Wednesday, October 12, 2011

قانون دور العبادة الموحد : على من نضحك؟

مقدمة: وقت أن كانت لواري الموت على الطرقات ، بسائقيها الذين هم - في الأغلب - من المبرشمين ومتعاطي الصنف ، تحصد أرواح المصريين حصداً ، ودون أن تنظر إلى خانة الديانة في بطاقاتهم ، ظهرت مجموعة من كتبة الأعمدة ، مع مجموعة ممن جعلوا النشاط السياسي سبوبة و"مرمة" وأكل عيش ، ليصرخوا في وجوهنا "القانون ليس الحل ، وإنما الحل يكمن في "الوعي" وتحسين السلوك"..وهم أنفسهم الآن ، الذين يغنون علينا - ودون النظر أيضاً إلى خانة الديانة- بفيلم هابط جديد ينظرون فيه لأن قانون دور العبادة الموحد سيكون الدواء الناجع لكل المشاكل الطائفية التي تعيشها مصر.. كلام مثير للشفقة أكثر منه للضحك..


أي قانون ذلك بحق الله سيؤتي ثماره وسيحل المشاكل كلها ، لا سحر ولا شعوذة ، في وقت أصبح لدينا فيه ، على اختلاف دياناتنا ، منذ ما يسمى بـ"الحراك السياسي" في منتصف العقد الماضي عداء لكل ما هو قانون ، واستخفاف به ، حتى وصل الأمر إلى أننا نعيش الآن ، ومنذ ما قبل الثورة كي أكون منصفاً وغير مجحف- أزهى هصور ما يسمى بـ "ثقب البالونة"-ذلك المصطلح الذي تحدث عنه "عمرو أديب" يوماً.. مصطلح يعني باختصار القدرة الفائقة والهائلة على تدمير أي قانون وإفراغه من محتواه بالتحايل والفهلوة وتفتيح المخ ، ليس فقط لتحقيق المصلحة ، بل كرهاً لفكرة القانون نفسها واعتبارها تقييداً له ولحركته ولمصالحه ، وخوفاً من أن يطبق عليه وعلى غيره .. ولهذا السبب ترى بعد كل مشكل طائفي عدداً من متطرفي الجانبين يتحدثون عن حتمية تطبيق القانون -القانون عموماً وليس قانون "دور العبادة..الخ" ، رغم أن القانون لو طبق بحذافيره لن يعدم كل منهم وسيلة للتحايل عليه وحشد الناس ضده في الميديا وغير الميديا.. باب الأذى واسع؟

حقيقة كهذه لا تقنع "المستنشطين" ولا "الكتبة" ، الذين يتمادون في استخفافهم الفاضح بالعقل بالترويج لفرضية أن السماح ببناء دور العبادة بلا قيود باستثناء قيود القانون المذكور ستحتوي بنسبة كبيرة التوتر الطائفي الذي تشهده بلادنا .. هذا على أساس أنه طبعاً من الممكن أن تحل مشكلاً دون أن تحاول علاج أسبابه ، ودون أن تعرف أسبابها وتحددها أساساً!

كفانا استعباطاً.. هناك تطرف على الجانبين ، أكررها بدل المرة ألف ، ليس إمساكاً للعصا من المنتصف ولكن إقراراً لواقع نستدل بما يحدث من حولنا على وجوده ، والمؤسستان الدينيتان ، سواء الأزهر أو الكنيسة لا تقومان بأي دور كان في مقاومته ..

الأزهر دخل عالم السياسة ، شئنا أم أبينا ، وحبايبنا الحلوين من الكتاب إياهم يهللون لعودة "دور الأزهر" ، دون أن نرى في مقالاتهم تلك إشارة واضحة ومحددة لماهية هذا الدور بعيداً عن "حماية الاعتدال والوسطية و..و.." (يعني بيكلمونا نص ساعة دش دش على حاجة مش عارفينها وهمة نفسهم مش عارفينها..هيس هيس حتبقى كويس) ، بشكل يجعل كل من لم يكن يشك في أن هؤلاء الكتاب يريدون أن يلعب الأزهر سياسة يتحول إلى دبوس يشك في كل ما يقابله.. لا أن يلعب (="الأزهر") دوراً دينياً دعوياً ثقافياً في مواجهة التطرف أيا كان اتجاهه ، سلفياً متشدداً أو صوفياً متشدداً أو شيعياً متشدداً ..أو أن يطلب شيخه وعلماؤه الأجلاء من قيادات تلك الفرق ألا يمارسوا السياسة من تحت عباءة الفرقة ، إذا كنا نمارس عباداتنا من تحت عباءة الدين لا الفرقة ، فكيف نمارس الدنيا من عباءة الفرقة؟ لكن ما حدث هو أن المؤسسة العريقة دخلت ملعب السياسة ، بشكل أو بآخر ، وأصحابنا إياهم (الذين يدعون كذباً أنهم أنصار الدولة المدنية) يهللون من بعد "الوثيقة" لعودة الأزهر إلى دوره ، أو بمعنى أصح لسقوطه في فخ أن يكون قيادة موجهة دينياً وسياسياً للمسلمين في مصر ، لعبة حاول النظام السابق لعبها ، ويحاول المال السياسي لعبها الآن بشكل أكثر سفالة ، بما أنه يهمه أنه إذا حكم مصر - لا قدر الله - أن يحولها إلى ما يشبه لبنان ، دولة يحكمها عدد من الأشخاص لا يتجاوز عددهم فريق كرة قدم ، نصفهم من رجال الدين ، ما بين مفتي للسنة ومرجعية للشيعة وبطريرك وشخصيات سياسية لها "دلال" ديني.. والعبي يا ألعاب..

أما الكنيسة فهي الأخرى لا تلعب دورها المنوط بها في إيقاف التطرف المقابل في دائرتها ، ولكي لا ندفن رءوسنا في الرمال أكثر هناك تطرف على الجانب المسيحي لم يعد من العقل إنكاره ، وهناك متطرفون بعضهم رجال دين وبعضهم ساسة ورجال أعمال يتربحون باسم الدين ، نجحوا في أن يصلوا لشرائح واسعة من المسيحيين يعيشون جنباً إلى جنب مع مسلمين في أماكن لم تصلها من قبل دولة ولا تنمية ولا قانون، يحولونهم كما يحول المتطرفون في أي دين ، إلى قطع شطرنج يحركونها كما يريدون ، والأسوأ هو حرص هؤلاء على وضع الوسط المسيحي كله في صوبة زجاجية كبيرة تفصله عن باقي الوطن ، كما سأعرض في تدوينة قادمة بإذن الله.. وللأسف ليست هي بمنأى عن لعبة التوازنات سالفة الذكر .. التي بدأت في العهد المباركي وتؤكد الشواهد استمرارها على الجانبين المسلم والمسيحي على حد سواء.. في يد قوة تبحث عن شرعية الدين لحماية المال ، خلفاً لقوة بحثت عن شرعية الدين لحماية الكرسي..

ما دام التشدد الفكري كما هو ، ما هي جدوى القانون وكل قانون؟ ما دامت ثقافة القانون غائبة ، ما هي جدوى القانون وأي قانون؟ وما دمت سترفض حكم القانون إذا ما صب في غير مصلحتك ، فما هي جدوى القانون وأي قانون؟

بدون زعل ، أنصح هؤلاء المستنشطين والكتاب أن يلعبوا في مكان ، ومنطقة بعيدين عن المكان والمنطقة الملتهبة التي تزداد التهاباً واشتعالاً واحتقاناً لأن البعض يرى المشكلة صغيرة فقرر أن يتركها حتى تكبر.. دمتم بخير وربنا يستر..
* بالمناسبة ، التشريع اقتصر على "بناء دور العبادة" فقط ، ولم يتطرق إلى تجريم استغلالها أو استغلال منابرها في الدعاية السياسية ، فكروا فيها..

No comments: