نحب مناقشة الأديان نفسها لما تجره تلك النوعية من المناقشات من سخافات وتطاول هنا وهناك بلا أدنى داع..

ولكن مع الوقت تكتشف أن المسألة ليست مسألة "النظام السابق" فحسب ، محاولة فرد الصوبة ، والعزل التام لجزء لا يتجزأ من هذا البلد عن باقي أهله ، جاء من داخل المجتمع المسيحي نفسه ، من مجموعة من المحرضين والمتطرفين لا تختلف كثيراً عن تلك التي لدينا ، وهي مستفيدة أولاً من ترسيخ فكرة أن "الأقباط أقلية" لدى الأقباط ، ثم أنهم "أقلية مهددة" تعيش في جزيرة يحيط بها "أعداؤها" من جميع الجهات ، لا خلاص لأهلها سوى التجمع حول "الدين" لا الوطن ، بالتالي تصبح كل معاملة محتملة بين هؤلاء و"باقي مصر" معرضة لأن تكون "طائفية" وبامتياز.. كما سبق التناول.. وانعكس ذلك طبعاً عزلة على كافة الأصعدة ما بين سياسة وأدب ورياضة وفن..

بل إن نفس تلك المجموعة من المحرضين وقفت وبشراسة ضد محاولات جاءت من داخل المجتمع المسيحي نفسه لتقديم المسيحيين كمواطنين مصريين عاديين ، كما حدث في واقعتي فيلم "بحب السيما" ومن بعدها "واحد صفر".. "بحب السيما" -مهما كان اتفاقنا أو اختلافنا مع منطقه ومع الشريط السينمائي- الذي جاء كسيرة ذاتية لمؤلفه الذي تناول نشأته في ظل أسرة متشددة ، أحدث صدمة في وقته أولاً لعدم اعتياد أن تكون الشخصية الرئيسية والعائلة التي ينتمي إليها الشخصيات الرئيسة في الفيلم مسيحية (رغم أن هذا حدث في فيلم "يوسف شاهين" الأهم "اسكندرية ليه" دون أن يثير ذلك ضجة) ، ولأن الأسرة التي قدمها الفيلم "محافظة لدرجة التشدد" مما اعتبره هؤلاء "إساءة للأقباط" ، دون فهم أن التشدد موجود في كل دين ، وأن الفيلم نفسه يتناول التشدد في كل دين (حتى أن مؤلف نفس الفيلم تناول نفس القضية من زاوية أخرى في "بالألوان الطبيعية") ، وأن كل مجتمع "فيه وفيه" ، بدليل أن هناك آلاف الأفلام تظهر مسلمين طيبين وأشراراً شرفاءً ومرتشين دون أن يعتبر أي مخلوق ذلك "تشويهاً للإسلام".. وتبقى للسادة المحرضين "دماغهم" وقناعاتهم التي يحاولون فرضها على المسيحيين وغير المسيحيين ، حتى عندما تناول فيلم مثل "واحد صفر"- لي عليه تحفظات فنية كبيرة وعنيفة - مشكلة "الزواج الثاني" للمسيحيين وهي مشكلة شائكة ولها جوانب دينية ، رفع السادة إياهم دعاوى تطالب بمنع عرضه ، في الوقت الذي فتح إعلام المال السياسي - أحد المتربحين من الفكر "الصوبي"- الموضوع للنقاش في فضائياته وصحفه!

من يريدون عزل المسيحيين عن باقي مصر ليسوا إلا مجرد وجه آخر للتطرف ، يقدمون تطرفاً لا يختلف عن ذلك الذي يطالب بإلقاء كل من لا يدين بدينه في البحر.. واستمرار هؤلاء في عزل المسيحيين عن باقي المجتمع المصري وفي فرد الصوبة وجعلها منصوبة يسهم في إشعال هذا البلد جنباً إلى جنب مع التطرف الآخر الذي يطالب بنفيهم من نفس البلد.. ليس فقط في تعميق حساسيات صنعها متطرفون هنا وهناك تؤدي إلى مصيبة هنا وكارثة هناك..كيف يتحول بالله عليكم بلد عبارة عن صوبات زجاجية إلى وطن يسع أهله أجمعين ، من كل جنس وملة ودين؟

2 comments:

ibn_abdel_aziz said...

طبعا شفت تاييد الكنيسة للكتلة المصرية علني
ثم رد المصريين الاحرار عليهم انه عيب وحرام وميصحش مع انه حيموت علي الكنيسة تايده
:)

المجتمع يزداد انعزالا بالفاعلين القدامي زي الكنيسة والتيارات الدينية

لكن اعتقد ان الاحداث اكبر منهما ..مصر تتحول الي شئ اخر ويبدو انه جيد جدا

والانتخابات اظهرت اول بادرة

ويجعله عامر
:)

قلم جاف said...

2-خطورة أن تستغل أي مؤسسة دينية - أياً كان الدين وأتحدث عن قاعدة عامة وليس إمساكاً للعصا من المنتصف- نفوذها ، أو دلالها الديني على المنتمين لدينها تتمثل- في أبسط صورها- في مزيد من العزلة عن باقي أفراد وسكان الوطن ، صحيح أنه - في حالتنا تلك - كان هناك بعض التمرد بدليل أننا رأينا أعضاءً على قلتهم في أحزاب سياسية من المسيحيين ، وبعضهم في أحزاب تتبنى تصوراً مدنياً للدولة (كأحزاب اليسار مع اختلافي الشديد معها) أو أحزاب ليبرالية (مثل "الوفد") ، لكن يبقى لذلك الدلال (لمن لا تعجبه كلمة "نفوذ") دوره في عزل المسيحيين عن المسلمين ، وهي العزلة التي دفع الوطن بكل من فيه ثمنها غالياً..


الكلام دة كتبه العبد لله قبل الانتخابات بخمس شهور ، وفيه قبل الكلام دة كلام تاني اتقال كتير عن التصويت المدين (=التصويت بتعليمات دينية) واللي ناس كتير جدا اعتبروه خيال علمي.. وأديه بيحصل..

اللي يقلق حاجتين .. أول حاجة إن المال السياسي طلع بيلعب دين ، فيه محللين اتكلموا علناً عن صراع "الدين" و"المال" في الانتخابات ، أو ما أسميه "صراع المال السياسي في مواجهة الدين السياسي".. قناع "الكتلة" الليبرالي سقط ، وقلنا إن طبقة رجال الأعمال زيها زي طبقة المثقفين ...

مجرد انعكاس طبيعي لبيئة الشارع بحسنها وقبحها ، وهناك رجال أعمال يتلفحون بالدين والطائفة لحماية مصالحهم ، ليتحولوا إلى تابو ، ويصبح انتقادهم أو تناول تصرفاتهم هو عداء معلن لهذا الدين أو ذاك ، رغم أنه طبقاً للدولة المدنية التي يحاول الجميع ومن ضمنهم هؤلاء إقناعنا بأنهم يؤمنون بها كل الناس سواسية أمام القانون بمن فيهم هم ، وهناك مجموعات من رجال الأعمال ، ومن الأحزاب السياسية ، الموجودة والجديدة ، من على استعداد للعب مع كل التيارات الدينية والمذهبية داخل المجتمع ، وخاصة بعد أن كونت تلك التيارات أحزاباً دينية صريحة ، أو دينية ضمنية ، وأصبحت هي الأخرى قوى سياسية تقوم بصفقات وتربيطات وتحالفات و..و...وأحلى وأظرف شيء أن تلك الأحزاب تتحدث طوال الوقت عن دولة مدنية ، وهي التي لم ترفض ، لا هي ولا رجال المال السياسي إياهم ، فكرة وجود حزب على أساس ديني من أساسه..

9 مايو برضه..

2-الحاجة التانية اللي خايف لتطلع صح ، إن رجال الأعمال إياهم عايزين يخطفوا دور المرجعية الدينية السياسية من رجال الدين .. وتصبح "زعامة الطائفة" الفعلية ليهم بصفتهم الفتوة بتاع الحتة بنفس منطق الفتوات عند "نجيب محفوظ".. و"الطائفة" هنا بتنطبق على أي طائفة في أي دين..

حاجة تانية .. بيشتغلنا أنصار "الدستور أولاً" بإنه لو اتعمل الدستور من كام شهر كانت خريطة الانتخابات حتختلف والأساليب حتختلف .. كلام فارغ ، لو اتعملت الانتخابات بدستور أو من غير دستور أو من غير أي حاجة الخريطة حتفضل هية هية ، علاقة المجموعات الدينية وقياداتها بالسياسة حتفضل هية هية من بعد الثورة ، وشكل المنافسة ما كانش حيختلف ..

الشيء اللي أختلف فيه معاك بصراحة هو "التحول إلى شيء آخر".. كان فيه فرصة للتحول لشيء آخر وأفضل لو كانت أحزاب الوسط "الوفد- الوسط- وغيرها" استغلت الفرصة وعملت دعاية صح وكانت حتقدم نفسها كبديل وسطي يخلص الناس من فكرة "الأهلي والزمالك" اللي شغالة في الانتخابات "التيارات الدينية والكتلة" وأهو كان حيعمل توازن في البرلمان بدل ما يستمر خداع الناس بالتصويت لـ"الكتلة" من أجل التوازن .. علشان يبقى برلمان فيه متطرفين من هنا ومتطرفين من هنا ونتفرج على المسلسل التركي الجديد بتاع الدستور!